اغتيال الثائر إبراهيم المجذوب بدم بارد من احد افراد شرطة الفلول، يعيد الى الأذهان نفس السؤال القديم من اين أتى هؤلاء؟ قبل سنوات التقيت صديقا من جنوب الوطن حكى لي انه جاء الى الخرطوم في مطلع سبعينات القرن المنصرم، فتى يافعا لم يجاوز الرابعة عشر من عمره، وجد عملا في كافيتريا في وسط الخرطوم وبعد مرور أول شهر تسلّم أجره الشهري خمسة جنيهات، كانت مبلغا كبيرا في ذلك الزمان، حصل في ذلك اليوم على عطلة من العمل، فخرج يتجول في وسط المدينة التي اشتهرت آنذاك بنظافتها وجمالها، مرّ بالقرب من رجلين يلعبان احدى ألعاب الحظ، وقف يراقبهما وحينا لاحظا اهتمامه قاما بإغرائه بمشاركتهم اللعب. منذ اول جولة خسر جنيهاته الخمسة، فجلس جانبا يبكي خسارته، جاء رجل شرطة شمالي كما وصفه، سأله لماذا تبكي يا ولد؟ حكى له ما حدث، أمسك الشرطي فورا بالرجلين وفتشهما فوجد الجنيهات الخمسة كما وصفها الولد، أعاد الشرطي النقود للولد وهدد الرجلين بفتح بلاغ ضدهما لأن القانون يمنع اللعب مع الأطفال، توسل الرجلان انهما لم يكن يعرفان القانون، فتركهما الشرطي مع انذار أنه لو وجدهما مرة أخرى يلعبان مع الأطفال فلن يرحمهما. قال الصديق الجنوبي انه امسك بنقوده فرحا، وفجأة وجه له الشرطي بعد هروب الرجلين صفعة قوية قائلا: هل قطعت كل هذه المسافة من الجنوب الى هنا لتلعب القمار؟ ثم هدده انه أيضا سيحبسه ان وجده مرة أخرى يلعب القمار في الشارع، نصحه بالحرص على ماله والحذر من النصابين ثم صرفه. لخّص الأخ الجنوبي ما حدث بقوله: أعاد لي نقودي وقام بتأديبي! فلم أكرر ما فعلت طوال فترة بقائي في الخرطوم. تلك هي شرطة السودان التي نعرف، تعيد الحقوق وتؤدب كل جانح، فما الذي حدث حتى تطلق الشرطة الرصاص على المتظاهرين السلميين، فتغتال أحلام وآمال امة كاملة في غد مشرق عماده هؤلاء الشباب الذين لم يركنوا الى الراحة، وهم يشاهدون وطنهم يضيع أمام اعينهم، فحملوا أرواحهم الغالية علي أكفهم وهم يواجهون آلة قمع من نظام لاهم له سوى التشبث بالسلطة حتى لو هلك كل أهل هذه البلاد، لا تعرف الرحمة ولا الإنسانية طريقا الى قلبه. جرى على الشرطة ما جرى على كل شيء جميل في هذه البلاد، ثلاثة عقود تم فيها تدمير كل شيء، جرى على الشرطة ما جرى على مشروع الجزيرة، ما جرى على القضاء، ما جرى على الجيش والمؤسسات الخدمية ما جرى على الخدمة المدنية وكل شيء في بلادنا. ضابط الشرطة الذي اغتال الشهيد إبراهيم مجذوب، راجت أخبار انه كان ضمن كتائب أحمد هارون قبل ان ينضم الى قوات الشرطة، أي انه من كتائب الظل التي ظل الكيزان يهددون بها هذا الشعب. انه خريج مدرسة ( امسح اكسح ما تجيبو حي) التي وُزّع خريجيها على كل المؤسسات، كل الكوادر القديمة المؤهلة لتخدم مواطنيها وتراعي حقوقهم وتطبق القانون بمهنية وتجرد، تم طردها من الخدمة واحلال منسوبي التنظيم الاسلاموي الاجرامي مكانها، منسوبي التنظيم الذين غُسلت أدمغتهم بأوهام ان المجتمع جاهلي لا تساوي حياة اية معارض فيه سوى ثمن طلقة الرصاص، وأنّ المال العام هو غنيمة لأفراد التنظيم. نفس التفكير الداعشي الذي يستسهل قتل الناس بعكس قيم الدين وقيم مجتمعنا التي تُعلي من قيمة الحياة. مالم تستعيد الشرطة وكل مؤسسات الدولة سيرتها الأولى ويتم تنظيفها من كل عناصر النظام البائد، واستبدالهم بالشباب النقي الثائر، المؤمن بقضية وطنه وشعبه، فإنّ قتل الأبرياء واستحلال المال العام والفتن والحروب لن تتوقف في هذه البلاد. أحمد الملك
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق February, 20 2023
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة