من المسّلم به، أنّ ما بين الشعبين السوداني والمصري، مصير مشترك، وأن أواصر وادي النيل، والحضارة المشتركة، لا يمكن تمزيقها بنزوات الساسة في شطريّ الوادي، هذه الصلاة الممتدة عبر القرون والحقب التاريخية، تحّتم قدرية التواصل والتعاون من أجل بقاء الشعبين. إلاّ أنّ الدولة المصرية الحديثة، تنظر للسودان كحديقة خلفية، تتنزه فيها سياسياً واقتصاديا أنى شاءت، ظل حكام مصر، يتعاملون مع الدولة السودانية من هذا المنطلق، غاضين الطرف، أن الدنيا تغيرت، وأنّ الأجيال توالت، وما عادت الأشياء هي الأشياء كما قال الراحل الفيتوري عليه شآبيب الرحمة. لم يتجاوز أكثر السودانيين تتطرفا، التعامل بندية مع مصر، وأن تتوقف مؤسساتها السياسية، وأجهزتها الاستخباراتية التدخل في الشأن السوداني، والإنهاء الفوري لاحتلال مصر مثلث حلايب وشلاتين ومنطقة أبا رماد. المؤسف أن بعض الساسة السودانيين الخائبين، هم من يسمحون لمصر، التعامل بفوقية مع الدولة السودانية، سيما الأنظمة الشمولية، التي تقدم الرشى، من أجل الحصول على الدعم الإقليمي والدولي مستفيدين من ثقل مصر سابقا في هذين المجالين. لذا لا غرابة، أن تلجأ الحكومة الانقلابية في السودان بقيادة الفريق البرهان، إلي السماح للسطات المصيرية، التوغل في العمق الاقتصادي السياسي للبلاد، بصورة غير مسبوقة، حيث رخّصت لرجال الأعمال المصرين، شراء المنتجات الزراعية السودانية، الزراعي والحيواني والغابي، من المنتج مباشرة، بالجنية السوداني وتصديرها إلى مصر، ومن ثم إلى إعادة تصديرها إلى الأسواق العالمية، لتستفيد الدولة المصرية مليارات العملات الصعبة من المنتجات السودانية، ونظل نحن نعاني الفقر والمسغبة! هذا التصرف الأخرق، لم يحدث في أي بلد في العالم، ولن يحدث في السودان، لو لا عدم مبالاة المواطن السوداني بتصرفات الساسة غير المسئولين، وانشغال المعارضة السودانية بكراسي الحكم، ومحاصصات السطلة، وتقاعسها عن توعية المنتج والمواطن بخطورة هذا التصرف غير الوطني، والعمل على تعبئة الشارع السياسي ضد هذه التصرفات، لذا لا غرابة، أن ينظر البعض لتروس الشمال، المتكررة لوقف هذا الإهدار للموارد الوطنية، على أنها نزوة شعبية يخص إنسان الشمال وحده! تجدر الإشارة إلى أنّ مصر والسودان أبرمتا في يناير 2004 اتفاقاً يُمكن مواطنيّ كل بلد من الإقامة والتنقل وحق التملك والعمل في البلد الآخر، وهو ما عرف "باتفاق الحريات الأربع". ولكن إنفاذ الاتفاق شهد تذبذباً جراء الظروف والأوضاع السياسية بالبلدين. فالأمر ليس جديدا، ولكن لم تكن تصدير المنتجات السودانية بالعملة المحلية مسموحا به في عهد الحكومة الانتقالية، ولم تكن بهذه الصورة الحالية حتى في نظام الإنقاذ البائد، بكل وضوح تفاقم الاستنزاف الاقتصادي من قبل مصر، فيما بعد انقلاب الــ 25 من اكتوبر. يتمثل أس المشكلة، في تصدير المنتجات السودانية الزراعية والمعدنية، بالعملة الوطنية، لتستفيد مصر من العملات الصعبة عبر إعادة تصديرها، وتنحرم السودان من هذا الحق المشروع، الأمر الذي يثير الحنق، والغبن للمواطن السوداني. ومما زاد الطين بلة، أنّ شراء هذه المنتجات من الأسواق السودانية، يتم عبر عملات وطنية مزيفة، تطبع في مصر، وقد ضبطت كميات منها، في أيادي وشاحنات مصرية، كما ضبطت سبائك ذهب مهربة في شحنات قمح. من المؤسف، أن تجد هذه الممارسات المدمرة للاقتصاد الوطني، الحماية الشرسة من السلطات الانقلابية، فهي لا تحرك ساكنا للبلاغات التي تصلها بالأدلة الدامغة! بل تؤنف الذين يتصدون لها! وتمادياً من السلطات الانقلابية، في استمرار تقديم الرشى لحكومة السيسي في مصر، في 15 فبراير 2023 الماضي، أجرى مسؤولون من وزارة الخارجية في السودان ومصر، الأربعاء، مباحثات قنصلية بالعاصمة الخرطوم، ترّكزت على تنفيذ اتفاق الحريات الأربعة المبرم بين البلدين! صحيح أنّ هنالك ما يقدر بأربعة ملايين مواطن سوداني يقيمون في مصر، يستفيدون من الخدمات العلاجية والتعليمية بالجنيه المصري، وكذلك أن التجار السودانيين يشترون الأثاث الدمياطي بالعملات المصرية لتصديرها إلى الأسواق السودانية، لكنها ليست بغرض إعادة التصدير، ولن تفيد هذه العملية الاقتصاد السوداني في شيء، بل تضر بالمنتج المحلي في تطوره وتسويقه. والجانب الآخر "لتهريب" المنتجات السودانية عبر البوابات المصرية، هي عملية الاستنزاف والإرهاق للطرق القومية، أذ تفيد تقارير من تروس الشمال، أن ما تقّدر بحوالي ثلاث آلاف شاحنة ثقيلة تعبر يوماً عبر طريق شريان الشمال. ومما يزيد عملية الإتلاف للطرق القومية سوءاً، أن هذه الشاحنات تتجاوز الحمولات المسموح بها رسميا في هذه الطرق، من خلال تحايل السائقين وعبر تساهل السطات الرسمية الانقلابية، وعدم فاعلية موازين المواصفات على قلتها. يجب أن ترسل كافة الولايات قوافل دعم وإسناد لتروس الشمال فورا، لتجبر السلطات الانقلابية الغاشمة، على إعادة النظر في اتفاقية الحريات الأربع، المضرة بالاقتصاد السوداني، والمدمرة للطرق والأسواق الوطنية. [email protected]
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق March, 02 2023
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة