قام رئيس سلطة المؤتمر الوطني عمر البشير بتعيين نائبه بكري حسن صالح رئيسا للوزراء لحكومة لم يعلن بعد عن تشكيلها وتطلق التكهنات المختلفة عنها، في ممارسة درج عليها المؤتمر الوطني للتلاعب والتماطل في القضايا الوطنية وصرف أنظار الناس عن المشاكل الحقيقية بمناورات ومماطلات لا تفيد شيئاً .
ورغم مرور أسابيع من إعلان تعيين بكري حسن صالح فإنه لم يقم بتكوين حكومته كما لم يطرح أي برنامج او ملامح لتلك الحكومة التي تعللنا بها دعاية المؤتمر الوطني ، مما يعد اول فشل لمهمة الرجل.
ويترابط هذا الفشل بخرق دستوري واضح، اذ لا يتحدث الدستور الحالي عن وظيفة رئيس للوزراء، ولم يتم إنجاز تعديل دستوري يبتدع هذا المنصب ويقننه. وهذا منهج وديدن درجت عليه الانقاذ في التعامل مع الدستور وعدم احترامه رغم انه دستورها وتملك الاغلبية الكافية في مجلسها الوطني لتغييره. ولكنها تمارس تعديله عشوائياً وإعتباطيا وخدمة لمصالحها كما فعلت في الغاء انتخابات الولاة في مطلع عام ٢٠١٥م بينما بقيت فيه فصول كاملة تتحدث عن ادارة الجنوب وهو الذي اصبح دولة مستقلة منذ منتصف ٢٠١١م . فإذا كانت الانقاذ - وبكري حسن صالح أحد رموزها- عاجزة عن تغيير دستورها ليواكب الوضع القائم بعد سنوات من استقلال الجنوب أو تختلق مناصبا غير دستورية فهي عن اصلاح الدولة اعجز .
ونجزم بفشل بكري حسن صالح كونه كان جزءا اصيلا من دولة الانقاذ من يومها الاول ، لم يغب عن طاقمها القيادي ليوم واحد. فالرجل كان عضوا اساسيا في مجلس قيادة الانقلاب ثم عضوا ثابتا في القيادة السياسية العسكرية للنظام ( رئيسا لجهاز الامن ووزيرا للداخلية ثم الدفاع الخ) ثم نائبا أولا للبشير ، ولم يبتعد عن دائرة القرار ولو لبرهة واحدة. وهو بذلك يتحمل مسؤليته في فشل الانقاذ وعجزها عن تحقيق أبسط حقوق ومطالب المواطنين ، وكذلك يتحمل كل اوزارها وجرائمها في تمزيق الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي بتسعيرها للحرب في الجنوب مما تسبب في فصل جزء عزيز من بلادنا واشعالها للحرب في دارفور وجبال النوبة بكل مآسيها مما اقعد ببلادنا وحول المواطن السوداني الى نازح في بلاده او لاجيء في دول العالم. وكذلك عن تضييع أمننا القومي مما تسبب في وقوع اجزاء من بلادنا مثل حلايب والفشقة تحت الاحتلال الأجنبي.
ويمارس بكري حسن صالح نفس ما يمارسه ومارسه البشير من اصباغ الطابع للحزبي على الدولة والإحتكار المطلق للسلطات وهي صفات لصيقة بالشمولية. فالرجل هو النائب الأول ل"رئيس الجمهورية" ورئيس مجلس الوزراء القومي ونائب رئيس الحركة الاسلامية ونائب رئيس المؤتمر الوطني ونائب بالمجلس الوطني ومسؤل عما يسمى برنامج اصلاح الدولة ، فهل عقرت حواء السودانية عن ان تأتي ببديل عنه ورئيسه ام يصدق عليه المثل أن من طابق رئيسه فقد ظلم ؟
ولقد أكدنا إن رئاسة الرجل للوزراء غير دستورية اذ لا يوجد منصب هكذا في الدستور الساري ، اما نيابته عن البشير في رئاسة المؤتمر الوطني فتدينهما الأثنان ، اذ لا ينبغي لرئيس الدولة ولا نائبه أن يكون حزبيا حتى لو فاز بدعم حزب ما ، فقومية المنصب تفترض ان لا يكون الرئيس او نائبه حزبيا. وفي اغلب الدول يسلم الرئيس المنتخب بطاقته الحزبية ويستقيل او يجمد عضويته في الحزب السياسي الذي كان عضوا فيه بعد الانتخاب ، ولكن اين رجال الانقاذ الحزبيون من تلك القيم والمبادي ء القومية الرفيعة؟
أما ثالثة الاثافي فهي نيابتة بكري حسن صالح في رئاسة الحركة الاسلامية وهي تنظيم منبت وغير مسجل حتى عند مسجل الاحزاب والتنظيمات السياسية وذاقت بلادنا من وراء نهجها السري وتبعيتها للايدلوجيات المتطرفة والمراكز العالمية للاخوان المسلمين العذاب، وتخربت علاقات بلادنا العالمية بسببها ووصمت دولتنا بالإرهاب، كما إن وجودها ونهجها هو استمرار لمنهج الدولة البديلة والقيادات غير الدستورية وغيره من ممارسات الحكم غير الرشيد. فعن اي اصلاح مزيف للدولة يتحدث الانقاذيون وهم يعبؤون سمومهم القديمة في قناني جديدة ويريدون الاصلاح بنفس الأيادي التي قامت بالفساد ؟
اننا لن نكرر ما قاله رفاق الرجل الذين يعرفونه مثل المحبوب عبد السلام عن ضعف وتواضع قدراته وانحيازه الدائم لوجه الانقاذ الشمولي العسكري ، ولن نتحدث عما تتحدث عنه البلاد عن ضخامة حرسه الشخصي وفظاظته وعنفه مع المواطنين بل و"الدستوريين" ، ولا عن مشاكله الحقيقية أو المزعومة مع جهاز الامن الشعبي ، فقد تكون كل هذه الاشياء تخرصات. لكنها أيضا تدعم تحليلنا ان مهمة الرجل ستكون اعادة انتاج الفشل الانقاذي باسم الاصلاح.
لقد أعلنّا من قبل إننا نرحب بدعاوي الحوار والاصلاح ، ولكننا لا نثق ابدا بامكانية تطبيقها تحت قيادة الانقاذ ، وها ان الايام تثبت صحة قولنا. إن أي اصلاح حقيقي لا يمكن ان يتم بنفس المناهج ونفس الوجوه ونفس الممارسات التي ادت الى الكارثة ، وبكري حسن صالح جزءٌ أصيلٌ من الازمة وليس جزءا من الحل. ولو ارادت الانقاذ إصلاحاً لأتت بمرشح رضائي من خارج صفوفها لإبداء حسن النية تجاه من يرفضون فشلها ، ولقامت بالتعديلات الدستورية التي طالب بها شركاؤهم في الحوار الوطني قبل خصومهم في المعارضة ، ولفككت مؤسسات الدولة البديلة بدلا من ان تقننها (تعيين حميدتي فريقاً) ، ولأوقفت تعديات جهاز الامن ولطرحت برنامجا للاصلاح الاقتصادي والاداري ولانتبهت لقضايا الزراعة والمزارعين وهم يواجهون العطش ولأوقفت الفساد لا تعاونت معه ( قضية فسول النخيل مثلا) ، ولكن هيهات ، ففاقد الشيء لا يعطيه.
لهذا كله نقول ان حكومة بكري حسن صالح التي يرتقبها البعض ستكون حكومة انقاذية كاملة الدسم، لان تكوينها الاساسي قيادة وعناصرا وبرامجا ومنهجا هو تكوين انقاذي . ولن يغير من هذا تتبيلها وتطعيمها بعناصر هامشية من المؤتمر الشعبي او غيرهم من الانتهازيين وتوابع الموتمر الوطني والإسلاميين الجدد. لذلك فهي حكومة مضمونة الفشل كسابقاتها، لأنها لا تخرج قيد أنملة من دائرة الفشل الانقاذية، ولا تملك من معايير وشروط النجاح شروى نقير.
عادل محمد عبد العاطي ادريس
المرشح المستقل للانتخابات الرئاسية السودانية ٢٠٢٠ م
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة