إنجامينا ماهي دَواعي المُبادرة التي تقدم بها الباشمهندس أبوبكر حامد (أمين التنظيم والإدارة)؟، في حركة العدل والمساواة السودانية نهاية العام المُنصرم، وأدت إلي رُدود فِعل داخلية في الحركة، وأخري علي مُستوي تحالفات المُعارضة، وكذلك طرف مَعنّيٌ آخر هو النظام في الخرطوم، لكن قبل كل ذلك خاطب للتوسطِ لأكثر من جِهة، ولكن كانت الإستجابة من الرئيس التشادي إدريس ديبي، والذي أبدي إهتماماً أكثر من رُصفائه في مصر وأرتيريا، لأنه في الحقيقة (أُم الوَلَدَ)، وبدأ علي إستعداد للإستماع والدَفع بالمُبادرة. لكن .. قبل الدُخول في تفاصيل المُبادرة، قد لا يَخفي علي أي مُراقب لمَجري الصراع في السُودان، ودارفور بشكلٍ خاص، بأن الحركة قد وصلت إلي قمة عنفوانها (Peak)، من قوة وتزايد في عدد آلياتها وأسلحتها الثقيلة في صيف العام 2014م، وعندها كان القرار الداخلي في الحركة هو عدم القتال مجدداً في دارفور، لأن النظام لا يهمه تلك الأصقاع اليباب لأنها بعيدة، وإنما ضرورة الإستمرار بإقتصاد الجُهد والمُناورة ببعضها في مُثلت (حَمَدِي)، إذا صَح التعبير، والمناطق القريبة من (العاصمة)، مَصدر القرار بالحَرب علي الهامِش، كل ذلك وإلي حين توفر شروط السلام وإستحقاقاتها والتي ستكون لقوة قوات الحركة الفاعل في إرساء دعائم السلام (العادِل)، وكما شهدَ العالم، كانت عمليات القوات المشتركة في الجبهة الثورية السودانية (JMC)، في الصفحة الأولي لعمليات (الفجَر الجَديد)، في أبي كرشولا، كالنج، وأبوزبد الصَدي الكبير علي معنويات مليشيات النظام، وكانت أكثر من (60%)، ستين في المائه من المَجَهود الحَربي والتضحيات كانت من نصَيب مُشاركة حركة العدل والمساواة؛ وهذه حقيقة وقد كنت يومها منسقاً لعمليات الجبهة الثورية، والقيادات الميدانية كانت ولا تزال تري في قوة الحركة بأنها يجب أن تكون الآلية لتحقيق السَلام، وإجبار النظام في الخرطوم علي القبول بإستحقاقات السَلام، خاصة إطلاق سراح الأسري والمفقودين، ووقف الحرب، علاج المرضي والمعوقين والعناية بأُسَر الشهداء، إرجاع اللآجئين والنازحين وتعويضهم، التسريح وإعادة الدمَج (DDR)، والتفاوض علي مَرجعيات (الدوحة)، وإضافة بروتوكولات في شكل مَلاحِق لم تتضمَنها إتفاقية السلام؛ تلك هي أُسُس للسَلام(العادل). وبعد تسارُع الأحداث في الميدان، بعد مَعركتي (قوز دِنقو)، و(ديّم الزُبير)، وكَسِبتَ الحكومة المَعركة ولكنها بالطبع لم تكسَب الحرَب، ومن ناحية أخري فالمعركة قدأوضحت جلياً إنتاج عَجلة العُنف، وإنسِداد الآفاق للسلام، وبل إنتفاءَ المُبادرات المُنتجة داخل منظومة حركة العدل والمساواة (المأزومة)، نفسها، خاصة مكتبها التنفيذي الذي لم يواكب مواساة القوات بعد المعركة التي وُصِفت بأنها تسلِيم وتسلُم، لغياب التخطيط، في معركة غابت فيها دور إستخبارات الحركة ومُخابراتها من أن تتنبأ بالعدو المُتربِص في أرضٍ ذات أهمية تعبوية، وجنجويد مُنتظر في مَكمَنِ قتلٍ، فلا غرَو لأن رئيس الحركة أصبح ينزع قليلاً نحو المَركزية، وتضييق أوعية التشاور، والتخوين في التعاطي مع الرفاق، وقطع جزُور التواصل مع الجميع، لربما إغتراراً لتعاظُم قوة الحركة بعد مَعارك الجنوب، عَكس ما كان يحدثُ إبان حياة القائد خليل إبراهيم، الذي كان شِعارهُ "المُقاتلون هم المُفاوضون الحقيقيون"، وكان ذلك أثناء جولات التفاوض، وأثناء التوقيع علي "ثيقة الإتفاق الإطاري"، كان يشاورهم في الأمر، ويَبني قدرات الحركة، ويهتم بالمقاتلين، ويجود العطاء بما يملُك من خُضرٍ عزيزات ولا يبخلُ بها، وتلك أدواته كقائد في مُجابهة الدولة العميقة، وبالمزيد من شحَذ الهِمَم ورَفع المعنويات والإقدام بتواجده شخصياً .. في وحَوَلَ مَحاور القتال، رحمه الله فقد كان بحَق (السَيَل بُوبا). مُبادرة الباشمهندس .. تقوم علي مِحورين إجتماعي مُلِح، وسياسي آجــِل، في الجانب الإجتماعي التي إستوعبتها النقاط الخمس التي ذكرت سابقاً، يري بأن وضع الأسري والمحكومين وضرورة إطلاق سراحهم لوضع نهاية لأكثر من (600)، ستمائه أسرة تعاني من جَراء حبَس الأسري، وهنالك مُشكلة المرضي والمعوقين من زوي الإحتياجات الخاصة من قوات الحركة اللذين جادوا بكل ما يملكون في سبيل الثورة، هؤلاء يعانون من جراء مرضهم وفي حاجة عاجلة للإلتفات إلي قضيتهم الإنسانية، ولا يحتمل الإنتظار، بالإضافة إلي تكافل بأسر الشهداء،كذلك الوضع في معسكرات اللآجئين والمشكلات التي إستجدت من جراء الوضع الشاذ من فقد تربوي لأجيال من الشباب والشابات وعدم وجود ما يكفي من مدارس لمواصلة تعليمهم، والتسرب المُستمر للتلاميذ من ما هو متاح من مدارس في شرق تشاد والمعاناة الكبيرة التي يلاقيه التلاميذ من الدراسة علي المنهج التشادي (الفرنسي)، بيد أن تعويض هؤلاء اللآجئين بما يَستحقون تعتبر موقف نبيل تجاه مواطنيين. وتفاقم مُشكلات أخلاقية في مُجتمع المُعسَكرات المُحافظ، مما يتطلب الإستنفار لمُعالجتها، كل هذه المُشكلات، صَحيح، هي إفرازات للحرب في دارفور، لكن يكون اليوم من الأهمية بمكان التصدي الشجاع لها وألا يُترك المَجال مجدداً للإستمرار علي هذا المنوال، طالما الثورة المُسلحة لا تستطيع وضع حدَ للمُسبب في القريب العاجل. لأن هذا يَهدِمُ القيّم والأعراف في مُجتمعنا ويتضرر منها بشكلٍ أوحادي لا يشاركنا فيها حتي حلفائنا السياسيين من الأحزاب التي كانت مساهماتهم في هذا الجانب كانت ولا يزال معدوماً، حتي جيشنا الذي يقاتل بالنيابة عن قضايا كل السودان والهامش لا تجد العَضد والتشجيع الكافي من قبل الحُلفاء في أحزاب المركز، بربكم كيف لا يكون لدينا موقف ومُراجعات وشبابنا من مقاتلينا مازالوا يحملون السِلاح منذ سبعة عشر عاماً، ويعانون صنوفاً من المعاناة ولا أحد يكترثُ لزواجهم أو علاجهم أو مُستقبلهم، حقاً من لم يَعِش الحرَب لا يُقدِر أهمية السلام. أما في الجانب السياسي (الآجل)؛ ودائماً الكلام عن المُبادرة .. الإلتزام بمَواثيق (الجبهة الثورية) و(نداء السودان)، وغيرها، .. نري بأنها تأتي من حيث ترتيب الأولويات بعد الجانب الإجتماعي، وبالتالي نحن في حركة العدل والمساواة مُلتزمون في خط النضال المُستمر مع حلفائنا من أحزاب وقوي ثورية و(ناعمة)، للوصول وتحقيق الأهداف عبر المزيد من التنسيق وخيارات تحالفية مع الآخرين لتحقيقها، وعلي قدم المساواة في العطاء، وفي ذلك سواسية مع كل المكونات السياسية للشعب السوداني، وليس من الحِكمَة تحمُل كل العِبأ بالنيابة عن الجميع في مَسيرة النضال الوطني، فنحن ندفع ثمناً باهظاً في صراعنا مع النظام من دون أن نلقي التقدير الكافي ممن نعتقد بأننا نحمل همومهم وقضاياهم، بدليل أن النازحين في الداخل واللآجئين في (الدياسبورا)، والإقليم يقفون لوحدهم (سودانياً)، وتستمر المأساة ويدفع ثمنها الأهل في المُجتمع الدارفوري، دون أن يُساهم الآخرون في ذلك، وقد رأينا كيف أن تحالف قوي الإجماع قد حاول في مظاهرات (سبتمبر)، القيام بدور (جبهة الأحزاب)، و(جبهة الهيئات)، عقب إنتفاضة (أكتوبر)، بل وحتي القيام بدور الأحزاب بعد سقوط نِظام جعفر النميري، وهو سرقة نضالات الشعب والإجهاز علي مُكتسباته، وبقاء بقايا مايو بفهلوة سياسية وليس عَطاءً حقيقياً. إن التحالفات السياسية القائمة حالياً لا مُستقبل لها، وهذه هي قناعتنا عندما قامت الجبهة الثورية السودانية، وبعد مرور مياه كثيرة تحت الجسِر، يتضح صَحة ما ذهبنا إليه، الكُل يَستخدم (الكُل)، في تحقيق مُكتسباته الحزبية والحركَوية الضيقة، الحركة الشعبية يتذاكي علي حركات دارفور، وترفض تسليم رئاسة الجبهة الثورية للدكتور جبريل إبراهيم؛ تبرُماً من قيمٍ ديمقراطية وتهرباً من التداول؛ ومالك عقار يحاول الظهور أمام الخواجات بأنه زعيم الهامش أو الملك (لير)، في الشخصية الشكسبيرية، لأنه يتأبط ملف دارفور التي وصلت للمحكمة الجنائية الدوليه (ICC)؛ والسيد/ ياسر سعيد عرمان يستفيد من تواجد حركات دارفور في حسم صراعاته داخل كيانات النوبة من أصحاب المصلحة، والأخيرة تسَتجير بقوة شكيمتها، ولربما القليل من عنصريتها تجاهه؛ والجنوبيون (سلفاكير)، يحاولون الإستقواء بحركات دارفور هنا وهناك لحَسم صِراعات قبلية لا أفق لها بين (الدينكا)، و(النوير)، في ردة يسارية واضحة عن (الرؤي)، وقوانين الصِراع. في ظل هذه الأجواء تجد حركة العدل والمساواة نفسها في خضمٍ ما لها من قرار، وتكون مُرغمة لوضع نفسها في ثلاجة لإنتظار ظروف إقليمية ودولية مُغايرة. بتنا علي يقين بأن الحركة الشعبية تفتقر إلي أي إستراتيجية لحَل إشكالات السُودان الشمالي، بإستثناء ما يطرحه ويقوم به في إطار جبال النوبة والنيل الأزرق، وهي قد عَبئت (الأخرين)! في إطار قضيتهم وهذا صحيح قد حَصَل، لكن في سَاعة الحقيقة إنسحبت من (التجمع الوطني)، وطالبت بحق تقرير المصير وحل قضية جبال النوبة في إطار حكم ذاتي "المشورة الشعبية"، وبعد تجربة الجبهة الثورية ما فتئ الحِلو وجقود يتكلمان عن شعب (النوبة)، وضرورة ألا يقاتلوا ضمن مكونات ثوار دارفور، وقد حدث تلاسُنٌ بالخصوص مع الدكتور جبريل، أحمد آدم الدغري، وأبوبكر حامد نور في لقاء مَشهور مع قيادات الحركة الشعبية في (الجاو)، بحر أبيض، وهذا للتأريخ حصراً. والسؤال البديهي لمُوجه إلي رفاق الدَرَب في القيادة (المَطبَخ)، هو، ما هو المَخرج؟ لربما يكون البعض من الرفاق قد إستعصموا في مرحلة سابقة من مراحل الصِراع بسَقفٍ عَالٍ ومُتضخِم من المَطالب، لكن في ظل (الواقعية السياسية)، قد تتضاءل تلك الأشياء لتصبح القبول ببعضها ضمن سقف عادي يعتبره بعضُ الناس إستسلاماً، لكنها ليست كذلك و(السِياسة هي فن المُمكن)، يجبُ أن يُصار إلي القبول بالمُبادرة والإسِراع في إخراج ما تبقي من قوات الحركة من الجنوب، بمعني يجبُ عَدم إعادة الإنفتاح في جبال النوبة مُجدداً، وإنما فاليتقدم السيد/ رئيس الحركة جبريل إبراهيم لقيادة المُبادرة ضمن المؤسسة مُجتمعةً وليسَت مُنقسمة، ويعُود أحمد تقوت للإمساكِ بمَلف التفاوض، وهكذا نذهبُ سويةً للسلام أو نستمِر في الحرب إذا لزم الأمر، لكن في كِلا الحَالتين مُوحَدين ولِسنا مُتفرَقين؛ ومن خلال المُلاحظتي حول من يؤيدون هذا الطرح أي (المبادرة)، هم كثيرون وأكثر مما يتوقع البعض، وهذا هو نبض الشارع الحركي إذا جاز التعبير. والمُلاحظة التانية هي إنني في هذا المَقال لم أقف لأُناقشَ مَدي أحقية الباشمهندس أبوبكر كــ(قيادي) هل يَحِق له البَحث عن مَخرّجٍ لموقفٍ (مأزوم) أم لا، ولا أُجادلَ في حقيقة وجود أو عَدم وجود مؤسسات مُحترمة أم لا، فبالنسبة لي كل المَناصِب التي يتبوأها البعضُ (تحت الشجرة)، ما لها من قيمة، طالما إستمر نتائج فِعل التهميش الممنهج تفعَلُ فِعلِها فينا، وفي أدمغة المُتعلمين من ثوار دارفور، حتي بِتنا نسَمعُ ونري إنشقاقاً في الصُفوف بعد كُل سِتة أشهُر من السَنة. كما قلتُ في صَدر المَقال بأن الرئيس إدريس ديبي هو (أم الولد)، بمعني أنه يجب ألا نسَتهّون بالدور المُتعاظم لتشاد في إفريقيا، فالرئيس بصفته رئيساً للإتحاد الإفريقي عندما تم طرح المُبادرة، الرئيس وطاقمه الدبلوماسي الآن أكثر إستعداداً للقيام بدور الوساطة، لأن السيد/موسي الفكي قد أصبح رئيساً للمفوضية الإفريقية الجديد، وهو المُنحدر أصلاً من مُحافظة (وادي فيرا)، والتي تقع فيها أكثر من خمسة عشرَ معسكراً للآجئين الدارفوريين في شرق تشاد، مما يَجعله يَعتقد هو نفسه بأنه الأقرب إلي مُعاناة اليومية لأهله من الدارفوريين في مُخيمات البؤس تلك، ومُتفهم لقضيتهم العادلة، وأن يأتي الحَلَ لقضية السُودان في دارفور بيَد التشاديين كـــ(credit)، هو أفضل من أن يأتي من أي دواة أخري، لإعتبارات كثيرة. حامد حجر – إنجامينا 26/03/2017م [email protected]
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة