كان أجمل فنجان قهوة شربته في حياتي. في زقاق واسع من أزقة اصطنبول، وفي انتظار صديق جلست على مقهى. المقاعد والطاولات في الشارع أمامه.. جاء صاحب المقهى بنفسه، ويبدو أنه لم يكن معه صبي. سألني ماذا تطلب؟ قلت قهوة.. سألني أي نوع قبل أن يعدد أنواعها فطلبت قهوة تركي وانا لا أعرف ما الفرق أساساً..لقد أجبته كيفما اتفق لي. الزقاق أمامي رطب بمياه الخريف شارع أسود ولامع، الغمامات تحجب الشمس، والأشجار داكنة خضرة الأوراق، وسواد الأغصان والسيقان، وهي موزعة هنا وهناك.. الفتيات الجميلات، المرحات. جاءني بالفنجان.. كان هذا العالم مختلفاً تماماً، كان نظيفاً أكثر مما ينبغي، جميلاً حتى كأنه لوحة من لوحات فناني عصر النهضة. كنت اعتقد -فيما مضى- بأن المشاهد التي نراها في التلفزيون قد تم تزيينها بمؤثرات ومرشحات عدسات الكميرا، لكنني اكتشفت أن هذا حقيقي تماماً. عالم مجسم الأبعاد.. لا أتربة ولا قاذورات ولا خيران مليئة بالقمامة، لا كائنات بائسة، في الواقع؛ لقد شعرت بأنني داخل فيلم كرتون. لم أتحمل ذلك.. فقررت العودة.. وقال أحد العاملين في المطار بدهشة: - الجابك شنو؟!.. جئت لاجلس مع بائعات الشاي، كأي رمتالي، ومن حولي القاذورات والأتربة، والبشر البائسون من العواطلجية والشحاذين وأحاديثهم التلفونية المليئة بالأكاذيب والمتمحورة حول البحث عن رزق اليوم باليوم والتجار الجلابة أصحاب الكروش والعمائم والنظرات الجهولة فارغة المعنى.. كان ذلك قبل سنوات بعيدة.. تأكدت فيها أن الاعتياد على القبح يجعله جميلاً.. وقد كان.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق 02/28/2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة