كرس اهل الشمال فكرة التمكين الأسري والقبلي منذ الاستقلال، وربما قبله، الآن أدركت الإثنيات الأخرى هذه الحقيقة، وبدأت تطالب بحقوقها عبر الضغط الجماهيري كما في الشرق، وعبر السلاح كما كان في الجنوب القديم والآن في الجنوب الجديد وفي الغرب. في المنتصف سيقسط أصحاب الهويات الضائعة، من الأقليات أو المتهمين في أصالتهم، وسينتعش صراع الحواكير، والغريب والأصيل، والضيف والمستضيف، والأبيض والاسود والرمادي،..الخ. كرس الشمال لكل واقعنا الراهن عن جهالة أورثها لهم فهمهم الفلاحي البدائي، والذي لم يستطع التعليم إزالته. واليوم يتباكون على أنفسهم من يقظة الآخرين، ولا زالوا ينتهجون نفس النهج القديم، نهج المسرحيات ضعيفة التأليف والإخراج والتمثيل، كمسرحية درع الشمال ومليشيات الصوارمي وغيرهم، ليحتفظوا بسيطرتهم على المال والسلطة وسيف القانون. لكن هذه المسرحيات ربما لم تعد صالحة للعرض اليوم، كما أن المناداة بالفدرالية وتطبيقها المزيف كما حدث إبان حكم الكيزان لخداع الآخرين لم تعد تنطلي على أحد. لا بد من إعادة بناء الدولة من الصفر، وتوزيع السلطات وتوزيع الثروات على أصحابها الحقيقيين، حتى لو تطلب ذلك نزع ملايين الدولارات من لصوص الشمال الذين يتحكمون في كل صادر ووارد من البنزين وحتى الصابون. نزع هذه الملايين وإعادة توزيعها بعد عمليات تحقيق ومحاسبة مالية وقانونية دقيقة. كما يجب تتبع الأموال التي تم إخراجها إلى دول الملاذات الآمنة كمدغشقر وجزر الكاريبي والإمارات وخلافه. لا بد من تصفير العداد، وإعادة هيكلة كل مؤسسات الدولة من امن وجيش وشرطة ووزارات وهيئات ومجالس، لتتشكل من كل الهويات، بعد سن قوانين واضحة في هذا الشأن. مثلت إتفاقية جوبا نقطة بداية ليست سيئة رغم محاولات الشماليين عبر الجيش من منع قيادات الحركات من الحصول على صلاحيات مقننة بمراسيم دستورية على الأقل، ولذلك فهذه القيادات غير قادرة على إعادة بناء مناطقها، فالبلف كله في المركز. ويتبع ذلك هجوم إعلامي يتجاهل تلك الحقائق ويصور قيادات الحركات كقيادات فاشلة في خدمة أهلهم. رغم أنهم يعلمون، أنه لكي تستثمر شركة سعودية في النيل الازرق او كردفان او بورتسودان أو كردفان، فإنها لن تستطيع ذلك إلا عبر المركز، حيث يتم عرقلتها باستمرار لإفشال قيادات الهامش في أداء مهامهم والظهور بمظهر الناجحين. لكن يبدو أن قيادات الهامش تلوك الصبر، إلى حين تقنين وضع تلك الأقاليم. مع ذلك فلا أتوقع أن يتم ذلك ولا خلال الخمس سنوات القادمة لأن الجيش الذي يمثل الشمال لا يريد ذلك، ويتحايل على حسم الفوضى عندما يقوم كل مرة بالتفاوض مع قحط لتهديد الهامش، ثم الوسوسة للهامش لتخاف قحط. وهي لعبة سخيفة ومكشوفة. وإذا لم يحسم الجيش موقفه فسيجد الجميع وقد فقدوا الثقة فيه ليبقى وحيداً في النقعة.. أعود وأقول، بأن كل ذلك ليس إيجابياً، فالحركات الموقعة على جوبا حتى الآن لا تحاول الانفتاح مع غيرها من الإثنيات والتفاوض معهم لبناء كتلة تمثل جميع المهمشين كما فعل جون قرنق سابقاً، وأعتقد أن السبب في ذلك هو الصراعات الإثنية الداخلية العميقة من جهة وخوفهم على مكتسباتهم المحدودة من جهة ثانية. لذلك هناك هويات ستضيع في الرجلين إن لم تتحرك في أقرب وقت لتتحد في أجسام لها ثقلها التفاوضي لضمان حقوقها عند تقسيم تركة السودان القديم الهالك في المستقبل وبناء السودان الجديد كما أسماه جون قرنق وردده البرهان من بعد موت الأول بسبعة عشر عاماً.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق November, 14 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة