مثيرات الإحباط في حياتنا كثيرة، حالة التدهور والانحطاط التي نعيشها تلقي بظلالها على كل جوانب الحياة، حتى انتشر اليأس والإحباط بين الناس، وصارت كلمة "ما في أمل" هي الجملة الافتتاحية والختامية للحوارات بين الناس. لكن رغم كل شيء يظل هناك أمل، يتمثل في المبادرات التي تضيء حياتنا بين حين وآخر، خاصة من جيل الشباب. في ظن الكثيرين أن هذا الجيل هو جيل الهزيمة والإحباط، جيل الفراغ العريض والهروب من المسؤولية، جيل الموضة والتقليد والاهتمامات غير الجادة. لكن هذا الجيل هو الذي يفاجئنا بجديته في كل يوم بمبادراته الفكرية والسياسية والاجتماعية والإنسانية. هو الجيل الذي قام بحملة نفير، وأنشأ شارع الحوادث وصدقات وغيرها، هو الجيل الرائع الذي شاهدناه يتحدث في مؤتمرات تيديكس، وهم شباب وطلاب الجامعات الذين يحملون همّ الوطن في قلوبهم وعقولهم، ويعبرون عن ذلك بطريقتهم، ويرحل معهم هذا الهم أينما حلوا. من بين هذا الجيل خرج هذا الكتاب الذي فاتني شرف حضور حفل تقديمه لظرف طارئ، لكنني حظيت بنسخة منه رغم ذلك، كتاب "التفكير النقدي: مدخل في طبيعة المحاجاة وأنواعها" لمؤلفه الطبيب الشاب عمرو صالح يس. صدر الكتاب عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر ضمن سلسلة كتب لإعداد قادة النهضة، يتبناها الباحث والمفكر العربي الدكتور جاسم سلطان. يتجول الكتاب في حدائق علم المنطق ويتجه أساساً ناحية منهج التفكير النقدي، أو المنطق اللا صوري. يبدو الكتاب بعيداً عن تخصص طبيب شاب، لكن، لتكتمل الدهشة، فقد قرر طائعاً مختاراً، ليس فقط أن يلج هذا العالم، عالم المنطق والفلسفة، لكن أن يهجر مهنة الطب التي درسها وتفوق فيها، إلى جانب أنه ابن النطاسي الراحل البروفيسور صالح يس. يقول عمرو إن اهتمامه بهذا المجال بدأ بعد حضور محاضرة للدكتور جاسم سلطان، وبدأ يفكر في كيفية البحث في طريقة تعمق أسلوب معالجة النقاشات في المسائل الفكرية المتعلقة بالنهضة في مجتمعاتنا بطريقة منطقية؛ بعيداً عن طرق السجال والجدال الذي لا يقود إلى أية نتيجة. وقاده البحث إلى دراسة متعمقة لكتب ودراسات في التفكير النقدي والمنطق اللاصوري بغرض إيجاد مقاربة منطقية وأدوات للحوارات العامة التي يخوضها الناس حول السياسة والدين والاجتماع والاقتصاد. منهج التفكير النقدي/ المنطق اللاصوري أسسه عدد من الباحثين في جامعات كندية وأمريكية، وصارت جامعة ويندسور الكندية؛ هي الحاضن لهذه المدرسة الجديدة في الفلسفة والمنطق. قضى المؤلف ثلاث سنوات يقرأ ويتدارس في هذا المجال حتى يستطيع أن يؤلف كتاباً يمكن أن يقود الناس لمنهج وأسلوب جديد في الحوار، ليس فقط في الفلسفة التي قد تبدو بعيدة عن اهتمام بعض الناس، لكن في كل قضايا الحياة. يتكون الكتاب من جزئين وعشرة فصول، اختار الكاتب صيغة الحوار بين شخصين حول الأفكار المختلفة التي يريد طرحها لتوصيل المعلومات، ربما جعلت هذه الصيغة شكل الكتاب يبدو أقرب للكتب المدرسية Text Book التي قد لا تناسب البعض، لكنها على كل حال الصيغة التي اختارها الكاتب ووجدها الأنسب لتوصيل ما يريد قوله. من الصعب تلخيص الكتاب في هذه المساحة، لكننا نكتفي هنا بالاحتفاء بإنتاج جاد لشاب جاد، وتحريض الناس على قراءته.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة