لدى من يعلنون عن أنفسهم ككتاب شباب عندنا نرجسية عالية جدا .. بحيث أنهم باتوا يمارسون نقدا على كافة الكتاب العمالقة ويستخفوا بالانتاج التاريخي والتراثي لهم ، طبعا جذوة الشباب وعنفوان الطموحات ، والرغبة في التجلي والظهور تدفعهم إلى استخدامهم هم أنفسهم لمعايير شديدة السطحية سواء في نقدهم لمنتجات غيرهم ام ممارسة الانتاج هم انفسهم ، عملية الأدب أو فعل الكتابة صار محاط بقيود هم وضعوها لأنفسهم ونسوا أن الكتابة في المقام الأول هي تحرر ووضع قيود على العمل الأدبي أو على فعل الكتابة يصادر على الأثر المعنوي الكبير للكاتب وهو التحرر ، يمكننا أن نلمس فكرة المزج بين التجلي الابداعي والتحرر في روايات الأدباء العالميين الذين لا يأبهون للخضوع لتقييم الجوائز المحلية أو الإقليمية أو الدولية ... عندما تتحرر عبر الكتابة يندمج الابداع بالجدة والفطرية والطزاجة ويخلق نفس رقيق للقارئ ، فكتابات نجيب محفوظ تطلق رائحة التاريخ من عقالها ، وكتابات كونديرا وكازانزاكس وماركيز ، تعبر عن انطلاق القلم بتجليات منبثقة منه هو نفسه ، وهيرمان هيسة ينحت مفاهيم وصور على الجلمود ليعلن ميلاد التخصص في فن الكتابة ، وكينزابورو اوي يطرح المجتمع الياباني على طاولة الحوار في الوقت الذي يقف فيه مواطنه موراكامي موقفا حداثيا واضحا . الكتابة لا تخضع لقيود فهي تحرر كتحرر بيكيت عبر عبثياته في موت مالون وفي انتظار جودو وهي في نفس الوقت تمرد على كافة السلطات السياسية والثقافية والاجتماعية فكيف نقولبها ونعولبها من خلال نقد مسرطي بيروقراطي جاف . مستحيل يا شبابنا .. مستحيل .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة