لا أعرف كيف استطاع جبريل ابراهيم كبت انهيار العملة، ولكنني أعرف أن ذلك ابداً لم يؤدِ إلى إنهاء المرض وإن أخفى أعراضه لبرهة. فمنذ عام ٢٠١٤ بدأت كرة الثلج تتدحرج داهسة كل ما ومن يقف في طريقها. لقد عجل ذلك بسقوط البشير وحمدوك والآن البرهان. وكرة الثلج هذه تكبر، مهما حاولنا دفن رؤوسنا في الرمال. لقد أوردت تاق بريس خبر هروب العديد من التجار بترليونات الجنيهات وشيكات مرتدة، وعزا التجار ذلك للركود الاقتصادي. بل أدى ذلك إلى إغلاق التجار لمواقعهم التجارية. وإذا استمر الوضع على ما هو عليه فربما ستتأثر البنوك وتبدأ بدورها في الإنهيار. وإذا انهار بنك واحد فسيحدث هلع جماهيري يسحب على إثره المودعون ودائعهم لتتسارع وتيرة الانهيارات البنكية كلعبة الدومينو. إن الوضع الإقتصادي في السودان مرير جداً، ولو أننا كنا منصفين فإن العنف الذي استشرى في المناطق الطرفية والانفلات الأمني الذي بدأ بتسعة طويلة منذ ٢٠١٧ سببه هو الجوع. (الناس جاعت) حقيقة لا مجازاً. وإذا كان رغيف الخبز قد أصبح بخمسين جنيه، وحساب تكلفة المواصلات بخمسة وعشرين جنيه للكيلو فهذا يعني أن الدولة متجهة نحو هاوية اقتصادية وليس فقط ثورة جياع. الطبقة الوسطى بدورها انهارت. وباعت بعض أسرها منازلهم واتجهت للقاهرة كملجأ أول لهم، ومع ذلك فالسوق العقاري بدوره أضحى ميتاً، وعندما ينهار سوق العقارات فهذا يعني أن الناس لا يحبذون تجميد مدخراتهم في الأرض، ويفضلون الهرب بها إلى الخارج. ومع ارتفاع أسعار السلع كان لا بد لملاك المنازل من رفع الإيجارات، وعند عجز المستأجرين عن مجارات الزيادات الجنونية تحدث المشاكل والصراعات وتحتشد المحاكم والنيابات بالبلاغات والدعاوى بدون حل. في نفس الوقت تستمر إدارات الاراضي والسكن في ممارسة مماطلاتها وتعذيبها لأصحاب العقارات الزراعية والسكنية. بالإضافة إلى أكذوبة ما يسمى بالمساكن الشعبية والاقتصادية التي لا أحد يعلم بواطن أسرار الجهات القائمة عليها، وهكذا حدثت أزمة سكن ضخمة. وبالتالي ستزداد حالات الهجرة إلى مصر، التي بلغ فيها عدد السودانيين قرابة ستة ملايين شخص، ويرتفع العدد يوماً بعد يوم. أما البروليتاريا أو الطبقة الكادحة فلا مخرج أمامها سوى التوجه إلى الجريمة، مع وجود مافيات من كبار تجار المخدرات والتهريب الذين يستغلون حاجة البروليتاريا لإنقاذ أنفسهم وأهليهم من الموت جوعاً ومرضاً. بعد بضعة أشهر فقط سيعجز جبريل عن سد الهوة، وسينفجر الوضع وسيكون هذه المرة انفجاراً حقيقياً، لأنه لن تكون هناك أسلحة تواجهه. ومن خلال قراءتي للواقع السياسي المتمثل في سيطرة العسكر؛ أرى أن البرهان أصبح يتخبط يوماً بعد يوم ويسوف ويؤجل إيجاد حلول حقيقية، لأنه يخشى من المسؤولية الدولية قبل الداخلية. إن الجيش اليوم في أصعب أوضاعه، لأن أي عسكري سيحاول الإنقلاب على البرهان سيقع في ذات الحفرة، حيث لا تنفع البطولات. دعونا ننبه إلى أن الأزمة أكثر ظهوراً في العاصمة لأن الأقاليم اعتادت على أوضاع أسوأ من ذلك، ولأنها لا تشتكي وإن اشتكت فصوتها لا يصل إلى العاصمة حيث تتركز السلطة والثروة والقوى السياسية والإعلام. وبهذا المعدل من الانهيار الاقتصادي سيزداد الفساد بين الموظفين العموميين في مرافق الدولة لسد حاجاتهم، مما سيزيد بدوره من تفاقم الأزمة، ومع قيام الدولة يوماً بعد يوم بزيادة الجبايات، ستزداد الأسعار ارتفاعاً وتزداد الرشاوي والفساد، وهكذا نسقط ليس في دائرة جهنمية، بل في الجحيم الأبدي. أتوقع أنه خلال الأشهر القادمات، ستبدأ إنهيارات متتابعة للبنوك، لأن البنوك هي الأكثر تاثراً بالانهيار الاقتصادي، حيث عملها الأساسي هو الإقراض والاقتراض والاستفادة من الأرباح. وحيث هناك خسائر فلا يمكن توقع استمرار البنوك في أعمالها. اقترب الدولار من الستمائة جنيه، رغم وجود ضخ دولاري (سري) أتوقع أنه من قطر خدمة لجبريل إبراهيم. ولكن التدفق هذا لن يجدي طويلاً، رغم أن حل تحرير الدولار كان سياسة مفيدة لكن الحكومة ولأنها تحمي مافيا الدولار عادت وقيدت الدولار فأصبح هناك فارق شاسع بين الدولار في البنك والدولار في السوق الأسود، والمشكلة أنك لا يمكن أن تشتري الدولار من البنوك.. فأين هو التحرير؟ لم يحدث أي تحرير، والسبب هو حماية تجار الدولار، لا يوجد سبب غير هذا. ولكن هل حماية هؤلاء على حساب الأمن القومي والمصلحة القومية؟ بل حتى مصلحة العسكر في تأمين بقائهم في السلكة؟ شيء غريب؟ وفي النهاية أقول للجميع: لو غرقت هذه المركب فستغرق بنا جميعاً، وسيهرب أصحاب الملايين إلى الخارج وسنبقى نحن الفقراء لنواجه سنوات نحس مستمر ودم يصل إلى الركب.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق September, 25 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة