في مواعيدها تماماً بتوقيت الثورة، خرجت مواكب الثوار في ذكرى الحادي و العشرين من أكتوبر الثامنة و الخمسين ، لتؤكد المؤكد و ترفض شراكة الدم و التسوية مع الإنقلاب و عصابته ، و تنادي بإسقاطه علنا و تصفية دولته. فبالرغم من الكثافة الامنية و اغلاق كبري المك نمر ، و الاستعداد المبكر لقمع المواكب ، ازدهى شارع المطار بحشود غير مسبوقة ، و كانت العظمة في شارع الشهيد عظمة ، و لم تتخلف بحري و شرق النيل عن الركب ، و سجلت مدني و كسلا و بورتسودان و عطبرة و فاشر السودان حضورها البهي و صدعت برفض التسوية، التي يرغب المجتمع الدولي و من يسير في ركابه من قوى الحرية و التغيير (قحت) لفرضها على شعبنا. الرسالة جاءت واضحة و معززة لموقف الشارع صانع المعجزات الذي لم يتزحزح عنه يوما ، و لكن التيار التسووي السادر في غيه و الراغب في تجريب المجرب، لا يريد ان يستمع اليه. فهو لم يكتف بالتفاوض مع الانقلابيين سرا و الاتفاق معهم ضد إرادة الشارع ، بل يسعى الى تضليل الثوار بخطاب تسووي مخاتل ، يدعي ان التسوية مع الإنقلاب تسوية متدحرجة سوف تقود حتماً لانتصار الثورة، في محاولة لتسويق الشراكة مع اللجنة الأمنية الإنقاذ مجددا. هذا الخطاب التسووي يتبناه كتاب يبررون للتسوية عبر الحديث، المتكرر و الممل عن قصور الخطاب الجذري ، و الدفاع عن التيار التسووي استنادا لذلك. و هو ينطلق من أساس لا خلاف عليه، هو ضرورة توفر عدة الشغل لإنجاز التغيير الجذري ، لكنه يشترط ان تكون عدة الشغل هذه جيش يواجه جيش برهان و جنجويد حميدتي ، و عليه يطالب قوى التغيير الجذري (قوى الثورة) بتوفير مثل هذا الجيش كشرط للتغيير الجذري. و هذه القراءة التي يرغب الخطاب تسويق شراكة الدم عبرها، خاطئة جملة و تفصيلا لما يلي من اسباب: ١- اسقاط دولة التمكين بجيشها و جنجويدها و جهاز امنها و مليشياتها، لا يحتاج إلى جيش موازي و عمل مسلح كما يتوهم صناع هذا الوهم ، بل يحتاج إلى وحدة حول برنامج التغيير الجذري، تقود عبر التنظيم المحكم لعصيان مدني و إضراب سياسي عام، يسقط دولة التمكين كما سقطت الديكتاتوريات السابقة في السودان. ٢- عند توفر الكتلة الحرجة و اللحظة الثورية ، يجب اتخاذ قرار استلام السلطة و تكوين ادواتها المؤسسية و حمايتها بالكتل الجماهيرية المنظمة، التي تسمح لعسكريين من داخل الجيش نفسه بالانحياز الحقيقي اليها ، او تجبر انقلابيي القصور انفسهم للنزول تحت إرادة الجماهير و البحث عن تسوية حقيقية يتم التنازل فيها عن السلطة ، لا شراكة دم. ٣- التركيز على إستحالة اسقاط العصابة الحاكمة سوى بوسيلة واحدة هي النضال المسلح، يستبعد خيار التغيير الثوري السلمي ، و يخفي خيبات التسوويين الذين يشقون صف الثورة ، و يبحثون عن إصلاح منظومة التمكين غير القابلة للاصلاح عبر الشراكة مع التمكين ، أي يبحثون عن المستحيل و غير المجدي تحت دعاوى التدرج و عدم الاستعجال و عدم توفر الجيش المسلح اللازم للتغيير و عدم القدرة على هزيمة العساكر الآن. ٤- هذا الخطاب التسووي المرائي، لا يوضح كيف يمكن لشراكة و تسوية مع التمكين ان تقود لتغيير جذري مستقبلا ، و لا يوضح كيف سيسمح العسكر المتمكن لذلك بالحدوث ، و لا يجيب على سؤال لماذا فشلت شراكة الدم التي انتهت بالانقلاب الكاشف الحالي في ذلك. ٥- الخطاب نفسه لا يجيب على سؤال ماهو الأثر السلبي لتيار التسوية و شراكات الدم، على عملية توحيد القوى الثورية و بناء الجبهة الموحدة لقوى الثورة و على مشروع التغيير الجذري ؟ و الى اي مدى يعيق هذا التيار الوحدة على اساس الثورة و يستبدلها بالوحدة على أساس التسوية ؟ و لا كيف سيعيد هذه القوى الى الوحدة على اساس الثورة مستقبلا ، بعد أن وحدها على أساس التسوية و قادها الى الشراكة ؟ و لماذا يوحدها على اساس الثورة مستقبلا و على من ستثور و هو اقحمها في السلطة من مواقع الشراكة ؟ الاجابة على هذه الاسئلة توضح ان مثل هذا الخطاب -بوعي أم بغير وعي- يريد تصفية الثورة عبر التسوية ، و قطع الطريق امام تطورها ليؤسس لدولة في أحسن احوالها هجين بين التمكين و اللاتمكين المتوهم؟ ٦- هذا الخطاب يفشل فشلا ذريعا في توضيح السبب الذي سيدفع العصابة الحاكمة للسماح لبرنامج تصفية تدريجي لتمكينها، بعد أن احتوت قوى الثورة عبر التسوية و جعلتها شريكة لها وواجهة لسلطتها ، و كيف ستترك للقوى التي تسعى لتصفيتها فرصة العمل على بناء نفسها تدريجيا لإنجاز هذه المهمة ؟ هل هذه العصابة المتمكنة من الغباء الى هذه الدرجة ؟ و السؤال الملح هو ، كيف سيتم هذا التدرج خلال الفترة الإنتقالية المقترحة التي ستنتهي بإنتخابات في ظل التمكين ؟. ٧- الخطاب أيضا لا يفصح عن كيفية حماية التسوية لحقوق الجماهير في تنظيم نفسها و التعبير عن مشروعها الثوري ، و لا يفصح عن الآلية التي سيحمي بها جماهير الثورة من القتل اليومي بواسطة العصابة الحاكمة في ظل شراكة الدم ، و التجربة ماثلة امام الجميع حول استمرار العنف المفرط في ظل حكومات د. حمدوك التسووية. ٨- هذا الخطاب لا يجيب على سؤال كيف يمكن منع ان تبدا التسوية باحتواء الثورة ، و ان تنتهي بتصفيتها عبر انقلاب صريح ، طالما انه يبدا بإقرار بأن قوى الثورة ضعيفة و أن العصابة لا يمكن هزيمتها الآن ، و يصل الى ضرورة الوصول لتسوية و شراكة معها. ٩- الخطاب لا يوضح كيف يمكن محاسبة مجرمي العصابة على جرائمهم المستمرة في حال ترك الثورة و الدخول في تسوية مع التمكين ، و هو ضمنيا يدعو للافلات من العقاب بالاستسلام للعصابة و الدخول معها في شراكة ، بعد الاعتراف بها و بقدرتها على هزيمة الثورة الآن قبل التدرج المزعوم و المستحيل. ما تقدم نذر يسير من ملاحظات توضح مدى عوار و خيبة مثل هذا الخطاب التسووي الاستسلامي، المتدثر بثوب العقلانية و المؤسس على الاقرار بهزيمة الشعب و إستحالة انتصاره الآن ، و الذي يبيع وهم التدرج ليقود الثورة الى مرحلة الإحتواء تمهيدا لتصفيتها عبر شراكة دم مدعومة إقليميا و دوليا. و هو أخطر على الثورة من الاعيب العصابة الحاكمة و عنفها، لأنه يؤسس لتصفيتها من مواقع ادعاء الحرص عليها و الانتماء لها. لذلك يجب عدم التسامح معه ، و توضيح أنه خطاب تسووي ضد الثورة بطبيعته ، و ليس في هذا تخوين بل توصيف له ، فمن يتبناه قد يكون انتهازي غير واعي ، يغلب التكتيكي على الاستراتيجي بحسن نية مخلوط بإحساس بالعجز و عدم القدرة على هزيمة العدو ، يغطيه بمحاولة لحل تناقض تناحري بتسوية بين نقيضين لا يمكن جمعهما ، هما الثورة و التمكين. التدرج المطلوب هو البناء التراكمي لعدة الشغل على أساس برنامج التغيير الجذري، تحت انف العصابة الحاكمة و ضد ارادتها، لتوفير الكتلة الحرجة المنظمة القادرة على اسقاطها، في ثقة واضحة بقدرة الشعب على الانتصار، بعيدا عن التسوية مع التمكين التي تقود حتماً للاحتواء و تصفية الثورة. و يقيننا ان هذا هو خط الشوارع التي لا تخون ، و التي تتأهب لاسقاط التسوية مع الإنقلاب. و قوموا الى ثورتكم يرحمكم الله!! ٢١/١٠/٢٠٢٢
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق October, 21 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة