“فظيعٌ جهـلُ مـا يجـري، وأفظـعُ منـه أن تـدري”... لن تجِدَ تفسيراً كاملاً لما يحدث في قصور الإخوان، لكن بات في حكم المؤكد، أن الإنقاذ الماثلة، ليست هي إنقاذ التسعينيات، ولا هي إنقاذ المفاصلة، الإنقاذ التي بين ظهرانينا، ليست هي إنقاذ “أعِدوا الشبابَ ليومِ النداء” ولا هي إنقاذ مابعد نيفاشا، هذه مرحلة ما بعد التمكين وما بعد الغسول واكتناز المال، هذه مرحلة ما بعد العذاب الذي كان من المفترض أن يحيق بروسيا وأمريكا، هذه مرحلة التطلُّع إلى التطبيع مع “العدو”! الخرطوم اليوم، ينبثق فيها نظام “يشبه الانقاذ، ولا يشبهها”، وهكذا البداية دائِماً، تشبه النهاية ولا تشبهها، الخرطوم اليوم ليست خرطوم “لحسْ الكوع” لقد أسْكَتتْ هذا الصوت فلم يَعُدْ لساناً للتنظيم. الخرطوم حجَّمتْ الدور التنفيذي للمتعافي والخِدِر، ورَفعتْ سدود أُسامة عبد الله من قائمة الاحتفالات القومية، وأغلقت خزائن أبو الجاز التي كانت تعمل بطاقة “صلاة البكور”. الانقاذ تغيرت، كما تُغيِّر الحية جلدها، لكنها لن تستكين بل سكنتْ قليلاً، كما يستكين الشباب حين يخرج من شهواته الجامحة بالإعياء والوجع، ليست هذه فوضى مُنظمة، ولا هي محض صدفة ضربت النظام على جناح السرعة، الانقاذ حصلت على أكثر من مائة مليار دولار من عائدات النفط والذهب، دون ما حازته من قروض وإعانات وتسهيلات.. إن كنت جاداً في اسقاط النظام عليك أن تعرف، أين ذهبت تلك المليارات وفيم استثمرت، وهل لها علاقة بتثبيت الثوابِت؟ الإنقاذ تتطلع غداً إلى تطبيب جراحها مع أمريكا، وإلى رفع العقوبات، تلك “البيعة” يبدو أنها كانت كبيرة جداً، خاصة وإنّ رِضا أمريكا، لا يُشترى بالذهب؟ الانقاذ اسْتًغنتْ- رسمياً- عن خدمات علي عثمان طه، والزبير بشير طه، استغنت عن “طُهاةٌ” كثر، ولا يمكن أن تفتعل هذه التشطيبات النهائية، ما لم يكن لديها خُطة متكاملة ومدروسة، النظام لا يفعل هذا وذاك، كفعل مزاجي.. ربما لأن أكبر مؤسسة في الدولة، لها حقول معلومات تعرف من خلالها الكثير، الحقيقة الأساسية في مناخ السياسة السودانية الحالي، أن الجيش قد زحف، كبديل لسياسة التمكين الحزبي، فهم هذه الحقيقة هو نقطة الإرتكاز لكل ما جرى. النظام لم يتفضل حتى هذه اللحظة بكنس أثار التمكين، لكنه يعلن عن نفسه كداعية للحوار، وكراغب في مد الجسور مع كافة القوى الوطنية، تمهيداً لعدالة انتقالية من المؤمّل أن تشكِّل خطوة نحو حل مشاكل السودان، لكن هذا لا يعني التعميم وإطلاق القول، هذا لا يعني أن ما حدث ويحدث من لفظ بعض أجنحة التنظيم، يمثِّل استعادة لدولة مُختطَفة، ولا هو عسكرة بنت أُمّها وأبوها! كم ستكون هذه الخرطوم صافية المزاج، إذا ما تسودنت مرة أُخرى، ولم يعتكرْ مزاجها بهرطقة التنظيم، لكن هذا حلم بعيد المنال، إن كان ما حدث هو محض مكايدات داخلية، أو هو فورة غضب، أو توزيع أدوار.. هناك شيء ما يدور في الدّهاليز القصيّات، هناك إشارة لا تكفي ولا تؤكد، استغناء النظام عن التنظيم! “فظيعٌ جهـلُ مـا يجـري، وأفظـعُ منـه أن تـدري”!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة