عندما تتصارع الفيلة تموت الحشائش بمفعول الدمار، الذي يصيبها جراء شدة وطأ الأقدام العملاقة لهذه الكائنات العظيمة الجثة، في الحروب التي تخوضها الاحلاف والتحالفات الدولية تذهب مقدرات البلدان الصغيرة هباءًا منثورا، الحربان العالميتان لم تخرجا الا بنصر للاحلاف الكبيرة وتقزّم للدويلات الصغيرة، فما أن وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها الا وقد رسم الهازم والمهزوم معاً خارطة الطريق المستقبلي للكوكب المائي الاخضر، وذلك المستقبل هو حاضرنا المتشكل اليوم، الحلف المهزوم - اليابان والمانيا - في تلك الحرب المهلكة قاد نهضة صناعية منافسة للحلف المنتصر، بينما ظلت البلدان الخام - الحشائش - المدمرة لا تقوى على النهوض، بل وفرض عليها أن تبقى مخازن ومستودعات للمعادن النفيسة والنادرة، ومستقر ومقام للمواد الرئيسية الداخلة في تصنيع اغلب منتجات تقنيات المعلوماتية الحديثة، مثل الكوبالت بالكنغو واليوارنيوم في مالي والذهب السوداني. السؤال الجدير بالطرح: الى متى تبقى الدويلات الافريقية لاعبة لدور الحارس الامين للمخزون الاستراتيجي للصناعات الغربية – الثروات الوطنية الافريقية؟، معظم المستعمرات الفرنسية والبريطانية من بلدان الغرب والوسط الافريقي ما زالت ترفد الخزائن الاوروبية بموارد هذه المعادن الثمينة المستخرجة من الأرض الافريقية بالايدي العاملة المحلية، المستعمرات الفرانكفونية تمارس عليها فرنسا قبضة صارمة على نظمها البنكية والمصرفية وذلك بربط عملاتها الوطنية بالفرنك الفرنسي - فرنك سيفا – ورهن قيمته الشرائية بما يحدده البنك المركزي والنادي الباريسي، فدول مثل مالي والنيجر والسنغال تنير المدن الفرنسية بالطاقة الكهربائية النووية المعتمدة اساساً على تخصيب اليورانيوم المستخرج من اراضيها، وعواصمها تعيش تحت عتمة الظلام الدامس المخيم على لياليها باستمرار، وعلى ذات الدرب يسير السودان كرافد من روافد الاقتصاد العالمي بأهم سعلتين - الذهب والصمغ، فتجده دائم الاستجداء للدعم الاقليمي والدولي من أجل المأكل والمشرب من دول وسيطة في تسهيل عملية الاتجار بهاتين السلعتين الرأسماليتين. حلف النيتو الذي فر من روسيا فرار النعامة من صفير الصافر، هدم عرش مُلك معمر القذافي – ملك ملوك افريقيا – عندما تخلى القذافي عن التوجه العروبي، وتقدم بمشروع البنك الافريقي والعملة الافريقية الموحدة المدعومة بغطاء الذهب الافريقي، لقد دكت امبراطوريته الجماهيرية دكاً دكاً لأنه لا يملك ترسانات السلاح النووي، ولا يملك التقنيات الدفاعية الحديثة المملوكة حصرياً للفيلة الكبيرة التي رسمت خارطة العالم الجديد بعد الحرب العالمية الثانية، فالاستئساد الروسي على حلف النيتو الذي تشهده شاشات القنوات التلفزيونية هذه الايام الصعيبات، ما كان له أن يكتمل لو لا امتلاك مفاتيح فك الشفرة العالمية التي تعلمها الصين وكوريا الشمالية والجمهورية الايرانية سائرة على هذا الدرب الوعر، وكما ذكر احد النابليونيين القدماء أن الحقيقة تكمن في فوهة البندقية (القوة)، ومن لا يحسم أمر تملك هذه القوة يعيش أبد الدهر رهن اشارة الضعف والخزلان، فالبلدان الافريقية بحاجة لثورة تحرر وانعتاق وطني شامل تستعيد بها سيادتها وتتخلص من الايدي الاخطبوطية للغرب الاوروبي. الحرب الروسية الاوكرانية لن تستمر طويلاً بعكس ما ادلت به وزيرة خارجية احدى الدول الاوروبية، وسوف يصل الحلفان لتوافق ولو مرحلي وسوف تعود الحياة الى طبيعتها، فالشعوب الاوروبية لها ذاكرة مليئة بالصور المأساوية لأبشع الحروب الكونية المندلعة على سطح الكوكب الاخضر، لذلك لن تسمح شعوب هذه البلدان باستمرار النزف بين بني جلدتها بذريعة أن هذا شرقي وذاك غربي، فمن هو ذلك الرسول الذي يلهم الناشطين في الحقل السياسي من النخبويين والصفويين الافارقة ليخرجوا من حالة السبات العميق هذه؟، وتلك الشعلة التي اوقد نارها أبي احمد باثيوبيا وبول كاقامي برواندا والرئيس التنزاني الراحل بشرق افريقيا، هل تصبح منارة تنير الطريق للشباب الافريقي للصعود على درج سلم المجد وتحرير الذات من الارتهان للغرب؟، إنّ افريقيا لم تطوِ الظلام ولم تودع الحقب العجاف الماضية والحاضرة ومازالت ماضية في نومها العميق داخل كهفها تحسو الاسى وتؤرق.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة