واهمٌ من يعتقد أن منظومة الفشل التي تحيط بمُقَّدرات بلادنا و رقاب شعبها ، سيكون حدها فقط أوجاع السياسة الجائرة و آلام الفقر و ويلات الغلاء و الإنحدار الطبقي على المستوى المادي و الوجداني للأغلبية الكادحة من شرفاء هذا الوطن المكلوم ، لأنها في الواقع ووفقاً لنظرية التأثير و التأثر و إرتباط مطلق الحاجات الطبيعية للفرد بعضها ببعض ، تتماهى سوءاتها في كل إتجاهٍ و مشرب ، ففي واقع يعمه الفساد و الجور و الظلم و الفقر و الكبت الفكري و السياسي و الثقافي لا يمكن أن تنجو ( الفنون ) بكافة مشاربها من الوقوع في الجُب المظلم ، لأنها في نهاية الأمر مُنتجٌ يصنعه ضمير الأمه المُنهكة و المضطربة و المهزومة ، طالعتُ في أكثر من منبر إعلامي إعلاناً عن مسرحية بعنوان ( كلام نسوان ) بالمسرح القومي برعاية من وزارة الثقافة لكونها واحدة من فعاليات مهرجان الثقافة السادس ، فتحفَّزت روحي المحبة للدراما و ذهبت لأطالع ( حسب ظني ) مجداً مدخراً جديداً لحركة الدراما المسرحية السودانية ، فخارت روحي بما رحبت و عمني غمٌ و همٌ عظيم ، في ما آل إليه أمر الإستخفاف بعقل و وجدان المواطن السوداني كلما وقفت ( جهة رسمية حكومية ) خلف خدمةٍ أو مشروع ما ، و لن أتطرف في نظرتي التشاؤمية حيال ما يجري في هذه البلاد من مآسي لا تطعن إلا في خاصرة الضعفاء من العوام و البسطاء لأردد المثل الشعبي المعروف ( الناس في شنو و الـ ...... في شنو ) ، لكن سأقول أن أقل ما ما يمكن أن يُطلق على ذلك العمل الذي تقف على رأسه أعلى هيئة لرعاية الفكر و الثقافة و الفنون في البلاد ممثلة في وزارة الثقافة هو أنه ليس سوى ( مهزلة محضة و ضحك على الذقون ) .. مسرحية بلا قصة و لا حبكة درامية و لا رسالة واضحة و لا مُستترة ، سيناريو و حوار يتفوَّق عليه أيي سِجال إرتجالي في زقاق من الأزقة ، فقرٌ مُدقع على مستوى الشكل و المضمون للديكور و المؤثرات المسرحية و الصوتية ، إخراج لم يعتد بأبسط قواعد الإقناع التي تفيد إحترام ذهنية المُشاهد ، و فوق كل هذا و ذاك أداء رتيب و بارد للممثلين ينم عن إصابتهم بالملل من كل الموضوع و سعيهم الواضح ( للمخارجة ) من الحرج الذي لا تخطئة عين في إطار عدم تجاوب الجمهور و إستياءه مما يدور أمامه من ( إستخفاف بقدراته التذوقية ) ، نعم إنه عهد الإنحطاط في كل مجال ، فقلة الجودة أصبحت سِمةٌ موثوقة في كل ما ننتج ، لأن الفن و الإبداع أصبحت صهوته تُعتلى بالمحسوبية و العلاقات المشبوهة و الإقصاء لكل ما هو صادق نبيل ، هل نضب معين الإبداع المسرحي الذي طالما أثرى وجدان الناس في كثير من المواسم المسرحية في عهود سابقة ؟ أين شباب المبدعين في مجال الإبداع المسرحي و لماذا يتشبث شيوخ الممثلين و المخرجين ( كرفقائهم ) السياسيين و لا يُفسحون المجال للوجوه و الأفكار الجديدة ، لا مسرح و لا إبداع بلا حرية مشرعة في التعبير و طرح مُطلق لكافة الأفكار بشتى مشاربها ، و لا إبداع بلا تفكيك فاعل لشمولية الرؤيا و آحادية المنهج ، دون ذلك لا فكاك من إنحطاط الفن و الإبداع و السلوك و القيِّم الأخلاقية .. اللهم لا إعتراض على أمرك .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة