الوجه الطريف في مسألة الرئيس الأمريكي ترامب، أن السياسة ما مِن شطارة. انخرط ترامب في مناخات السياسة قبل سنة ونصف فقط، وافداً إليها من عالم المال والأعمال، ومنذ أسبوعه الأول في البيت الأبيض دخل ترامب الى كل بيت في أرجاء العالم، ما يعني أنه سيكون صاخِباً وذا شأو كبير، وعلى مخرجات وثبتنا ومنتوجها الحكومي، فوق أنه يتحكم في كافة تأشيرات الدخول لمطارات أمريكا وتحويلاتها البنكية منها وإلينا، بل ربما يلقي بثِقله على شؤوننا العاطفية- أفراداً جماعات- كيف لا وهو القائل، إنه ما مد يده إلى ناحية ما، إلا ووجدَ استحساناً! يده لا تعود خائبة أبداً، لأنه يختار ضحاياه بعناية، تماماً كالدول السبع التي حرم مواطنيها من الدخول إلى أراضيه. ترامب لم يختر السعودية كي يمنع رعاياها من السفر إلى أمريكا، رغم أن غالبية المُتفجرين يحملون جنسيتها، ولا اختار مصر، ولا باكستان، ولا أفغانستان موطن الطالبان. ترامب أصبح أحد حقائق عالمنا، وهو الذي منحنا جميعاً إحساساً باقتراب يوم القيامة. السودانيون يتهيبون قراره الذي سيصدر بعد خمسة شهور برفع أو تجديد الحظر، والأوربيون يخشون الغاءه اتفاقية المناخ وتفكيك أو اضعاف حلف الناتو، والمكسيك ربما تختنق بجداره الذي يفصل الأمريكتين. تناقلت وسائط الإعلام، أنّه قفل التلفون في وجه رئيس وزراء استراليا، وقبقب رئيس المكسيك.. البيت الأبيض أنكر كل ذلك، لكنه لم يُنكر تهديده للإيرانيين حتى رَجَفوا.. قال لهم وقد كان صادقاً: (أنا ما طيب زي أوباما)! الفتوة الرئاسية آتية وراجحة ولم تنته مع رحيل برلسكوني، و الواقعية السحرية لم يبطل مفعولها بانتقال القذافي.. يتوجّب علينا أن نكون شعوباً في عالمنا الثالث تتأدّب بقيم ديمقراطية تجري وقائعها في أمريكا، لا فوق أرضنا.. يجب أن نستفتي أنفسنا، بين قبول ورفض ترامب الذي اختاره شعبه، وفي اختياره ما يؤكد أن الرئاسة في أمريكا ليست كل شيء.. المؤسسات هي التي تحكم وترتب الأمور، وما الرئيس هناك، إلا طرطور كبير، ينجعص في مكتبه البيضاوي ويطلق الأحاديث. ترامب لا يحتاج الى ما يُسمى بمهارة الكاريزما، التي كان يتميز بها زعماء حركات التحرر. إنّه يمثل أشواق أُمة تعاني هزة ارتدادية تؤهله لأن يُحب القتلة والمستبدين، مع تفوُّقه البائِن على هتلر، وعلى بوش الابن، في بعض وجوه سياسته الخارجية، لكونه يريد حماية الولايات المتحدة الأمريكية، دون إراقة دماء جنوده..لكونه يريد أن يحمي حدود أمريكا ببراءة كاملة مما يحدث في الشرق المتخلِّف، الذي لا ينتج سوى الغلو الأيديلوجي.. ترامب جاء إلى العالم بما يشبه الصدمة أو القشعريرة.. كأنه ضربة حظ.. كأنه وصل إلى حيث هو، بالصدفة.. هو الكاوبوي، والمهرج، والممثل، والملاكم، والمليونير، والرئيس القابض لأقوى اقتصاد في كوكب الأرض.. قُل عنه أي شيء، عدا وصف الدكتاتور.. لقد بنى ثروته ثم بحث عن السلطة التي يغتني بها حكامنا.. شتان بينه وعيدي أمين، ذاك الرجل الخارق العجيب، المحبوب بعمايله غير المرغوبة.. شتّان بينه وبين صمويل دو، الذي يحلحل الموضوعات ببعض التعقيدات!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة