بالامس تم إسدال الستار علي قضية الشهيد عبد المنعم رحمة، من ابناء مدينة مدني، و الحكم بإعدام ضابط الامن الذي قام بتعذيبه حتي الموت، بمباني الجهاز بمدينة الحصاحيصا، في سبتمبر 1994.
من هنا ادعو الكتاب، و الفنانيين، و الادباء، و المبدعين، ان تكون هذه القضية نص ادبي، درامي يحكي للعالم، و الاجيال القادمة عن حقيقة المشروع الحضاري، حيث اسوأ ممارسة دولة في التاريخ الحديث.
قبل اسابيع زرت متحف الشمع في مدينة قولد كوست الاسترالية، حيث قسم خاص يؤرخ لأبشع الحِقب في التاريخ البشري في التعذيب..
قسماً بالله كل ما شاهدته في المتحف هو حاضراً في دولة المشروع الحضاري من خوازيق في الادبار، مسامير تُدق في الرؤس، اهوال بيوت الاشباح التي لا يزال ضحاياها تجري في عروقهم الدماء.
كانت كل مجموعة عبارة عن عشرة زوار معهم مرشد، جزء لم يتحمل فقطع الجولة، و خرجوا، و آخرين ينتحبون بالبكاء، و الدموع، اما انا فوجدت نفسي في صمت رهيب، كنت استجمع قواي لأقول لهم في نهاية الجولة نعم كل ما شاهدتموه جرت احداثه في عصور مظلمة من التاريخ البشري السحيق، عصور لم تعرف الإنسانية بعد، فكل ما شاهتموه في بلدي حقيقةً رأي العين، و الشهود علي ذلك احياء، و انا امامكم بشحمي، و لحمي شاهد عيان.
خرجت بصمتي الذي يحكي حسرتي، حيث يبكون علي تاريخ، و ضحايا لم، و لن يسمعون بكائهم، و نحيبهم، اما ضحايا بلادي صرخاتهم تسمع الجميع، اما من رحلوا فجثامينهم متعفنة في المشارح، و الحاويات، و الدماء لم تجف بعد.
منعتني ذلك تجربة في الكلية التي ادرس بها في الولايات المتحدة، ايام الثورة، فوقفت امام جمع من الطلاب، و المعلمين، و إستعرضت لهم جزء من مآسي النظام، و البطش في الشوارع، و صور الشهداء، و بشاعة دماءهم..الكل احتضنني، و الدموع منهمرة شلالات، همست في اذني إحداهن، كيف صمتم لثلاثة عقود؟
إستمعت لشهادة من حضروا جلسات المحكمة، فصُدمت من هول المصيبة، نعم زرت بيوت الاشباح، مرات عديدة، و شاهدت اصناف من العذاب، و الالم، فكل ما شاهدته إعتبرته نزهة بعد سماعي من اهوال.
الحكاية تبدأ بيوم أعتقال الشهيد، مروراً بتفاصيل اسرته، فالامر لم ينتهي بالنسبة لهم بموت إبنهم، فبعد موته بدأوا رحلة من العذاب لابد ان تُدون لتكون نصاً تتوارثه الاجيال.
لم يختصر الامر علي اسرة الشهيد فالشاهد عبد الحكيم رفيق الشهيد الذي تم إعتقاله مع الشهيد، عاش كل حياته تحت سطوة الخوف، و التهديد، حيث تم اخذ رضيعته عند الولادة، و لم يراها، او يعرف عنها شيئ إلا بعد سقوط النظام، و قد صارت فتاة تجاوزت عقدها الثاني.
نعم أخذت رضيعته امام عينيه، و مضى علي إقراراً بعدم فتح الموضوع او السؤال عنها.
نعم جانب آخر من القضية حيث اسرة عاشت حياتها تحت وطأة الحرمان من فلذة كبدها، فظل الغُبن ينخر في احشائهم، و غياب العدالة، في بلد يتدثر بثوب الدين، و العِفة، و الاخلاق كذباً.
جانب آخر، و ما ادراك ما الفتاة التي عاشت حياة ثانية في عالم لتكتشف انها نزيلة به بالإكراه، فغابت لربع قرن من الزمان عن حياتها، و اسرتها، و اهلها.
فعلاً نحتاج لكُتاب، و ادباء، و مبدعين، للوقوف علي كل تفاصيل هذه القضية، و كل الاطراف، حياتهم، و عذاباتهم، و تفاصيلهم للتوثيق لقضية لخصت المشروع الحضاري، الجهنمي.
نعم في رصيدنا حكم في قضية الشهيد احمد الخير، الذي مات تحت التعذيب، و بأبشع صوره حيث مات بخازوق في دُبره.
و بالامس صدر حكم بإعدام رجل الامن الشهير بأبجيقة في قضية مقتل الشهيد حسن محمد عمر، برصاصة مباشرة.
بالعدالة فقط نضع لبنات الدولة التي نريد.
كل تفاصيل الثورة، و التغيير، و الإنتقال مرتبطة بالعدالة الإنتقالية بشكل مباشر.
اولها تحديد الجرائم، و الأعلان عنها، ثانيها المحاسبة، و ثالثها إعتذار الدولة الي الضحايا، و اسرهم، و جبر الضرر، و رابعها إصلاح المؤسسات لضمان عدم تكرار التجاوزات، و الإنتهاكات.
مهم جداً..
لا يزال الشاهد عبد الحكيم يتعرض للتهديد، كما ذَكر في المحكمة، فلابد من وقفة لمساعدته، و تأمين حياته، و حياة اسرته..
كسرة..
تألمنا كثيراً حين تم وصف العدالة الإنتقالية بالملف، و و ضع ضمن المواضيع المؤجلة، فالسياسة كانت الاهم، و الاولى في المقدمة، لأنها تُعتبر الطريق الي التسويات، و هروب المجرمين، من جرائمهم.
يا قوم العدالة الإنتقالية هي الثورة..
موضوع تأجيل امر العدالة الأنتقالية كملف، كما يسمون، لسان حالهم يقول : “ اجلوا ملف الثورة حتي نكمل العملية السياسية..
كسرة، و نص..
آلاف الضحايا ينتظرون العدالة..
كسرة و تلاتة ارباع..
اعتقد بعد تفاصيل قضية الشهيد رحمة علي كل كوز لو به ذرة من ريحة الإسلام ان يتوب الي الله، و يغتسل سبعاً إحداهن بالتراب، لأن الجريمة أُرتكبت بإسم الدفاع عن المشروع الحضاري، الذي كان المصحف رايته، و الدين رداءه، و الله غايته، و الجهاد سبيله.
الدولة الرسالية بها وظيفة مُغتصب، يا قوم..آي والله زول بطلع من بيته، و عياله، من الصباح ماشي وين، ماشي الشغل، جاي من وين جاي من الشغل..
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق January, 23 2023
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة