بسم الله الرحمن الرحيم " وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ، وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ، وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ "
الحوار الجاد الهادف ختم د. القراي ورقته بقوله: "إننا لا نحتاج لشيء مثلما نحتاج للحوار، الجاد، الهادف، القائم على احترام الآخرين، مهما كنا نرى من بعد افكارهم عن الفكرة.. فإننا جميعاً في حيرة، ومفارقة، دل عليها موقفنا الحالي، العاجز عن معيشة الفكرة، وحملها للآخرين.. وأقل ما يجب أن يورثه لنا وضعنا الحالي من التواضع، ينبغي أن يعصمنا من ادعاء حيازة كل معرفة الفكرة، ويمنعنا من التجريم، والإقصاء، والتكفير، لمن يخالفنا الرأي"!! الاشارة واضحة جدا.. فد. القراي يتحدث عن ما جرى لوقت طويل جداً كنت أكتب فيه عن مزاعم د. النعيم، وردود انصاره على كتابتي، وتأييدهم للنعيم.. وقد كان د. القراي مع د. النعيم، على الأقل وقع معه بيان مشترك.. قال د. القراي (فإننا جميعاً في حيرة، ومفارقة) !! انظر الى هذا التعميم (كلنا) هذا قول شديد البطلان لسنا جميعا في حيرة ولا مفارقة، هذا تعميم وزعم شديد البطلان.. ما هو دليل د. القراي؟ هو زعمه الذي يظهر من قوله: (دل عليها موقفنا الحالي، العاجز عن معيشة الفكرة، وحملها للآخرين).. من المؤكد إننا لسنا كلنا عاجزين عن معيشة الفكرة.. معظم الذين اعرفهم من الاخوان، داخل السودان، يعيشون الفكرة، في مستوى مناسب، على تفاوت بينهم.. وأعني بمعيشة الفكرة، الالتزام بطريق محمد صلى الله عليه وسلم عبادة ومعاملة.. و د. القراي أكثر الناس حاجة لأن يذكر نفسه بالتواضع ـ أين هو هذا التواضع في هذا الحكم المعمم والجائر؟ يقول د. القراي الحوار الجاد الهادف ....الخ.. ونحن نسأله أين هو من هذا الحوار، بهذه المواصفات!؟ أين هو الجد في كتاباتك هذه؟! إذا كان هذا هو الجد عندك، فما هو الهزل؟! مصيبتك، أنك غير جاد، في أهم الأمور وأخطرها!! د. القراي يتحدث عن الحوار الهادف!! الى ماذا تهدف في كتابتك هذه؟! من المؤكد انك لا تهدف الى الخير، وأنت تصرف الناس عنه، بمحاولتك صرفهم عن طريق الخير ـ طريق محمد صلى الله عليه وسلم.. ومن المؤكد أنك لا تهدف الى الحق، وأنت تشوه دين الحق، وتحاول أن تطمس أهم معالمه.. إنك تدعو الى باطل واضح ومفضوح.. إن اهم شيء في الحوار الجاد والهادف، ان يكون موضوعياً.. في كل كتابتي عن أقول د. النعيم لم يكن هنالك أي حوار موضوعي.. القضية كلها تقوم على أن د. النعيم يعمل على تشويه الاسلام والفكرة الجمهورية، وأقواله شديدة التطرف في معاداة الدين والخروج عليه.. وهو ينسب كل مفارقاته المتطرفة في عداوتها للإسلام، ينسبها للإسلام وللفكرة الجمهورية!!.. وأنا والحمد لله، وفقني الله في التصدي لمزاعمه، هذه، وتبرئة الاسلام منها.. وحين كان د. النعيم غير موضوعي تماما، بل يفتقر للحد الأدنى للموضوعية، وهو ألا تنسب للأخر خلاف ما يقول به.. وكان لا يسبب ما يقوله، بذكر أي أسباب، وإنما فقط يقرر.. وقد كنت من جانبي، اورد أقواله كما هي وأناقشها، وأورد الأدلة من النصوص الدينية، ومن أقوال الأستاذ محمود، التي تدحض مزاعمه. والآن نسألك: هل كان د. النعيم موضوعياً، وأنا غير موضوعي، ونطالبك بإيراد الأدلة من أقوالي وأقواله.. على كل د. النعيم نفسه يقول إنه ذاتي ونسبوي!! ثم إننا لسنا جميعا في حيرة ومفارقة، نحن والحمد لله على طريق محمد صلى الله عليه وسلم، وهو عندنا، وحده ال طريق الحق الذي لا طريق غيره، وقلوبنا وعقولنا مطمئنة لذلك تماما.. د. النعيم وانصاره، والمدافعون عنه، هم من في مفارقة، ومفارقة خطيرة جداً. أما مزاعمك عن (التجريم، والاقصاء، والتكفير) فهي تنطبق عليك دون غيرك.. وكما يقول أهلنا (الفيك بدر بيهو)!! أنا لم أكفر د. النعيم وأقصيه، وإنما قلت قولاً موضوعياً محدداً.. قلت من حيث المبدأ: لا أحد يستطيع بحق أن يخرج أحداً من الدين أو يدخله فيه، وإنما الفرد هو من يدخل نفسه أو يخرجها.. ويملك الآخرون أن يحكموا هل أخرج نفسه أم لا.. وإذا كان الحكم باطلاً، سيرتد على صاحبه، ولا يضر من قيل فيه الحكم.. هذا مبدأ اساسي، في الدين وهام جداً.. وقلت إن د. النعيم أخرج نفسه من الاسلام.. وأوردت أركان الإيمان وأركان الإسلام، وأوردت أقواله المتعلقة بها، وبينت بوضوح كيف أنها مفارقة لأركان الاسلام، وأركان الإيمان بصورة صريحة وقاطعة.. أما أنت فأخرجت الآخرين بالجملة، ولم تورد أي دليل!! والآن بدل الاتهامات الفارغة والجدل العقيم أقترح عليك أن تعرض الأمر على القراء.. انت تورد آرائي عن د. النعيم كما هي، وتعلق عليها كما تشاء، لتدلل على أن د. النعيم لم يخرج نفسه من الاسلام.. وأنا اورد أقوالك الخاصة بالتكفير، والاخراج من الدين، وأدلل على أنك أخرجت الآخرين دون إيراد أي سبب، موضوعي أو غير موضوعي!! أعتقد أن هذا عرض موضوعي، ومنصف، وللقراء عقول.. فأرجو أن تستجيب له، ولو لأي سبب رفضت، أرجو أن تذكر للقراء سبب رفضك. وأهون من ذلك عليك، نعرض عليك بعض أقوال د. النعيم التي أخرج بها نفسه من الدين، لتبين لنا كيف تدخله في الدين مع هذه الأقوال، ونحن نكتفي بعدد قليل جداً من أقوال د. النعيم هذه. 1. يقول د. النعيم: "كمسلم، فأنا دائما أطلق التقرير (الهرطقي) أن الدين علماني، وهذا القول ربما يبدو متناقضاً، في العبارة. ولكن واقع الأمر هو، أنه ليس لنا من سبيل لأن نعتنق الدين، أو نعقله، ونتأثر به، أو نؤثر فيه، إلا عبر الواسطة البشرية. فواسطتنا، كبشر، هي العامل الحاسم في تحديد، وتعريف، ديننا. وبهذا المعنى فإن الدين علماني.. الدين من صنع البشر.. وموقفي هنا، هو أن أؤكد علمانية الدين، هذه، التي أتحدث عنها، حيث يمكن، من هذا المنطق، إخضاع الدين للسياسة، أي جعله عنصراً، وذخراً، سياسياً.. وهذا المفهوم ينطبق، بنفس المستوى، على الثقافة.. فأنا، عندما أتحدث عن الدين والثقافة، إنما أتحدث عنهما بنفس المعنى، أي بمعنى أن كلاهما من صنع البشر، وأن كلاهما يمكن إعادة صنعهما، من قبل البشر"!! 5ح2 فليبين لنا د. القراي، كيف يدخل د. النعيم في الاسلام مع هذا القول.. القول يفيد بصورة قاطعة، أنه عند د. النعيم، الإسلام صناعة بشرية، مثله مثل أي ثقافة، ويمكن إعادة صناعته.. فمن يجعل د. النعيم مسلماً، يجعل الاسلام، يقوم على ما ذكره د. النعيم 2. يقول د. النعيم: "عندما أقول ديني، وهو الإسلام، فإني لا أتحدث عن الإسلام بصورة عامة، أو الإسلام بالنسبة للمسلمين الآخرين، وإنما أتحدث عن الإسلام الشخصي. ذلك أنه بالنسبة لي الدين يجب أن يكون ذاتيا. لا يمكن له أبدا أن يكون غير ذاتي. لا يمكن للدين أبدا أن يكون غير التجربة الفردية والشخصية للإنسان" 9ح2 .. فهو يخرج نفسه عن ما أسماه (الاسلام بصورة عامة، أو الاسلام بالنسبة للمسلمين الآخرين) ويقول أن اسلامه اسلاما آخر، اسلام ذاتي، مخالف لإسلام (الاسلام بصورة عامة)، و(الاسلام بالنسبة للمسلمين الآخرين) .. وبهذا المعنى أنه يقول صراحة أنه غير مسلم، ومع ذلك يريد القراي، ومن هم على شاكلته، أن يفرضوا عليه وعلى الآخرين أنه مسلم!! على كل ننتظر من القراي أن يبين لنا كيف يدخله في الاسلام. 3. يقول د. النعيم: " فكل ما يدخل في فهم البشر وتجربتهم ليس منزلا من الله"، وهذا يعني أنه عند د. النعيم القرآن ليس منزلاً من الله!! وبالطبع هذا نفس معنى صناعة بشرية.. فإذا كان القرآن ليس منزلا من الله، فهذا يعني أن النبي ليس مرسلا من الله، ولا هو موحى له بشيء.. فهل من يقول هذا القول يمكن أن يكون مسلماً؟! لنرى كيف يدخله د. القراي في الاسلام. 4. يقول د. النعيم: " فكرة المفاضلة بين المصادر في القرآن تمت قبل الآن، فهي ليست أمرا نفعله نحن للمرة الأولى.. إن الصياغة التي حدثت للشريعة، في القرنين الأولين من ظهور الإسلام، قامت على أساس انتقائي جدا، فيما يتعلق بتحديد الآيات التي ينبغي نسخها أو إلغاء حكمها، واستبدالها بآيات أخرى.. وعلى هذا، فإن النسخ الذي حدث كان خيارا اتخذه الفقهاء المشرعون والقضاة!!!! لذلك أنا أقول إنه يمكننا الآن أن نتخذ خيارا فقهيا لا يوجد نص في القرآن يقرّر النسخ وقضائيا مختلفا، لتحديد أيّ الآيات هي التي ينبغي أن تنسخ).. 8 ح 3.. وفي هذه النقطة، المطلوب من د. القراي شهادته.. هل د. النعيم عندما يقول (لا يوجد نص في القرآن يقرّر النسخ)، هل هو صادق أم كاذب؟! قال د. القراي: ""إننا لا نحتاج لشيء مثلما نحتاج للحوار، الجاد، الهادف، القائم على احترام الآخرين، مهما كنا نرى من بعد افكارهم عن الفكرة".. بالنسبة لي، احترام الآخرين، ليس مرتبطاً بقربهم من الفكرة أو بعدهم.. هذا امر غير وارد تماما.. وقضية د. النعيم، لم تكن في يوم من الأيام، مجرد قضية قرب أو بعد، وإنما هي قضية تشويه للإسلام، وللفكرة، لحق بجميع الأساسيات.. وهو تشويه عن قصد، يعلم صاحبه أنه باطل، ولا يلحق بالإسلام ولا بالفكرة.. ومع كل ذلك د. النعيم كشخص عندي محترم، ولكن عمله غير محترم.. وهذا مبدأ من أهم ما علمتنا له الفكرة، وبحمد الله لم يغب عني.. أكثر من ذلك وأهم، أنا من يعمل لمصلحة د. النعيم!! وهذا أمر لا شك فيه.. فد. النعيم وقع في أمر مهلك ديناً، وقد بينت له خطورة ما هو فيه، ورجوته وكررت الرجاء أن يتدارك أمره ويتوب الى ربه، ويرجع عن هذه الأقوال المهلكة.. وكنت دائماً أذكره بالموت، وأنه ليس ببعيد.. هذا في حين أن الآخرين ، وأنت منهم، كانوا يشجعونه على أن يستمر في ورطته، ويحسنون له موقفه، إما بالتأييد أو بالصمت عن أقواله!! وكانوا، عندما تعرض عليهم أقوال د. النعيم، وتطلب منهم شهادتهم أمام الله، وأمام الناس، يكتمون الشهادة.. موقفي هو الذي فيه الاحترام، والحرص على شخص د. النعيم وعلى نجاته.. والأمر ليس موضوع كلام، وإنما هو دين، وحتما سنلتقي عليه هنا، وفي الآخرة، وستتضح المواقف.. وأنا والحمد الله، شديد الاطمئنان على موقفي، وعندي، كما علمتنا الفكرة، الحساب على العمل فوري.. وقد حدث!! قول القراي: "ادعاء حيازة كل معرفة للفكرة".. قول فيه تجهيل وتجريم، معظم الجمهوريين، ليسوا بهذا الجهل حتى يدعوا حيازة كل معرفة الفكرة.. لأنهم، بداهة يعرفون أن المعرفة في الفكرة، هي معرفة الله، وهذه معرفة ليس لها انتهاء.. ولكننا نعرف من الفكرة ما هو مطروح للناس، ووارد في مصادرها، ونعرف من يفارق هذه المعرفة.. قولك هذا، تواضع يشبه التكبر.. المشكلة في كلمة (ادعاء)!! فهي نقيض أدب العبودية.. ومن يعرفون الجمهوريين، من القدامى، يعرفون من هو المدعي، ومن هو غير المدعي!! (موقفنا الحالي، العاجز عن معيشة الفكرة، وحملها للآخرين).. هذا ما قاله د. القراي يستدل به على ما نحن فيه من حيرة ومفارقة حسب زعمه.. عيش الفكرة هو العمل بطريق محمد في العبادة والمعاملة، عن عقيدة صحيحة وأدب.. هذا بفضل الله قائم عند معظم من أعرفهم كما سبق أن ذكرت.. زعمك مجرد تعميم غير صحيح.. نأتي لحمل الفكرة.. هذا أمر يأتي بعد الالتزام بها.. وهو يقع ضمن الالتزام، إذ المقصود به حمل الفكرة لنفسه، في المكان الأول، ثم الآخرين.. وقطعاً الناس في هذا الأمر يتفاوتون، حسب استعدادهم، وتحصيلهم وتوفيق الله لهم.. وحسب هذا التفاوت الأمر، بصورة عامة جاري، في مستويات مختلفة.. الأمر المؤكد هو أننا نحن لسنا من ينصر الفكرة، وإنما ينصرها ربها، هذا أمر مؤكد في وقته، ولذلك لسنا في عجلة من أمرنا في هذا الموضوع.. ولكن لماذا أهملت معوقات حمل الفكرة، وهي واضحة!! د. القراي هنا يدعونا الى حمل الفكرة الى الآخرين، وهو في نفس الوقت، يدعونا الى عدم دعوة المسلمين، وغير المسلمين الى طريق محمد!! فما هي الفكرة التي قصرنا في حملها الى الآخرين؟! هل هي السياسة: الديمقراطية والاشتراكية والعدالة الاجتماعية، مع إبعاد الدين؟! هذا هو أساس نشاط د. القراي.. وهو ليس الفكرة الجمهورية، وإنما هو تحريف الفكرة.. أنا اتهم د. القراي، بحسب معرفتي لتفكيره، أنه لا يتحدث عن إذن التطبيق وعن المسيح.. وهذا هو الأمر الجوهري في الفكرة.. فالفكرة حسب صاحبها، لا يمكن أن تطبق، إلا بعد إذن التطبيق، ومجيء المأذون، فد. القراي، يغيب هذا الأمر الأساسي جداً، ليجعل أمر الدولة في الفكرة، أمر سياسي، يمكن أن يكون له فيه دور.. وربما يطمح الى أن يتزعمه!! هذه الأوهام، في المجد السياسي، والمجد الدنيوي، هي ما يحرك د. القراي، وآخرين غيره.. فهؤلاء يحركهم طموحات ذاتية متوهمة، تجعلهم يكيدون للفكرة، ويطمعون في بناء أمجاد دنيوية، وشهرة على حسابها!! وفي هذا الصدد هنالك من ينطبق عليهم هذا الأمر، ربما أكثر من د. القراي، وأرجو أن نجد الفرصة للتصدي لهم قريباً. بالنسبة لي، قد صرفني تصحيح تشويه د. النعيم، وأخذ منا وقتاً طويلاً، وزاد من طوله مواقف أنصاره.. وهذا عندي هو الواجب المباشر.. فقبل حمل الفكرة للآخرين، علينا أن نصحح التشويه الضخم الذي يأتي من الداخل.. ولو تأملت صور هذا التشويه، الذي جرى باسم الفكرة، تجدها عديدة جداً.. لوقت طويل، والى اليوم، يكاد عملنا ينحصر، في تصحيح ما ينسبه البعض، من داخل الفكرة لها.. وردي هذا لك يقع في هذا الإطار.. وهو ليس أول رد!! خلل الميزان: أن يسوي د. القراي منهاج الطريق، بأي منهاج آخر يختاره الانسان، هذا يعني أن عنده محمد صلى الله عليه وسلم، مثل إي انسان آخر.. فلو كانت له إي فضيلة، عند د. القراي لانعكست هذه الفضيلة على منهاجه.. وعدم التمييز هذا، يدل على خلل هائل في ميزان القراي الذي يزن به الأمور، كما يدل على ضعف شديد في عقيدته في النبي.. وهذا الخلل الهائل في الميزان، ينطبق على موقف د. القراي من القرآن، فعنده المنهاج الذي يقوم على القرآن، ويجسده المعصوم في الحياة، مساوي لأي منهاج آخر يختاره الانسان.. وعنده، يمكن تحقيق الكمالات الانسانية، وحتى الاسلام الأخير، دون القرآن، ودون النبي!! لو قال هذا القول انسان غير مسلم، لدل قوله دلالة واضحة، على خلل موازينه أو تحيزه ضد الاسلام، فكيف الحال وصاحب المقولة مسلم!؟ يحتاج د. القراي، حاجة ملحة أن يراجع عقيدته في الاسلام، وفي النبي، وفي القرآن.. فكل شيء في الدين يعتمد على العقيدة.. فإذا فسدت العقيدة فسد الدين كله!! واضح جداً، أن د. القراي، يعتمد بصورة كلية، في وزنه للأمور على عقله المجرد، ومن هنا يأتيه الخطر الشديد.. يقول الأستاذ محمود: " (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) ومن الظالمين من يعتمد على العقل في فهم حقائق الدين كل الاعتماد" .. خلل الميزان، عند د. القراي، ينعكس على تقديره للفكر، وتقديره للقيم، وهما لا يفترقان!! وكنموذج للخلل في تقدير القيم، نورد قول القراي، في تعليقه على كتاب لي عن (السلام) فقد كتب د. القراي في الصحافة السودانية، عن الكتاب، وكانت كتابته في عمومها موضوعية، ولكنه ذهب ينقد رايي حول السلوك الجنسي عند الغربيين، وجاء في نقده: "إن الزنا في المجتمعات المحافظة التي حرمته أديانها، وما يترتب عليه من آثار انقسام في نفس الفرد، ومشاعر سلبية على المجموعة التي ينتمي إليها، لا يمكن أن ينقل كما هو، لتملى آثاره على الفرد والمجتمع في الغرب، رغم اختلاف الثقافة، والمفاهيم، والأعراف.. فمن المفكرين الغربيين، ودعاة السلام الحقيقيين، من يمارس علاقة جنسية خارج إطار الزواج، وهو أكثر إيماناً بالإنسانية، والخير والسلام، من إسلاميين يهاجمون الغرب، على أساس انه يبيح الزنا .."!! المقارنة بالإسلاميين لا قيمة لها.. فالعبرة بقيم السلام، وهي قطعاً، غير محققة عند الاسلاميين، ولا عند الغربيين الذين ذكرهم.. وكلاهما ناصل عن الدين.. واضح جداً إن حديث د. القراي عن (اختلاف الثقافة والمفاهيم والأعراف) ، حديث ينطلق من (النسبوية).. فالمقاييس عنده مرتبطة باختلاف الثقافة، وهنا يكمن الخلل في الميزان.. القيم في الاسلام، قيم موضوعية، مرتبطة بطبيعة الوجود، وبالطبيعة الانسانية.. فمن يزني أو يسرق، وثقافته تبيح له ذلك، لا ينجو من الآثار السلبية لجريمته، حتى ولو كان لا يعتبرها جريمة، لجهله.. وكل ما هنالك، العقوبة تكون حسب الرسل!! (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا).. ومن المعلوم، أن الناس اليوم، في عهد فترة من انقطاع الرسل.. ولكن هذا لا يعفي من العقوبة، ولكن يجعلها مرتبطة بمستوى الرسل.. والرسل هنا، رسل العقول، بالإضافة الى بقية الرسل السابقين على رسالات الوحي.. والقضية أساساً عن الأثر السلبي، للسلوك الجنسي المنحرف، على تحقيق السلام.. فالسلام الفردي لا يتحقق والشخصية البشرية منقسمة على نفسها، وبعضها حرب على البعض الآخر.. في الاسلام أصل الشر هو انقسام الشخصية.. والزنا يزيد من هذا الانقسام.. يقول الأستاذ محمود: "أصل الشر، في الاسلام، هو انقسام الشخصية البشرية، بين ظاهر وباطن .. النفاق، وسببه الخوف، وسبب الخوف الجهل بحقيقة الوجود، وهو ما اسميناه أوهام الحواس... وسبيل الخلاص، في الاسلام، التوحيد.. ويبدأ بتوحيد الخوف.. فبدلاً من أن يكون الانسان خائفاً من العوامل المختلفة، في البيئة، يركز الاسلام في ذهنه أن الأشياء كلها لو أرادت أن تناله بسوء، لا تناله إلا بما كتبه الله عليه، ولو أرادته بخير، لا يناله منها خير إلا ما كتبه الله له" .. "وإذن فمن العلم ألا تخاف إلا من الله، ولا ترجو إلا الله".. وأصحابك هؤلاء الذين زعمت لهم الايمان بالإنسانية والخير والسلام، هم منقسمون، ولا يملكون أي تصور للوجود، يعصمهم من الانقسام.. ولذلك، من المستحيل في حقهم أن يعطوا سلاماً.. فهم ليسوا دعاة سلام حقيقيين، إلا عند من ميزانه مختل مثلك.. العبرة ليست بالكلام عن السلام، وإنما العبرة بتحقيق السلام، وهذا لا يكون والشخصية منقسمة.. بل لا سبيل اليه إلا بالإيمان الصحيح أولاً، ثم العلم بالله.. يقول تعالى: " الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ " والسلام في علاقته بالسلوك الجنسي لا يتحقق إلا بالعفة التامة.. وهي لا تتحقق إلا عن طريق محمد.. وحتى عن طريق المنهاج، لا تتحقق إلا بمجيء الموعود!! يقول الأستاذ محمود، في موضوع الانقسام، والسلام ما نصه: "ولا يمكن ان يبلغ الفرد الحرية المطلقة وهو منقسم على نفسه، وبعضه حرب على بعض. بل لا بد له من اعادة الوحدة الى بنيته، حتى يكون في سلام مع نفسه، قبل أن يحاول أن يكون في سلام مع الآخرين. وهو إنما يكون في سلام مع نفسه حين لا يكون العقل الواعي في تضاد وتعارض مع العقل الباطن، ويومئذ يحقق سلامة القلب، وصفاء الفكر. وبعبارة اخرى يحقق حياة الفكر، وحياة الشعور، وتلك هي الحياة العليا".. أصحابك هؤلاء، لم يشم احدهم شميم هذا القول، خل عنك ان يكون لهم قدم فيه.. فهم منقسمون ولا سبيل للوحدة عندهم، إلا سبيل التوحيد.. الغريب أن د. القراي في نفس نصه يعترف بالانقسام الذي يترتب على الزنا، فهو قد قال: " إن الزنا في المجتمعات المحافظة التي حرمته أديانها، وما يترتب عليه من آثار انقسام في نفس الفرد"!! أم تراه يرى أن هذا ينطبق على المجتمعات المحافظة فقط!! أنا في حديثي عن خطأ السلوك الجنسي عند الغرب، أوردت رأي الغربيين أنفسهم، وبينت كيف أنهم وصلوا الى معرفة خطأ، فلسفة (إطلاق الغرائز والحرية الجنسية) يقول الأستاذ محمود، عن أمر العفة: " سيجيء وقت، قريبا، إن شاء الله، تكون فيه العفة، والصون، أمراً ثابتاً في صدور النساء، والرجال.. ويكون جميع النساء إلا امرأة واحدة، لدى كل رجل، كأنهن اخواته، أو أمه .. فلا تتحرك فيه رغبة جنسية لإحداهن، على الاطلاق.. ومثل هذا يقال عن المرأة بين الرجال، إلا رجلاً واحداً، هو زوجها.. فكأن التحريم الشرعي اليوم في الدوائر المحرمة هو مقدمة لتلك الحالة التي يصحب مجيئها مجيء الموعود الذي سيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً.. وحالة العفة هذه هي من ضمن العدل الذي ستملأ به الأرض يومئذ" لا شيء على الاطلاق، في الاسلام، يمكن أن يقوم، دون طريق محمد صلى الله عليه وسلم، ودون مجيء الموعود، فمن فرط فيهما أو فرط في واحد منهما، فرط في كل شيء.. وهذا هو الخسران المبين. صور أخرى من التعويق: وهنالك صور من التعويق، لا يعلمها الكثير من الجمهوريين.. ما رأي د. القراي، إذا قلت له أن هنالك شخص، من الوسط الجمهوري، سعى بجرأة والحاح لصرف أحد الأشخاص، الذين يساعدونني في كتابة الكتب، صرفه من أن يتعاون معي في إخراجها. هل يصدق الإخوان هذا الأمر!؟ وما هي الحجة التي ساقها ليصرف الشخص المذكور عن التعاون معي!؟ قال له: ما عندو شيء!! يقصد أنني لا أملك شيء من الفكرة. وليت الأمر وقف عند هذا الحد.. هنالك ما هو أعجب بكثير.. هنالك من لهم علاقة أمنية، وسعوا من خلال جهاز أمن دولة أجنبية، لمنع عرض كتبي في تلك الدولة!! أن نكون مخترقين أمنياً، هذا أمر مفهوم.. ومنذ أيام حكم عبود كانت أجهزة الأمن تتابع نشاطنا، حتى الذي في البيوت.. وكنا نعلم ذلك.. ونحن ليس عندنا ما نحتاج أن نخفيه.. فحتى منشور (هذا أو الطوفان)، كان يناقش في ميدان عام، ولذلك لم نكن نهتم كثيراً بمتابعة أجهزة الأمن لنا. وبالطبع تواصلت المتابعة الأمنية، أيام حكم نميري.. ومعلوم أن أجهزة الأمن تجند بعض الأفراد، وتدسهم بين الجماعات التي تراقبها، كأعضاء في تلك الجماعات.. عندما ظهر نميري في التلفزيون، ليؤيد حكم الإعدام على الأستاذ محمود قال بعض الأقوال التي صدرت عني.. فقد قال: المدعو خالد الحاج يقول كذا وكذا.. وكان ما نسبه لي صحيحاً.. وقد ورد قولي المذكور هذا، في جلسة من الجلسات التي تكون بعد صلاة الصبح، بمنزل من منازل الإخوان.. وعدد الأعضاء في الجلسة محدود جداً، وجميعهم معروف لدي، ولدى بعضهم البعض!! أما أمر الأمن الآن، فجديد تماماً، فهو يتعلق بالتعويق الذي يتم باسم الفكرة، ومن جهات محسوبة على الفكرة.. وليس هذا هو الجديد، وإنما الجديد هو أن العلاقات الأمنية، هذه المرة علاقات خارج السودان!! ومرتبطة بدول أجنبية!! والواضح أنها تقوم على علاقات امنية بين الدول!! يوظف فيها أمن دولة ليؤثر على أمن الدولة الأخرى، ويسوق الى تنفيذ أغراض معاداة الفكرة، عند بعض الأشخاص!! والشخص الذي ذكرته في البداية، وذكرت أنه يتعاون معي في نشر كتبي، كان يعمل في دولة عربية لفترة عشرين عاماً.. ولم تأخذ عليه تلك الدولة أي شيء طوال تلك الفترة.. وفجأة أخذت أجهزة أمن تلك الدولة تلاحقه، وتستدعيه الى مكاتبها!! وكلما سألهم عن سبب استدعائه، وماذا يريدون منه، كان يجيبون اجابة معممة.. اعتبارات امنية!! وحتى النهاية لم تذكر له هذه الاعتبارات.. وقد فهم هو حقيقة الأمر خصوصاً، عندما سئل عن اتصالاته التلفونية، ومن هو أكثر من يتصل به.. وعندما أخبرهم أنه شخصي، أخذوا ينظرون الى بعضهم البعض في تعجب، وكأنهم كانوا ينتظرون أن يخفي هذا الأمر. وأخيراً طلبوا منه أن يتعاون معهم ضد جماعة الإخوان المسلمين.. والحوا كثيراً.. وقالوا له أنهم قتلوا استاذك!! فلما رفض رفضاً باتاً، أعطوه مهلة محددة ليخرج من بلادهم. يا ترى، ما هو عدد الذين عرض عليهم الأمر، وقبلوا؟! نحن نسأل د. القراي، بصفته داعيا للحوار الجاد والهادف: هل ملاحقة الناس في أرزاقهم لها علاقة بالحوار الجاد والهادف؟! هل الحوار له علاقة بأجهزة الأمن؟! قد يقول د. القراي أنه لا علم له بكل هذا الذي ذكرناه.. ولكننا نسأله عن المبدأ، فهو قد أخذ علينا، قلة العمل في نشر الدعوة، وذكرناه بالمعوقات التي تأتي ممن يعملون على تشويه الفكرة، باسمها.. ونذكر له هنا هذه المعوقات الأخيرة، وهي ليست بعيدة عن تلك!! من المؤكد أن د. القراي يعرف الشخص الذي حاول أن يصرف من يتعاون معي عن تعاونه.. أما الآخرين، فالغالب أنه يعرفهم.. احتمال معرفته لهم أكثر من 90%!! هذا كله من التشويه والتعويق الذي يأتي من الداخل، وقد نبهنا الأستاذ لذلك، منذ وقت مبكر، ولكن كالعادة، لم نكن نظن أن الأمر يصل الى هذا الحد.. ولكن لا ضير " وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ".. ومن خان في السر افتضح في العلن. وفي الختام، نطلب من د. القراي، أن يقول رأيه بوضوح، في هذا الذي ذكرناه أخيراً.. وحتى نقفل الباب أمام الالتواءات، نطالبه برأيه من حيث المبدأ!! بهذا أصل الى ختام كتابتي هذه عن د. القراي.. وسأنتظر لفترة قصيرة، لأرى رده، حتى يتواصل الحوار.. فإذا لم يرد د. القراي، حتى يوم الثلاثاء القادم، فسأبدأ في كتابة حلقات عن قضية الإيمان والفكر. هذا وعلى الله قصد السبيل، ومنها جائر، ولو شاء لهداكم أجمعين.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة