لا يختلف اثنان على أن تردي الحالة الاقتصادية والسياسة بمظاهرها المختلفة من أوجه المعاناة ، فضلا عن فقر الخطاب السياسي سواء على المستوى الرسمي أو على مستوى منظومة الأحزاب والحركات والمجموعات التي تدور في فلك الحزب الحاكم إنما هي نتاج حتمي للفشل المزمن الذي خلف حالة الياس والقنوط وموت الأحلام التي دفعت بعقول كثيرة وخبرات مقدرة وقطاعات واسعة من الشباب إلى مغادرة البلاد كرها وتركها للأسف لقمة سائغة للتخبط والفساد وسوء السياسات بحصادها المر. وطوال سبعة وعشرين عاما لم يكن من هم للحزب الحاكم ونظامه المتمكن بسلطة الأمن المطلقة غير إضعاف ومضايقة وتمزيق القوى السياسية الوطنية التي استعصت عليه حتى تمكن من خلال سبل الترهيب والترغيب من تدجين معظمها لتصبح مقطورة له والتضييق بالاستهداف والتمزيق والإفقار لكل من قاوم وظل ممسكا على جمر المطالبة بالحريات الأساسية ودولة القانون والديمقراطية . ولم تكفي هذه السنوات نظام الإنقاذ لفرض هيمنه على السلطة والانفراد بها دون غيره وبسط قبضته على البلاد رغم الفشل المتراكم والفرص الضائعة والأموال العامة المستباحة والموارد المهدرة والحصار المعنوي والسياسي الذي فرضه على البلاد بسوء سياساته ونهجه الخاطئ بشهادة عدد كبير من قياداته السابقة وكوادره التي ابتعدت عنه لأسباب كثيرة خاصة وعامة. ولعل أكبر دليل على ذلك الفشل وإدمان السلطة وتكريس قبضة الدولة الأمنية لحماية مصالح المستفيدين مشروع التعديلات الدستورية الذي يفرغ كل ما يقال عن مخرجات الحوار الوطني من محتواها ومقاصدها على علاتها ونقصانها لتبقى السلطة مسخا مشوها وتبقى هيمنة الأمن ممسكة بتلابيب الحريات الأساسية وحرية الصحافة وحرية العمل السياسي . أما أحزاب ما يسمى بحوار قاعة الصداقة فكان آخر ما هو مطلوب منها حسبما أعلن هو تفويض الرئيس ليفعل ما يريد وينفذ تلك المخرجات بما يراه ويناسبه بما فيها حزب المؤتمر الشعبي الذي لعب دورا جوهريا بما قدمه من مقترحات بشأن التعديلات الدستورية في صرف الأنظار عن قضية الحريات الأساسية وشغل بعض دوائر الهوس بقضية انصرافيه وهي معلومة بالضرورة وهي كيفية عقد الزواج وحضور الولي من عدمه وليس تمسكه في حق المواطنين في الحرية ودولة القانون والمؤسسات ووقف التجاوزات الأمنية بتعطيل القوانين المقيدة للحريات وغيرها مما ينبغي أن يضمنه أي دستور ديمقراطي . وبالطبع ليست العبرة بوضع الدستور ولكن العبرة بتطبيقه على أرض الواقع فدستور عام 2005 يحمل الكثير من الحقوق الديمقراطية لكنه عطل بالقوانين المقيدة للحريات واصبح مرتعا لمشروعات التعديلات كل ما احتاج النظام لنصوص لتغطية سياساته التي تروق له . فحتى لو تم الإبقاء والاتفاق على استمرار دستور 2005 ما لذي سيضمن تنفيذه على أرض الواقع في الوقت الذي لاتزال الدولة الأمنية تعلن عن تمسكها وإصرارها على إبقاء صلاحيات الأجهزة الأمنية المطلقة تحت شعار متطلبات الأمن وتجد من يؤيدها في ذلك من منظومتها الحزبية المساندة . ومع تضاؤل حلم قيام دولة المؤسسات السودانية التي تقوم عل سيادة القانون وتلاشي أي أمل في التغيير عبر ما يسمى بمخرجات الحوار بعد تحويلها إلى نصوص مبهمة لا تثمن ولا تغني من جوع إلى أين ستمضي الحالة السودانية بين معارضة مقصورة في خيامها وحكومة تنتظر الاحسان وعين الرضا من دونالد ترمب .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة