لم يكن صراع المال و السياسة و تنازع المصالح و نزاعات السلطة و الثروة و الجاه و السلطان , لم تكن وليدة الامس و اليوم بل تضرب بجذورها في اعماق التاريخ الحديث و القديم و تعود لماضي سحيق و يا له من ماض للذكريات. و كم من مبدع ومفكر و كاتب و شاعر و نحات لقى حتفه قتلا و شنقا و حرقا لمجرد خلافه مع سلطان جائر و حاكم ظالم و حاشية فاسدة و بطانة من علماء السؤ، و شيوخ الدعارة و السباب و اللعاب و من المهوسيين و الموسوسين و عديمي الاداب، و من الذين شغلوا بالدنيا فخسروا دنياهم و اخرتهم معا، و كانوا كما قال الله تعالي في حديثه القدسي ( يا عبادي لا تسالوا عني عالما اسكرته بحب الدنيا، فاولئك هم قطاع الطرق علي عبادي)، و لعله من هنا ظهرت تسعة طويلة الدينية منذ ذياك الزمان و الي هذا الزمن. و قد كان ظهر ببغداد سنة ثمان و ثلاثمائة رجل يعرف بالحسين بن منصور الحلاج و كان رجلا بسيطا عاملا و مهذبا و لم يسرق و لم ينهب و لم يتحلل كما يفعل الاخرون: اينما ما مشى كيفما جلس لا يقولوا سرق حاشا ما اختلس و كان الحلاج ياكل من عمل يده لا من قوت الشعب و مال اليتامى و المعاشيين و الارامل, و لم يكن جالسا لينتظر اعانات الدول الخارجية و زكاة اهل البر، كما لم يكن ساجدا راكعا بابواب السفارات و المتظمات المشبوهة ليبيع بلده و كل شي نظير دراهم معدودة، و لم يتاجر بالدين و لا بدم شهيد، و لا بانين جريح و اهات مفقود و يقضي وقته في التسفار و لغو الحديث، و كان الحلاج يدعوا الناس لعبادة الله تعالى و الحاق القول بالعمل و كما كان يذهب لاهل السلطان و حاشيتهم الفاسدة و هو يقف على موضع الاموال و الذهب و يقول: معبودكم تحت قدمي، و كان يقول للناس لما راي الباطل مستشريا انه هو الحق! و هو ما جلب له سخط مجلس شورى السلطان فوشوا به للوزير علي بن عيسى فاحضره و حكم عليه ايجازيا بالجلد الف سوط حتى تقطعت اعضاءه و لكنه لم يتاوه و لم يتالم و لم يتجرس و لم يكتب تعهدا و لم يتحول لشاهد ملك كما فعل بعض الرجال المحترمين جدا و لكنه كان ينشد : و حرمة الود الذي لم يكن يطمع في افساده االدهر ما نالني عند نزول البلا جهد و لا مسني الضر ما قد لي عضو و لا مفصل الا كان به يا رب لكم ذكر و كان يمشي فاذا سمع القران يتلى يبكي و يتواجد و ترتفع رجلاه هياما من على الارض و هو يقول: من اطلعوه على سر فباح به لا يامنوه على الاسرار ما عاشا و عاقبوه على ما كان من زلل و الزموه مكان الانس ايحاشا و لما فاض الكيل باهل السلطان وجهوا له تهمة تقويض النظام لكونه يدعوا للحق و تهمة الازعاج العام لذكره الله جهرا في الليالي و كذلك تهمة الثراء الحرام لعثورهم علي دينار بخزانته و ايضا التجمع المحظور لاقامته حلقات الذكر و ووجهوا له ايضا تهمة الاشتراك الجنائي لقيامه بتلقين اتباعه اصول الدين الجد الجد و ليس دين العسس و الجند و حاشية السلطان الفاسدة و المرتشية و المفسدة’ و تهمة التخابر مع جهات اجنبية لسبره غور الناسوت و الملكوت، و لبس هذا فحسب، بل و ايضا تهمة اثارة الفتنة بين الطوائف، لحبه الخير للمساكين، و بعدها قدموه لمحاكمة صورية و نطق قاضيها بالاعدام صلبا و شنقا , و ليتقدم بعدها الحلاج مبتسما و هو يختتم صلاته و ينشد باخر ما قاله قبل انتقاله لعالم العدل و الحق: اقتلوني يا ثقاتي ان في قتلي حياتي و مماتي في حياتي و حياتي في مماتي و امهلوني كي اصلي و لتروا كيف صلاتي و ضعوا القران فوقي انه حبل نجاتي مات الحلاج و ابن الثلاثين من العمر و بكاه الناس سرا و اهل الحظوة و التمكين جهرا و علنا , و لازلنا نرى الي اليوم حلاج هنا و اخر هناك و هو يعاني و يموت ببطء بسيف السياسة التي تقطع عنق الابداع و تقتل المبدعين و ما اكثرهم.وليس ذاك السيف عنا ببعيد.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق August, 27 202
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة