بعيون الدهشة والارتياب، تابع الشعب السوداني مؤخرا زيارة وفد رجال الأعمال السعوديين إلى دارفور، بدعوة من السيد مني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور بحثاً عن فرص استثمارية في الإقليم، حسبما ما ورد في تصريح د. عبد العزيز مرسال "شدو" وزير مالية حكومة الإقليم ممثل الحاكم، أن الغرض المرجو من الزيارة تقديم الخدمات الزراعية بشقيها الحيواني والنباتي وسعيهم لإنشاء صناعات تحويلية، وصناعة الخضر والفاكهة وتجميدها، فضلا عن تركيزهم على مجال المسالخ والإسمنت. ويلاحظ أنّ بيان وزير مالية الإقليم تحاشى ذكر السياحة كمجال مطروح للاستثمار، الأمر الذي أشار إليه والي وسط دارفور المكلف الأستاذ سعد آدم بابكر، كما أغفل د. شدو ذكر التعدين الذي طرحه كذلك والي وسط دارفور، ولا يفوت على المتابع حساسية الاقتراب من مجاليّ السياحة والتعدين في دارفور على وجه الخصوص. ورغم ما يكنه كافة مكونات عريضة من الشعب السوداني، سيما أهالي دارفور "المحمل"، لأرض الحرميين مملكةً وشعبا، قولبت هذه الخطوة، بقدر من الريبة وعدم الأريحية، واستهجان لتصرفات حاكم الإقليم، وليس بغضا للوفد السعودي الزائر. إذ أنّ وليد محمد أبكر (تونجو) الناطق العسكري لحركة عبدالواحد محمد نور، أصدر بياناً إبان زيارة الوفد، إستنكر الخطوة، واعتبرها استفزاز صريح لضحايا النظام البائد، وهو ذات التوصيف أي "إستفزاز" الذي ورد في بيان آدم رجال الناطق الرسمي باسم المنسقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين، مضيفا إليه "الشبهة". وأضاف الجناح العسكري لحركة التحرير جناح عبدالواحد نور في بيانها "أن ما يدعونه من مشاريع استثمارية ما هو إلا تضليل وغطاء لشرعنة وإقرار مخططات التغيير الديمغرافي وإكمال مسلسل الاستيلاء على الأرض، مردفا أن مثل هذه المشاريع تحتاج إلى وجود سلام حقيقي على أرض الواقع وليس سلام على الورق"، وتساءلت الحركة "ولماذا تتم إقامة مشاريع استثمارية وسياحة في أراضيهم وهم في المعسكرات؟!"| وهو تساؤل مشروع، ومن حق المراقب للشأن الدافوري أن يعرف السر وراء اختيار رجال الأعمال الأجانب مناطق النزاعات المسلّحة، والإقليم النائي والمعزول، والذي يفتقر لأبسط مقومات البنى التحية، ليستثمروا فيه رؤوس أموالهم الجبانة بالطبع، إن كانوا يرجون الربح والنماء لها؟ وهل بإمكان رأس المال الأجنبي أن يصمد وسط نيران الرشاشات القبلية، ولهيب الأرض وحرائق المعسكرات، وكيف لسائح أن يسوح في أجواء يتخللها بين الحين والآخر، تأوهات الضحايا وأنين المكلومين؟ وكيف يُبعزق رجل الأعمال أمواله ويهدرها في مناطق، دون ترحيب من أهلها الذين ينشدون المأمن والمأكل والمأوى؟ أناس لا يزال يعانون من كوابيس العدالة المفقودة، لم لا يسأل الوفد السعودي رجل البر والإحسان شيخ الراجحي المستثمر الزراعي في الولاية الشمالية؟ مما لا شك فيه، بالجري وراء رجال الأعمال، واللهث وراء المستثمر الأجنبي، أنّ حاكم الإقليم يقفز قفزة استفزازية فوق أرواح وجماجم وجراحات أبناء دارفور، ويتنكّر لتأوهات وآلام المظلومين، دون أدنى اجتهاد لترتيب أولوياتهم، ونحن نناشده ونتمنى ألاّ يكابر، أن يعيد النظر في ترتيب أولويات حكومته الإقليمية؛ إن سمع فبه، وإن كابر، فلا يضير بشرعية "البنية" التي يستند عليها، إلا نفسه، والعاقبة للخائبين. علي حالكم الإقليم، تسخير الجهود المبذولة في الاستثمار للتواصل مع المنظمات الدولية، وصناديق التمويل العالمية لتشيد البنى التحتية الضرورية لاستقرار النازحين واللاجئين من مرافق صحية وتعليمية، ومصادر مائية، ونقاط شرطية، ومكاتب نيابات عامة، ودور للأجهزة القضائية، ومحاجر بيطرية، وتعبيد الطرق وترسيم المسارات الرعوية، ومراكز أبحاث زراعية. وقبل ذلك ينبغي أن يكون الاستثمار في السلام الاجتماعي، ومشاريع تصافي النفوس القبلية، والأمن المعيشي الذي من شأنه عتق النازحين واللاجئين من ربق عبودية "كوتات" منظمات الإغاثة الإنسانية، من خلال تهيئة الأرض للتعمير، وإعدادها للزراعة الآمنة. الزيارة المستفزة لوفد المستثمرين السعوديين "كوم"، وزيارة الوفد الهندسي الإرتيري قبل أشهر لعمل مسوحات ميدانية لإنشاء سدود بدارفور "كوم" آخر، والدهشة ليست في الغرض من الزيارة، بقدر ما التشكيك في أهلية الدولة الإرتيرية الوليدة في هذا المجال! حينها علّق مراقبون "يا حاكم الإقليم هل أنت جادي؟ أم استبدت بكم شرعية "البنية" أم هي عقدة المستثمر الأجنبي؟ وحسب تجارب الناس مع العهد البائد، فإن الاستثمارات الأجنبية ما هي "مأكلة" للسلطات، ومسرح للفساد المالي والإداري، ولا طائل للوطن أو المواطن منها، لذا لا جدوى من مثل هذه الاستثمارات المستفزة للأهالي، قبل تأسيس الدولة المدنية، القائمة على حاكمية القانون، والمرتكزة على الشفافية والمحاسبية الصارمة، ومحاربة كافة أوجه الفساد. لو كانت شرعية "البنية" تبني بلد، لصار السودان خلال الثلاثين سنة الماضية، أبهى من سنغافورة! [email protected]
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق August, 28 202
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة