إلتقى المهندس الزراعى ابراهيم محمود حامد مساعد رئيس الجمهورية بأبناء ولايتى جنوب كردفان والنيل الازرق ظهر يوم السبت العشرين من أغسطس 2016 بقاعة النائب الاسبق لرئيس الجمهورية المرحوم الزبير محمد صالح.وهذا هو اللقاء الثانى للمهندس ابراهيم مع ابناء جنوب كردفان فقد سبق اللقاء الأخير لقاء بقاعة الصداقة قبل شهور قليلة.واعتقد ان مثل تلك اللقاءات تتيح فرص وان كانت قليلة لابناء الولايتين البعيدين من مراكز اتخاذ القرار ليعبروا عن شواغلهم ورؤاهم ويخرجوا بعض الهواء الساخن الذى يهرى مصارينهم مثلما فعلت المناضلة اعتماد عيسى الفكى على الميراوى فى اللقاء الأخير.ويحمد للمهندس ابراهيم سعة صدره وتقبله التعليق والملاحظات التى تكون أحياناً حادة وقاسية والرد عليها بهدوء وبدون انفعال.ولكن قريبى حسين ابراهيم كرشوم الذى أدار لقاء السبت قد أفسده بحصر فرص النقاش والتعليق فى أشخاص بعينهم ليس من بينهم الدكتور صديق تاور ولا شخصى الضعيف. وقد خذله بعضهم بالسخرية من المفارضات و التشكيك فى قدرات المفاوضين الحكوميين والمطالبة بأن يوكل التفاوض الى الادارة الاهلية والشباب. لماذا اللقاء ؟ قال المهندس ابراهيم ان الغرض من اللقاء هو التفاكر مع ابناء الولايتين حول أمرين الأول هو لماذا طال أمد الحرب التى اندلعت فى 1983 والامر الثانى هو كيف نوقف الحرب ؟ ولكن لم يطرح المهندس ابراهيم السؤال المهم والمفتاحى وهو لماذا اندلعت الحرب ابتداءاً ؟ وبدون طرح ذلك السؤال و الإجابة عليه بموضوعية وبدون دغمسة لن نستطيع الوصول الى اجابات موضوعية (اى تقوم على الحقائق) ومقنعة.وسوف أحاول أن أجيب فى هذا المقال على الأسئلة لماذا اندلعت الحرب ولماذا تطاولت وكيف يمكن أن نوقفها ؟ المحرش ما بداوس : التحريش هو الاغراء أو التحريض والدواس كما يعرف القارئ الكريم هو القتال وينطوى هذا المثل السودانى البسيط على مغزى كبير جدا وهو ان الشخص واى شخص لن يقاتل ويعرض نفسه للموت و الهلاك اذا لم يكن بداخله دافع قوى جدا ولا يقاتل الناس ويعرضون أنفسهم للموت استجابة للتحريض والاغراء.فما هو الدافع القوى الذى جعل أبناء جنوب كردفان وأبناء النيل الأزرق يحملون السلاح ويقاتلون ويعرضون أنفسهم للموت ؟ تكريس وتعميق التفاوت : لا يختلف أثنان فى أن الاستعمار الانجليزى قد ركز التنمية القليلة جدا (تشييد الطرق والمدارس والمستشفيات الخ)فى وسط وشمال السودان الامر الذى أدى الى تفاوت كبير بين شمال السودان و وسطه وبقية أجزاء السودان وخاصة فى مجال التعليم الأمر الذى أدى الى أن يحل ابناء الوسط والشمال (النخبة النيلية) محل القوى المستعمرة فى ادارة الدولة بعد الاستقلال. ولم تقم النخبة النيلية بأية مجهود لازالة التفاوت بين اجزاء السودان بل عملت على تكريس وتعميق ذلك التفاوت عن طريق ممارسة أبشع أنواع المحسوبية والمحاباة الجهوية والقبلية فى تشييد البنيات التحتية وتقديم خدمات التعليم و العلاج وفى الاختيار للعمل فى جهاز الدولة من خدمة مدنية و ضباط الجيش و الشرطة و السلك الدبلوماسى و البنوك و الشركات الحكومية و الإبتعاث للدراسة خارج السودان و فى توزيع مشاريع الزراعة الآلية و فى الفضفضة و طق الحنك فى أجهزة الإعلام القومية مثل التلفزيون و الإذاعة.و تمارس المحسوبية و المحاباة البشعة حتى فى الأجهزة المناط بها اقامة العدل ورفع المظالم ورد الحقوق. وقد ولدت المحاباة والمحسوبية البشعة شعورا قويا بالظلم.وقد زاد الطين بلة التصرفات الإستفزازية مثل دمغ كل من يتحدث عن الظلم بالعنصرية و حتى العمالة و مثل حملة تطهير العاصمة فى عهد الرئيس جعفر النميرى ( تطهير!!!) عندما طورد أبناء جنوب كردفان مثل الأرانب فى شوارع الخرطوم و أمدرمان و الخرطوم بحرى و حشروا فى الدفارات و رحلوا إلى من حيث أتوا ومثل الاستخفاف بردة فعل المظاليم . و قد تضافرت عوامل الظلم و الإستفزاز و الإستخفاف و أدت الى أن يحمل بعض أبناء الجنوب والغرب والشر ق السلاح بحثاً عن العدل و الإعتبار recognition. ولكن لماذا طال أمد الحرب ؟ طرح المهندس ابراهيم محمود حامد سؤالاً يقول لماذا طال أمد الحرب من 1983 وحتى اليوم ولكنه لم يجب اجابة كاملة واكتفى بالقول ان هناك من استثمر فى الحرب بمعنى له مصالح تجارية ومالية وسياسية فى استمرار الحرب. وأعتقد ان ذلك الكلام صحيح. فهناك أكثر من طرف له مصلحة فى استمرار الحرب. هناك القوى الاجنبية البعيدة والقريبة التى تريد اضعاف السودان وانهاكه اقتصاديا وعسكريا بل وتفكيكه.وهناك من له مصلحة فى قبض الاموال من الدول والمنظمات ووضعها فى جيبه وهنالك من له مصلحة شخصية فى السفر والسياحة وقبض دولارات بدل الاعاشة والتجارة فى الملابس الجاهزة والهواتف المحمولة وغيرها من سلع تجارة الشنطة ولكن هناك فى تقديرى سببان رئيسيان لطول أمد الحرب.السبب الرئيسيى الأول هو ان نار الحرب تصل مباشرة الى المظاليم أنفسهم وتحرقهم.لأن الحرب تدور فى ديار المظاليم وتؤدى الى موتهم هم وتوقف أنشطتهم الانتاجية وتوقف خدمات التعليم والعلاج وتوقف التنمية.ولا تؤثر الحرب مباشرة على الذين بيدهم سلطة اتخاذ القرار ولا على أهلهم الذين يتعاملون مع الحرب التى تدور اليوم فى جنوب كردفان والنيل الأزرق وكأنها تدور فى عالم آخر لا صلة لهم به.والسبب الرئيسيى الثانى لطول أمد الحرب هو أن حكومة الانقاذ كانت وربما ما زالت تعتقد أن نار الحرب يمكن أن تطفأ عن طريق تفتيت الحركات المسلحة وتكسير الرؤوس بمعنى الانتهاء من قيادات الحركات المسلحة بشرائها بالمال والمناصب.ولكن أثبتت التجربة ان تلك السياسة قد أدت إلى تكاثر الحركات المسلحة و تكاثر الرؤوس التى تطمع فى المال والمناصب . ولا أعتقد ان هناك صعوبة كبيرة فى وضع حد للحرب واستدامة السلام اذا ما كانت الحكومة جادة فى ذلك. العدل ولاشئ غير العدل : ان ايقاف الحرب يكون عن طريق التصدى المباشر والصادق للاسباب التى أدت الى اندلاعها وعلى رأسها الظلم الناتج عن المحسوبية والمحاباة الجهوية والقبلية البشعة وبدون رفع الظلم ورد الحقوق واقامة العدل لن يتحقق اى سلام او استقرار فى السودان. وقد تطفأ النيران مؤقتا هنا وهناك لتشتعل مرة أخرى وقد يقع ما هو أخطر من الحرب فى شكل انفجار عشوائى فى شوارع العاصمة يقضى على الأخضر و اليابس. والمطلوب اليوم ليس ايقاف الحرب فقط بل المطلوب أكثر استدامة السلام والاستقرار ولا يوجد للأسف الشديد اى طرح من قبل الحكومة لتحقيق ذلك كما ظهر من حديث المهندس ابراهيم محمود حامد. فقد أكثر من الحديث عن الحملات الاعلامية ودور قيادات المنطقنين ويراهن على دور المجتمع الدولى أمريكا وأوروبا الذى أزعجته الهجرة والارهاب ويرغب فى تحقيق الاستقرار فى بؤر النزاعاات مثل السودان ولكن تلك لن تجلب سلاماً أو تستديمه. فالحملات الإعلامية مجرد كلام و طق حنك و لاتملك قيادات المنطقتين ما تعطيه لرفع الظلم و رد الحقوق و الذى يدعم الحركات المسلحة عسكريا وماليا واعلاميا حكومات ومنظمات دينية وعنصرية ذات أجندة خاصة ليس من بينها الهجرة والارهاب ويقع على الحكومة السودانية واجب اجهاض مخططات تلك الجهات. ويأتى فى مقدمة جهود الحكومة لاجهاض مخططات تلك الجهات السعى الجاد لايقاف الحرب بإزالة االمتاريس التى تحول دون الوصول الي السلام . متاريس فى طريق ايقاف الحرب : هناك ستة متاريس فى طريق ايقاف الحرب يقع على الحكومة واجب ازالتها وهى : أولاً ما هو مصير عرمان وعقار والحلو فى حالة الاتفاق على ايقاف الحرب.فقد قال الرئيس عمر البشير أنه قد أقفل الطريق الى الكراسى عن طريق البندقية ( صحيفة السودانى عدد الخميس العشرين من أغسطس 2015). واذا ما طبق هذا القرار حرفيا فأنه سوف يشكل معضلة حقيقية فى طريق ايقاف الحرب لان عرمان وعقار والحلو لم يقودوا الآخرين للقتال لعدد من السنين من أجل أسترداد حقوق أهلى فى الدلنج والفرشاية والكدر والصبى والمندل وام علوان. ولكنهم يفعلون ذلك من أجل طموحاتهم الشخصية جدا ولن يقبلوا الخروج من المولد بدون حمص. وثانياً ما هى خطة الحكومة بالنسبة لجنود الحركات الذين يحملون السلاح فأولئك لم يحاربوا من أجل عرمان والحلو وعقار بل لهم تطلعاتهم الخاصة. وثالثاً تقول بعض الاصوات فى الحكومة ان على الحركات المسلحة أن تقبل بأن تحل جيوشها مباشرة بعد الاتفاق على ايقاف الحرب وهذا فى تقديرى كلام غير مسؤول ويقصد منه عدم الوصول الى اتفاق لايقاف الحرب لان الشئ المنطقى هو ان تكون هناك فترة انتقالية لمدة سنة أو سنتين تختبر فيها الحركات المسلحة مصداقية الحكومة. ورابعاً هناك بعض الاصوات فى الحكومة تطالب الحركات المسلحة بتحديد مواقع قواتها قبل الوصول الى اية اتفاق وكأن مخابرات القوات المسلحة السودانية ومخابرات جهاز الامن والمخابرات السوداني قد عجزت وفشلت فى معرفة تلك المواقع.وتلك الاصوات هى التى استثمرت فى الحرب ويجب أن تسكت. وخامساً هناك بعض المواهيم فى الحكومة يعتقدون فى امكانية إلحاق الهزيمة العسكرية الكاملة بالحركات المسلحة وأن المفاوضات مجرد حملة علاقات عامة ولكننا نعرف من تجربتنا فى جنوب كردفان أن قيام شخص واحد باطلاق رصاصة على عربة تسيرعلى طريق الدلنج الأبيض أو الدلنج كادوقلى يؤدى الى شل الحياة الاقتصادية والاجتماعية ولهذا لا نقبل بأقل من الايقاف الكامل للحرب عن طريق التفاوض واستدامة السلام والاستقرار. وسادساً اعتقد أن الطريقة التى تجرى بها المفاوصات وخاصة ما يتعلق بدور الوسيط الرئيس أمبيكى تحتاج الى تغيير. فدور الوسيط الحالى هو محاولة التوفيق وتقريب المواقف ولكن الوصول الى اتفاق يحتاج فى أغلبية النزاعات الى طرف ثالث يكون له حق اصدار قرارات ملزمة لطرفى النزاع ولهذا اعتقد يجب على الحكومة السودانية أن تطالب الاتحاد الأفريقى والامم المتحدة بتكوين لجنة تحكيم من ثلاثة أعضاء ؛ ممثل للحكومة وممثل للحركات المسلحة وعضو ثالث يختاره الممثلان.وان تكون لجنة التحكيم حاضرة فى كل جولات التفاوض القادمة لتحال اليها نقاط النزاع لتبت فيها فورا بقرارات ملزمة للطرفين. بداية الطريق : ان ايقاف الحرب هو مجرد خطوة فى طريق السلام الذى تتطلب استدامته وتحقيق الاستقرار، تتطلب رفع المظالم ورد الحقوق فى سودان جديد يقوم على العدل الذى يأمر به الله ويقوم على الحرية التى منحها الله لعباده.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة