منذ أن تسلم إسماعيل الأزهري رئاسة الوزارة بدأت شخصية السودان تتبلور وتأخذ مكانها كدولة في نفوس أبناء الشعب، وبالرغم من أن الحزب الوطني الاتحادي كان ينادي بوحدة وادي النيل إلا أنه عندما تولى الحكم أصبح يشعر بالمسؤولية الملقاة على عاتقه نحو إيجاد وطن مستقل، وكانت الصعوبات التي تواجه وحدة وادي النيل متعددة أهمها موقف حزب الأمة الذي كان ينادي بالاستقلال، ولقد ظهرت خطورة هذا الحزب من ناحية المعارضة في موضعين: الأول أن عدد أصوات الاستقلاليين في البلاد عامة كانت تفوق أصوات الاتحاديين في الانتخابات بالرغم من أن الاتحاديين إكتسحوا الدوائر، أما الموضع الثاني فهو المعارضة من جماهير الاستقلاليين الانصار من حزب الأمة الذين تجمعوا في الخرطوم لمقابلة اللواء محمد نجيب وزملائه وكبار الزوار والضيوف من مختلف الأقطار لحضور إفتتاح البرلمان في أول مارس 1954م، وكان حزب الأمة يشعر بأن العاصمة المثلثة مكتظة بأنصار الاتحاديين كسائر مدن السودان بينما أنصار حزب الامة يقطنون في المناطق الريفية، وخشي حزب الأمة أن يظن نجيب وغيره من الزوار أن السودانيين يريدون الوحدة مع مصر كما سيظهر لهم من الحشود الاتحادية التي في العاصمة ولهذا فقد إحتشدوا أيضاً في العاصمة، وحدث من ذلك إحتكاك وإستعر الخلاف بين رجال الأمن وأنصار حزب الأمة وسقط صرعى من الجانبين أمام قصر الحاكم العام حيث كان الضيوف العالميون، ونتج من جراء ذلك أن تأجل إفتتاح البرلمان، وبقيت البلاد في حالة من الحزن والأسى بسبب ذلك الحادث الذي لم يحسب له حساب. إستطاع إسماعيل الأزهرى أن يبرهن على مرونته السياسية في معالجة ذلك الموقف، وإنتهى الامر بسلام أرضي كل الاطراف، وبقي عليه التخلص من الحكم البريطاني بجميع ذيوله ورواسبه، وألا يبقى أي أثر لسيطرتهم السابقة على البلاد. في أثناء رئاسة الازهري للوزارة قام بعملين خارج نطاق الحدود السودانية، الأول أنه قبل دعوة رسمية لزيارة بريطانيا، والأمر الثاني ذهابه لحضور مؤتمر باندونج، أما نتائج زيارته لبريطانيا وأسبابها فلم تكن واضحة ولكن كان هنا شعور بأن الانجليز أظهروا رغبتهم الأكيدة في عدم عرقلة أعمال وزارته، وانهم لا يمانعون في إستقلال السودان، أما في مؤتمر باندونج فقد ذهب الأزهري ممثلاً للسودان في وفد من أعضاء حكومته، وهناك التقي برؤساء الدول من الأقطار الأفريقية والأسيوية، ولما أعطي الكلمة أعلن عن رغبة السودان في الاستقلال مع تكوين أقوى الروابط مع الشقيقة مصر. كان من جراء تصريح الازهرى نحو الاستقلال أثر لم تستطع مصر أن تهضمه، فهي لم تكن تنتظر من رئيس الحزب الوطني الاتحادي أن يتنكر لوحدة وادي النيل التي كان ينادي بها كثيرون من رجال الحزب، بيد أن الأزهرى كان آنذاك قد لمس حقيقة شعور السودانيين الذين آزروه وأعطوه أصواتهم الانتخابية، فهم لا يريدون وحدة مع مصر تضيع معالم سودانيتهم، وهم مع حبهم القوي لمصر كانوا يريدون استقلال بلادهم مع روابط أخوية تربطهم بمصر، وشعرت مصر بأن القومية السودانية قد نضجت بسرعة فائقة فأدركت أن السودان المستقل إنما هو درع لأرض الكنانة، فلما إتصلت بها حكومة الازهري معلنة رغبتها في أن ينال السودان استقلاله الكامل عن طريق التصويت في داخل البرلمان أبدت الحكومة المصرية موافقتها على ذلك دون اللجوء الى استفتاء عام كما نصت على ذلك إتفاقية سنة 1953م، ولم تعترض الحكومة البريطانية على هذا الاجراء، وبعد أن نالت الحكومة السودانية موافقة دولتي الحكم الثنائي على هذا التعديل في الاتفاقية المصرية الانجليزية لسنة 1953م إتفقت كل الاحزاب السياسية السودانية على أن يعلن أعضاء البرلمان رغبتهم في الاستقلال بمشروع قرار برلماني، في 19 ديسمبر سنة 1955م إنعقد البرلمان وصوّت أعضاؤه في جانب إستقلال السودن، وفي 22 ديسمبر أقر مجلس الشيوخ هذا القرار. وإتخذت الخطوات النهائية في قرار الاستقلال في صبيحة اليوم الأول من يناير عام 1956م، وفي إحتفال مهيب أنزل العلمان البريطاني والمصري، كما رفع العلم السوداني كل من إسماعيل الازهري رئيس الحكومة ومحمد أحمد محجوب زعيم المعارضة،والنائب محمد الأفندي ممثلاً لشرق السودان، ودخل السودان في عهد جديد هو عهد الاستقلال.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق March, 02 2023
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة