هناك ألغاز كثيرة تحيط بعملية رفع الدعم عن الدواء، أو لنكون أكثر دقة، ارتفاع أسعار الدواء بعد تخفيض قيمة الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية. هناك جدل كثيف حول ما حدث بالضبط، وتعريفه، وانعكاساته على أسعار الأدوية. الذي لا جدال فيه أن هناك ارتفاعاً خرافياً في أسعار بعض الأدوية، بشكل يجافي كل منطق، ولا يتماشى مع كل حسابات. في حساب قيمة العملة الوطنية، فقد حدث تخفيض في مواجهة العملات الأجنبية عموماً، لكننا لأننا لانعرف غير الدولار، فلنجعله مقياساً، ونقول أن قيمة التخفيض بلغت 245%، وبالتالي فإن أية زيادة في قيمة البضائع والسلع المستوردة بالدولار الحر يمكن تفهم أنها ستبلغ ارتفاعاً بنفس القيمة. هذا طبعاً باعتبار السلع التي كان يتم توفير الدولار لها من بنك السودان. لكن في حقيقة الأمر فإن معظم السلع كانت تستورد بدون دعم بنك السودان، وبالتالي فإن نسبة ارتفاع الدولار بالنسبة لها لا يمكن أن تتجاوز 20%، وهي نسبة ارتفاع أسعار الدولار في السوق الأسود في الفترة الأخيرة. حين نأتي للدواء تحديداً فقد ظلت شركات الأدوية وغرفة المستوردين وأصحاب الصيدليات يشتكون من أن البنك المركزي لا يوفر الدولار بالسعر الرسمي لمعظم الأدوية (6.5) ، وقال بعضهم أن ما يوفره البنك لا يتجاوز 10% من حاجة سوق الدواء. بمعنى أن أكثر من 90% من الأدوية يتم توفيرها بجهد ذاتي من المستوردين، أي بسعر السوق الأسود. الآن رفع البنك المركزي، بدعم وتبرير من وزارة الصحة الاتحادية مع الأسف، يده تماماً من دعم بعض الأدوية، وبالتالي من المتوقع أن يرتفع سعرها بنفس نسبة الفرق بين السعر الرسمي القديم، والسعر الجديد، وهي 245%. لكن وبحسب شهادات سابقة من شركات الأدوية والمستوردين، فإن هذه لا تتجاوز نسبة 10% من الأدوية المستوردة، أما بقية الأدوية (90%) فهي أصلا كان يتم توفير العملة الصعبة لها من السوق الأسود، وبالتالي يجب ألا يتجاوز سعرها الجديد نسبة زيادة 20%. فلماذا إذاً ارتفعت أسعار كل الأدوية هذا الارتفاع الخرافي..؟ هذا لغز يحتاج لتفسير، والجهات المطالبة بالتفسير كثيرة ومتعددة، أولها وزارة الصحة والأجهزة المسؤولة عن مراقبة وتصنيف الأدوية، ثم شركات الأدوية والمستوردين، وإلى أصحاب الصيدليات. من المؤكد أن هناك تلاعباً كبيراً يحدث في أسعار الأدوية، وهناك لوبيات مستفيدة، وهناك من يحقق أرباحاً خرافية من وراء معاناة المواطن البسيط. المدهش في كل هذا هو أن ترفع وزيرة الدولة للصحة راية الدفاع عن هذا الارتفاع وتقديم التبريرات له، بينما كان يكفيها الجزء الأول من تصريحاتها بأن الدولة عاجزة عن توفير 400 مليون دولار لدعم الأدوية. هذه الحكومة، التي هي جزء منها ليست عاجزة بمعنى أنها لا تملك هذا المبلغ، لكن لديها اختلال في أولياتها، فمثل هذا المبلغ، بل وأضعافه، يصرف في منافذ لا تشكل أولوية للمواطن. وكان المأمول أن تقف وزارة الصحة مع الداعين للدولة، بل والضاغطين عليها لتعطي الصحة أولوية في موازنتها، وترتفع بها للنسبة العالمية، حتى عند الدول الفقيرة. من يملك مفتاح الإجابة على هذه الألغاز؟ altayar
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة