طلبت من عربة التاكسي أن يأخذني إلى سفارة السودان.. كنت أظن إلى ذلك الوقت أن سفارتنا تتوسط مجمع السفارات في القاهرة.. الصدمة الأولى جاءت حينما سألني السائق كأنه غير مصدق: "السفارة اللي عند سمسمة"؟.. كانت المفاجأة أن المدخل لسفارة جمهورية السودان كان محل سندوتشات شعبي في حى الدقي.. حينما حاول سائق الأجرة الدخول إلى الشارع تم اعتراضه بحجة أن الشارع اتجاه واحد.. هذا يعني أن يترجل زائر السفارة في الشارع الرئيس ويواصل المشوار (كدراوية). تعود تفاصيل الحكاية إلى أن وزير الخارجية السابق علي كرتي وافق على إعادة تشيد مبنى السفارة بعد أن حدثت فيه تصدعات.. وعليه تقرر أن يتم الانتقال إلى مبنى مؤقت حتى تكتمل المباني الجديدة.. كان ذلك في العام ٢٠١٣.. منذ ذلك الحين تقبع سفاراتنا في هذا الزقاق الضيق.. بل إن المحيِّر أن المبنى الجديد القديم تم شراؤه نقداً.. حاولت أن أجد سفارة مجاورة فلم أجد إلا سفارة الصومال.. رغم غياب حكومة مركزية موحدة في الصومال إلا أن سفارتهم تقع في شارع رئيسي مقارنة بسفارة السودان. ربما يظن البعض أن موقع السفارة أمر ليس مهماً.. لكن في كل البلاد يتم تحديد مواقع بمواصفات محددة للسفارات.. هنالك عدد من العوامل منها الأمني ومنها الجغرافي.. بل حتى الآن تلزم وزارة الخارجية الأطقم الدبلوماسية بالسكن في أحياء تتناسب وتمثيلهم لبلدهم.. في الخرطوم تم إغلاق أحد الشوارع الرئيسة حينما كانت السفارة الأمريكية في وسط الخرطوم.. ماذا سيقول عنا الدبلوماسيون الذين قد يضطرون لزيارة سفارتنا لأداء واجب عزاء أو حتى التنسيق مع السفير؟.. هل هذه واجهة مناسبة تعبِّر عن بلدنا ويمكن أن تستقطب سياحاً أو زواراً في طريقهم للخرطوم؟! من هذا المقام نناشد الأخ وزير الخارجية البروفسور إبراهيم غندور باتخاذ قرار عاجل ينقذ به اسم السودان من هذه المرمطة.. قرار باستئجار مبنى جديد للسفارة حتى ولو كان إنجاز المبنى الأول يستغرق بضعة أشهر.. لن تستقيم علاقتنا مع القاهرة ما دمنا اخترنا أن نكون اليد السفلى.. في الخرطوم بيت السفير المصري (حدادي مدادي) يجاور القصر الجمهوري ويطل على النيل.. سفارة مصر في حي المقرن وقنصليتها في وسط البلد. في تقديري.. موقع سفارتنا الحالي مؤشر لضعف الحيلة والهوان بين السفارات.. علينا أن ننظر إلى سفارتنا في مصر باعتبارها السفارة الأولى في العالم.. هذه السفارة تعبر عن العلاقة الأزلية بين القاهرة والخرطوم.. وهي عنوان لحضارة شعب واحد يتمدد في بلدين.. أن تكون السفارة في موقع يشار إليها بمطعم شعبي فهذا أمر لن يرضاه أي مواطن سوداني غيور على بلده. بصراحة.. من اتخذ قرار نقل السفارة إلى هذا الزقاق الضيق يستحق المحاسبة.. لأنه يعتقد أن بلدنا يستحق أن يكون في هذا المقام المتواضع جداً. assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة