لم تصدق أميرة الحسن أعينها وبدأت تقترب أكثر من شاشة التلفاز.. الشيخ يصالح الحزب الحاكم.. اللقاء فيما تعكس الصورة كان ودياً وانتهى بعشاء دسم.. كادت من غضبها أن ترمي الشاشة وتحطمها.. اكتفت بإغلاق التلفاز.. مضت إلى غرفة نومها التي تحولت بمرور السنين إلى ما يشبه المكتبة..عندما يغيب الرفيق تبدو حجرة النوم شيئاً كئيباً.. لم تشعر أبداً أميرة بهذا الإحساس من قبل.. بل على النقيض كانت دائماً تشعر بأنها فازت في امتحان السلطة ..تضحيتها كانت مثار إعجاب كوادر الحزب الشعبي. أطفأت السيدة الفضلي الأنوار.. حاولت أن تنام وفشلت.. حينما حاصرتها تصريحات الشيخ عن فتنة السلطة والمال سدت أذنيها ب(مخدة) من الفلين.. الذكريات تتسرب من وراء النوافذ المغلقة بإحكام.. في ذاك المساء قبل سبعة وعشرين عاماً تم إبلاغهما أن الشيخ يطلب حضورها.. ظنت لحظتها أن تكليفاً جديداً سيوضع أمامها.. انتظرت قليلاً ثم سمح لها بالدخول.. شعرت أن الشيخ يترفق بها على غير العادة.. سألها بمودة عن والدتها حاجة علوية .. بذات الهدوء أخبرها أن أحد إخوانها في الله قد خطبها منه..ارتجفت أميرة شعرت لأول مرة بأنها أثنى .. في سابق الأيام كانت مجرد كادر في محراب الدعوة. زواج أميرة وعبد المنعم كان حدثاً في أواسط الإسلاميين.. كانت أميرة أكثر نجومية من زوجها بسبب عملها المفتوح.. فيما كان عبدالمنعم أكثر تأثيراً بحكم عمله في الأجهزة الخاصة بالمعلومات.. البيت السعيد كان يختلف عن غيره من البيوت.. اجتماعات تعقد وأخرى تفض.. ضيوف يأتون من غير موعد.. أم المؤمنين حاجة علوية رغم ختميتها فقد ركبت الموجة وباتت تسلم مناشير للكوادر السياسية في غيبة ابنتها وزوجها. في ذلك اليوم التاريخي لم يحضر عبدالمنعم للبيت حتى الواحدة صباحاً.. في ليلة المفاصلة اتخذ الرجل موقفاً يدعم الدولة.. كان يدرك أن معركة طويلة تنتظره في المنزل.. زوجته كانت ناشطة في الوجهة الأخرى ..بل إن اسمها برز في أكثر من تقرير.. كان عبدالمنعم يدرك أن الأمور ستكون أسوأ مما يتصور.. فكر في التعويل على عامل الزمن حتى تزول الصدمة.. اختار أن يبيت تلك الليلة عند شقيقته بالديم.. قبل أن يصل إلى مبتغاه كانت أميرة تكاد تخرج له غاضبة من شاشة الهاتف الجوال.. عندها قرر أن يواجه الموقف بحزم حتى لا تفلت الأمور من بين يديه.. إذا لم يسيطر على أميرة سيفقد كل مستقبله السياسي. حينما أدرك بيته في حي الصحافة وجد أميرة تنتظره في الشارع..الخيارات كلها مرة.. فراق السياسية يترتب عليه فراق في المضاجع.. قالت له بوضوح تزوجت في سبيل الله والآن أطالب بالطلاق في ذات السبيل.. كان يدرك صلابتها في اتخاذ القرار..أقسى تنازل ناله في تلك المفاوضات أن ينسحب من حياة أميرة وعيالها..إنه الطلاق إلا قليلاً. طوال خمسة عشر عاماً لم يدخل عبدالمنعم الدار إلا ضيفاً غير مرحب به وفي المناسبات الرسمية فقط.. زواج ابنة أو سفر ابن أو موت عزيز.. تقابله الزوجة المعلقة بحجاب لا يشف ما تحته.. بعيد أشهر من المفاصلة سطع اسم عبدالمنعم وبات وزيراً نافذاً..تزوج من إحدى حسان المدينة..لم يكن يطلب شرطاً في الزوجة الجديدة غير إجادة الطبخ والبعد عن السياسة. سمعت حاجة أميرة طرقاً على الباب..ارتدت على عجل طرحة ومضت إلى حيث النداء.. رددت من وراء الباب المغلق” منو”..جاءها الصوت الذي تعرفه جيداً..لم تعرف ماذا تقول.. ظنت أن المسؤول الكبير جاء شامتاً.. لم يتركها عبدالمنعم تفكر نظر إلى الأرض ثم قال لها “صدر قرار قبل قليل بإعفائي من الوزارة “.. قفزت إلى صدره باكية وهي تقول “ ظنناها دعوة تستحق التضحية ولكنها كانت مجرد سياسة”.. فتحت أميرة الباب على مصراعيه لزوجها العائد بعد غيبة سنوات طويلة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة