لا أريد ان ادخل في جدل حول حقيقة أن عبدالله الطيب شخصية قومية وموسوعة ناطقة في اللغة العربية ، يتمتع بكثير جدا من الأصالة والبلاغة والحضور الواضح المتميز ، وأن أكثر ما يؤلمني اليوم عدم تكريم أفذاذنا ، وإذا حدث فيكون بعد رحيلهم ! كان خالي الفكي عبد الرحمن يحب كثيرا الدكتور أحمد الطيب أحمد أهم رائد من رواد فن المسرح ، وكان دائما ما يحكي لي عن الدكتور البروفيسور عبدالله الطيب وعن أفضاله لأبناء السودان قاطبة ، وكنت مأخوذا بحكاياته عنهما التي لا تخلو من خفة الدم والكوميديا المسرحية ، وقد جذبتني مسرحيات عبدالله الطيب : - زواج السمر. 2- نكبة البرامكة. 3- الغرام المكنون. 4- قيام الساعة. 5- مشروع السدرة. وقلت للفكي وأنا طالب في الثانوية لماذا لا تهتمون بمسرحيات عبدالله الطيب بينما تهتمون بمسرحية " المك نمر " للعبادي ، قال لي هذا السؤال توجهه للمخرجين المسرحيين من جيلك ! ظل السؤال يشغلني فحاولت أن أجد إجابة ، فوجدت نصوص مسرحيات عبدالله الطيب في مكتبة خالي ، فانتهزتها فرصة وبدأت قراءتها . وجدت أن عبدالله الطيب مسكون بشعر الأقدمين ، نوع الشعر الصعب الذي يحتاج إلى شرح ، وربما يكون هذا أحد أسباب تردد المخرجين المسرحيين والإبتعاد عن مسرحياته ، بل رماه البعض بالجمود والتعلق بالقديم ، ولكن باعتقادي أن السبب الرئيسي يعود إلى عدم فهمنا الصحيح للمسرح ، وتعودنا على نمط مسرحي عفا عليه الزمن ، فقد أتيحت لي فرصة قراءة كثير من المسرحيات ذات اللغة الصعبة إستمتع بها الجمهور ، ولعل أقرب مثال مسرحيات وليام شكسبير ، وقد قرأت مسرحية حفل سمر لأجل خمسة حزيران للكاتب المسرحي السوري سعدالله ونوس التي أخرجها الفنان الراحل المقيم علي عبدالقيوم ، وكانت باللغة العربية الفصحى، أن المسرح يمتليء عن آخره بالجمهور ، بل يتفاعل مع الممثلين وكلمات المسرحية ، وهذا يعني أن المشكلة ليست في اللغة أو الشعر ، المشكلة في الفهم الخاطيء للمسرح . عبدالله الطيب له العديد من المحاضرات يلقيها بخفة دم تدهشني ، ممثل بامتياز ، ولكن موع الممثلين العباقرة ، وإن قلت راوي فذلك النوع من الرواة الضين يبحلق فيهم الجمهور ماخوذا بقدرتهم الفائقة في الإدهاش والتأثير . رحمك الله يا عبدالله فأنت فنان مسرحي من طراز خاص ، وتبقى أستاذتا وأستاذ أجيال من السودانيين وغيرهم الذين يحبونك ، وأنت يا أنطون تشيخوف قد تساءلت هل الناس سيذكروننا بعد مائة عام ، وأقول لك نعم سنذكرك ونذكر امثال عبدالله الطيب ولو بعد ألف عام .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة