سبعون عاماً من الفشل، جملة اصبحت مكررة، ولكن الاسوأ انها قابلة للتكرار على مدى عقود أخرى قادمات. والسبب البسيط هو أن المجموعات الإثنية التي حكمت كانت ولا زالت تفتقر لفهم معنى الدولة. إنها مجموعات رفعت علم قريتها عام ١٩٥٦، ولم ترفع علم دولة. هذه المجموعة أورثت كل بلائها للأجيال التي تليها، وكل مجموعة تأتي وتزيد من تركتها الشيطانية. منذ ثلاثين عاماً وحتى سقوط حكم الإسلاميين لم نعرف ما هو مشروعهم الإسلامي، وقبلهم نميري وعبود، بشيوعييهم وباقي أحزابهم، لم نعرف ماذا يريدون بالتحديد، إنهم يحكمون بلا هدف سوى الحكم. لقد افسدوا كل الأديان وكل الفلسفات، بل وأفسدوا القيم الأخلاقية. إن القيم الأخلاقية لا تتأسس على النصوص الدينية، إنما على منظومة إدارية شاملة، لأن الاخلاق تختلف على مستوى الأفراد، ولكنها يجب أن لا تختلف على مستوى القانون والإدارة. فالدولة لا تتمتع بأي شفافية إدارية وقانونية، إن من حكموا تعمدوا ألا يرسموا أنساقاً ثابتة يمكن للفرد أو المؤسسة التعويل عليها قبل وعند اتخاذ القرار. خلال حكم الإسلامين كان كل يوم يصدر قرار يجب ما قبله، ثم يصدر قرار جديد وهكذا.. أتذكر أن البشير في اول حكمه اصدر قراراً بإلغاء الدفاع الشعبي، غير أن احد كبار الإسلاميين جاء مساءً وألغى قرار البشير، فالبشير لم ينفرد بالحكم إلا بعد عشر سنوات، أما قبلها فكان مجرد ألعوبة في يد الترابي وأولاده. وهي الاعوام العشرة التي اورثت البشير والشعب فيما يليها كل البلاءات التي عانى وعانى منها الشعب، كالوضع تحت لائحة الإرهاب، والتمهيد لفصل الجنوب، واستجلاب الإرهابيين من تنظيم القاعدة، وتوفير مناطق تدريب لحماس، وتوزيع التطرف في مصر والجزائر والصومال وغيرها..الخ. كانت سنوات سوداء عجاف إلى أن انتفض البشير فاسقط الترابي، لكن ذلك حدث بعد فوات الأوان، إذ أنه افضى إلى بقاء مرتزقة الإسلاميين مع البشير، وارتفعت معدلات الفساد بشكل لا يصدق. ثم حدث ما حدث. والغريب، أنه بعد الثورة، تمت معاقبة المؤتمر الوطني وأغفل كل عقاب عن الاصل وهو المؤتمر الشعبي (بقايا المطرودين من السلطة) رغم أنهم أس البلاوي. على اية حال، ها هو المؤتمر الوطني يعود من جديد، ولكن بغير ضجيج، لأن البرهان يحاول اللعب على كل الحبال، ولن يجد أفضل من المؤتمر الوطني المسيطر افراده على الاقتصاد والسوق الاسود، من دولار وعقار وبنزين ودقيق..الخ، ومعهم اللاعبون ادواراً جديدة كإبراهيم الشيخ والسوباط واسامة داوود..الخ. إن المجموعات التي حكمت ظلت تدير نفاياتها العقلية بإقتدار، منذ عنبر جودة وحتى معسكر العيلفون وصولاً إلى فض الاعتصام من قتل وإبادات جماعية وإخفاء قسري، وكل مجموعة تذيق أختها الأمرين، ذلك بأنهم قوم أضل الله أعمالهم. واليوم الإضطراب كبير، وأقل شرارة يمكن أن تشعل كل شيء، وتقضي نار الجحيم على الأخضر واليابس، والكل يخشى منها ويستعد لها في نفس الوقت، ولا أمل في المستقبل.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق October, 21 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة