دعونا نتجاوز العداء التاريخي بين مصر والسودان .. وأقول عداء لأن الاشكالية ليست سياسية فقط..بل اشكالية عنصرية متبادلة تجاه اللون الأسود والأبيض اذا جاز ان نعتبر المصريين بيض البشرة ولكن ليس وفقا للمعيار الأوروبي.. هناك اشكالية شعبية ..اي بين الشعبين .. هناك شعور مصري استعلائي .. وهناك شعور سوداني قومي.. (يتوحد السودانيون في كره الآخر ..وهذه محمدة) .. في السابق اي في الستينات كان المد العروبي ينطلق من القاهرة .. وكانت زيارة عبد الناصر للسودان انتصارا للتيار العروبي وهذا كان يخلق تآلف سياسي بين الدولتين .. الآن توقف المد العروبي .. ومصر تقهقرت .. والنزعة العروبية في السودان صارت محل استهجان من الذين لا يعتبرون أنفسهم عرب ، ومن الذين يعتقدون ان العرب لا يعتبرونهم عرب لسواد اللون ، صار الخطاب العروبي خطابا شاذا جدا .. وصار الناصريون والبعثيون قلة .. ليس في السودان فقط..بل هناك نزعة كبيرة لتجاوز العروبة في أغلب الدول العربية الآسيوية والأفريقية.. وحلت محلها فكرة الخصوصيات الثقافية عند الأمازيغ والسريان والطوارق والفولاني وغيرهم ... وبالتالي فإن الرابط العروبي بين مصر والسودان تقلص كثيرا.. مصر التي تعتبر نفسها خارج قارة أفريقيا وتحاول ان تدخل بالقوة الى القارة الأوروبية عبر تكتلات قريبة كالفرانكفونية وكاعتبارها مراقب في الاتحاد الأوروبي وغير ذلك من أوهام ..والسودان المنقسم على مستوى القيادة السياسية التي لازالت تؤمن بانتمائها العربي والأغلبية من القاعدة التي ترى عكس ذلك خلق خطابين متناقضين.. في أزمة مصر الأخيرة انتقلت عمالة مصرية كثيرة لأول مرة الى السودان .. وبدا أن غمامة جهل الانسان المصري بالسودان بدأت تنقشع قليلا .. ولكن هذا لم يدعم الوحدة بين البلدين كثيرا .. بل ربما تكون فكرة الوحدة أساسا غير مطروحة للجانب السوداني وهي ان كانت مطروحة لدي الجانب المصري فمن خلال نظرة فوقية ورغبة في التبعية المطلقة..وعموما الشعب السوداني والذي يسافر الى مصر زرافات ووحدانا للعلاج او التعليم يستهجنون السلوكيات المصرية والتي تعتبر عادية جدا في مصر كالشجارات والشتائم بأقذع الألفاظ النابية واهتمام الانسان المصري بالنقود بالاضافة الى سلوكيات الطبقة غير المثقفة في مصر والتي يختلط ويحتك بها اي سوداني يسافر الى مصر من سائقي التاكسي وسماسرة العقارات وبوابي العمائر .. وهؤلاء لديهم نموذج خلقي لايمكن ان يتخلوا عنه أو هكذا يتصوروا وإلا فسيعانوا معاناة كبيرة ..يعود السوداني بمفاهيم سلبية جدا عن مصر وهو يعتقد أن هذا هو كله الشعب المصري وهذا بالتأكيد غير صحيح.. إذا فالفجوة النفسية والثقافية بين الشعبين متعاظمة وكبيرة ..ولا أعتقد أنها ستتقلص عما قريب.. نأتي الى قضية حلايب وشلاتين.. لا شك أن هناك براهين وأدلة كثيرة على ان حلايب وشلاتين تتبع للسودان وأعتقد ان هذا ما يمنع مصر من القبول بالتحكيم الدولي كما فعلت مع اسرائيل في قضايا منازعات الاقليم كطابا وغيرها .. لكن مالذي يدعوا مصر والسودان الى الصراع حول هذه الصحراء المجدبة ..في الواقع قامت مصر بمحاولة لتمصير مثلث حلايب وشلاتين ..فأدخلت الكهرباء والماء وبنت المدارس وقسمت المواد التموينية على السكان ومنحتهم الجنسية المصرية ..وعينت العمد والاداريين الأهليين وأدخلت دوائر انتخابية لحلايب وشلاتين وانشأت المحاكم.. وغير ذلك..إذا فالنزاع بين مصر والسودان قد أفاد سكان حلايب وشلاتين فائدة ما كانوا ليحلموا بها لو أن حلايب وشلاتين كانت مستقرة للسودان الذي تعاني أغلب اجزائه من التهميش وضعف التنمية والحروب والجهل والفقر والمرض .. لذلك في رأيي ان حلايب وشلاتين حتى ولو كانت سودانية فإن مصلحة شعبها تكمن في انتمائهم لمصر ... إن مصلحة الإنسان مقدمة على الحدود السياسية الوهمية التي خلقها الاستعمار ...
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة