يخطئ المؤتمر الوطني كثيراً إن حاول التغطية على ما حدث في المجلس التشريعي بولاية البحر الأحمر عبر الأجاويد والوساطات، ومحاولة لملمة الأمر داخل بيت المؤتمر الوطني. الرسالة التي ستصل الناس ستكون مصدقة لما يعتقدونه أصلاً، أن هذه المجالس والمؤسسات مجرد ديكورات لمسرحية لا يظهر أبطالها الحقيقيون على المسرح. استجوب المجلس التشريعي للولاية أحد الوزراء حول قضية مالية، ولم يقتنع أعضاء المجلس بإجابات الوزير، فقرر سحب الثقة منه بالأغلبية التي حددها الدستور. الوزير مؤتمر وطني وكذلك غالبية الأعضاء في المجلس التشريعي، والوالي طبعاً. ما حدث أن السيد الوالي عاد لعاصمة الولاية من الخرطوم؛ ليعقد مؤتمراً صحفياً يعلن فيه رفضه لقرار المجلس، فيما استدعى المؤتمر الوطني أطراف الخلاف للخرطوم لـ"معالجة الأمر". بعد تصويت المجلس التشريعي انتهى الجانب السياسي في الموضوع، ولم يعد مجدياً، الأفضل للتجربة السياسية، مع عللها الكثيرة وتحفظاتنا عليها، أن يأخذ الأمر المسار الدستوري والقانوني. دستور السودان الانتقالي لعام 2005 يعطي الهيئة التشريعية حق تنحية الرئيس ونائبه الأول في حالات معينة، دعك من الوزراء، وهو ينص على حق المجلس في سحب الثقة من الوزير. وتنص المادة (179) من الدستور التي تتحدث عن المجالس التشريعية الولائية أن لها حق حجب الثقة عن الوالي بثلاثة أرباع العضوية، وعن الوزراء بثلثي العضوية والتوصية للوالي بعزله. ما لم أستطع تبينه هو هل هذه التوصية ملزمة للوالي أم أنها تعطيه حق العمل بها أو رفضها، وهذا الأمر يحتاج لبحث قانوني من الخبراء وفقهاء القانون الدستوري وسيكون فيه إثراء للتجربة السياسية بالبلاد. أمرٌ ثانٍ يتعلق برحلة البحث التي قمت بها في مواقع الجهات التشريعية والحكومية السودانية لمراجعة مواد الدستور والدستور الولائي لولاية البحر الأحمر. لن تستطيع العثور على دستور الولاية؛ لأنه ببساطة ليس موجوداً على موقع حكومة الولاية الرسمي ولا في أي مكان آخر. الدستور القومي الانتقالي موجود في عشرات المواقع، لكن بنسخته القديمة غير المعدلة. معروف أن الدستور خضع لتعديل في بعض مواده في نهاية عام 2014، شملت تعيين الولاة بدل انتخابهم، ومهام جهاز الأمن الوطني، بجانب تعديلات أخرى. لكن نسخة الدستور الموجودة في موقع المجلس الوطني، الذي أجاز هذه التعديلات، ووزارة العدل الحارسة للقوانين، وعشرات الجهات الأخرى، هي النسخة القديمة دون تعديل. ولا وجود حتى لملحق التعديلات في أي مكان. تخيل شخص يقوم بدراسة دستورية أو قانونية مقارنة بين السودان وبلاد أخرى ومقدار الخطأ الذي يمكن أن يقع فيه نتيجة لأن هذه الجهات الرسمية لا تهتم بتحديث وثائقها ومواقعها. لكل وزارة أو هيئة في السودان موقعٌ إلكتروني يتم الصرف عليه ببذخ عند إنشائه، ثم يتم التعامل معه وكأنه مجرد حائط تمت الكتابة عليه بالبوهية، لا يعود إليه أحد أو يراجعه. بعض الوزارات لا تزال تحمل اسم وزير غادر موقعه قبل سنوات، أو مسميات هياكل ومؤسسات لم تعد موجودة أو تم تعديلها. إنها مجرد مجاراة للموضة، تنتهي بانتهاء مراسم الدفن، أقصد الإنشاء.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة