عندما دشن دكتور طه بلية ورفاقه الاعلان عن قيام مؤتمر البجا في ذلك المؤتمر الشهير عام ١٩٥٨م في مدينة بورتسودان والذي حضره رئيس وزراء السودان حينها عبدالله خليل .. وشهد ذلك المؤتمر التأسيسي طرح المطالب الكبري للمنطقة المتمثلة بالفيدرالية والتنمية وكان عشق وتفاني اولئك النفر المؤسسين لاهلهم ومنطقتهم وتجردهم واخلاصهم للقضية مما لايستطيع احد التشكيك فيه وبغض النظر عن المسار الكلي لشكل لنظم السياسيه التي هيمن فيها الحكم العسكري منذ عبود مرورا بمايوا والانقاذ اخيرا والهامش الزماني الضئيل للفترات الديمقراطية ( انا من انصار الرأي القائل ان قيام مؤتمر البجا هو احد الاسباب الرئيسية لتسليم خليل السلطة لعبود ) اقول وبغض النظر عن هذا المسار العام فان د . بليه ورفاقه من خريجي كليات ومعاهد الانجليز لم يوفقوا في التقدير الصحيح لواقع مجتمعهم ودفعوا ثمنا كبيرا لاحقا لسوء هذا التقدير وهو التعامل مع المجتمع البجاوي وكأنه مجتمع ناضج سياسيا يعرف مصالحه الحقيقية واعداءه واصدقاءه.. ان المثاليه التي طبعت تعاطي بليه ورفاقه مع مجتمع البجا في تلك الحقبة في راي هي نتيجة متوقعه لنوع التعليم الاستعماري الذي تلقوه حيث ان كل مثقفي السودان امتازوا بهذه المثاليه فالتعليم البريطاني كان يهدف لتخريج كوادر وسيطة تساعده في ادارة دولاب الدولة فقط وليس مثقفين يمتلكون وعي وافق سياسي .. بلا شك ان الانجليز مارسوا نوع من التهميش علي شرق السودان في التنمية والخدمات ربما انتقاما من معارك دقنة معهم والهزائم التي تلقوها علي يده .. هذا التهميش من السلطة الاستعمارية والذي ورثته الحكومات الوطنية اذا اخذناه في التحليل السياسي كعامل خارجي لتفسير تخلف المنطقة فهناك ايضا عامل داخلي لايقل اهمية في تفسير تخلف المنطقة وساهم في تأخر البجا عن رصفائهم من القوميات السودانية الاخري وهو مقاومتهم للتغيير وبطئهم الشديد في التكيف مع المستجدات وهذا عامل ذاتي ثقافي ، طبعا هنا لا انتقد الثقافة البجاوية ككل ففيها جوانب مشرقة كثيرة وتبعث علي الفخر .. اقول ان الخطأ الذي وقع فيه بليه ورفاقه هو تعاملهم مع هذا المجتمع الذي يعاني من التهميش والمقسم قبليا والذي يفتقر الي الوعي السياسي اللازم، تعاملوا معه كمجتمع سياسي ناضج يبلغ درجة من الوعي بحيث يعرف مصالحه واعداءه وتكفي بضعة ندوات سياسية حماسية لتغييره بحيث يحصلوا علي اصواته في الانتخابات .. اعتقد ان المهمة التاريخية التي كان ينبغي علي دكتور بلية ورفاقه القيام بها كمثقفين يمثلوا طليعة لمجتمعهم هو عدم التعويل علي العمل السياسي فقط واهمال العمل الاجتماعي والثقافي التوعوي وهو عمل رسالي يحتاج الي نفس طويل وعدة اجيال حتي يؤتي اكله و دكتور بلية ورفاقه لم تكن تنقصهم الرسالية والتضحية ، والمفارقة ان هذه المهمة لا زالت تنتظر من يقوم بها برغم مرور اكثر ستون سنة علي تلك الفترة بالرغم من انتشار التعليم نوعا ما لكن لازال العامل الثقافي الذاتي يلعب دورا كبيرا في تأخر البجا ، وهذه المهمة مناطة بالمثقفين والخريجيين وهم الان كثر .والعالم المعاصر اصبح يميل الي هذا الجانب الذي تمثله منظمات المجتمع المدني ..
عبدالقادر هيكل ٢٠١٦م
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق July, 31 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة