هذا الكتاب له جاذبية رهيبة ويأسر القارئ في محاوره الجميلة وقد قرأته منذ سنوات ووجد نفسي اعود اليه مرة اخري لقراءته، والجميل في هذا الكتاب انه ليس رواية من نسج الخيال، انما هو عبارة عن مذكرات شخصية وواقعية عاشها الكاتب حيث يكتب ويسجل واقع عاشه بنفسه عندما كان سجينا في سيبريا ويعد كتاب ذكريات من منزل الاموات الصادر بين عامي 1860- 1861، وكلمحة خاطفة عن كاتبه ( فيودور ميخايلوفيتش دوستويفسكي) فهو روائي وكاتب قصص قصيرة وصحفي وفيلسوف روسي، وهو واحدٌ من أشهر الكُتاب والمؤلفين حول العالم رواياته تحوي فهماً عميقاً للنفس البشرية وتقدم تحليلاً ثاقباً للحالة السياسية والاجتماعية والروحية لروسيا في القرن التاسع عشر، وتتعامل مع مجموعة متنوعة من المواضيع الفلسفية والدينية تاريخ ومكان الميلادفي11 نوفمبر عام 1821، المكان موسكو، روسيا أما تاريخ ومكان الوفاة كان في 9 فبراير عام 1881 في سانت بطرسبرغ روسيا، واذا عدنا لكتابه الذي نحن بصدده الان (ذكريات من منزل الاموات) حيث ينقل فيه الكاتب عن المعاناة في السجون ومشاعر فقد الحرية والعيش مع مجرمين وقتلة ولصوص يحملون عداوة وبغض وكراهية الي طبقة النبلاء التي ينتمي اليها الكاتب لان هذه الطبقة يضطهدون ابناء الشعب من الفلاحين والموظفين ونتيجة لتجربة شخصية عاشها "دوستويفيسكي" بنفسه خلف اسوار السجن وذلك الشعور الرهيب بالعزلة وسلب الحرية والارادة للانسان فهو في اول الامر لم يري الا رجالا غلاظ ولكن شيئا بعد شي اخذ يميز بين الاشرار والاخيار ليجد بين السجناء رجال يمكن تعذر جرائمهم وتعذر من وجهة نظر الاخلاق حتي اصبح له بين السجناء الكثير من الاصدقاء فبدأ في تدوين انطباعاته وملاحظاته ومواقفه من داخل السجن وكانت هذه المذكرات التي دونها مخبأة لدي احد موظفي مستشفي السجن وبدا في كتابة وترتيب هده المذكرات والانتهاء منها بعد عودته الي موسكو،ومن التعليقات الملفته عن هذا الكتاب هو ماورد علي لسان الروائي "تلستوي" حيث قال ان هذا الكتاب "يعلم الدين !!" وعلي مااظن انه يقصد من هذه العباره بانه يفتح بصيرة الانسان لآلام البشر والشعور بمعاناتهم خاصة المساجين خلف جدران السجن ويعلم الانسان الشعور بالرحمة نحو المستضعفين من الناس والملفت في الكتاب ان الكاتب قد تناول الحديث بجهد مقدر عن نفسية السجين ووصفه وصف جميل حيث ذكر ان السجين هو عبارة عن طفل كبير رغم انه انسان كبير الا انه سلبت منه الارادة واصبح عبارة عن طفل كبير، الكل يأمره اي سجان داخل السجن يأمره وليس له الا ان يطيعه وايضا من خلال رصد الكاتب لاحوال السجناء وجد انهم يهتمون بالتفاهات واعزي ذلك لمحدودية المكان فعالمهم الضيق المحدود هذا يجعلهم يهتمون بكل شي مهما كان تافها وايضا قال ان السجين مشغول بالسياسة وكبار السياسين وتجده مهتم جدا باخبارهم وعالمهم، ومن اكثر مالفت نظري وانا اقرا هذا الكتاب انه ذكر بان السجين متكبر فيه نوع من الصلف والتكبر !! رغم شقائه وتعاسته وفقدانه لحريته الا انه متكبر !! ومن طرائف ما ذكر "دوستويفسكي" اثناء وجوده في السجن وبحكم انه كان من طبقة النبلاء ووجد نفسه وسط مساجين من اللصوص والمجرمين حيث كانوا يعاملونه بفظاظة وعنف وبغض وكراهية لانه ينتمي لطبقة النبلاء و يحكي عن سجين معهم في السجن يقول عنه انه من النوعية التي تخدم الاخرين حيث ان بعض البشر يشعرك بانه ولد في هذه الحياة ليخدم الاخرين لا يستطيع العيش الا في فلك الاخرين لا يكون له كيوننة وشخصية مستقلة بذاته ونفسة يقول عن هذا الرجل السجناء الاخرين يشتمونه طوال اليوم بأبشع الالفاظ واقبحها ويعاملونه بغلظة وشدة ورغم هذا هو منشرح النفس طيب في تعامله ساعيا في خدمتهم دون اي تزمر او ضجر ويقول عن نفسه انه يعامله معاملة طيبة ويعامله باحترام وتقدير ولا يسبه كما يفعل معه بقية السجناء ويقول في يوم من الايام غضبت منه وشتمته شتيمة بسيطة لا تصل الي بشاعة الفاظ الشتيمة لدي السجناء الاخرين الذين يشتمونه بها يقول غضب مني غضبا شديدا وهجرني اياما لا يحدثني ولا يكلمني وانقلبت حياته وتصرفاته معي رأسا علي عقب يقول انا اصبت بصدمة ودهشة من تصرف هذا الرجل معي لمجرد اني شتمته شتيمة بسيطة جدا ؟؟ يقول حاولت احادثه واستعطفه ووجد صعوبة بالغة في ذلك حتي اراضيه واعتذر منه وهنا اي "دوستويفسكي" حاول ان يحلل هذا الحدث وردة فعل هذا السجين الذي يتلقي الشتائم من كل السجناء الا انا عندما شتمته مرة واحدة وشتيمة بسيط جدا كانت ردة فعله بهذه الدرجة معي يبرر الكاتب ويقول ربما ماكان عنده احد في هذه الدنيا انزله منزلة انسانية وعامله باحسان وكرامة وادب ولطف الا انا فعندما شتمته كاني قد طعنته طعنة لم يكن يتوقعها مني ابدا، الكتاب في حقيقته جميل وبديع وملهم لايمل القارئ من قراءته واللافت في هذا الكتاب او هذه الرواية " ذكريات من منزل الاموات " انها لاتحتوي علي شخصيات لها دور محوري في احداث الرواية لان الكتاب هو عبارة عن مذكرات كان يرصدها الكاتب وهو في السجن عندما حكم عليه بالاشغال الشاقة من الفئة الثانية وقد لخص لنا معاناته في السجن وتعامل السجناء معه ويرصد لنا ايضا كثير من تفاصيل السجناء وحياتهم خلف اسوار السجن وينقل بانسانية رفيعة الم ومعاناة كل من حوله حتى الحيوانات لقد كان يتجول بنا عبر مذكراته ويجعلك تشعر بأن الالم هو الذي يسيطر ويتجول في المكان بل يحيط بالمكان لاسيما عندما يصف لحظات جلد بعض السجناء بالسياط الكتاب يشدك بكل حواسك خاصة ان الكاتب لم يترك ثمة مساحة كي يلهو الخيال بداخلها رغم ان اسم الكتاب منزل الاموات الا ان القارئ يري ان هؤلاء الموتي أي " المساجين " يفيضون حماس وجنون وشغف من اجل امل ينتظرونه وهو الحرية ويظلون في الاعمال الشاقة المحكومين بها ثم يواصلون العمل ليلا وهذا من اجل جمع مال خاص بهم ينفقونه علي مطالبهم الشخصية ويواصلون العمل ويخترعون ويبتكرون اشياء للترفيه وتمضية الوقت بتمثيل مسرحية تارة والدخول في مشاجرات ( جدية وغير جدية ) لتمضية الوقت الممل الطويل من اجل شي غالي وثمين وهو الحرية.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق March, 02 2023
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة