في انتفاضته الهادرة بقاعدتي حطّاب والمرخيات العسكريتين، حذّر القائد الأعلى للقوات المسلحة السياسيين من المساس بالجيش، ونسي أنه كان رئيساً لحزب المؤتمر الوطني في محلية نيرتتي بشرق جبل مرة – حسب ما جاء على لسان الدكتور أمين حسن عمر القيادي البارز بالحزب، في إحدى لقاءاته التلفزيونية، هذا فضلاً عن التاريخ المشهود للاسلاميين وقيامهم بعمليات تجريف كاملة استهدفت المؤسسة العسكرية من رأسها حتى قدميها، من منا لم يشهد مخرجات ما كانوا يطلقون عليه (أسلمة الجيش)؟ و ما تبع ذلك من تغيير كامل وشامل لشخصية الجندي السوداني، من اعفاء للحى وإسدال للكروش، حتى لعن بعض الضباط الأوفياء اليوم الذي أشرقت فيه شمس الجبهة الاسلامية. يا سعادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، أنتم من سيّس الجيش، نعم أنتم من حصر دخول الكلية الحربية على منسوبي الجبهة الاسلامية – المؤتمر الوطني، ولا يحق لأي ضابط يوالي هذا الحزب أن يحاضر الناس في مهنية هذه المؤسسة القتالية المحترفة التي شهد لها الأعداء قبل الأصدقاء، فانتفاضتك هذه وإن جاءت صادقة كردة فعل للرهبة والرعشة التي أصابتك جراء خبائث ومكائد محسوبيك الذين خططوا للاطاحة بك، إلّا أن الوقت قد بات غير مسعف لك لإصلاح ما أفسده دهر منظومتكم البائدة. لو كانت المؤسسة العسكرية مستقلة ومحايدة لما فرّخت من صلبها ثلاثة انقلابات عسكرية وأدت على إثرها ثلاث تجارب ديمقراطية في مهدها، وأكثر من عشرة انقلابات فاشلة تسببت في اعدام عدد لا يستهان به من خيرة ابناء الوطن، فالاصلاح المؤسسي يبدأ بالتنظيف الفعلي لهذا الصرح من كل الضباط وضباط الصف الذين ينتمون للتيارات الاسلامية والأحزاب الأخرى إن وجدت، وإعادة المفصولين لأسباب جهوية وكيدية، وإرجاء أي ترتيبات أمنية معنية بعمليات الدمج والتسريح للمليشيات القبلية والحركية المسلحة، لما بعد مؤتمر السلام الشامل الذي يجب أن يعقد بحضور كل من رفع السلاح في وجه الدولة، واتباع نظام الكوتة في استيعاب الطلاب المقبولين حديثاُ بالكليات العسكرية والشرطية والأمنية، بحيث يكون لأقاليم الشرق والشمال والوسط ودارفور وكردفان حصص متوازنة في حصول ابناءها على فرص الدخول لهذه الكليات، وقبل هذا واجب على الإصلاحيين أن يصلحوا العقيدة القتالية للجيش الذي صار ذراعاً من أذرع الاخوان المسلمين يدين بالولاء المطلق لهم، فما يجب أن يبقى هو ولاء الجندي لهذه الأرض التي لنا جميعاً، فلا يميل لحزب ولا فئة ولا جهة ولا عرق أو قبيلة، فالإصلاح ليس خطاباً عاطفياً يستثار ولا نزوة مرحلية تمهد للحصول على الزخم السياسي الذي يبقي الفرد على الكرسي. والحديث الغاضب للسيد قائد الجيش حول الأيادي الساعية لتفكيك الجيش ليس له ما يبرره، لأن التفكيك الفعلي قد تم قبل أكثر من ثلاثين سنة حينما سمحوا لأنفسهم كضباط إسلاميين لأن ينحروا المؤسسة العسكرية بإدخال منهج الاخوان المسلمين في عقل كل من ولج باب القيادة العامة، فمنذ تلك اللحظات تكاثر الضباط الحاملين للواء الحزب واضمحل وجود الضابط المهني، واصبحت سنة من سنن ذلك الزمان الكيزاني أن يخضع القائد العسكري لمحاسبة ومراقبة المدني (الملكي) الاخواني صاحب اللحية الممتدة، من هناك بدأت مسيرة تفكيك هذه المؤسسة الوطنية السيادية، فمهمة الإصلاح قد صعبت بعد انقلاب حزب الجبهة الاسلامية على السلطة الشرعية، وبعد التمكين الحزبي الأيدلوجي الذي ضرب كل مناحي الحياة، ولو كان السيد القائد الأعلى للقوات المسلحة صادقاً لقام باستئصال الكادر الاخواني من المؤسسة العسكرية مباشرة بعد توليه رئاسة المجلس السيادي عقب إسقاط سلفه البشير، لكنه أخطأ الطريق المستقيم بالتماهي مع المنظومة (البائدة) وحاد عن طريق الثورة الديسمبرية المجيدة، التي تعتبر المخرج الآمن الأوحد له ولزمرته من الضباط الذين تذوقوا طعم كعكة السلطة للوهلة الأولى بعد أن أسقط الثوار هُبَل الحكم الاخواني – الدكتاتور عمر البشير، فآثروا البقاء على الكرسي.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة