مليونية الحادي والعشرين من مارس ٢٠٢٣م المطالبة بإسقاط النظام و عودة العسكر للثكنات وحل الجنجويد ، والمتمسكة بشعارات الثورة المبنية على الحرية و السلام و العدالة ، وباللاءات الثلاث الرافضة لاعطاء الشرعية للجنة الأمنية للانقاذ ، وللتفاوض او الشراكة معها ، جاءت ردا على احاطة فولكر لمجلس الامن ، والتي اكدت بانه ينظر بأوهام نرجسية لعمليته السياسية المعاقة ، حيث أوهم مجلس الأمن بأن الإتفاق الإطاري شاركت فيه قوى مدنية واسعة ، و لم يذكر الشارع الارادة إلا في أواخر الحديث عن عمليته السياسية ، ليصف الحراك بالاستمرار مع تراجع الاعداد والوتيرة. و القصد من ذلك إعطاء إنطباع بأن عمليته السياسية هي الأصل ، وأن الشارع أمر تابع لها ، قياسه الكمي يؤكد التراجع وعدم التاثير في صناعة الحدث السياسي. وبالطبع تجاهل تجاهلا تاما التغيرات النوعية داخل الحراك نفسه و بدء إلتحام الجماهير به، و النقلة الكبيرة في الحركة النقابية التي بدأت قواعدها في تكوين نقاباتها الفئوية ، وهذا ليس مصادفة بل أمر متعمد ، لتمرير مشروع التسوية وشراكة الدم الجديدة. والسؤال الجدي لفولكر هو من هي هذه المجموعات المدنية الواسعة المشاركة في الإتفاق الإطاري ،وما هو الغرض من تكوين لجنة لمناقشة القوى غير الموقعة عليه في هذه الحالة ، وما هي علاقة إتفاقه الإطاري بالمهمة التي كلفت بها بعثته أي دعم الديمقراطية ؟ الشاهد هو ان إتفاقه الإطاري كإتفاقه النهائي المزمع توقيعه تحت عصا القوى الاستعمارية وجذرة اعفاء الديون الخارجية ، يؤطر محاولات تصفية الثورة وإعاقة الانتقال والتحول الديمقراطي. فجوهر اتفاقه الإطاري الذي سيصبح نهائيا هو ما يلي: ١- اجهاض شعار الحرية ، بتعويمه الانقلاب العسكري ومنع محاسبة من قاموا بتنفيذه ومن دعموه ، والتاسيس لافلاتهم من العقاب ، بل ومكافاتهم بجعلهم شركاء اصيلين في اتفاقيه الاطاري والنهائي. و لا نظن بأن تعويم الانقلابات يؤسس لحرية او انتقال و تحول ديمقراطي. ٢- اجهاض شعار الثورة الخاص بالسلام ، لإعتماد الاتفاقين محاصصة جوبا على أساس انها اتفاقية سلام ، برغم ثبوت انها من المستحيل ان تجلب سلاما ، و ان الحركات المسلحة الموقعة لهذه الاتفاقية ، معادية للشعب السوداني و لرغبته في الإنتقال والتحول الديمقراطي ، حيث دعمت هذه الحركات الانقلاب و مازالت تشارك في مؤسساته. ٣- اجهاض شعار الثورة المتعلق بالعدالة ، بالحديث عن عدالة انتقالية مستحيلة ، لان العدالة الانتقالية تشترط وجود انتقال ، و لا يمكن ان يحدث انتقال في ظل تحكم اللجنة الأمنية لنظام الانقاذ في اجهزة استخدام العنف ، وإخراجها من سلطة الحكومة المدنية المزعومة ، بحيث تحكم هذه اللجنة بغطاء مدني مزيف بإسم مجلس الامن و الدفاع او المجلس الأعلى للقوات المسلحة ، و يبقى جهاز امن الانقاذ بكامله متحكما في امن البلاد ، و تبقى مليشيا الجنجويد مشرعنة وقد تدمج في الجيش لتخل بمهنيته وتحوله لمليشيا قبلية او جهوية. ففي غياب الإنتقال ، يصبح الحديث عن عدالة انتقالية مجرد استهبال سياسي ، لأن جميع عناصر العدالة الانتقالية ، يصبح تطبيقها متعذرا لما يلي: أ. العدالة الانتقالية تشترط الملاحقة الجنائية و المساءلة عن الجرائم الخطيرة التي ارتكبتها الدولة و مسئوليها تجاه المواطنين ، و هي ملاحقة لا يجوز اعفاء المعنيين فيها عن الجرائم ضد الانسانية ، والحديث عن العفو يقتصر على العقوبة التي تاتي مرحلتها بعد الادانة ، وهذا الشرط يستحيل تحقيقه الآن لأن المجرمين شركاء في الإتفاق الإطاري و النهائي و لا يتصور ان تتم ملاحقتهم وهم تم اعفاءهم من جريمة الإنقلاب وسمح لهم بالسيطرة على اجهزة ممارسة العنف و الانفراد في التحكم بها. ب. لا يتصور من المجرمين المتحكمين في السلطة و اجهزة قمعها ، ان يتقدموا لقول الحقيقة و المصارحة بالجرائم المرتكبة كفض اعتصام القيادة او قتل الشهداء بعد الإنقلاب الاخير ، ولا ان يطلبوا الصفح و العفو من اهالي الضحايا. و بهذا يسقط العنصر الثاني من عناصر العدالة الانتقالية. ج. كذلك يسقط عنصر جبر الضرر ، لان جبر الضرر يتصل بإزالة آثار الجرائم المادية و غير المادية ، و هذا لا يمكن ان يتحقق بالتعويض المالي فقط، بل يتكامل مع الملاحقة الجنائية و الحقيقة و المصارحة ، لتضميد الجراح و جبر الضرر النفسي أيضاً. د. و الادهى و الأمر مما تقدم ، هو استحالة تحقق العنصر الرابع للعدالة الانتقالية هو منع ارتكاب مثل هذه الجرائم لاحقاً والحيلولة دونها و دون تكرارها، وذلك بتجريد المجرمين من ادوات الجريمة و من كل مايمكنهم من ارتكابها ، وتحديداً يجب تجريدهم من السلطة. والإتفاق النهائي وقبله الإطاري سوف يترك الاجهزة الامنية والعسكرية التي ارتكبت بها العصابة الحاكمة الجرائم ، تحت قيادتها و سيطرتها الكاملة ، مما يعني حتمية استمرارها في ارتكاب الجرائم ، بنفس الطريقة التي واصلت فيها قتل المتظاهرين السلميين ايام حكومات د. حمدوك. وخلاصة الأمر هي ان عملية فولكر السياسية المعاقة ، و التي تتعرض الى نيران صديقة من بعض الحركات المسلحة الداعمة للانقلاب و الموقعة لاتفاق محاصصة جوبا ، مرفوضة من الشارع السياسي الثائر ، الذي يعلم مآلاتها كعلمه أنها ستفرض مثلما فرض الإنقلاب الحالي نفسه ، ومصيرها السقوط والفشل لا محالة ، لان إرادة الشعوب غلابة. وقوموا الى ثورتكم يرحمكم الله!!
د.احمد عثمان عمر ٢٢/٣/٢٠٢٣
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق March, 15 2023
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة