لم يكن من المعتاد ان يتكبد الرئيس الكوبي راؤول كاسترو مشاق الوصول لمطار هافانا لوداع ضيف عزيز في يوم ما ايام شهر مايو الدافئة..في ذاك اليوم كانت الدنيا مشغولة بزيارة البابا فرانسيس الى بلد شيوعي اذاق الكاثوليك العذاب وضيق عليهم في ممارسة العبادات ..البابا وجد استقبالا حارا من الرفاق في كوبا..الرئيس راؤول اجتمع به متفردا نحو ساعة وخرج ليصرح للصحفيين «اذا كان البابا كاثوليكي فأنا كذلك الى حد ما»..الاحتفاء بالزائر الذي توسط بين هافانا وواشنطن وصل مرحلة ان يزور البابا الرمز الشيوعي فيديل كاسترو في منزله وذاك امتياز لا يحصل عليه الا ذوي المكانة السامية والمنزلة الرفيعة. مع اقتراب المؤتمرالعام السادس للحزب الشيوعي بدأت نذر أزمة تلوح بين الرفاق..الأزمة ليست جديدة ولكنها تتجدد كل حين مع حرص الزملاء على حفظ كل شيء وراء الجدران العالية..الأخبار الاولى افادت بايقاف نشاط الكادر الشيوعي الشفيع خضر وزميله حاتم قطان..تم نفي هذه الأخبار الا ان تأكيدات جاءت بها صحيفة (سودان تربيون) افادت ان الحرس القديم أوقف تفريغ عدد من الكوادر التي تحمل رؤي جديدة ..انهاء التفريغ يعني إيقاف النشاط السياسي بشكل ناعم وتسليم العهد والإمانات لآخرين . في تقديري ان على الشيوعيين ان يدركوا ان اوان التغيير قد حان..وان عليهم الاستجابة لقانون التطور الطبيعي ..لم تعد شعارات دكتاتورية الطبقة العاملة تستهوي افئدة الأجيال الجديدة..التغيير يبدأ بتجاوز الاسم التاريخي ثم يستمر لتغيير السياسات والمفاهيم..طوال تجربة الشيوعيين في السودان لم يتمكنوا من تحقيق انجاز كبير ..ظلت عضويتهم في البرلمانات المنتهبة لا تتجاوز أصابع اليدين وتنحسر احيانا لتصل درجة الثلاث نواب كما حدث في التعددية الثالثة..التغيير العسكري في مايو ١٩٦٩الذي وجد مساندة من الشيوعيين انتهى الى دولة امامية سبقتها نكبة الشيوعيين في يوليو ١٩٧١ بعيد محاولتهم الاطاحة بحليفهم الجنرال جعفر نميري. حتى على مستوى العالم لم تحقق النظرية الماركسية الجنة المنشودة على الارض..تحول الاتحاد السوفيتي الى سجن كبير..كوبا تألفت مع عزلتها ولم يجد كاسترو الكبير غير ان يورث الحكم لشقيقه الصغير..في كوريا الشمالية المقارنة واضحة مع جارتها الجنوبية التي حققت الرفاهية لشعبها فيما زال الجزء الشمالي يعيش في فقر مدقع يحكمه شاب متهور ورث عرش الجمهورية عن والده كيم آيل سونغ. في تقديري..على الشيوعيين الاستفادة من تجربة الحركة الشعبية في السودان..الحركة التي بدأت يسارية تحولت لاحقا الى حركة ليبرالية تتحالف مع قوى الهامش للوصول للسلطة..من حيث الواقع كان بإمكان هذه الحركة بذات الكوادر ذات الخلفيات الشيوعية ان تصل لحكم السودان في انتخابات ٢٠١٠.. تسويات اللحظة الاخيرة مع القائد س البرقماتي سلفاكير أبعدت ياسر عرمان من المنافسة..كل ما فعلته الحركة الشعبية انها سودنة تجربتها السياسية ونزلت للقواعد تروج البضاعة المرغوبة. قبل اشهر رأيت بام عيني يوسف صديق يصلي في خشوع من وراء ابراهيم السنوسي..بعدها كان السنوسي يشرح علاقة قديمة ربطته بوالد الكادر الشيوعي الذي كان يدير خلوة لتعليم القران في ام درمان ..هل هؤلاء الشيوخ يروون الان ان الدين أفيون الشعوب. بصراحة..من الافضل للشيوعيين ان يصنعوا (بروستريكا) تقي حزبهم شر انشقاق جديد..من حسن حظ الشيوعيين ان فضاء اليسار مازال خاليا في السودان.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة