قرأت في أخبار أمس أن جهوداً تتضاعف في البلاد من الجهات الرسمية لأجل القبض على مروجي المخدرات في بلادنا ، فأردت أن أسهم بهذا التأصيل الشرعي لقضيتين مهمتين في هذا الأمر خاصة وأن ترويج المخدرات في مجتمعنا بات أمراً خطيراً جداً ومقلقاً،
إذ كثر من يقومون بترويجها بين الشباب والفتيات ، ولسهولة التواصل بين أفراد المجتمع وكثرة الخلطة، ولأسباب عديدة سهل على مروجي المخدرات مهمتهم وباتت شباكهم بها (تُخمٌ) ، فأردت التنبيه على أن (القتل عقوبة مروجي المخدرات) مما ينبغي أن يكون شعاراً قولياً وعملياً، والأمر الثاني وجوب تعاون عامة أفراد المجتمع مع الجهات المختصة في هذه المهمة البالغة الأهمية. عقوبة الاتجار بالمخدرات وتهريبها والترويج لها: لم يكتف الإسلام بفرض عقوبة الجلد لشارب المسكر فحسب، بل شمل ذلك أيضا كل من أسهم في تهيئتها للمتعاطين لها. روى أبو داود في سننه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه ، هذا ولم يرد في كتب الفقهاء المتقدمين عقوبة محددة على المهرب والمروج والتاجر، ومال بعض الفقهاء المحدثـين إلى تشديد العقوبة على المهرب والمروج والتاجر حتى وصلت إلى حد الحرابة وهو القتل أو التصليب أو تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف. ولولي الأمر أن يتخذ من الوسائل ما يكفل سلامة المجتمع وحمايته من الضرر وأن يسن ما يراه من عقوبات رادعة للأخذ على يد هؤلاء بالسجن والغرامة والمصادرة وكل ما يحقق مصلحة الأمة ومطاردة المفسدين واستتباب الأمن في البلاد ولو أدى إلى قتلهم سياسة إذا رأى المصلحة تدعو إلى ذلك . والدليل على هذا: 1 - ما قرره كثير من الفقهاء من أن لولي الأمر أن يقتل الساعي بين الناس بالفساد تعزيرا وسياسة. 2 - ولأنه إذا عوقب بما دون القتل واستمر في فساده أصبح كالصائل الذي لا يندفع شره إلا بالقتل ، فيجوز لولي الأمر أن يقتله حينئذ سياسة وتعزيراً . 3 - ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر بقتل شارب الخمر في المرة الرابعة إذا أقيم عليه الحد في كل مرة ولم يُجْدِ ذلك في ردعه عنها . فقد روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن عاد فاقتلوه ، (والحديث صحيح وهو بروايات عديدة ، ورجّح بعض أهل العلم كابن القيّم أن القتل في المرة الرابعة أو الخامسة بحسب ما يرى مصلحته ولي الأمر). فهذا الحديث ظاهر الدلالة على قتل من تكرر منه شرب الخمر على رأي من يرى قتله بعد الرابعة أو الخامسة مع أن ضرره مقصور على نفسه لا يتعداه إلى غيره ، فلأن يكون القتل مشروعاً بالنسبة للمتاجر بالمخدرات والمروج لها ونحوهما من باب أولى إذ الضرر المترتب على ذلك ضرر عام ، لا تقتصر آثاره على فرد معين . 4 - أن التجربة أثبتت عدم نجاعة العقوبات التي طبقت على هؤلاء ومن على شاكلتهم في كثير من البلدان التي لم تصل إلى حد القتل بينما نجحت عقوبة القتل التي طبقت في بلاد أخرى في الحد من هذه الظاهرة وحصرها في أضيق نطاق طبقا لما كشفت عنه الإحصائيات الصادرة عن تلك البلاد . وقد أفتى بذلك مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في قراره الصادر برقم 138 وتاريخ 20 / 6 / 1407 هـ متضمنا ما يلي : أولا: بالنسبة لمهرب المخدرات فإن عقوبته القتل لما يسببه تهريب المخدرات وإدخالها البلاد من فساد عظيم لا يقتصر على المهرب نفسه وأضرار جسيمة وأخطار بليغة على الأمة بمجموعها ويلحق بالمهرب الشخص الذي يستورد أو يتلقى المخدرات من الخارج يمون بها المروجـين . ثانيا: أما بالنسبة لمروج المخدرات فقد أكد المجلس قراره رقم (85) بتاريخ 11 / 11 / 1401هـ الذي نص على أن: " من يروج المخدرات فإن كان للمرة الأولى فيعزر تعزيرا بليغا بالحبس أو الجلد أو الغرامة أو بها جميعا حسبما يقتضيه النظر القضائي، وإن تكرر منه ذلك فيعزر بما يقطع شره عن المجتمع ولو كان بالقتل، لأنه بفعله هذا يعتبر من المفسدين وممن تأصل الإجرام في نفوسهم " . وبناء عليه فقد صدر أمر خادم الحرمين الشريفين المبلغ لكل من وزارة العدل ووزارة الداخلية برقم 4 / ب / 9666 وبتاريخ 10 / 7 / 1407 هـ بالعمل بموجبه وتعميمه على المحاكم. ووفق النظام الخاص بجرائم المخدرات المعمول به حاليا في المملكة العربية السعودية فإن العقوبة : 1 - بالنسبة للاتجار والترويج والإهداء: السجن خمسة عشر عاما وغرامة عشرين ألف ريال إلى جانب العقوبة التعزيرية التي يقررها الحاكم الشرعي . بالنسبة للاشتراك وتسهيل التهريب : السجن سبع سنوات والفصل من الخدمة إن كان موظفا . بالنسبة للاستعمال: السجن سنتان إلى جانب العقوبة التعزيرية التي يقررها الحاكم الشرعي. كرم الله الإنسان ونأى به عن مواطن الريب والمهانة ، وامتدح عباده المؤمنين الذين تجنبوا مجالس اللغو وأعرضوا عن عمل الجاهلين فقال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ . وقال تعالى: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ وروى أبو داود في سننه عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الخمر من العصير والزبيب والتمر والحنطة والشعير والذرة وإني أنهاكم عن كل مسكر. ويستفاد من هذه النصوص أنه يحرم مجالسة مقترفي المعاصي أيا كان نوعها ، لأن في مجالستهم إهدارا لحرمات الله وإعراضا عن شرعه؟ ولأن من يجلس مع العصاة يتخلق بأخلاقهم ويجري على لسانه ما يتناقلونه من ساقط القول وقبيح العبارات ويعتاد ما يفعلون من مآثم كشرب المسكرات والمخدرات ويشاركهم في عمل المنكرات . ومن هنا كان على الإنسان أن ينأى عن مجالس الشرب المحرم خمرا سائلا أو مخدرات مطعومة أو مشروبة أو مشمومة أو محقونة، فإنها مجالس الفسق والفساد وإضاعة الصحة والمال وعاقبتها الندم في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) فمن جلس مع المدمن أو المهرب أو التاجر أو كل من له سبب في إشاعة هذه المنكرات فقد رضي بمنكرهم وأقر فعلتهم . والمؤمن الحق مأمور بإزالة الباطل متى استطاع بالوسيلة المشروعة . وقد أفتى مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية بدورته السابعة والعشرين بتاريـخ 6 / 6 / 1406هـ بأن الإخبار عن مهربي المخدرات ومروجيها وغيرهم من المفسدين واجب على كل من عرف ذلك، وأنه من التعاون على البر والتقوى المأمور به في الكتاب العزيز والسنة المطهرة . فقد قال الله جل شأنه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان، فلا يجوز للمسلم أن يتخلف عن أداء هذا الواجب تعاونا مع إخوانه في مكافحة هذه الجريمة الخطيرة والقضاء على هذا الشر المستطير، وبهذا يعلم أن السكوت عنهم أو التستر عليهم يعتبر من أعظم التعاون على الإثم والعدوان . وبهذا فإن عليك يا أخي المسلم أن تبلغ السلطات بالمعلومات التي تتوافر لديك عن أولئك المفسدين في الأرض من مهربي ومروجي ومدمني وتجار المخدرات والمسكرات والدلالة عليهم للإحاطة بهم والقضاء على شرهم وتضييق الخناق عليهم والله نسأل أن يوفق المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لما يحبه ويرضـاه . مادة المقال مقتبسة من بحث بعنوان : المخدرات والعقاقير النفسية أضرارها وسلبياتها على الفرد والمجتمع وكيفية الوقاية منها للشيخ الدكتور صالح السدلان ..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة