حزب البعث السوداني : البرنامج السياسي ملاحظات ومراجعات حول الوثائق الأساسية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-05-2024, 03:01 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-25-2022, 08:21 AM

حزب البعث السوداني
<aحزب البعث السوداني
تاريخ التسجيل: 09-20-2022
مجموع المشاركات: 24

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حزب البعث السوداني : البرنامج السياسي ملاحظات ومراجعات حول الوثائق الأساسية

    07:21 AM September, 25 2022

    سودانيز اون لاين
    حزب البعث السوداني-السودان
    مكتبتى
    رابط مختصر







    الخرطوم
    اكتوبر 2019













    حزب البعث السودانى
    البرنامج السياسي
    ملاحظات ومراجعات حول الوثائق الأساسية
    البرنامج السياسي يمثل اهم اركان العمل الحزبي ومحور نشاطه اليومي ، في المديين المتوسط والبعيد ، واي برنامج يرتبط بتحليل علمي محدد لتطوير حركة الواقع الوطني ، السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، ولارتباطاته الاقليمية العربية والافريقية في اطار الوضع الدولي السائد والسمات الاساسية للعصر ، ونقطة البدء في ذلك بالنسبة لحزبنا – حزب البعث – تتمثل في استيعاب ايديولوجية الثورة العربية ، وخاصة في مجال الفكر الديمقراطي والاشتراكي عموماً ، وفي استخدام كل ذلك في تحليل حركة هذا الواقع ومتابعة تطوراته بهدف تغييره في اتجاه استكمال اهداف مرحلة ما بعد الاستقلال السياسي بآفاقها القومية الديموقراطية والاشتراكية ( البعث وقضايا التطور الوطني ، ص 35) ، وبذلك يمثل البرنامج اطارا عاما لمرحلة تاريخية كاملة باهدافها وقواها السياسية والاجتماعية الاساسية وافاقها التاريخية المحددة .
    هذه القضية الهامة ظلت تشكل مركز اهتمام حزبنا ومناضليه منذ بدايات نشوء التيار القومي الاشتراكي وسط الطلاب في بداية الستينات وحتي الآن .وبرز بشكل خاص في التحليلات اتي انجزتها تنظيماته الطلابية الناشئة وقتها في جامعة الخرطوم وجامعة القاهرة فرع الخرطوم في الفترة 62- 1965م ووثائق المؤتمر الاول لحركة الاشتراكيين العرب 1966 والمؤتمر الثاني 1968 ( اشارت اليها وثيقة البعث وقضايا التطور الوطني في صفات متفرقة ) وعلي اساس هذه التحليلات والوثائق ظل نشاطه الفكري والسياسي الداخلي والجماهيري طوال تلك الفترة . فشارك بفعالية في مقاومة الديكتاتورية الاولي في ثورة اكتوبر 1964 والفترة اللاحقة ، من خلال نشاطه المستقل وفي العمل المشترك من خلال مؤتمر القوي التقدمية ومؤتمر الدفاع عن الديموقراطية وهيئة الدفاع عن الوطن العربي وغيرها من اشكال النشاط السياسي الجماهيري المشترك مع القوي الاخري ، وعلي اساسها ايضا كان موقفه من انقلاب 25 مايو 1969 وتطوراته السياسية حتي انقلاب 22 يوليو 1971 بنتائجه وتوجيهاته المعروفة . وهذا الاهتمام المبكر بقضايا البرنامج السياسي الوطني ، باهميته وموقعه المركزي في النشاط الحزبي ، يعكس توجها اصيلا لتفاعل الفكر القومي عموما ، والفكر البعثي بشكل خاص ،مع الواقع الانساني من اجل دراسة وتفهم مكوناته وتطوراته الداخلية ومن ثم تحويل ( الايدلوجية العربية الثورية ) الي برنامج عملي يتجه الي القوي الاجتماعية الصاعدة في داخله ويدفعها لتغييره في اتجاه استكمال مهام مرحلة ما بعد الاستقلال السياسي . وبذلك تاخذ الاستراتيجية القومية العامة ، التي تلخصها اهداف وشعارات ( الوحدة والحرية والاشتراكية ) مضمونها وشكلها المحدد بخصوصية انتماء السودان ودوره العربي والافريقي ، والمهم ان هذه المحاولات االمبكرة تمت اعادة تلخيصها واستكمالها في وثيقة ( البعث وقضايا التطور الوطني في السودان ) التي صدرت في 1973 واجازها المؤتمر الحزبي العام في بداية 1975 ، وذلك حسب مقدمتها ( بهدف تمكين الحزب من امتلاك رؤية علمية وثورية لحركة الواقع الوطني وافاق تطوره ، ومن ثم امتلاك دليل عمل يربط نشاطات ونضالات الحركة الجماهيرية الديمقراطية المتعددة والمتنوعة بافقها الاستراتيحي ، اي البرنامج العام ، ويرتفع بها الي مستوي العمل التاريخي ) ومن هنا تأخذ هذه الوثيقة اهميتها ومكانتها في تطور نظراتنا وفهمنا للواقع الوطني بعلاقاته وارتباطاته العربية والافريقية والدولية المتشابكة .



    البعث وقضايا النضال الوطني :
    هذه الوثيقة هي اول وثيقة فكرية وسياسية شاملة يصدرها الحزب في تاريخ تطوره ، وتمثل معالجة متطورة لقضايا الواقع الوطني من منظور المنهج القومي ( العلمي الجدلي والتاريخي ) وهي بذلك تمثل جهدا مقدرا لتحويل الشعارات العلمية والاهداف العامة لحركة التحرير القومي العربي والحركة الوطنية السودانية الي دليل عمل لفهم الواقع لهدف تغييره في اتجاه الحرية والاشتراكية والوحدة القومية والتضامن العربى الافريقي . ويعني ذلك عمليا تجسد الفكر القومي في برنامج عمل وطني محدد قادر علي تلبية احتياجات الواقع السوداني وتمكينه من القيام بدوره العربي الافريقي ، وبذلك اهتمت هذه الوثيقة بتحديد سمات وملامح الواقع الوطني ، وركزت علي للجوانب الاتية :
    • تعاملت مع قضية التكوين القومي للشعب السوداني كعملية تاريخية طويلة ومعقدة ،تمتد الي حقب تاريخية بعيدة . وركزت علي فترة السلطنات العربية الاسلامية ( سنار ،كردفان ، دارفور ) وفترة الحكم التركي والثورة والدولة المهدية ، ثم تابعت تحليلها للحركة الوطنية الحديثة حتي الاستقلال مطلع عام 1956 ، لتؤكد الطابع المزدوج للهوية الوطنية السودانية ، حيث تسود الثقافة العربية الاسلامية و الثقافات الافريقية المسيحية والديانات التقليدية في الجنوب ، في ( اطار السودان الموحد بارتباطاته العربية والافريقية المتشابكة) واشارت الي الدور الكبير الذي ظلت تلعبه اللغة العربية والاسلام وظروف الحياة المشتركة والتفاعل السلمي والايجابي بين المجموعات السكانية المختلفة في تعزيز الوحدة الوطنية وتسريع عملية الاندماج الوطني ، بالاضافة الي دور الدورة المركزية ووحدة السوق الوطني في التاريخ الحديث . ومن هنا خصوصية انتماء السودان ودوره في محيطه العربي والافريقي واهمية قضية الوحدة الوطنية في فترة ما بعد الاستقلال .
    • هذا التكوين القومي المزدوج دفع الوثيقة لتأكيد ( واقع التمايز التاريخي والحضاري بين شمال وجنوب البلاد ، وحق الجنوب في الحكم الذاتي الاقليمي وتنمية ثقافاته وحمايتها من تيارات التعصب الشوفيني ودفعها للتعايش والتفاعل السلمي والايجابي مع الثقافة العربية الاسلامية الغالبة في الشمال . وبشكل عام ، وفي الوقت نفسه لم تتجاهل حقيقة التنوع الثقافي والاثني داخل الشمال والجنوب ، عندما اكدت علي ( المحافظة علي التراث الشعبي وتطويره بشكل عام ) .
    ج- تابعت تطوير الحركة الوطنية الحديثة منذ معركة كرري حتي الاستقلال مطلع 1956 ، وذلك ( بهدف تحديد خصائصها السياسية والاجتماعية الفكرية وحدود قدراتها في مجري حركة التطور الوطني والصراع السياسي والاجتماعي الجاري في ارض الواقع ) واكدت علي ( ضرورة استيعاب كل جوانبها الايجابية ، بهدف تمكين حزبنا ليصبح بالفعل امتدادا للثورة المهدية وثورة 1924 وحركة الخرجين والحركة الحزبية الحديثة بكل ايجابياتها وليرتبط بجذور الواقع الوطني لفهمه وتغييره في اتجاهه التاريخي) .
    د- حددت ملامح وسمات الواقع الوطني عشية الاستقلال في ( التخلف والتبعية للسوق الرأسمالية العالمية ) ودور نمط التنمية الرأسمالي التبعي في تكريس هذا الواقع من خلال ضعف القطاع الحديث وتخلف القطاع التقليدي وسيطرة الشركات الاجنبية ( وقتها ) والاعتمادات الكبيرة علي التجارة والقروض الخارجية في ظرف التطور غير المتكافئ بين الدول المتقدمة وبلدان العالم الثالث .
    واشارت ايضا الي دور كل ذلك في تعميق التفاوت في التطور الاقتصادي الاجتماعي بين الشمال والجنوب بشكل خاص والاقاليم المختلفة بشكل عام ، مقارنة بوسط البلاد ( مثلث الخرطوم – كوستي – سنار ) وجاءت سياسات فترة ما بعد الاستقلال لتسير في اتجاه تدعيم هذا الواقع بكل تفاصيله .
    ه – علي ضوء هذا التحليل حددت الوثيقة القوي السياسية والاجتماعية المسيطرة علي هذا الواقع في :
    • الاستعمار العالمي ، من خلال شركاته وقروضه ووضعية العلاقات غير المتكافئة بين البلدان المتقدمة وبلدان العالم الثالث ، وارتباط الاقتصاد السوداني بالتجارة الخارجية والتخصص القسري في الانتاج الزراعي .
    • القوي التقليدية ، القبلية والطائفية ، التي تمت وتطورت في العهد الاستعماري وسيطرت علي مواقع هامة في جاز الدولة والسوق والنشاط الزراعي الحديث والتقليدي .
    • الفئات الرأسمالية التجارية والخدمية ، المرتبطة بالسوق الرأسمالي العالمي واحتكاراته المسيطرة ، والمتداخلة مع القوى التقليدية المسيطرة .
    • الفئات العليا في جهاز الدولة المورث من الاستعمار البريطاني .
    هذه القوي ظلت تسيطر علي الواقع الوطني ، من خلال سيطرتها علس السلطة والسوق ، وتعمل علي تكريسه واستمراره بتركيبة الكولونيالي ونمط تطوره الرأسمالي التبعي المشوه ، بل افرازاته في تعميق وضعية التخلف والتبعية وعرقلة عمليات الاندماج الوطني .
    وفي الجانب الاخر حددت الوثيقة ( قوي التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي في القوى المنتجة ) القوى الحديثة قوي العمال والمزارعين في المشاريع الحديثة وفئات الطبقة الوسطي والصغيرة ، المرتبطة بالسوق الوطني ، وفئات المثقفين ممثلة في الحركة الجماهيرية الديمقراطية بنقاباتها وتنظيماتها واحزابها .
    انطلاقاً من كل ذلك ومن واقع تطورات فترة ما بعد الاستقلال ، اكدت الوثيقة فشل قوي الحركة الوطنية التقليدية في استكمال تحقيق اهداف مرحلة ما بعد الاستقلال السياسي بالاستقلال الاقتصادي ، والتنمية الشاملة والمتوازنة والمستقلة ، تعزيز الوحدة الوطنية ، توطين الديمقراطية والحريات العامة ، والتكامل السياسي والاقتصادي مع محيطنا العربي والافريقي . وذلك بحكم تداخلها وارتباطها بالقوي الاجتماعية المسيطرة علي الواقع ، وقصورها الفكري والسياسي . وتكشفت هذه الحقيقة في صراعاتها مع بعضها حول السلطة بعد اعلان الاستقلال ، وصراعها مع الحركة الجماهيرية الديمقراطية في نفس الوقت ، حتي اضطرت لتسليم السلطة للعسكريين في نوفمبر 1958 ... وجاءت ثورة اكتوبر 1964 وانتكاستها لتؤكد اصرار هذه القوى علي المحافظة علي التركيب السياسي والاجتماعي السائد . وانقلاب 25 مايو 1969 كان هو الآخر تعبيراً عن هذا الاصرار بطريقة اخري . ومن خلال ذلك حددت الوثيقة المحاور الاساسية لبرنامج مرحلة ما بعد الاستقلال في المحاور الآتية :
    • في المجال السياسي : اشاعة الديمقراطية والحريات العامة ، بناء مؤسسات ديمقراطية حقيقية ( دستور ديمقراطي ، فصل السلطات ، حرية الأحزاب والصحافة ... الخ) حكم محلي لا مركزي واسع ، توحيد قوى الشعب ، بناء جبهة وطنية ديمقراطية وتقدمية واسعة ، وتأمين مصالح الطبقة الوسطي والصغيرة .
    • إصلاح جهاز الدولة : تطهيره من العناصر الرجعية والبيروقراطية ، تدعيمه بالعناصر الديمقراطية ، ربطه بالانتاج واعتباره الكفاءة والأمانة هي الأساس في مختلف اجهزة الدولة ، وذلك بهدف خلق جهاز دولة حصري وكفء وقادر علي العمل والانتاج ، ويضاف الي ذلك الاهتمام بالتدريب ، تنشيط دور منظمات العاملين في الادارة والانتاج ، استقلال القضاء ومؤسسات التعليم العالي ، بناء جيش وطني مرتبط بأهداف الشعب ... الخ .
    ج- قضية الجنوب : الاعتراف بواقع التمايز التاريخي والثقافي و الحضاري بين الشمال والجنوب ، ومنح الجنوب حكماً ذاتياً اقليمياً في اطار السودان الموحد ، وضع خطة اقتصادية اجتماعية لتطويره واستقلال امكانياته ، توثيق العلاقات مع دول الجوار الافريقي وحركة التحرير الوطني الافريقي ، والمساهمة في بناء حركة ديمقراطية في الجنوب متفاعلة مع الحركة الوطنية والديمقراطية في الشمال .
    د- المجال الاقتصادي : اعتماد التخطيط الاقتصادي كأساس للتنمية ، بناء اقتصاد وطني متنوع ومتكامل ، اعتبار القطاع العام هو الاساس في التجارة الخارجية والمصارف والصناعات الاساسية والمشاريع الزراعية الكبيرة .. الخ . تحديد دور القطاع الخاص والتعاوني والمشترك في الاطار ، انتهاج سياسة اقتصادية تستهدق تحريك الموارد وتعبئة الفائض الاقتصادي للتنمية ، وضع المصالح الوطنية اساساً للتعامل مع البلدان الاخري ، التوجه للتكامل الاقتصادي مع البلدان العربية والافريقية الاخري لخلق تكتل اقليمي متكامل وقادر علي تحقيق نهضة المنطقة .
    هـ - الاصلاح الزراعي في القطاع الزراعي الحديث والقطاع التقليدي علي السواء : المحافظة علي المشاريع الحكومية ، ادخال القطاع العام والتعاوني في قطاع الزراعة الآلية ، المحافة علي الملكية العامة للأرض ، تكثيف وتنويع المحاصيل وتولي الدولة عمليات تسويقها ، مشاركة تنظيمات المزارعين في الادارة ... الخ . وفي القطاع التقليدي ركز البرنامج علي ربطه بالقطاع الحديث بالاستثمارات المباشرة ، وخاصة في الاقاليم الاكثر تخلفاً ، مواجهة مشكلات المياه والمراعي لخلق استقرار في مناطق الرعي ، الاهتمام بالزراعة المطرية والمنتج الصغير والصناعات التقليدية وتصفية الادارة الأهلية .. الخ .
    و- الصناعة : تطوير صناعات القطاع العام ، خلق صناعات مرتبطة بامكانيات واحتياجات البلاد وتكامل قطاعات الاقتصاد الوطني ... الخ .
    ز- التعليم والثقافة والخدمات : خلق نظام تعليمي مرتبط باحتياجات التطور الوطني وبالثقافة الوطنية وروح العصر ، شروط خدمة المعلمين ، الزامية التعليم الابتدائي والثانوي ، خلق ثقافة وطنية مرتبطة بمنجزات العلم الحديث ومعادية للقهر والاستعلاء القومي وقادرة علي استيعاب التمايز التاريخي بين الشمال والجنوب وارتباطات البلاد العربية والافريقية ، تمكين الجنوب من تنمية ثقافاته ولغاته ، تحرير المرأة ، المحافظة علي التراث الشعبي ، محو الأمية ، تطوير وتوسيع الخدمات الطبية ، وخلق شبكة مواصلات واسعة وقوية تربط اجزاء القطر مع بعضها ومع دول الجوار العربي والافريقي .. الخ .
    ج- السياسة العربية : تنمية الوعي القومي العربي ، العمل المشترك مع التنظيمات والاحزاب العربيةعلي اساس الدمقراطية والتكامل الاقتصادي والثقافي و السياسي .
    ط- السياسة الافريقية : دعم حركة التحرير الافريقي ، تدعيم اتجاهات الوحدة والتضامن الافريقي ، توثيق التحالف بين حركة التحرير القومي العربية وحركة التحرير الافريقي .
    ي- السياسة العالمية : مقاومة الاستعمار ، اسرائيل والحركة الصهيونية ، حركة بلدان اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية ، المعسكر الاشتراكي ، الاستقلالية في السياسة الد\ولية .







    ملاحظات حول بعض القضايا :
    في وصفها لطبيعة هذا البرنامج والمرحلة التاريخية التي يتناولها ، اشارت الوثيقة الي اوصاف متعددة ، فقد عنونت البرنامج بـ ( برنامج الثورة الوطنية التقدمية) وفي عنوان آخر وصفته بـ (برنامج الثورة الديمقراطية ) وفي صلب التحليل ظلت تشير الي ( مهام مرحلة ما بعد الاستقلال) وكذلك ( المهام الديمقراطية السياسية والاقتصادية الاجتماعية التي طرحتها فترة ما بعد الاستقلال) وهذا يشير بالتأكيد الي ارتباك فكري وسياسي في المنهج والنظرة فى ذلك الوقت.
    وهذا الارتباط يعكس نفسه ايضاً في اسلوبها التقريري ، احكامها المتسرعة والقاطعة في كثير من الاحيان . ويبدو ان الوثيقة كانت اسيرة الظروف التي كتبت فيها ، والتي تميزت بسياسة الفكر اليساري في معظم اطراف حركة التحرير القومي العربية ، بشكل عام وحول وسط حزب البعث العربي الاشتراكي بشكل خاص . ففي عام 1963 صدرت المنطلقات النظرية بتوجيهاتها اليسارية والاشتراكية المعروفة ، وشهدت الفترة نفسها صراعات متنوعة داخل حزب البعث ، خاصة في سوريا والعراق وبقية بلدان المشرق. وهناك أيضاً توجه عبد الناصر والتجربة بعد انفصال 1961، وظهور الأنظمة الوطنية التقدمية في المنطقة(مصر، سوريا، اليمن، العراق، الجزائر،..إلخ) وفي عدد من بلدان القارة الإفريقية(غانا غينيا، تنزانيا..إلخ) وفي المستوى الدولي كانت تسيطر ظروف الحرب الباردة والصراع الدائر بين المعسكر الرأسمالي الغربي والمعسكر الاشتراكي الشرقي.
    ولذلك لم تخرج الوثيقة في توجهها العام عن الإطار الفكري والسياسي الذي فرضته الظروف. ولكنها في الوقت نفسه تميزت بالهدوء والرصانة والعمق في تحليلها العام للتكوين القومي وتطور الحركة الوطنيةالحديثة والسمات والملامح العامة للواقع السوداني. وفي البرنامج، الذي طرحته، ركزت على القضايا الاساسية في مرحلة ما بعد الاستقلال: قضايا التنمية الاقتصادية والاستقلال الاقتصادي، الإصلاح الزراعي، مشاكل التعليم والثقافة والخدمات ودور السودان في محيطه العربي والإفريقي والدولي(...) وهذا يشير إلى انشدادها بشكل عام لضغوط الواقع الوطني العملية، وإلى خبرات العمل السياسي في الفترات السابقة.
    ومن هنا يمكن القول بسلامة توجهها العام وترددها وتأرجحها في الموقف من بعض القضايا، خاصة قضايا الديمقراطية والحريات العامة. فهي تكثر من الإشارة إليها في تعبيرات واضحة ومحددة في فقرات عديدة، حيث تشير مثلاً إلى( إشاعة الديمقراطية وكافة الحريات العامة، بما في ذلك حرية الأحزاب) وفي فقرات اخرى تجنح باتجاه مفاهيم( الديمقراطية الشعبية) السائدة وقتها في الأنظمة الوطنية التقدمية العربية وبلدان أوربا الشرقية، حيث تشير إلى (إقامة نظام وطني أساسه الديمقراطية الشعبية) وهذا التناقض يعكس ارتباكاً واضحاً. ولكنها مع ذلك ظلت تتمسك في منهجها الوطني في فترة الحكم البريطاني والحكم المدني والعسكري على السواء، وظلت أيضاً تتمسك بضرورات التحالف السياسي الواسع في شكل(جبهة وطنية ديمقراطية وتقدمية واسعة) وهذا يعكس، ليس فقط ارتباك الوثيقة، بل يعكس أيضاً اشكالية الديقراطية في واقع متخلف ومعقد مثل الواقع السوداني، كما أشارت الوثيقة مرات عديدة. فهي تقول: إن انقلاب نوفمبر 1958 كان مؤامرة لقطع الطريق أمام صعود القوى الوطنية الديمقراطية وقتذاك، لكنه في الوقت نفسه كشف( ضعف الأساس الاقتصادي والاجتماعي للنظام الديمقراطي البرلماني في بلادنا) وذلك لعدم قدرة قوى التخلف المسيطرة(على المحافظة عليه، عندما تتهدد مصالحها بفعل ضغط ونضال قوى الديمقراطية والتقدم. وكشف أيضاً الارتباط الحميم بين البيروقراطية العسكرية العليا وقوى التخلف والرجعية، ودور هذه البيروقراطية في تخريب وعرقلة حركة التطور الوطني) ومن هنا أدى الانقلاب العسكري حسب الوثيقة إلى صعود(قضية الديقراطية إلى مقدمة قضايا النضال الوطني) في تلك الفترة.
    وجاءت ثورة اكتوبر1964 لتكشف (أهمية الديمقراطية بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وارتباطها بقضايا التغيير) وكل ذلك يؤكد عمق التوجه الديمقراطي في منهج ونظرة الوثيقة للواقع الوطني بجانب ذلك كانت هناك سيادة مقولات فترة الستينات والسبعينات حول (الديمقراطية الشعبية) ونظرتها السلبية للحريات وحقوق الإنسان. ولذلك تأثرت معالجتها لهذه القضية بالمناخ العام، الذي أفرزته تلك المقولات. وفي هذا الاتجاه ساعدت ايضاً ظروف صراعات ما بعد أكتوب 1964 والتعقيدات المصاحبة لإنقلاب 25مايو 1969، في تكريس هذا التوجه. فقد شهد تلك الفترة انقساماً حاداً في حركة المعارضة السياسية بين الجبهة الوطنية( الاتحادي والأمة والإخوان) من جهة والقوى التقدمية من جهة أخرى، نتيجة للتعقيدات التي فرضتها ظروف مابعد 1969.
    • ورغم كل ذلك ظلت شعارات الديمقراطية والحريات العامة تحتل مكاناً عالياً في الممارسة العملية وفي البيانات السياسية لحركة البعث وجريدة الهدف وفي التحالفات السياسية اليومية وسط حركة الطلاب والنقابات. ومع دخول النظام المايوي في أزمته السياسية والاقتصاديةالشاملة في النصف الثاني للسبعينات، وانفراط الجبهة الوطنية بعد مصالحة 1977، مع كل ذلك شهد الواقع السياسي متغيرات اساسية، كان لها دورها في تطوير الوثيقة من خلال البيانات التي صدرت حول المصالحة ووثيقة(نحو مخرج ديمقراطي لأزمة التطور الوطني) الصادرة في 1978 وشمل هذا التطور المقف من قضايا الديمقرطية والتحالفات السياسية بشكل أكثر وضوحاً وتحديداً، حيث تراجعت الشعارات اليسارية وتصنيفات والقوى السياسية إلى قوى (تقدمية) وأخرى (رجعية) وجاء إعلان تحالف حزب البعث مع الاتحادي الديقراطي، بقيادة الشريف حسين الهندي، في عام 1979، كأول اختراق سياسي في اتجاه توحيد قوى المعارضة في جبهة واحدة من أجل استعادة الديقراطية. وفي عام 1982 شكل الحزبان جبهة (تجمع الشعب السوداني) مع قوى وأحزاب أخرى. وكان لهذه الجبهة دور مشهود في مقاومة النظام الديكتاتوري المايوي وفي فتح الطريق لتكوين التجمع الوطني لإنقاذ الوطن عشية انتفاضة مارس/ تبريل 1985. وبذلك تطور الموقف من الديمقراطية والتحالف مع القوى الأخرى في اتجاه أكثر وضوحاً وتحديداً، بل إنه ظل يؤكد على الديقراطية والحريات العامة والتحالف مع كل القوى الوطنية الديمقراطية. واسع مع القوي الوطنية والقومية والديمقراطية، بمختلف انتماءتها الفكرية والاجتماعية ، في اتجاه بناء سودان ديمقراطي موحد ومستقل وفاعل في محيطة العربي والافريقي. ويشمل ذلك كافه تنظيمات المجتمع المدني والتحالف السياسية وسط قوي الديمقراطية والتقدم وفي اطار التجمع الوطني الديمقراطي .
    • التركيز علي التوازن بين العمل الثقافي والسياسي ، والعمل التنظيمي الداخلي والنشاط الجماهيري العام. والعمل الفكري والثقافي يحتاج الي تركيز اكثر في المرحلة القادمة بهدف تمكين الحزب من استيعاب المتغيرات الجارية وتاهيله للقيام بدوره الوطني والقومي.





    اشكالية التنوع الثقافي في السودان

    هناك الآن اتفاق عام حول واقع التنوع والتعدد الثقافي والاثني والديني في السودان. وتثمل ذلك في اتفاقات واعلانات وقعتها القوي السياسية والاجتماعية في البلاد ،وشمل أهمها الآتي:-
    • مقررات مؤتمر اسمرا حول القضايا المصيرية 1995 التي تمثل وجهة نظر قوي التجمع الوطني الديمقراطي الذي يضم كل قوي المعارضة الشمالية والجنوبية تقريبا.
    • اتفاقية الخرطوم للسلام 1997 بين حكومة الانقاذ وبعض القوي السياسية الجنوبية، وتمثل وجهة نظر الجبهة الاسلامية القومية الحاكمة والقوي الاخرى الموقعة معها. والاتفاقية تطرح افكاراً تقترب كثيرا من مقررات مؤتمر اسمرا 1995 بما في ذلك حق الجنوب في تقرير مصيره.
    • اتفاقية السلام الشامل بين حكومة الانقاذ والحركة الشعبية لتحرير السودان في يناير 2005. ومع ان الجانب الثقافي يشكل اضعف محاور الاتفاقية الا انها اكدت علي حقائق التنوع والتعدد الثقافي والديني والاثني وحق المجموعات المختلفة في المحافظة علي لغاتها وثقافاتها وتطويرها، اضافة الي تركيزها علي خصوصية انتماء السودان ودوره في محيطه العربي والافريقي وتوازن سياسته الاقليمية في الاطار(انظر الاتفاقية).
    • هذا الاتفاق الواسع هو امتداد لاعلان كوكادام بين الحركة الشعبية وقوي التجمع الوطني لانقاذ الوطن في بداية 1986 ، واتفاق الميرغني/ قرنق في نوفمبر 1988، وذلك اضافة الي تطورات عديدة تمتد منذ مؤتمر جوبا 1947 حتي مؤتمر المائدة المستديرة في 1965 واعلان 9 يونيو1969 واتفاقية اديس اببا 1972 بين النظام المايوي وحركة تحريري جنوب السودان. ومع كل ذلك، فإن العبرة ليست في الاعلانات والاتفاقيات، وإنما في فهمها المشترك وتطبيقها في الواقع العملي. وهذا لم يحدث حتى الآن. ولذلك يمكن القول أن قضية التنوع الثقافي والإثني والديني لا تزال تطرح نفسها بقوة في الواقع السوداني وتحتاج إلى جهد أكبر وأوسع، بحكم تعقيداتها واختلافها النوعي عن قضايا تقسيم السلطة والثروة. ولا اريدها هنا متابعة موقف حزب البعث العربي الاشتراكي السوداني من هذه لأن دكتور حيدر إبراهيم علي أشار في ورقته، التي قدمها في جلسة الامس، إلى وثيقة(البعث وقضايا التطور الوطني في السودان) الصادرة في 1973 والتي تناولت قضايا الوحدة الوطنية وبالذات مشكلة العلاقة بين الجنوب والشمال. وهناك ايضاً وثيقة اخرى حول(قضايا الهوية والوحدة الوطنية) طرحها الحزب في بداية 1989 ضمن مساهماته في التحضير للمؤتمر الدستوري الوطني المزمع عقده في تلك الفترة. وهناك ايضاً وثيقة صدرت في 1998 تحت عنوان( نحو مخرج ديقراطي للأزمة الوطنية الشاملة الجارية في بلادنا)وهذه الوثائق وغيرها متوفرة ويمكن الرجوع إليها. ولذلك سأركز هنا على بعض الجوانب الفكرية العملية والمفاهيمية الخاصة بهذه القضية.
    • إشكالية التنوع في الوقت الراهن:
    إشكالية الهوية الوطنية والتنوع الثقافي والإثني في السودان تتمثل الآن، رغم الاتفاقيات السياسية العديدة، وتوجهين أساسيين متطرفين متناقضين ومتشابهين في نفس الوقت:
    • الأول يضع الدين في مواجهة الهوية الوطنية، وتمثله الجبهة الإسلامية القومية وسلطة الإنقاذ ودوائر وسط القوى المهيمنة الشمالية. وهذا التوجه يعمل على فرض مفهوم يقوم على الاسلام واللغة العربية ومعاداة الثقافات والأديان الوطنية الأخرى وبالذات الثقافات الجنوبية. وهو بذلك يعمل على تبسيط مشكلة الهوية ويحصرها في عامل الدين فقط، ويتجاهل حقائق التنوع الثقافي والديني والإثني في السودان ككل وحتى في الشمال(العربي المسلم) نفسه. ويحاول تحقيق ذلك بفرض سياسة أسلمة وتعريب واسعة وسط المجموعات السكانية غير المسلمة وغير العربية بكل الطرق الممكنة وعلى رأسها سلطة الدولة السياسية والاقتصادية. وهذه السياسة تعتبر امتداد لممارسات الحكومات العسكرية السابقة بشكل خاص والأنظمة المدنية الديمقراطية بدرجة أقل. ولكنها في ظل نظام الإنقاذ (الإسلامي) اتخذت أبعاد واسعة وخطيرة وهو توجه يتناقض مع الإسلام والتراث العربي الإسلامي، ومع التجربة السودانية في عمومها. وهو أيضاً توجه احادي أدى علمياً إلى إدخال الإسلام والعروبة السودانية في مأزق صراع إقصائي وورطة عدم اقدرة على التعايش والتفاعل مع المجموعات الوطنية الاخرى،وخاصة المجموعات الجنوبية. وهو بذلك يخاطر بالعروبة بالإسلام والإسلام ومكانتهما الكبيرة في الهوية الشمالية ويحملهما مسئولية تفكيك الكيان السوداني على أسس دينية وعرقية عبدالله علي إبراهيم وذلك من خلال استغلالهما كسلاح إضافي لتعزيز نهج الحكم الاستبدادي والشمولي( الصاوي) ومع أن هذا التوجه يجد جذوره في فترات سابقة، وخاصة سياسات النظام المايوي في سنواته الأخيرة ودورها في تنمية حركات الإسلام السياسي وربطها بالفئات الجارية والطفيلية النامية في تلك الفترة، إلا أنه لا يتماشى مع التطورات الجارية وسط معظم القوى السياسية الشمالية في موقفها من قضايا الهوية والتنوع الثقافي والإثني.
    • الثاني توجه معاكس تماماً للتوجه الأول ويتركز بشكل رئيسي وسط القوى السياسية الجنوبية، امتداداً لتقاليدها خلال فترة الحرب الأهلية الأولى، مع امتدادات شمالية، خاصةوسط المجموعات الشمالية غير العربية وبعض الدوائر السياسية الشمالية. وهذا التوجه يركز على تحميل الثقافة العربية الاسلامية والهوية الشمالية العامة مسئولية تصاعد الأزمة الوطنية الشاملة الجارية في البلاد. وذلك استناداً إلى سيطرة القوى المهيمنة الشمالية(تحديداً القوى النيلية وبعض القوى الإقليمية الأخرى) على السطة طوال فترة ما بعد الاستقلال وسياساتها التي أدت إلى استبعاد الجنوب والمناطق الطرفية الأخرى وتهميشها. وهذا التوجه يعتبر السيطرة نتاجاً لجوهر ثابت في الهوية الشمالية وثقافتها العربية الإسلامية، وليس فقط نتاجاً للتكوين الفكري والاجتماعي لتلك القوى. وبذلك يتحول الصراع من صراع سياسي اجتماعي إلى صراع ثقافات وهويات(فرانسيس دينق) ومن هنا يعمل هذا التوجه على تضخيم حقائق التنوع والتعدد الثقافي، والإثني في اتجاه إعلاء شأن المجموعات السكانية غير العربية( الإفريقية) باعتبارها أساس الهوية السودانية، وتقليل شأن (القومية العربية الشمالية) واعتبارها(أقلية مسيطرة) وفي بعض الأحيان مجرد(جالية أجنبية) يجب طردها من البلاد. وذلك اعتماداً على الإحصاء السكاني الأول(1955) رغم عيوبه الفنية وقصور نظرته للتقسيمات القبلية في البلاد. والمهمأن هذا التوجه، هو الآخر، يعمل على تبسيط مشكلة الهوية وحقائق التنوع الثقافي والإثني، وذلك من خلال نظرة عرقية تقود إلى نفي الهوية العربية الشمالية لمصلحة إعلاء شأن (الهوية الإفريقية) ووضع تعارض موهوم بين الانتماء(العربي الإسلامي) في الهوية الوطنية السودانية وانتمائها في أرض الواقع، وعلى رأسها حقيقة المكانة الكبيرة التي تحتلها الثقافة العربية الإسلامية في الهوية السودانية. ويعني أيضاً نفي صفة( الإفريقية) عن الشمال لمجرد أنه (عربي مسلم) دون تقدير لدور (العروبة السودانية) في بناء الكيان السوداني وتوطيد وحدته الوطنية وعندما يصطدم هذا التوجه بحقائق الواقع يفشل في نفي الهوية العربية الشمالية أو تأكيد أقليتها يتراجع إلى الإنكفاء القبلي أو الجهوي. بجانب ذلك فإن هذا التوجه لا يساعد عملياً في معالجة الأزمة السودانية الشاملة والمزمنة، بل أنه يضحي بأهم أدوات هذه المعالجة المتمثلة في الهوية الشمالية كحضارة وثقافة وقوى سياسية واجتماعية حديثة لها دورها المؤثر والفعال في بناء الكيان السوداني وتقدمه ونهضته الحديثة.

    التنوع والهوية المزدوجة
    هكذا تتحدد اشكالية التنوع الثقافي والهوية الوطنية في الوقت الحالي في هذا الاستقطاب والصراع الديني والعرقي بين هذين التوجهين المتناقضين والمتشابهين، بغض ال نظر عن شعاراتهما المرفوعة. وهنا لابد من التركيز على دور سياسات نخبة الإنقاذ المسيطرة خلال الفترة السابقة في دفع الصراع الشمالي الجنوبي والأوضاع السياسية بشكل عام لتصل إلى وضعها الراهن. وكرد فعل لكل ذلك هنالك توجه ينظر لمسألة التنوع الثقافي كتنوع وتعدد غير محدود، وينظر للمجموعات السكانية كمجموعات منفصلة ومعزولة لا تربطها مع بعضها أي علاقات مشتركة، ويفترض وجود اختلافات وفوارق واسعة بينها، ويتجاهل عمليات التمازج والتدخل والاندماج الوطني ، التي ظلت تجري في اوساطها طوال قرون عديدة ، اذا كان الرأي السائد حتي وقت قريب يربط نشوء الكيان السوداني بحدوده الحالية بالحكم التركي المصري (1821-1885) فان الدراسات التاريخية الحديثة تربطه بظهور الهوية العربية الشمالية بملامحها المميزة وقيام السطنات العربية الاسلامية ( الفونج ، الفور ، تقلي والمسبعات) في الوسط والشمال والغرب في بدايات القرن الرابع عشر والخامس عشر ( القدال والصاوي ) فقد شملت هذه السلطنات معظم المناطق التي يتكون منها السودان الحالي . ونشير هنا الي انتقال عاصمة سلطنة سنار الي جنوب مدينة سوبا ، عاصمة المملكة المسيحية السابقة ، والي احتمال الاصل الشلكاوي لمجموعة الفونج ، التي ساهمت في قيام السلطنة مع مجموعات العبدلات العبدلاب العربية ، و هو تطور لم يأتي من فراغ وانما استند علي عوامل سياسية واقتصادية وثقافية ظلت تعمل علي دفع المنطقة بكاملها في اتجاه الوحدة والاندماج الوطني ، وشمل ذلك دور الطرق الصوفية وانتشار الاسلام واللغة العربية واتساع نشاط الطبقة التجارية المحلية والتجارة الداخلية الواسعة والتجارة البعيدة المدي مع المحيط العربي والافريقي .
    ولو لا ذلك لما استطاعت القوات التركية المصرية السيطرة علي البلاد بسهولة ويسر .
    وجاء الحكم التركي ليقوم بتوحيد المنطقة ، لأول مرة في تاريخها ، في دولة مركزية موحدة ويساعد في خلق عوامل اضافية ادت الي اعادة صياغة التركيب القبلي ودفع عمليات التمازج والاندماج الوطني خطوات الي الأمام ، وانفجار الثورة المهدية في عام 1881 في وجه الحكم التركي ( المسلم) لم يكن بعيداً عن تأثيرات هذه العوامل ولذلك مثلت الثورة المهدية اول ثورة وطنية في تاريخ السودان الحديث ، وشاركت فيها معظم المجموعات السكانية العربية وغير العربية ومعظم اقاليم البلاد ، بما في ذلك الجنوب . وفي عهد الحكم الثنائي (1898-1956) ادي قيام الدولة المركزية والسوق الموحد ومشاريع القطاع الاقتصادي الحديث الي تسريع عمليات الاندماج الوطني وظهور الهوية الوطنية السودانية بتنوعها وخصوصيتها المعروفة .
    ومع ذلك ظلت عوامل التفتيت والتفكيك تعمل جنبا ال جنب مع عوامل الوحدة والاندماج الوطني . وبتعميم واسع يمكن تقسيم سكان البلاد الي مجموعتين كبيرتين ، الأولي تشمل السودانين (نيليين وسودانيين) في مناطق الجنوب والغرب ، وتشمل الثانية القوقازيين (حاميين وساميين) في الشمال والوسط والشرق (أحمد الجاك) وضمن هذا الاطار يمكن القول ان السودان بوضعه الحالي لا يزال في طور التشكيل والتبلور ، اي انه لا يشكل امة او قومية موحدة بالمعني العلمي للكلمتين ، وانما هو دولة مركبة من عدة هويات بعضها قطع شوطاً كبيراً في بلورة خصائصه القومية وبعضها الآخر لا يزال في طور القبلي ، ما قبل القومي . ويتجسد ذلك في التمايز الاساسي الثقافي والتاريخي والاقتصادي الاجتماعي بين الجنوب والسودان بالاضافة الي تنوع اثني وثقافي واسع في اطار كل المنطقتين . ولذلك هناك ضرورة لمناقشة هذه المسألة في اطار كل من الجنوب والشمال ، بحكم واقع التمايز والتفاوت في اوضاعهما الثقافية والسياسية الاقتصادية والاجتماعية وغيرها .
    الشمال :
    شمال السودان في عمومه يرتبط بهوية عربية اسلامية ، تستند الي غلبة الثقافة العربية الاسلامية في داخله وانتمائه للمجال الحضاري العربي الاسلامي العام ، اكثر من الاصول العرقية التي لا يمكن متابعتها. ويتضمن ذلك بالضروة تنوعاً وتعدداً اثنياً وثقافياً في اوساطه ، بمعني الاختلاف في درجة التعريب والاندماج الوطني ، واستمرار الثقافات المحلية السابقة كجزء حي وفاعل في التكوين العام للثقافة الوطنية الشمالية القائمة الآن . وذلك بحكم تمازج وتداخل المجموعات السكانية بشكل عام مع بعضها ونيجة للدور الحاسم الذي ظلت تلعبه اللغة العربية والاسلام والتجربة المشتركة طوال حقب تاريخية طويلة ، ويمكن رصد هذا التداخل والتمازج بدءاً بالحضارات القديمة مروراً بفترة الممالك المسيحية والسلطنات العربية الاسلامية ، وانتهاءً بالعصر الحديث ودور الدولة المركزية والسوق الموحد في تسريع عمليات الاندماج الوطني الجارية في عموم المنطقة . ونتيجة لكل ذلك تبلورت ما يمكن تسميته ( الهوية العربية الاسلامية الشمالية) والاثني في داخلها يمثل تنوعاً ثانوياً ودرجة في الاندماج الوطني . فبض المناطق انكفأت واحتفظت بتراثها الثقافي والمحلي لاسباب عديدة ، ولكن ذلك لم يؤدي الي منع تداخلها وتمازجها مع المجموعات الشمالية والوطنية الاخري ولا الي ابتعادها الكلي عن تأثيرات العوامل الداخلية الدافعة في اتجاه الاندماج في الهوية الشمالية المتميزة والهوية الوطنية العامة . وهي عملية تاريخية طويلة ساعدت في تسريعها عوامل عديدة اشرنا الي بعضها في مكان سابق . ومن هنا فان التنوع الثقافي والاثني والشمال بشكل عام لا يمكن تضخيمه وتحويله الي تباين واختلاف نوعي مقارنة بالاختلاف الثقافي والتاريخي مع الجنوب . وفي كل الاحوال فان وحدة الهوية العامة لا تعني التجانس المطلق وانتفاء التنوع . ولذلك لا يمكن الحديث عن اختلافات ثقافية نوعية في المناطق الشمالية ، بحكم تمازج وتداول الثقافة العربية الاسلامية في مجمل النسيج العام للثقافة الوطنية الشمالية وتداخل وتمازج مجموعاتها الاثنية بشكل كبير . ومن هنا فان هذا التنوع يشكل مصدر قوة وثراء وليس مصدر تفكيك وتفتيت . وايا كانت نظرتنا لهذه المسألة فان ذلك يجب الا يقف في طريق تمتع كافة المجموعات المتميزة بكامل حقوقها الثقافية والتعبير عن خصوصيتها في اطار الكيان السوداني الموحد ، وربما لهذا السبب بالتحديد كان اختلاف الحركات الاقليمية في الشمال عن توجيهات الحركة الاقليمية الجنوبية (ودوارد) واذا كان البعض يركز علي المكون الافريقي في الشمال هم افارقة اقحاح (فرانسيس دينق) فان المسألة ليست في تخير اهل الشمالي بين افريقيتهم وعروبتهم بقدر ما هي التعامل مع الحقائق كما هي وفي التركيز علي المداخل التي توحد البلاد .
    فالسودان يمثل يمثل افريقيا مصغرة وجسراً للتواصل بين القارة الافريقية والشرق الاوسط (العالم العربي)حسب فرانسيس دينق . وهذا الوصف يعبر بشكل محدد عن خصوصية انتماء السودان عموماً ، والشمال بشكل خاص ، ودوره في محيطه العربي والافريقي . ولذلك يمكن القول ان العروبة والافريقية اصبحتا مندمجتين بشكل كبير في الشمال ولا يمكن التميز بينهما . وهو بذلك الاكثرية تمثيلاً للقارة الافريقية بالمقارنة مع اي منطقة اخري ، بما في ذلك جنوب السودان (مدثر عبدالرحيم) .
    • الجنوب:
    الجنوب يختلف عن وضع الشمال وتنطبق عليه التعريفات ذات الطابع السوسيولوجي المرتبطة بأوصاف الإثنية والقبلية أكثر من أوصاف القومية وشبه القومية. وذلك يعني أنه لايزال في طور التكوين والتبلور ولم يستكمل مقومات تكوينه القومي(الصاوي) وذلك بالطبع لا يقلل من قيمته الإنسانية وحقيقة خصوصيته واختلافاته الثقافية والتاريخية مع الشمال. ومع ذلك يمكن القول: بأنه يتميز بهوية(إقليمية) موحدة، حسب تعبير ود وارد، أي هوية فوق مستوى الهويات القبلية أفرزتها عوامل عديدة تشمل السياسةالبريطانية في عهد الحكم الثنائي، دور المتعلمين في فترة ما بعد الاستقلال، الحرب الأهليه الأولى والثانية، تجربة الحكم الذاتي الأقليمي 72-1983 وغيرها- ويدخل في ذلك تأثيرات الحركة الشعبية التي تحولت في فترات عديدة إلى معبر حقيقي عن تطلعات الجنوب كهوية موحدة. وكما هو الحال في الشمال، لايمكن الحديث عن التنوع الثقافي والإثني في الجنوب بعمومية أو كوحدات قبلية معزولة عن بعضها ، وبالتالي تجاهل عمليات التفاعل والتمازج الجارية في أرض الواقع. ففي هذا الإطار نشير إلى وجود ثلاثة مجموعات جنوبية كبيرة تمثل درجة من الانتماء فوق القبلي والإثني. وهذا الوضع يساعد في فتح الطريق لتبلور كيان ( قومي) أو أكثر حول كبرى القبائل الجنوبية(الدينكا) أو حول تحالف بين مجموعة القبائل النيلية( الدينكا والنوير والشلك) التي تشكل حوالي 60% من سكان الجنوب. وذلك رغم الانقسامات القبلية والسياسية والشخصية وسط النخبة الجنوبية. ومثل هذا التوجه تدعمه تطورات فترة ما بعد الاستقلال التي خلقت الاساس الموضوعي لوحدة المنطقة. ويعتمد ذلك، بشكل أساسي، على تماسك وحدة المتعلمين الجنوبيين وآفاق تطور علاقة الجنوب بالشمال ومحيطه المجاور وتطور مفاهيم الحركة السياسية الجنوبية حول قضايا الوحدة والانفصال والتكامل في إطار سودان موحد. وهنا نلاحظ ضعف المساهمة الجنوبية في هذا المجال بعيداً عن الدفاع عن خصوصية الجنوب ومعاداة الثقافة العربية والهوية الشمالية. ومع ذلك، فقد توصل الراحل جوزيف قرنق إلى استحالة اندماج المجموعات القومية القبلية الجنوبية مع القومية العربية الشمالية لتكوين قومية سودانية موحدة؛ لأن الأخيرة استكملت نموها وتبلورها القومي ولا يمكن اللحاق بها. لذلك يرى أن الطريق الوحيد المفتوح أمام هذه المجموعات هو أن تتطور جماعاتها الكبيرة وتتبلور في عدد من (الوحدات القومية) في إطار سودان ديمقراطي موحد، إذا ما توفرت ظروف ملائمة (نقلاً عن الصاوي) وفي عام 1970عندما كان وزيراً لشئون الجنوب اقترح اختيار لغة أو لغتين من اللغات الجنوبية لتكون(لغة قومية) للإقليم بكامله(عبدالله ع . إبراهيم) ويتميز جوزيف قرنق بعدم معاداته للثقافة العربية والهوية الشمالية وبأن يرجع ظاهرة التفاوت الاقتصادي الاجتماعي بين الجنوب إلى سياسات الحكم الثنائي وحكومات فترة ما بعد الاستقلال، وليس إلى اسباب ترتبط بجوهر ثابت في الثقافة العربية الاسلامية كما يحدث الآن في بعض الكتابات الجنوبية. وهو أيضاً يتعامل مع حقائق التنوع الثقافي والإثني في الجنوب والشمال في حدودها وحجمها الحقيقي. والواقع أن قرارات مؤتمر جوبا 1974 وبيان 9 يوليو 1969 واتفاقية اديس أبابا 1972، وحتى اتفاقية السلام الشامل 2005، كل هذه الاتفاقيات تتضمن إعلاناً صريحاً بالهوية الإقليمية الجنوبية مقابل الهوية العربية الشمالية. ومن خلال كل ذلك يمكن للجنوب أن يلعب دوراً في إعادة بناء السودان على أساس الاعتراف بتميزه الثقافي والإثني.ويرتبط ذلك بشرط اساسي يتمثل في إشاعة الديمقراطية في الدولة والمجتمع واعتبار المواطنة هي الاساس للحقوق والواجبات.
    في مناقشتها لإشكالية التنوع الثقافي في السودان توصلت الورقة إلى مفهوم واقعي لإشكالية الهوية الوطنية والتنوع الثقافي في السودان، يرتكز إلى تكوين قومي مزدوج. هناك هوية عربية إسلامية غالبة في الشمال، وهوية إقليمية في الجنوب، وتنوع إثني وثقافي في اطار هاتين الهويتين والهوية الوطنية العامة. وينطلق هذا المفهوم من واقع تطورات فترة ما بعد الاستقلال. ومع ميلاد الحركة الوطنية الحديثة تطور مفهوم الهوية الوطنية العامة ليرتبط بالمساواة في حقوق وواجبات المواطنة والمشاركوة في تقرير مصير الوطن الواحد. وتلازم هذا التطور مع انحسار النظرة التي تحصرها في الاسلام واللغة العربية فقط ليستوعب الجنوب وتعقيدات التركيبة السودانية وخصوصية انتمائها ودورها في محيطها العربي والافريقي وفي أطار هذا المفهوم الواقعي والواسع يمكن استيعاب الجنوب والمناطق المتميزة الاخري وتنمية ثقافاتها وتطويرها وأخراج الاسلام والعروبة السودانية من مأزقها الراهن الناتج من سياسات التحيز والاقصاء والاستعلاء والمدخل الي ذلك يتمثل في التمييز بين الهوية الشمالية من جهة والقوي المهيمنة الشمالية المرتبطة بهذة السياسات من جهة أخري والمهم أن اصلاح الاختلالات الناتجة من هذة السياسات لا يتم بنفي هذة الهوية أو التقليل من شأنها ولا بفرض الاخيرة بالقوة والاكراه وأنما بتوفير الشروط الضرورية لبناء الدولة الوطنية وفي هذا الاطار فقط يمكن للسودان ان يكرس وحدتة الوطنية وان يلعب دورا اساسيا في محيطة العربي والافريقي وفي توطيد العلاقات العربية الافريقية وضمان أمن واستقرار المنطقة انطلاقا من أن أمنها واستقرارها اما ان يكون عربيا وافريقيا مشتركا أو لا يكون علي الاطلاق .



    تحالف قوى الاجماع الوطنى
    شارك حزب البعث السوداني في تأسيس تحالف قوي لاجماع الوطن في سبتمبر 2009م ، وذلك استجابة للواقع السياسي الذي كان يشير الي حتمية انفصال الجنوب ، وتوسع في عضويته ليشمل اغلبية القوى المعارضة واعلن في 2012م عن وثيقة البديل الديمقراطي والاعلان الدستوري والذي شكل رؤية القوى المعارضة لمرحلة ما بعد النظام استنادا علي مبادئ حاكمة اهمها
    أولاً: اتخاذ النضال السياسي الجماهيري السلمي بكافة اشكاله ( الاضراب، العصيان المدني الانتفاضة، الثورة الشعبية ...الخ) من اجل اسقاط النظام ولتحقيق الانتقال من الوضع السياسي الراهن في البلاد الي وضع جديد عبر فترة انتقالية يحكمها الاعلان الدستوري، علي برنامج البديل الديمقراطي ويعتبر جزءاً من هذا الميثاق.
    ثانياً : تدير البلاد خلال الفترة الانتقالية المحددة بثلاث سنوات حكومة انتقالية تشارك فيها كل القوي السياسية الموقعة علي وثيقة البديل الديمقراطي و فصائل الجبهة الثورية مع مراعاة تمثيل النساء والمجتمع المدني والحـركات الشبابية والشخصيات الديمقراطية المستقلة.
    ثالثاً : خلال الفترة الانتقالية المحددة تعقد الحكومة القومية المؤتمر الدستوري الذي يضع إطار الدستور الدائم ويحدد كيفية صياغته وطريقة اجازته.
    رابعاً : الالتزام بالمبادئ والقيم التالية في كتابة دستور البلاد الدائم :-
    أ- الدولة السودانية دولة مدنية ديمقراطية تتأسس علي المساواة بين المواطنين وتؤكد ان الشعب هو مصدر السلطات وتعتبر ان المواطنة هي اساس الحقوق والواجبات.
    ب- يتضمن الـدستور وثيقة لحقوق الانسان تتأسس علي المبادىْ والقيم الواردة في المواثيق والاتفاقيات والعهود الاقليمية والدولية التي صادق ويصادق عليها السودان .
    خامساً : تلـتزم الحـكومة القومية الانتقالية، وكل مؤسسات الفترة الانتقالية بنص وروح الاعلان الدستوري لتحقيق الآتي :
    1. الغاء كافة القوانين المقيدة للحريات، والتي تتعارض مع المواثيق والعهود الدولية المعنية بحقوق الانسان وسن قوانين بديلة تتفق مع هذه المواثيق والعهود.
    2. التقيد، قانوناً وممارسة، بالتعددية الفكرية والسياسية والدينية وبأحترام واقـع التعـدد الثقافي والاجتماعي لمكونات شعبنا.
    3.كفالـة حرية الاديان والعبادة مع الالتزام بعدم استغلال الدين في الصراع السياسي او الحزبي لضمان الاستقرار والسلام الاجتماعي.
    4. اعلان وقف اطلاق النار في كل جبهات القتال واطلاق سراح المعتقلين والمحكومين سياسياً، واعتماد الحوار والتفاوض لحل النزاعات القائمة.
    5. اعادة توطين النازحين في مناطقهم وضمان تعويضهم العادل، وتوفير مقومات العيش الكريم لهم.
    6. إلغاء نظام الحكم الاتحادي الراهن، وإعادة تأسيس هيكلة نظام الدولة بما يحقق ديمقراطية حقيقية ويضمن لكل المناطق حقوقها في السلطة والثروة وعدالة توزيع فرص التنمية والخدمات وفي التعبير عن مكوناتها الثقافية.
    7. الالتزام بتطبيق مبدأ قومية وحيدة مؤسسات الخدمة العامة والقوات النظامية واستقـلال القضاء واستقلال كل الاجهزة العدلية واجهزة تطبيق القانون، وقومية الاجهزة الاعلامية، وحيدة اجهزة تطبيق القانون، واستقلال الجامعات وحرية البحث العلمـي، واستقلال البنك المركزي وذلك بالغاء كل التعينات التي تمت علي اساس،سياسي واعادة بنـاء جهاز الدولة، بتعيين شخصيات مهنية وقومية لقيادة مؤسسات الخدمة العامة والقوات النظامية وفقا ً لمعايير الكفاءة وحقوق المواطنة والتوازن في مشاركـة اهـل السودان، مع اعادة المفصولين تعسفياً للخدمة اوتوفيق اوضاعهم بجبر الضرر الذى حاق بهم واسرهم.
    8. محاكمة كل منتهكي حقوق الانسان والفاسدين ومبددي المال العام، وتعويض الضحايـا مادياً ومعنوياً، مع اعلاء قيم الحقيقة والمصالحة وفق مبادي ونظم العدالة الانتقالية.
    9. تصفية اي ارث يحط من كرامة المرأة السودانية، فـي الثقافة والمؤسسات والقوانـين وخصوصا قانوني النظام العام والاحوال الشخصية، مع ضمان مساواة النساء بالرجال في الكرامة الانسانية والحقوق وتمكين النساء سياسيا واقتصادياً.
    10. تنظيم مؤتمرات قومية تخصصية تضم القوي السياسية والمجتمع المدني والخبـراء والمتخصصين حول الدستور الدائم ونظام ادارة الحكم والاقتصاد والتعليم والصـحة والثقافة والبيئة ...الخ والخروج منها بتوصيات وبرامج مفصلة للفترة الانتقالية، وإجراء احصاء سكاني مهني وشامل كأساس للتنمية والخدمات ولإجراء انتخابات نزيهة وعادلة.
    11. عقد المؤتمر القومي الدستوري للاتفاق حول مبادي الدستور الدائم،علي ان تتعاهـد وتلتزم القوي الموقعة علي الميثاق بدستور مدني ديمقراطي، يكفل حقوق الانسان وفق المواثيق والمعايير الدولية، ولا تخضع فيـه حقوق الانسان وحقوق المناطق الاكثـر تخلفا لمعيار الاغلبية والأقلية.
    12. اجراء اصلاح اقتصادي يراعي الابعاد الاجتماعية، ويضع حداً للفساد ولهدر وتبديد الموارد في الانفاق السياسي والامني، ويضمن أولوية الصرف علي الصحة والتعليم ومياه الشرب النظيفة والاسكان والرعاية الاجتماعية، ويولـى عنايـة قصوى لتصفيـة اثار الحرب في المناطق المتضررة بما يحقق التنمية المتوازنة، ولتـوظيف الشبـاب العاطلين، خصوصاً خريجي الجامعات والمعاهد العليا.
    13. اعتماد نصوص قانونية وألية دستورية لتوزيع الدخل القومي بما يحقق التنمية المتوازنة اجتماعياً وجهوياً وتوفير الخدمات وفقاً لمعيار عدد السكان ومعدل الفقر ومستـوى التنمية في الاقليم.
    14. انشاء مجلس قومي للتربية والتعليم يعمل علي ترقية التعليم، وتنقية محتواه من التزييف، وربطه بالتراث الوطني وخطط التنمية والتطور الانسانـي ويعمل علـي ادخال مادة حقوق الانسان والثقافات السودانية المتعددة في المناهج.
    15. سن قانون انتخابات ديمقراطي متفق عليه بمشاركة كل القوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني، ليحكم وينظم الإنتخابات الحرة والنزيهة في كل المستويات.
    16. انتهاج سياسة خارجية متوازنة ومستقلة تخدم المصالح العليا الاقتصاديـة والسياسية، وتحقق الامن القومي للبلاد، وتعمل علي انهاء المواجهة بين السودان والمجتمع الدولي القائمة، واستبدالها بالتعاون وفق مبادي واحكام القانون الدولي وحسن الجوار وعدم التدخل في الشئون الداخلية للاخرين حتي تعود للسودان مكانته، عربياً وافريقياً ودولياً.
    سادساً : الاستجابة لمطلب اهل دارفور المشروعة وهي : المشاركة في كل مستويات الحكم من خلال المشاركة العادلة لكافة أقاليم البلاد وفي كافة مستويات الحكم وتعويـض النازحين فردياً وجماعياً وحقهم في العودة الأمنة لأراضيهم او تعويضهم باماكن يتم التوافق عليها، واعتماد حق اهل الاقليم في السلطة والثروة بنسبة السكان، والمساءلة عما ارتكب في دارفور وغيرها مـن جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية.
    سابعاً : التمسك بآلية التفاوض السلمي لحل قضية أبيى وكل المناطق الحدودية مع الجنوب، علي ان يشمل ذلك التفاوض زعماء قبائل المنطقة واستفتاء ساكنيها، من اجل انجاز استحقاقات سياسية وأمنية تتم تسويتها عبر التفاوض السلمي يضع حداً للاقتتال . وبما يرضي سكان هذه المناطق.
    ثامناً : لسكان جنوب كردفان والنيل الازرق الحق في تحديد مطالبهـم السياسية والخدمية والتنموية والتوافق في درجة مشاركتهم في الاجهزة المركزيـة، وتوفيـق اوضاعهم العسكرية وفق ترتيبات أمنية ، وعلي اساس اتفاق سياسي يضع حداً للاقتتال.
    تاسعاً : ونحن اذ نعزم علي حل مشاكل بلادنا بهذا البرنامج الجامع ، نسودن الشأن السوداني ونتطلع لان يتضامن معه الاشقاء والأسرة الدولية فالنهج السوداني القومي هذا هـو خارطة الطريق الذي نتطلع ان تباركه الاسرة الدولية وان تدعمـه فـوراً بإجراءات اهمها : الغاء العقوبات، واعفاء الدين الخارجي، والدعم التنمـوي للسلام والتحول الديمقراطي في السودان والدعم المستحق وفـقا للاتفاقيات الدولية.
    عاشراً : ابرام اتفاقية بين السودان ودولة جنوب السودان علي اساس الاحترام الاخوي كمدخل لحل المشاكل العالقة بما يضمن علاقة تكامل اقتصادي واجتماعي خاصة في مجال المياه والبترول والالتزام بحدود مرنة ومعالجة قضايا الجنسية المزدوجة او بكفالة الحريات الاربع وإقامة آليات مشتركة بين البلدين علي كل المستويات للتعاون والتنسيـق، الامر الذي يفتح الباب مستقبلاً لاستعادة الوحدة علي اسس جديدة.
    نلتزم نحن الموقعون علي هذا الميثاق باعتماد النضال الديمقراطي السلمي والسياسي الجماهيري لانفاذه ولا ندعي سوي انها عناوين الامل ومعالم المستقبل المنتظر المعبرة عن ضمير الشعب وخياره الديمقراطي من اجل بديل ديمقراطي مستقل يحقق المشاركة الاوسع لجميع السودانيين في السلطة والثروة علي اساس المساواة الكاملة، وعلي قاعدة الحريات الديمقراطية وحقوق الانسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
    وادراكاً منا ان التغيير الجذري والشامل الذى لا يمكن احداثه دون جهد سياسي ونضال جماهيري وفي كافة الميادين، نعلن نحن الموقعون ادناه التزامنا المبدئي والأخلاقي بنص وروح بنود هذا الميثاق حشداً لطاقات ابناء وبنات شعبنا نحو تخطي الازمة الوطنية الراهنة من اجل بديل ديمقراطي يعبر عن تطلعات شعبنا في حياة حرة كريمة آمنة ومستقرة، وبما يؤمن وحدة البلاد واستقلالها وسيادتها ويحقق السلام العادل والشامل والحرية والمساواة .

    نداء السودان
    في عام 2014م تشكلت ملامح تحالف بضم الحركات المسلحة الي جانب قوى الاجماع ودخلت هذه القوي في تشاورات انتهت الي الاعلان عن تحالف نداء السودان في عام 2014م ، ووقعت علي الميثاق الجبهة الثورية وقوى الاجماع وحزب الأمة ومبادرة المجتمع المدني ، و بعد ان تراجعت قوى الاجماع عن الالتزام بخارطة الطريق ، انضمت قوى مؤثرة من الاجماع لنداء السودان كان حزب البعث احد هذه القوى بالاضافة للمؤتمر السودانى و التحالف و والوسط و المبادرة و الاتحادى و حزب الامة ، و اعلنت هذه القوى التزامها بخارطة الطريق ،
    وفيما يلي نص الإعلان السياسي لتحالف قوى نداء السودان، المسمى الإعلان السياسي لدولة المواطنة والديمقراطية:
    إدراكا منا بأن بلادنا تنزلق نحو الهاوية بسبب سياسات النظام بعد انقلاب يونيو/حزيران 1989، مزق البلاد وأشعل الحروب، وفرض هوية أحادية ونشر الكراهية والفتن وازدراء الآخر، وعرَّض قوميات للإبادة الجماعية، ودفع بالملايين لمعسكرات النزوح واللجوء وتسبب في انفصال جنوب السودان، وقوض الاقتصاد بتحطيم المشاريع الإنتاجية والثروة القومية، ونشر الفساد، ودمر الصحة والتعليم والبيئة ومؤسسات الدولة، وضيق سبل معاش الناس فدفعهم إلى الهجرة والعطالة.
    كما قام النظام بسن وترسيخ القوانين المهينة والمحطة لكرامة وحقوق نساء ورجال السودان، وغيب مؤسسات الديمقراطية والرقابة، وأخرس الإعلام والتعبير الحر بكل أشكاله، ووضع بلادنا تحت الوصاية بـ62 قرارا دوليا وباتهام قيادتها أمام المحكمة الجنائية الدولية، وغيرها من سياسات نراها تدفع بالبلاد نحو مزيد من التمزق والانزلاق نحو الخراب الشامل.
    إعلاء لما يحتاجه شعبنا من دعم لعزيمة قواه السياسية والمدنية، وتلبية لنضالات وتطلعات السودانيين والسودانيات، واستمراراً لجهودنا لربع قرن في مواجهة السياسات التدميرية للنظام، وعبر مختلف صيغ النضال، بما يشحذ ويدفع بالعمل المشترك لانتشال الوطن، تنادينا نحن الموقعين على هذا الإعلان واتفقنا على:
    العمل من أجل تفكيك نظام دولة الحزب الواحد لصالح دولة الوطن والمواطنة المتساوية، عبر النضال الجماهيري اليومي وصولاً للانتفاضة الشعبية، واضعين قاعدة صلبة تنطلق منها مسارات تأمين حقوق الشعب السوداني في التحرر من الشمولية والعنف والإفقار، نحو ديمقراطية راسخة، وسلام عادل وتنمية متوازنة.
    أولاً: القضايا الإنسانية والحروب والنزاعات
    1ـ التزام القوى الموقعة على أولوية إنهاء الحروب والنزاعات وبناء السلام على أساس عادل وشامل.
    2 ـ الالتزام بالحل الشامل، بوقف العدائيات في دارفور وجنوب كردفان/جبال النوبة والنيل الأزرق، وحل المليشيات الحكومية وحماية المدنيين من القصف الجوي والقتل والتشريد وجرائم الاغتصاب، والاتفاق على الترتيبات الأمنية النهائية.
    3 ـ إيلاء الأزمات الإنسانية الأولوية القصوى، وتثبيت أجندة إنسانية جديدة تعالج المآسي الحلية في مناطق الحروب ومعسكرات اللجوء والنزوح، وتضع حداً لتجددها مستقبلاً.
    4 ـ التأكيد على خصوصية قضايا المناطق المتأثرة بالحروب (المواطنة المتساوية، الحكم اللامركزي، الحدود، الأرض، توزيع الموارد والسلطة، اللغات، الهوية، النزوح واللجوء، المحاسبة والعدالة، العدالة الانتقالية، النسيج الاجتماعي، التعويضات الفردية والجماعية)، وأهمية وضع معالجات لها ضمن ترتيبات الحل الشامل.
    5 ـ مخاطبة الهيئات الدولية والإقليمية المعنية بقضايا الحروب والأوضاع الإنسانية، والعمل من أجل تنفيذ قراراتها ذات الصلة، خاصة قرار مجلس السلم والأمن الإفريقي بالرقم (456) 2014، في إطار رؤيتنا للحوار الوطني.
    ثانياً: القضايا المعيشية والراهن السياسي
    1ـ الأزمة الاقتصادية: تأكيد قوى المعارضة على أولوية إجراء تغييرات هيكلية في كافة قطاعات الاقتصاد، تسبقها خطة إسعافيه تستهدف وقف الانهيار الاقتصادي (الفساد، القروض والديون، تدمير قطاعات الإنتاج، كالزراعة، الصناعة، التجارة، الرعي، الموارد الطبيعية، مشروع الجزيرة، الثروة الحيوانية، السكك الحديد، سودانير، الموانئ البحرية، الخ)، والذي ظل يدفع ثمنها المواطن(ة) باستمرار الضائقة المعيشية.
    2 ـ سيادة حكم القانون واستقلال القضاء: التأكيد على إلغاء كافة القوانين والتشريعات المقيدة للحريات وحقوق الإنسان، وأن تطلق الحريات وفقا للشرعية الدولية والقانون الدولي الإنساني، وتحقيق العدالة والمحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الجسيمة وجرائم الفساد واسترداد الأموال المنهوبة، بما فيها تطبيق العدالة الانتقالية، استقلال القضاء وإعادة تأسيس المؤسسات العدلية والأمنية بما يكفل سيادة حكم القانون وبسط العدالة، وتؤكد القوى الموقعة أولوية إلغاء القوانين المقيدة لحرية المرأة والحاطة من كرامتها.
    3 ـ الانتخابات: العملية الانتخابية التي أعلنها النظام عملية شكلية يريد أن يزيف بها الإرادة الوطنية واكتساب شرعية لا يمتلكها، وعليه نعلن مقاطعة الانتخابات المعلنة، والعمل المشترك على تحويلها إلى عمل جماهيري مقاوم بعزلها كليا وبرفض ما يترتب عليها.
    ثالثاً: قضايا الحوار والحل السياسي الشامل
    إيمانا منا بأن حل الأزمة السودانية حلا جذريا مستداما لن يتأتى دون الوصول إلى منبر سياسي موحد يقضي إلى حل سياسي شامل يشارك فيه الجميع، عليه، تؤكد القوى الموقعة على هذا الإعلان ضرورة توفير المتطلبات الآتية:
    (أ‌) وقف الحرب والعدائيات ومعالجة المآسي الإنسانية.
    (ب‌) إطلاق سراح المعتقلين سياسياً، والأسرى، والمحكومين سياسياً.
    (ت‌) إلغاء القوانين المقيدة للحريات وحقوق الإنسان.
    (ث‌) تشكيل حكومة انتقالية لإدارة مهام الفترة الانتقالية.
    (ج‌) تكوين إدارة متفق عليها لعملية حوار تفضي إلى تحقيق السلام الشامل والتحول الديمقراطي.

    في هذا الإطار، فإننا نرحب وندعم قرار مجلس السلم والأمن الأفريقي بتاريخ 12 سبتمبر في جلسته رقم (456)، الذي يتوافق ورؤيتنا ومتطلباتنا لتهيئة المناخ للحوار، كما نؤكد أن الوثائق الحاكمة والمتفق عليها لقوى نداء السودان تمثل المرجعية الرئيسية لعملها المشترك، دونما تناقض بين عملها المستمر لإسقاط النظام عبر النضال الجماهيري وتفكيكه من خلال عملية الحل السياسي الشامل.
    رابعاً: الانتقال نحو الديمقراطية وآليات العمل
    الحكومة القومية الانتقالية: تشكل حكومة قومية انتقالية للاضطلاع بمهام الفترة الانتقالية وتنفيذ برامج عمل متفق عليها، وعقد مؤتمر دستوري جامع في نهاية الفترة الانتقالية، وكتابة الدستور الدائم عبر آليات تضمن مشاركة واسعة وشاملة.
    الوسائل وآليات العمل: تكوين هيئة تنسيق تقوم بتنظيم العمل السياسي المشترك وإنشاء لجان لوضع البرامج التفصيلية وتحديد آليات العمل المشترك ووضع اللوائح والضوابط لبناء أوسع جهة للمعارضة السودانية.
    تعمل كافة الآليات واللجان لإنجاز الانتفاضة الشعبية أو العمل للحل السياسي الشامل الذي يؤدي إلى تفكيك دولة الحزب الواحد.
    تؤكد القوى الموقعة على هذا الإعلان على إيمانها بأهمية مشاركة الشباب في صنع المستقبل وعليه، تؤكد التزامها بإشراك النساء والشباب في العملية السياسية وتعزيز مشاركتهم في صنع القرار لإنفاذ هذا الإعلان.
    إننا نحن القوى الموقعة على هذا الإعلان قد عقدنا العزم على تحويل نصوصه لفعل قاعدي جماهيري مقاوم يوحد كافة السودانيين (ات) ممن تضرروا من سياسات هذا النظام، إننا نعلم بأن تطاول ليل الشمولية قد قاد إلى انسداد الأفق وتسرب اليأس من إمكانية حدوث تغيير حقيقي في حياة ومعاش الناس، لكن نوكد أن فجر الخلاص قريب وأن وحدة قوى الشعب السوداني ستفتح الطريق أمام استعادة السودان المختطف من قبل نظام القهر والبطش والشمولية
    برنامج توحيد المعارضة
    جرت محاولات عديدة لتوحيد المعارضة تمخض عنها الاتفاق على برنامج الخلاص الوطنى ، وهو يأتى محاولة للتوفيق بين تحالف قوى الاجماع و شعاره اسقاط النظام بالانتفاضة الشعبية ، و قوى نداء السودان باعتماد الحل التفاوضى عبر خارطة الطريق كأحد طرق الحل و تغيير بنية النظام ،


    الاعلان الدستوري الانتقالي:-
    لن ينقذ البلاد من حاله التردي والانهيار الشامل التي نعيشها في ظل اصرار المؤتمر الوطني علي نظام حكم الحزب الواحد، وسياسات الاستبداد والفساد والظلم الاجتماعي والجهوي، سوي اصرار شعبنا بقواه السياسية والمدنية والمسلحة كافة وتصميمها القاطع علي إنهاء النظام الحاكم عبر كل الوسائل والآليات الديمقراطية المجربة وإقامة نظام ديمقراطي تعددي بديل يبدأ بفترة انتقالية تحكم البلاد خلالها حكومة قومية انتقالية ومؤسسات توافقية ديمقراطية يضبطها هذا الاعلان الدستوري.
    مدة الفترة الإنتقالية:-
    تمتد الفترة الانتقالية لمدة ثلاثة سنوات يتم خلالها تفكيك نظام الانقاذ تماما واستعادة الدولة كل أجهزتها ومؤسساتها التي حولها الانقاذ لأجهزة تابعة له بل وجزاء عضويا منه ، لتعود أجهزه ومؤسسات قومية تابعه للوطن وفي خدمته مع تصفية وإلغاء كل سياساته ومعالجة كافة أوجه الخراب التي نتجت عنه.
    الدولة ومؤسساتها القومية الانتقالية:
    جمهورية السودان دولة مدنية ديمقراطية تحكم خلال الفترة الانتقالية بمؤسسات حكم قائمه على سيادة حكم القانون و الفصل بين السلطات و يتم التوافق عليها سياسياً ريثما يقوم نظام الحكم الثابت والدائم و هي:
    أولاً: مجلس سيادة يمثل السيادة الوطنية ويكون رأسا للدولة.
    ثانياً: مجلس وزراء تكون له السلطة التنفيذية العليا في البلاد.
    ثالثاً : مجلس يمثل السلطة التشريعية ويمارس الرقابة على الحكومة.
    رابعاً : سلطة قضائية مستقلة تماماً تقوم بديلاً للسلطة القضائية الحالية.
    خامساً: نظام حكم راشد يتأسس على المشاركه الديمقراطية للمواطنين في حكم أقاليمهم و المشاركه في حكم البلاد و الاقتسام العادل للثروة.
    سادساً : وثيقة خاصة بحقوق الإنسان السياسية والإقتصادية والثقافية تتضمن أحكام ومبادىء حقوق الإنسان الواردة في المواثيق والعهود الإقليمية و الدولية التي صادق عليها السودان على أن تعلو وتسود أحكام تلك المواثيق والعهود على أحكام القوانين والتشريعات التى تتعارض معها.
    سابعاً: القوات المسلحة مؤسسة قومية حامية للوطن ولسيادته, وتأتمر بأمر السلطة التنفيذية المختصة
    ثامناً: إنشاء مفوضيات مختصة للقضايا التي تستوجب ذلك.
    أولآً: مجلس السيادة الإنتقالي:
    يتكون مجلس السيادة الانتقالي بالاتفاق من سبعة أعضاء بينهم امرأة ويراعي في إختيار الستة تمثيل اقاليم السودان الستة والتي تحدد علي اساس التقسيم الاداري عشية الاستقلال ( المديريات ) وتتداول رئاسته من بين أعضائه كل ستة أشهر.
    ثانياً: مجلس الوزراء الانتقالي:
    يتكون مجلس الوزراء الانتقالي من رئيس و نائب وعدد من الوزراء لا يتجاوز العشرين تختارهم توافقياً القوي الموقعة علي وثيقة البديل الديمقراطي ويتولى حكم البلاد طيلة الفترة الانتقالية ويضطلع بشكل خاص بالتالي:
    1. معالجة اسعافية للأوضاع الاقتصادية المنهارة ومحاربة الفقر والفساد وانتهاج سياسة اقتصادية تحقق التنمية المتوازنة والمستدامة.
    2. وقف الحرب فوراً في جنوب كردفان والنيل الازرق ورفع حالة الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين وإنجاز كافه التدابير لوقف الحرب بما يحقق طموحات مواطني المنطقتين وفق قانون ينظم ذلك عبر تسوية سياسية يتم الاتفاق عليها.
    3. الغاء جميع القوانين المقيده للحريات والمتعارضة مع المبادئ الاقليمية و الدولية لحقوق الإنسان وضمان أن تكون حقوق المرأة متسقة وأحكام المواثيق والمعاهدات الدولية.
    4. وقف الحرب بدارفور فوراً و ورفع حالة الطوارئ و إطلاق كافة المعتقلين بسب الحرب وضمان عودة النازحين إلى مناطقهم و تعويضهم على المستويين العام والخاص والقبول بمطالب أهل دارفور المشروعة والشروع في تنفيذها فوراً.
    5. معالجة كل القضايا العالقة مع تأسيس لأعلى درجات الأخوة بين دولتي الجنوب والشمال بما يفتح الطريق مستقبلاً لإعادة وحدة الوطن على أسس جديدة وراسخة.
    6. إتخاذ كل الإجراءات السريعة و اللازمة والمفضية لاستعادة إستقلال القضاء والمحاماة والأجهزة العدلية الأخرى وأجهزة تنفيذ القانون.
    7. إتخاذ كل ما يلزم لإستعادة إستقلال وحيدة وكفاءة ومهنية مؤسسات الخدمة المدنية والقوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى لتكون ملكاً للوطن وفي حماية سيادته وخدمة أهدافه.
    8. تكوين مفوضية مستقلة لحماية حقوق الانسان و لتأكيد شفافية ونزاهة الدولة ومحاربة الفساد عبر المتابعة والتقييم والتقويم المستمر.
    9. مراجعة السياسات التعليمية بكاملها ومراجعة البرامج والمناهج مع تأكيد الإستقلال الأكاديمي للجامعات والمعاهد العليا وإستقلال وحرية تنظيمات الأساتذة وطلاب الجامعات والمعاهد العليا ودعم حرية البحث العلمى.
    10. إستعادة إستقلالية ومهنية الإجهزة الإعلامية الرسمية لتعود ملكاً للوطن وفي خدمة أهدافه الوطنية مع إحترام حرية الصحافة والصحفيين وأجهزة الإعلام كافة ومدها بالمعلومات مع إحترام حقها في الإحتفاظ بسريتها.
    11. الإنضمام للإتفاقيات والمعاهدات الدولية والإقليمية المعنية بحقوق الإنسان وكرامته والتي لم يوقع عليها السودان بما فيها المتعلقة بالمرأه وذوي الإحتياجات الخاصة.والطفل.
    12. إنتهاج سياسة خارجية وطنية متوازنة ونشطة تصون سيادته الوطنية وترعى حسن الجوار وعدم التدخل في الشئون الداخلية للأخرين بما يعيد للسودان مكانته العربية والأفريقية والدولية.
    13. إعمال القانون وتقنين مبدأ المساءلة والملاحقة لكل من إرتكب جرماً في حق الشعب والوطن والقصاص لشهداء المقاومة المدنية والعسكرية مع أعمال مبدأ ونظام الحقيقة والمصالحة والعدالة الإنتقالية وفق قانون ينظم ذلك.
    14. تتخذ الحكومة الاجراءات القانونية اللازمة لإجراء إنتخابات عامة وحرة وعادلة ونزيهة وفق قانون انتخابات ديمقراطي يراعي قاعدة التمثيل النسبي تشكل بموجبه لجنة انتخابات مستقلة ومحايدة تشرف علي الانتخابات العامة.
    15. معالجه جادة لأوضاع المفصولين تعسفياً من مدنيين وعسكريين بما يحقق لهم العدل والإنصاف، وجبر الضرر لهم ولاسرهم.
    16. تتولى الحكومة الإشراف على عقد المؤتمر الدستوري عبر لجنة تحضيرية ولجنة فنية تابعة لها قبل وقت كافى ودعوه ممثلي القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني و الشخصيات والشرائح المجتمعية والعسكرية المختلفة للمشاركة في المؤتمر الذي يقوم بتشريح أزمة الوطن ويقدم الحلول الجذرية لها ومن ثم وتأسيساً علي ذلك يتولى المؤتمر الدستوري وضع الإطار العام للدستور الدائم ويختار من يتولى صياغته ويحدد طريقة إجازته .
    ثالثا: السلطة التشريعية الانتقالية:
    • يمارس السلطة التشريعية والرقابية خلال الفترة الانتقالية مجلس يتم التوافق على عضويته على أن يراعى في ذلك تمثيل كل أهل وأقاليم السودان نساءاً ورجالاً على أن لا يقل تمثيل المرأة عن 20% من عضوية المجلس.
    2. البرلمان سلطة تشريعية مستقلة يمنع التدخل في أعماله أو إخضاعه للتجميد أو الحل من اي جهة كانت ويستمر في مهامه طيلة الفترة الإنتقالية ويصدر التشريعات واللوائح بتنظيم أعماله وإختيار رئيسه ولجانه.
    رابعاً: السلطة القضائية والأجهزة العدلية ومؤسسات تنفيذ القانون:
    1. تشكل على أنقاض السلطة القضائية الحالية سلطة قضائية مستقلة والقاضي فيها مستقل تماما لا يخضع لأى مؤثرات أو ضغوط وإحكام المحاكم النهائيه لا تقبل سوى الإلتزام بها وتنفيذها وفق ما ينظمه قانون يصدر لتنظيم كامل أعمال السلطة القضائية على أن يراعى فيه الإلتزام بالمبادىء والأحكام والأعراف الدولية المرعية بشأن إستقلال القضاء.
    2. يضطلع مجلس الوزراء عبر ما يراه من خطوات بإعاده بناء الأجهزة والمؤسسات العدلية في البلاد ويبدأ ذلك بالفصل بين منصب وزير العدل بإعتباره جزءأً من السلطة التنفيذية ومنصب النائب العام مع واستبعاد المستشارين القانونيين التابعيين للنظام الحاكم وأجهزة أمنه واستبدالهم بعناصر وطنية مؤهلة مهنياً ومستقلة وذات كفاءة عالية. وذلك وفق خطة متكاملة تصل بالوطن مع القضاء المستقل لتأسيس مؤسسة عدالة حره ومحايدة ونزيهة.
    3. مراجعة أوضاع مؤسسات تنفيذ القانون لتعود أجهزة قومية مستقلة وفاعلة في خدمة الشعب.
    4. تكتمل المؤسسة العدلية الناجزة بإعادة تنظيم مهنة المحاماة عبر قانون جديد يشارك المحامون أنفسهم في وضعه بما يعيد لنقابة المحاميين دورها التاريخي في الدفاع عن الديمقراطية وسيادة حكم القانون وإحترام حقوق الإنسان في البلاد.
    خامساً: القوات المسلحة السودانية:
    1- قوات نظامية قومية مهمتها الاساسية حماية إستقلال البلاد وسيادته ونظامه الدستوري
    2- يتخذ مجلس الوزراء ما يراه من إجراءات لازمة لإستعادة قومية القوات المسلحة وتصفية كل مظاهر التبعية الحزبية العقائدية وإعادة صياغة عقيدتها العسكرية بما يعيدها مؤسسة وطنية حامية للوطن وسيادته ويباعد بينها وبين صراع السلطة.
    3- يراعى عند إعادة تشكيل القوات المسلحة التوازن الثقافي والجهوى على كل المستويات.
    القوات النظامية الأخرى:
    يتخذ مجلس الوزراء ما يراه مناسباً ولازماً لاستعادة قومية قوات الشرطة واستقلالية القوات النظامية الأخرى وتصفيه كل مظاهر الحزبية والعقائدية فيها.
    جهاز الأمن والمخابرات العامة
    1- إلغاء قانون الأمن الوطني لعام 2009 وتصفية جهاز الأمن الوطنى والمخابرات العامة المؤسس بموجبه.
    2- يتخذ مجلس الوزراء كل الإجراءات السريعة واللازمة لبناء جهاز أمن بديل يقوم على عقيدة حماية أمن الوطن والمواطن عبر جمع المعلومات وتصنيفها ووضعها أمام الجهات المختصة ويختص بالأمن الخارجى على ان تكون مهمة الأمن الداخلي من اختصاص النيابة العامة وقوات الشرطة.
    سادساً: وثيقة حقوق الإنسان:
    1- كل المبادىء والمعايير المعنية بحقوق الإنسان والمتضمنة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والعهود الدولية والإقليمية التي صدق ويصادق عليهاالسودان تشكل جزاء لا يتجزاء من هذا الإعلان الدستوري وأي قانون أو مرسوم أو قراريصدر مخالفاً لذلك يعتبر باطلاً وغير دستوري.
    2- يكفل القانون المساواة الكاملة بين المواطنين تأسيساً على حق المواطنة وإحترام المعتقدات الدينية والتقاليد والأعراف وعدم التمييز بين المواطنين بسبب الدين أو العرق أو الجنس او الثقافة ويبطل أي قانون يصدر مخالفاً لذلك ويعتبر غير دستوري.
    3- تعترف الدولة وتحترم تعدد الأديان وكريم المعتقدات وتلزم نفسها بالعمل على تحقيق التعايش و التفاعل السلمي والمساواة والتسامح بين الأديان وكريم المعتقدات وتسمح بحرية الدعوة السلمية للأديان وتمنع الإكراه وإثارة النعرات الدينية وإثارة الكراهية العنصرية في البلاد
    4- تلتزم الدولة بصيانة كرامة المرأة السودانية وتؤكد على دورها الإيجابي في الحركة الوطنية السودانية ، ويعترف بكل الحقوق والواجبات الواردة في المواثيق و العهود الإقليمية والدولية التي صدق ويصدق عليها السودان في هذا المضمار.
    5- تؤسس البرامج الإعلامية والتعليمية على إحترام والإلتزام بقيم ومبادئ شعبنا و حقوق الإنسان الإقليمية والدولية.
    6- تضم كل المبادئ المنصوص عليها أعلاه بعد تفصيلها في وثيقه واحدة تسمى وثيقة حقوق الإنسان لتكون جزاء لا يتجزأ من هذا الإعلان الدستوري.
    7- يشكل مجلس الوزراء مفوضيه مستقلة لحقوق الإنسان بموجب قانون ينظم مهامها وآلياتها للدفاع عن حقوق الإنسان وتعزيز احترامها ونشر ثقافة حقوق الإنسان في البلاد.
    المبادئ العامة التي يتأسس عليها الدستور الدائم:
    1) جمهوريه السودان دولة مدنية ديمقراطيه المواطنون فيها متساوون أمام القانون والشعب فيها مصدر السلطات والمواطنة هى أساس الحقوق والواجبات.
    2) الدولة السودانية دولة مؤسسات تتسم بالشفافية ويخضع كل من فيها للمساء لة أمام القانون.
    3) يعتمد الدستور التعددية الحزبية وتداول السلطة وفق إنتخابات عامة دورية ينظمها القانون.
    4) يضمن الدستور ويحمي استقلال وديمقراطية الحركة النقابية وفق قوانين تنظم ذلك وتعتمده المبادئ والأحكام والأعراف الدوليه المرعية في هذا المضمار.
    5) يضمن الدستور الحريات المدنيه والسياسية والحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية ضمن وثيقة لحقوق الإنسان وتتأسس على مبادئ حقوق الإنسان المضمنة في المواثيق والمعاهدات الإقليمية والدولية التي صدق ويصادق عليها السودان على أن تعلو أحكام ومبادئ تلك المواثيق على أحكام القوانين والتشريعات التي تتعارض معها.\



    الاعلام و التثقيف الحزبى و صحيفة البعث السودانى
    منذ العام 1997 م ، طرح الحزب وثائق و اوراق سياسية و تنظيمية ترتبط بالخط السياسى الذى تبلور بعد قطع العلاقة مع القيادة القومية فى العراق ، فعاود حزب البعث السودانى نشاطه فى التجمع الوطنى الديمقراطى فى العام 1998م، و شارك بفالية فى نشاطات التجمع الوطنى الديمقراطى من خلال عضويته فى هيئة القيادة و سكرتارية الداخل ، و استمر يقدم مساهمات فعالة الى ان تم توقيع اتفاقية القاهرة مع النظام فى عام 2005م ، و شارك مع التجمع فى السلطة التشريعية (البرلمان) بعضوين ، و شارك فى صياغة الدستور الانتقالى من خلال عضويته فى مفوضية المراجعة الدستورية و تحفظ على المشاركة فى السلطة التنفيذية لاسباب وجيهة كما اتضح لاحقآ،
    اصدر الحزب نشرات منتظمة و كتيبات ، و نشر المراجعات النقدية للتجربة البعثية فى 6 كتب،
    منذ ديسمبر 2016م اصدر الحزب جريدة البعث السودانى بانتظام اسبوعيآ ، و فضلآ عن الدور الكبير للجريدة فى خلق ترابط بين الحزب و قواعده فى الداخل و الخارج ، تميزت الجريدة بخط شرس فى معارضة الحكومة و فضح الفساد و التطرف و العلاقات المشبوهة مع ايران و مخططاتها التوسعية ، مما اكسبها الاحترام فى الداخل و الخارج و بين قوى المعارضة.
    نتابع الوثائق في مساحات أخرى.










                  

09-25-2022, 08:39 AM

Abdelrahim Mohmed Salih
<aAbdelrahim Mohmed Salih
تاريخ التسجيل: 04-13-2016
مجموع المشاركات: 958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حزب البعث السوداني : البرنامج السياسي مل� (Re: حزب البعث السوداني)

    السادة فى حزب البعث السودانى
    هل شعار امه عربيه واحدة ذات رسالة خالدة يمثلكم ام ان الاسم له تفسير مختلف عن حزب عفلق؟
                  

09-25-2022, 08:52 AM

حزب البعث السوداني
<aحزب البعث السوداني
تاريخ التسجيل: 09-20-2022
مجموع المشاركات: 24

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حزب البعث السوداني : في البرنامج السياسي. (Re: حزب البعث السوداني)

    وثائق سياسية لحزب البعث السودأني . رغم انها وثيقة قديمة الا ان ركائزها الاساسية لازالت صالحة في تحليل طبيعة النظام القائم بالرغم من تطورات كثيرة في الخط السياسي لحزب البعث السوداني سنتناولها تباعا .
    إهمية هذه الوثيقة تنبع من انها اول وثيقة بينت النشاط المستقل لحزب البعث السودانى بعد انفصاله من القيادة القومية التابعة للنظام العراقي حينذاك ليكون نشاطه ومركزه المستقل. وحينها كان الحزب يكتب اسمه كاملا بإضافة السوداني. الا ان قرر الحزب اختيار اسم حزب البعث السودانى، تمييزا وتعبير عن الموقف المستقل لحزب البعث السودانى.

    نحو مخرج ديموقراطى من الأزمة الوطنية الراهنة
    مقدمة :-
    تشهد بلادنا طوال الفترة الأخيرة ، تطورات سياسية هامة لها تأثيرها الكبير فى الوضع السياسى القائم وفي مستقبل البلاد ، وشملت هذه التطورات مجالات الإقتصاد والسياسة والحرب الأهلية . وبحكم إتساعها وعمقها ، فقد أدت هذه التطورات الى تغييرات أساسية وحاسمة فى الوضع السياسى العام وفى دفع الأزمة الوطنية الجارية في البلاد الى طور جديد يهدد وجود الكيان السودانى نفسه ، ويعرّض سيادته ووحدته الوطنية للإنتهاكات الخارجية والتمزق والتفكك الداخلى . كما أدت الى تفاقم ازمة الفئة الحاكمة نفسها مما يفتح إمكانيات واسعة أمام قوى المعارضة السياسية والعسكرية. كل ذلك يضع بلادنا في مواجهة إحتمالات خطيرة ترتبط،من جهة أخرى ، بمجمل تطورات الوضع العربى والقرن الأفريقى ووسط القارة الأفريقية وأستراتيجية قوي الهيمنة الغربية الولايات المتحدة ، الهادفة الى السيطرة على منابع النفط ومصادر المياه وفرض تسوية مذلة للقضية الفلسطينية الخ... . وفي هذه الوثيقة سنتابع أهم تطورات الوضع السياسى في بلادنا ومناقشة تأثيرها في حركة الصراع السياسى والإجتماعى ، بكل إحتمالاتها المتوقعة ، وبما تطرح من مسؤوليات وواجبات على القوى الوطنية الحيّة فى المجتمع وقوى المعارضة السياسية بشكل عام، ومع تقديرنا لأهمية التطورات الأقليمية ، العربية والأفريقية ، والدولية وتأثيرها فى الوضع الداخلى إلاّ أننا سنركز على التطورات الداخلية ، وذلك لأنها تمثّل المدخل الرئيسى فى تفاعلات وتداخلات العوامل الخارجية كما أنها تشّكل الأساس لمواجهة مخططات قوي الهيمنة الدولية فى نفس الوقت . وحزب البعث عندما يطرح تصوره للوضع السياسى فى هذه الوثيقة فإنه لا يطرحه ككلمة نهائية، بل كأساس للحوار والمناقشة المفتوحة مع كل القوى الأخرى ، فى إطار التجمع الوطني الديموقراطى ، بهدف الوصول الى تصور مشترك وخطط عملية موحدة تمّكن قوي المعارضة السياسية والإجتماعية من القيام بمسؤولباتها ، وذلك لأننا نعتقد أن ما يواجه السودان فى هذه المرحلة من تحديات ومشاكل يتطلب تضافر كل الجهود المخلصة لمواجهة هذه التحديات بجدية ومسؤولية ، ولأننا نرى أن التجمع الوطنى الديموقراطى أصبح يمثل إطارا شاملاً لكل قوى المعارضة السياسية والإجتماعية ، واساساً لبناء جبهة وطنية عريضة تستهدف بناء سودان ديموقراطى موحد ومستقل وفاعل فى محيطه العربى والافريقى والدولى.
    الشرعية المفقودة والطريق المسدود:
    لقد جاء إنقلاب 30 يونيو 89 لتقويض الديموقراطية وقطع الطريق أمام عملية السلام الجارية وقتها على اساس إتفاق الميرغنى/ قرنق ، وبهدف إنقاذ حزب الجبهة الإسلامية القومية من هزيمة كاسحة ، بعد أن عزل نفسه عن إجماع القوى السياسية والنقابية ، الجنوبية والشمالية ، ووضع نفسه فى مواجهة ميثاق الديموقراطية والسلام وحكومة الجبهة الوطنية المتحدة ،وهو ، كإنقلاب ، جاء فى عموميته على نمط الإنقلابات العسكرية التقليدية فى السودان ، ولكنه تميّز عنها بإرتباطه بحزب عقائدى يرفع شعارات إسلامية، وبإستفادته من تجاربها ودروسها ، ولذلك قام حزب الجبهة تحت لافتة هذه الشعارات ، بفرض أشرس نظام دكتاتورى فى تاريخ السودان الحديث كإمتداد طبيعى للانظمة الدكتاتورية العسكرية السابقة ، وبالذات النظام المايوى . وإذا كانت الشعارات العزيزة التى رفعتها هذه الأنظمة قد تحولت الى دكتاتورية إستبدادية ، وخراب إقتصادى وإجتماعى ، وتهديد للوحدة الوطنية ، وتفريط فى السيادة الوطنية وتبعية للأجنبى ، وتخريب لعلاقات السودان الخارجية مع دول الجوار العربى والأفريقى .. إذا كانت تلك هى نتائج سنوات الأنظمة الدكتاتورية السابقة ، فإن حصاد إنقلاب يونيو فى سنواته السابقة يفوق سلبيات وإخفاقات الانظمة السابقة ، بل هو إمتداد لسلبيات النظام المايوى فى أسوأ سنواته الاخيرة (87_85 ) . والحلقة الشريرة ، التى ظلت تعيشها بلادنا طوال سنوات ما بعد الإستقلال بين الإنقلاب والديمقراطية ، لم تكن لعنة من السماء بل كانت ، بشكل رئيسى ، نتيجة لضعف التقاليد والثقافة الديموقراطيتين لدى النخبة السودانية عموما ولضيق بعض الفئات السياسية والإجتماعية بالديموقراطية والحريات العامة ، واصرارها على تقويضها والإنفراد بالسلطة واحتكارها في مواجهة إتساع الحركة الجماهيرية الديموقراطية وتزايد نفوذها وتأثيرها . وهذه الحقيقة تؤكدها طبيعة الفئات التى نفذت إنقلابات 58 ، 69 ،89 ، وحقيقة أن التجارب الديموقراطية تكاد تكون محطات إنقطاع بين الأنظمة العسكرية التى سيطرت على أكثر من ثلاثة أرباع فترة ما بعد الاستقلال وحقيقة أن نضال الحركة الجماهيرية طوال سنوات ما بعد الإستقلال وحتى الآن ظل يركز على الحريات العامة واستعادة الديموقراطية وترسيخها..
    وفى مؤتمر الدفاع عن الديمقراطية ، فى اكتوبر 1985 لخصت القوى السياسية والنقابية ، ومن ضمنها حزبنا ، حزب البعث ، هذه التجربة وأكدت رفضها لأى إنقلاب عسكرى ، أيا كانت شعاراته ومصدره ، وأكدت ضرورة الدفاع عن التجربة الديموقراطية والعمل على تطويرها بما يمكنها من البقاء والإستمرار وترسيخها وتوطينها فى الواقع السودانى ، فإذا كانت الانظمة العسكرية تعمل على الإستفادة من دروسها وخبراتها بهدف ضمان إستمرارها فمن الأولى أن تتعلم قوى الديموقراطية من خبراتها وتجاربها من أجل وضع حد للدوران فى حلقة مفرقة وبناء تجربة ديموقراطية راسخة ، بدلا من تكرار التجارب القاصرة والعاجزة .
    إن إنقلاب حزب الجبهة لا يختلف جوهريا عن الإنقلابات السابقة فى عموميات طبيعته الإجتماعية وفى توجهاته السياسية والإقتصادية وذلك رغم الإختلاف الظاهرى فى الشعارات .. فقد رفع الإنقلاب شعارات عزيزة على شعبنا لكنه اعتمد على نفس مرتكزات الانظمة الدكتاتورية السابقة ، مع تشابه متزايد بين الفترة الاخيرة للنظام المايوى والنظام الحالى ، وطور اساليبها وخبراتها بما يمكنه من البقاء والإستمرار . فقد ارتكز الخطاب السياسى لنظام 30 يونيو والجبهة القومية الإسلامية ، طوال السنوات السابقة ، على محورين اساسيين هما: تشويه التجربة الديموقراطية وتضخيم سلبياتها وتحميلها اخفاقات السياسة السودانية فى فترة ما بعد الإستقلال ، وتقويض الاسس الفكرية للنظام الديموقراطى وإعتباره (سلعة غربية مستوردة لا تتناسب مع واقعنا وعقيدتنا ) وذلك بهدف خلق تبرير لمشروعية إنقلابها واحتكارها للسلطة ، دون تقديم بديل مقنع أو حتى تقديم منجزات مادية يمكن الترويج لها دعائيا كمبرر للتضحية بالديموقراطية والحريات العامة . أما المحور الثاني فهو طرح شعارات الإنقاذ والشريعة والإكتفاء الذاتى والمشروع الحضارى وغيرها، بهدف خلق قاعدة واسعة من التأييد الشعبى وربط إمكانية تحقيق هذه الشعارات ببقاء النظام ، وذلك ايضا ، دون أي تأكيد بقدرتها على القيام بذلك كما أثبت الواقع فيما بعد ، بل تدهور الحال الى أزمة وطنية شاملة .

    فى إطار هذين المحورين تدور كل مفردات خطاب السلطة السياسى ، بما فى ذلك الشعارات الإسلامية التى دخلت حلبة الصراع السياسى بقوة وعنف بقوانين سبتمبر 1983 فى عهد النظام المايوى ، ولكن النتيجة العملية تمثلت فى إستناد المجموعة الحاكمة الى نفس ركائز الانظمة الدكتاتورية السابقة ، المتمثلة فى الجمهورية الرئاسية بسلطاتها المطلقة ، نظام الحزب الواحد وروافده وقانون الأمن العام وحالة الطوارئ والقوانين الاستثنائية الاخرى ، وذلك بهدف إحتكار السلطة ، فحظرت نشاط الاحزاب والتنظيمات الاخرى ، واقامت اجهزتها الامنية بصلاحيات واسعة لقمع قوى المعارضة السياسية والعسكرية والإجتماعية ، وشملت إجراءاتها كافة اشكال القمع المادى والمعنوى ، ووصلت ذروتها فى إعدامات شهداء حركة 23 ابريل 1990 العسكرية المجيدة ، حيث اعدمت 28 ضابطا ، من خيرة العسكريين السودانيين ودون محاكمات وبطريقة لم يشهد لها السودان مثيلا فى كل الانظمة الدكتاتورية السابقة ولا حتى فى محاكمات ابطال ثورة 1924 ايام الإحتلال البريطانى، وبذلك كشفت طبيعة نظامها الإستبدادى وقدمته كبديل للديمقراطية ، وتحولت حملاتها على التجربة الديموقراطية الى مجرد تبرير لا معنى له ، إذ مهما كانت سلبيات النظام الديموقراطى لا يمكن أن يكون البديل نظام دكتاتورى يقوم على مزيج من تجربة المؤتمرات واللجان الشعبية الليبية ونظام الحزب الواحد وجوانب السيطرة السياسية الشمولية المشابهة ، ومهما كانت السلبيات لا يمكن أن تتم معالجتها بتقويض النظام الديموقراطى بكامله وهدم اسسه القائمة على احترام حقوق الإنسان وسيادة حكم القانون وحق الشعب فى تقرير مصيره واشاعة الحريات العامة ، وعلى راسها حرية الرأي والصحافة وحرية التنظيم الحزبى والنقابى والتداول السلمي للسلطة وغيرها . ومن جهة أخرى ، فإن مشكلة الحكم فى السودان لا ترجع الى التجارب الديموقراطية ، بل ترجع الى سيطرة الأنظمة الدكتاتوية الثلاث لأكثر من ثلاثين عاما من مجموع سنوات ما بعد الإستقلال البالغة 42 *عاما ففى ظل هذه الأنظمة تفاقمت مشاكل البلاد حتى تحولت الى أزمة وطنية شاملة فى ظل نظام الجبهة الدكتاتورى ، وإتسعت الفجوة بين تطلعات الجماهير فى الحياة الكريمة وعجز الدولة عن تلبية هذه التطلعات خاصة بعد تخليها عن دورها الإقتصادى والإجتماعى وإرتباطها بالفئات الطفيلية .
    ولا مخرج من هذه الازمة إلاّ بإستعادة الديمقراطية وإشاعة الحريات العامة ومشاركة كافة القوى السياسية فى تقرير مصير البلاد . وإذا كان التوجه نحو الديموقراطية قد اصبح اتجاها عالميا بعد إنهيار المعسكر الإشتراكى وثورة الإتصالات والمعلومات ، رغم محاولة قوى الهيمنة الغربية إستغلال هذا التوجه لخدمة مصالحها واستراتيجيتها ، فإن ظروف السودان الخاصة تؤكد اهمية وضرورة الديمقراطية كمدخل رئيسى للمحافظة على وحدته الوطنية وتطوير أوضاعه الإقتصادية والإجتماعية ، وذلك بحكم واقع التعددية فى حركته السياسية وحيويتها ، وارتباط قضايا التغيير الإجتماعى بالديموقراطية واشاعة الحريات العامة ، وبحكم ضخامة وتعقيد ومشاكل ومهام مرحلة ما بعد الاستقلال ، وضرورات مواجهة الازمة الوطنية الشاملة الجارية فى البلاد ، ولأن تجربة حزب الجبهة نفسها قد أكدت استحالة حكم السودان بواسطة حزب واحد ، وأهم من كل ذلك لإرتباط الحركة الوطنية السودانية وحركة النهضة العربية الحديثة بمفاهيم الحرية والشورى والديموقراطية والتحرر الداخلى والخارجى . لهذه الاسباب لم ينجح الخطاب السياسى للفئة الحاكمة الحالية والانظمة العسكرية السابقة، فى تشويه التجارب الديمقراطية السابقة ولا فى تقويض الأسس الفكرية والضرورات العملية للنظام الديموقراطى فى بلادنا ، بل أدخل نفسه فى تناقض صارخ خاصة عندما فشل فى توسيع قاعدته الإجتماعية وفى جذب أي قوة سياسية مؤثرة الى جانبه . وعندما ربط نفسه بشعارات الشريعة والشورى والإنقاذ أستهدف فقط محاولة إحتكار الإسلام وفرض برنامجه على الآخرين وتبرير قمع قوى المعارضة الشعبية والعسكرية بمنطق دينى زائف ، ولكنه وجد نفسه فى تناقض كامل مع التراث العربى الإسلامى الزاخر بقيم العدل والحرية ،ومع والشورى التى تعنى مشاركة الأمة فى تقرير مصيرها . ولا طريق لتحقيق ذلك بغير الديموقراطية بمفهومها الحديث . كما وجد نفسه في تناقض صارخ مع سماحة الإسلام وارتباطه بالفطرة والتجارب الإنسانية المتطورة ، ومع تأريخ الإسلام وإنتشاره فى السودان وتاريخ حركة النهضة العربية الحديثة بتياراتها الإسلامية والقومية والديموقراطية واليسارية المناهضة للإستبداد والرجعية ، وهكذا بدأ كأن حزب الجبهة يحاول تطبيق نموذج ستالينى متخلف بشعارات إسلامية ، وهذا التناقض يجد تفسيره فى الطبيعة الإيدولوجية والإجتماعية للجبهة الاسلامية الحاكمة ، والفئات المرتبطة بها ، التى تدفعها الى إستغلال كل شئ ، بما فى ذلك معتقدات الشعب ، من أجل فرض سيطرتها على البلاد على حساب مصالحها وقيمها الدينية والإنسانية والقومية .

    إن هذا التوجه يرتبط بالبنية الفكرية للفئة الحاكمة وحلفائها ، المعادية للديمقراطية والرأى الآخر ، بما فى ذلك التيارات الإسلامية الأخرى . ويرتبط ايضا ، بتكوينها الإجتماعى البرجوازى الصغير والمتوسط بعد التغييرات والتشويهات التى طرأت على هذه الشرائح الاجتماعية منذ السبعينات _ فهى تستند الى فئات الرأسمالية الطفيلية ودوائر من المثقفين والشباب وبعض القوى التقليدية والرأسمالية الريفية ، وهذه القوى التى ظلت تمثل السند الأساسى لحزب الجبهة فى الفترة السابقة . لقد استند حزب الجبهة حتى بداية السبعينات ، الى فئات من الموظفين والطلاب وبعض دوائر القوى التقليدية ، ونتيجة لمداخيل الإغتراب والارتباط ببلدان الخليج والسعودية ، بعد الطفرة النفطية ، وسيطرته على منظمة الدعوة الإسلامية والشركات المرتبطة بهاوعلى بنك فيصل والبنوك الاسلاربوية الأخرى ، وجدت هذه الفئات مداخل واسعة للثراء ودخول نادى الراسمالية السودانية والعربية . وبعد مصالحة 1977 إستفادت من وجودها داخل صفوف الطبقة المايوية لتركيز وجودها ومواقعها فى جهاز الدولة ومجالات التجارة والخدمات والجهاز المصرفى ، وكان لهذه التطورات تأثيرها فى تركيبها الإجتماعى وارتباطها بقوى الإنفتاح الإقتصادى والتوجه الدكتاتورى الرجعى فى السودان والمنطقة ، كما اشارت الى ذلك وثائق المؤتمر القومى الثانى عشر لحزب البعث (1992) ، وكان لها تاثيرها فى إرتباطها الحميم بالفكر الإقتصادي الراسمالى واللبرالية الجديدة ، وتخليها عن شعارات العدالة الإجتماعية والإشتراكية الاسلامية ، التى سادت فى فترة الديمقراطية الثالثة ، وسيطرة الأثرياء الجدد والاتجاهات الطفيلية على تنظيم الجبهة وبرنامجها السياسى . وبعد إنقلاب يونيو ظلت الفئة الحاكمة تعمل على تدعيم مواقع هذه القوى والشرائح فى جهاز الدولة والسوق والقطاعات الإقتصادية المختلفة . واذا كان مثل هذا الحديث يبدو غريبا فى سنوات سابقة ، فإن واقع الحال يغنى عن أى مقال، _ فالواضح أن شعارات الانقاذ والشريعة وغيرها أستخدمت لتلبية تطلعات السيطرة السياسية والإقتصادية من خلال جهاز الدولة واعفاءته وغيرها ، وأن هذه الشعارات تحولت عمليا الى خراب إقتصادى وإجتماعى وأزمة وطنية شاملة ، وفى ذلك لم يختلف دعاة ( الحل الإسلامى ) عن دعاة (الحل الإشتراكى) المايوى ، لا فى السلوك والممارسة العملية ولا فى مصادر برنامجهم السياسى _ وهذا وحده يكفى لتأكيد وحدة الاساس الإجتماعى والفكرى لقوى الإنقلابات والدكتاتورية فى بلادنا، وتناقض وإزدواجية هذه القوى بين شعاراتها وممارساتها العملية الإنتقائية والإنتهازية وبتركيبها الإحتماعى المتخلف وبنيتها الفكرية المعادية للديمقراطية والرأى الآخر والتراث الالعربى الإسلامى فى مجمله وتياراته العقلانية والمستنيرة بشكل خاص . على قاعدة هذه الركائز السياسية والإجتماعية قام حزب الجبهة بتنفيذ كامل برنامجه السياسى والإجتماعى فى البلاد ، إستنادا الى شعارات عزيزة على شعبنا _ ولكن الواقع قادر على كشف الفرق بين الحقيقة والوهم _ فبعد أن أخذت دورة العنف والقمع دورتها كاملة ، وبعد أن وضح رفض الواقع السياسى والإجتماعى لسياساتها وبرنامجها ، وبعد أن عكست الأزمة الوطنية الشاملة الجارية فى البلاد نفسها فى كل مناحى الحياة ، أُجبرت الجبهة القومية الاسلامية على التراجع أمام ضغوط الواقع الداخلى والخارجى ، ومنذ عام 94 بدأت تتحدث عن الإنفراج السياسى والوفاق والمصالحة الوطنية لتوسيع قاعدة الحكم كبديل لشعار (التمكين ) الذي ساد فى الفترة السابقة ، وذبك الى جانب شعارات تصفية المعتقلات وتوسيع الحريات العامة وإنهاء الحرب الأهلية بالحوار السلمى بدلا من شعارات الجهاد وغيرها ، ورغم أن الفئة الحزبية الحاكمة تحاول إرجاع هذا التحول فى موقفها الى أنه جزء من برنامجها للتحول من الشرعية الثورية الى الشرعية الدستورية ، فإن الواقع يؤكد أنه جاء نتيجة لضغوط عدة عوامل محلية وخارجية ، يتمثل اهمها في الآتى:-
    تفاقم الأزمة الاقتصادية وتحولها الى ركود تضخمى خانق ، وإتساع الحرب الأهلية وأمتدادها الى الشمال وتورط السلطة فى تدويل مشكلة الجنوب والمشكلة السودانية وتحويلها الى أزمة وطنية شاملة ، اتساع العزلة الداخلية وصمود قوى المعارضة الداخلية فى وجه سياسات العنف والقمع وبروزها ، بشكل خاص ، فى إنتفاضات شعبية وطلابية وفى مقاطعة إنتخاباتها وأستفتاءاتها وغيرها ، وذلك بالإضافة الى وحدة قوى المعارضة الخارجية ودخولها ميدان العمل المسلح فى الشرق والنيل الأزرق بعد عام 1995 ثم إتساع العزلة الخارجية والضفوط الأقليمية والدولية بسبب توتر العلاقات مع دول الجوار العربى والأفريقى ، حتى وصلت الى مرحلة الصدام المسلح مع البلدان المجاورة وصدور قرارات دولية ضد السودان لأول مرة فى تأريخه .
    وكان لهذه الضغوط تأثيرها داخل صفوف النظام وحزبه حيث برزت خلافات حول المصالحة والإنفراج السياسى والحرب الأهلية والحريات العامة والتعددية السياسية وغيرها وبرزت الى السطح معارضة اسلامية مؤثرة داخل صفوف الحزب الحاكم ومنظمات أخرى ، ووجد هذا التراجع أمام الضغوط تجسيده العملى فى الموقف من الحرب الأهلية ومسودة الدستور بشكل خاص ، كمحاولة للخروج من مأزق الشرعية المفقودة والطريق المسدود الذى وصلت اليه سياسات الدولة فى المجالات المختلفة ، وذلك بالبحث عن شرعية جديدة تساعد على توسيع قاعدة الحكم وإطالة عمر النظام من خلال تحالفات داخلية وخارجية ، تحت شعارات مختلفة ومتناقضة فى نفس الوقت ، فمع القوى الجنوبية ترفع شعارات تقرير المصير ومع القوى الشمالية ترفع شعارات الدفاع عن الوحدة الوطنية والعروبة والإسلام ، ومع القوى الإقليمية والدولية تحاول تقديم تنازلات حول علاقات الجوار ومواثيق حقوق الإنسان وتأكيد إحترام العلاقات الدولية وغيرها .. ولكن هل تنجح السلطة فى مساعيها هذه ؟؟.
    هنالك عاملان هامان، هما التكوين الإجتماعى والفكرى للمجموعة الحاكمة ، بالمعنى الذى سبق شرحه ، والعامل الثانى يتمثل فى تأريخ تعاملها مع القوى الأخرى ، المحلية والخارجية ، خلال السنوات السابقة ، وبحكم عدم قدرتها على التخلى عن تركيبها وأسلوبها فى العمل ، فإن إستمرار هذين العاملين سيقفان حجر عثرة أمام أي محاولة للخروج من أزمتها ، وهذا ما يؤكده السيناريو الذى إتبعته فى معالجة مسألتى الدستور الدائم وإنهاء الحرب الأهلية فى الفترة الأخيرة ، فقد بدأ سيناريو الدستور بطريقة مفاجئة بتكوين لجنة (قومية) لصياغة الدستور ، وظلت تردد أن اللجنة مخولة بصلاحيات كاملة وتضم كل الوان الطيف السياسى، وجاء ذلك فى تعجل واضح وفى ظروف إستثنائية ، شملت غياب الديموقراطية ومصادرة الحقوق الأساسية وإتساع الحرب الأهلية وإمتدادها فى الشمال ودخول قوى المعارضة الشمالية ميدان العمل المسلح وظروف عزلة إقليمية ودولية واسعة .. فى مثل هذه الظروف طُرحت مسألة الدستور من قبل سلطة غير شرعية ، لها مؤسساتها المهيمنة ، ولها اتفاق مع بعض القوى الجنوبية بمنح الجنوب حق تقرير المصير وتكوين دولته المستقلة الخ.. هذه الظروف فى مجملها لا تسمح بطرح قضية الدستور بمثل هذه الطريقة ، لأنها تحتاج الى مشاركة كل القوى السياسية فى البلاد والى إتفاق عام حول طبيعة الدستور والقضايا الاساسية فى مناخ ديموقراطى كامل _ وبغير ذلك ستكون تكرارا لتجربة دستور عام 1973 بحذافيرها _ ومع كل ذلك ، فإن السلطة لم تلتزم بما طرحت في البداية . فعند إنتهاء اللجنة القومية من مسودتها ، ظهرت مسودة أخرى فى القصر الجمهورى ، كتبها اركان النظام الحاكم ، لتحول شعارات الإنفراج والحريات العامة الى نصوص محكومة بقوانين تصدرها السلطة ، وبإدخال تعبيرات ( التوالى ) وصياغات غامضة اخرى تحولت احلام التعددية الى سراب. وجاءت مناقشات المجلس الوطنى لتتم إجازة المسودة بالإجماع ، رغم إرتفاع الاصوات المعارضة ، وبقى فقط إعلان نتيجة الإستفتاء لتتوهم الطبقة الحاكمة شرعية شعبية ودستورية لنظامها الإستبدادى ، ويبدو أنها لا تريد سوى إستخدام الوثيقة كألة رافعة لتسهيل مفاوضاتها فى نيروبى مع حركة جون قرنق ومجموعة دول الإيقاد ، ولفتح مداخل مع بعض قوى المعارضة الشمالية والقوى الاقليمية والدولية ، ولكن الواضح أن ذلك لن يخرجها من أزمتها وعزلتها الداخلية والخارجية ، ولن يخرج البلاد من أزمتها الوطنية الشاملة ، بل سيعمقها اكثر فأكثر ، وذلك لأنه لا مخرج من هذه الأزمة الا باستعادة الديموقراطية ومشاركة كل القوى السياسية فى تقرير مصير البلاد . وفى معالجتها لمشكلة الحرب الاهلية سارت فى نفس الطريق المتأرجح والمتردد ، فهى ترفض إعلان مبادئ الإيقاد ، ثم تتراجع بقبوله، وتهاجم مقررات مؤتمر اسمرا ثم تتراجع لتقترب منها بقبول اهم بنودها_وكل ذلك يؤكد عدم جديتها واستهتارها فى التعامل مع القضايا الوطنية الكبرى ، وينكشف هذا الاستهتار فى سياساتها الاقتصادية والإجتماعية بشكل خاص .
    الوضع الاقتصادي بين شعارات الإنقاذ والخراب الاقتصادي :
    تعكس الصورة الإجمالية للاقتصاد السوداني في ظل سلطة الإنقاذ أزمة حادة وخانقة أفرزت استقطاعات سياسيا واجتماعيا يضع البلاد امام احتمالات خطيرة . فقد طرحت سلطة الإسلاميين برنامجها الاقتصادي -الاجتماعي تحت مسمي ( الاستراتيجية القومية الشاملة ) ودعمتها بسياسات التحرير الاقتصادي منذ عام ١٩٩٢ بعد ان مهدت لها بالبرنامج الثلاثي عام ١٩٩٠ . وهي كخطة تمثل برنامجا طموحا لتحريك جمود الاقتصاد الوطني وتعبئة موارده الاقتصادية والبشرية في "اتجاه الأكتفاء الذاتي والتغيير الاجتماعي والتنمية وتحويل السودان الي دولة إقليمية كبري خلال عشر سنوات". وقامت هذه الخطة والسياسات المرتبطة بها علي تحرير التجارة وتعويم العملة الوطنية و(أسلمة) الجهاز المصرفي وتخلي الدولة عن دورها الاقتصادي والاجتماعي برفع الدعم عن السلع والخدمات، بما في ذلك خدمات الصحة والتعليم ، وخصخصة مؤسسات القطاع العام وبالتالي الاعتماد علي القطاع الخاص والمحلي والأجنبي في قيادة النشاط الاقتصادي والاجتماعي وحصر دور الدولة في توفير البنيات الاساسية والتسهيلات اللازمة للاستثمار الخاص مع تخفيف الاثار السلبية لسياسة الانفتاح الاقتصادي عن طريق ما سمي صناديق التكافل الاجتماعي.
    يمثل هذا البرنامج امتدادا لبرنامج النظام الانقلابي السابق (٦٩_٨٥) والذي كان قد قطع شوطا بعيدا في تطبيقه منذ عام ٧٥ تحت إشراف صندوق النقد الدولي مجسدا لاتجاهات المؤسسات المالية الدولية التي حاولت فرضها علي البلاد منذ عام ١٩٥٨ بحذافيرها لكنها لم تنجح كلية نتيجة لحيوية الحركة النقابية والسياسية بحيث لم تجد فرصتها الا مع اشتداد وطأة الدكتاتوريات المتتابعة . ويؤكد هذا، بما يعنيه من توافق مع مركز النظام الرأسمالي العالمي تحت الهيمنة الامريكية ، التناقض الفاضح للفئة الحاكمة بين دعاوي الاسلامية الرسالية والعداء لدول (الاستكبار الغربي) وبين برنامجها الاقتصادي الرأسمالي التابع للمنظومة الغربية العالمية المسيطرة في عهد ما بعد نهاية الحرب الباردة . كما يكشف تحليل النتائج التطبيقية للبرنامج التناقض بين طموحاته وبؤس حصاده في اطار التناقض الأعم بين ادعاءات احياء قيم العصور الذهبية للحضارة العربية الاسلامية وواقع نظام الإسلاميين الاستبدادي والمنحاز تماماً ضد مصالح الأغلبية السودانية المسلمة وغير المسلمة .
    من الناحية العملية تراجعت طموحات وتقديرات الاستراتيجية القومية الي معدلات متواضعة لم تتجاوز ما كان سائدا قبل الانقلاب بل الي معدلات ادني بكثير في كل المجالات تقريبا . فاجمالي الاستثمارات ، وهي مربط الفرس لانه لا تنمية بلا استثمار ، لم تتجاوز ال ٨٪ من اجمالي الناتج المحلي في أحسن الفروض مقابل ٢٠٪ في التقديرات المتوقعة . ومعدل نمو الناتج المحلي لم يتجاوز ال٣-٤٪ مقابل ١٣٪ في الخطة ، بل تدهور الي ناقص ٥٪ في بعض في بعض السنوات وهو معدل اكثر من متواضع اذا أخذنا في الاعتبار معدل زيادة السكان (٢،٨٪) . وبعكس ما يشيعه الاعلام الحكومي ، فان هذا التراجع في معدلات الاستثمار ونمو الناتج الاجمالي لا يعود الي موقف السودان من حرب الخليج الثانية وتوقف التدفقات المالية الخارجية بسبب الحصار غير المعلن لان هذا التوقف كان واضحا منذ بداية الثمانينات لأسباب تتعلق بمتغيرات داخل النظام الرأسمالي العالمي وفقدان مصادر التمويل الثنائية والمتعددة الأطراف الثقة في الادارة السودانية للاقتصاد منذ عهد النميري. وتمثل من خلال العهد الحالي في عجز الفئة السياسية الحاكمة والفئات الاقتصادية المرتبطة بها عن تعبئة الموارد الوطنية الاقتصادية والبشرية لمصلحة التنمية وعجز ها عن تحقيق فائض اقتصادي حقيقي للاستثمار وذلك بحكم طبيعتها الطفيلية المناقضة للإنتاج ولقدراتها الهائلة علي تبذير الفائض الاقتصادي للبلاد في جهاز دولة متضخم وغير منتج وأنفاق عام إهداري علي الحرب الاهلية واحتياجات حماية السلطة. وهذا هو مصدر فشل الاستراتيجية القومية وثبوت خطل افتراضاتها النظرية والعقائدية وأولها استبعاد دور الدولة والقطاع العام والاعتماد شبه _الكلي علي القطاع الخاص الأجنبي والمحلي . والأول رهين بنجاح الثاني بينما تشير التجربة الي انه قطاع طفيلي تجاري لا يرتكز علي عمود فقري زراعي صناعي وهدفه الحصول علي اعلي فائض بأقل تكلفة ممكنة، نظرا لنشوئه في ظل سوء الادارة الاقتصادية خلال الدكتاتورية السابقة وتقلباتها وهيمنة مصالح أقلية اجتماعية محدودة للغاية علي السياسات الاقتصادية . والواقع ان سياسات الدولة تنطلق من موقف عقائدي مسبق ومتزمت ضد القطاع العام ودور الدولة في النشاط الاقتصادي منحاز للقطاع الخاص بشكل مطلق دون سند علمي وواقعي وانما فقط بهدف تنمية فئات النشاط الاقتصادي الطفيلي المرتبطة بالمجموعة الحزبية الحاكمة وإعادة تركيب الرأسمالية السودانية لمصلحة سيطرة هذه الفئات.
    نتيجة لذلك شهدت السنوات الاخيرة تدنيا كبيرا في مساهمات قطاع الانتاج السلعي (الزراعة والصناعة) وارتفاعا ملحوظا في مساهمة قطاع التجارة والخدمات في اجمالي الناتج المحلي . فقد توقفت معظم المصانع في البلاد وضعفت إنتاجية المصانع العاملة نتيجة لمشاكل عديدة يواجهها القطاع الصناعي في الطاقة الكهربائية ومصادر التمويل والعملات الصعبة وتزايد أعباء الضرائب والرسوم الحكومية ومنافسة السلع المستوردة مما تسبب في تضييق قاعدة الصناعة الوطنية. كما تدني الانتاج الزراعي وتدهورت أوضاع قطاع الزراعة في السنوات الاخيرة نتيجة لنفس الأسباب وخاصة تزايد أعباء الضرائب والرسوم ومشاكل التمويل وصيغة "السلم"،وهو نظام تسليم شبه ربوي تمارسه الدولة في القطاع الزراعي ، بالاضافة الي ابتعاد الدولة عن دورها في تمويل وإعادة تأهيل المشاريع الزراعية الكبيرة. وهذا الوضع المتدهور إدي الي توقف الهيئة العربية للاستثمار الزراعي، اهم المشاريع العربية المشتركة في السودان ، مصانعها وصادراتها للأسواق العربية والأوربية والي دخول آلاف المزارعين في السجون بسبب عجزهم عن تسديد ديونهم وتهديدهم بترك العمل الزراعي والي تداعي المشاريع الكبيرة ( ربما تمهيدا لخصخصتها) واحتمال فشل الموسم الزراعي القادم بشكل تام رغم تدخل نائب رئيس الجمهورية لتدارك الوضع في ربع الساعة الاخير. هذه التطورات تؤكد صحة القول بان فشل الاستراتيجية القومية كان بسبب عجز الفئة الحاكمة عن تعبئة الموارد الوطنية للتنمية بحكم طبيعتها الطفيلية . ويبدو ان طبيعة القاعدة الأيدلوجية - السياسية والاجتماعية للسلطة تدفعها حتي الي تحطيم القاعدة الإنتاجية القائمة وشبكة التوزيع والتبادل الضرورية للإنتاج نفسه ، ففاقد الشئ لا يعطيه حتي لو تدثر بشعارات الشريعة والإنقاذ . ومع وضوح فشل الوعود التي أطلقتها الاستراتيجية القومية والسياسات المرتبطة بها وفشل الافتراضات التي استندت اليها. لجأت الفئة الحاكمة الي تعليق كل آمالها في استخراج البترول بالتعاون مع راس المال الأجنبي . وهذا مشروع قديم بدأ في عهد النميري خلال السبعينات من خصائصه انه ثروة قابلة للاستنزاف وذو حساسية عالية لعوامل تصعب السيطرة عليها في ظروف السودان الراهنة كما ستثبت حقيقة ان منطقة انتاج البترول ونقله مجاور لمناطق العمليات العسكرية في الجنوب والشرق . وعلي أية حال فانه حتي استمرار التصدير دون معوقات لا ينفي حقيقة فشل البرنامج الاقتصادي للفئة الحاكمة لطبيعتها الطفيلية ولا يغفر لها تبديدها لموارد البلاد الحقيقية وفائضها الاقتصادي . فهذه الموارد خاصة الزراعية والبشرية منها ، هي الرأسمال الدائم لانها موارد متجددة وليست موارد مؤقتة مثل ثروات باطن الارض .
    هذا التدهور الاقتصادي المتعدد الوجوه قاد الي اختلالات وتشوهات داخلية وخارجية في تركيبة الاقتصاد الوطني يتمثل اهمها في عجز الميزان الداخلي ( بين الاستهلاك والإنتاج وفي موازنة الدولة بحكم تصرفها بأكبر نسبة من الناتج المحلي) وفي الميزان الخارجي ( متحصلات الصادرات والخدمات مقابل الواردات ) الذي ظل يتزايد عاما بعد عام مما يفضح ادعاءات السلطة حول الاكتفاء الذاتي وتحويل السودان من بلد متسول الي بلد منتج وسلة لغذاء العالم وذلك لان هذه الحقائق تعني وجود فجوة متسعة دوما بين ما ننتج وما نستهلك وبين ما نصدر ونستورد. فالعجز في الموازنة العامة هو نتاج تزايد نفقات جهاز الدولة ، وخاصة قطاع الأمن والدفاع والإعلام ثم الادارة العامة التي تضاعفت بعد تطبيق نظام الحكم الفيدرالي واتساع الحرب الاهلية
    ( تصل نفقاتها الي مليوني دولار يوميا ) وظل يتفاقم حتي بعد تخلي الدولة عن دورها الاقتصادي والاجتماعي وتحولها الي دولة بوليسية هدفها حماية الأمن والنظام العام وتحصيل الضرائب فقط . اما العجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات فانه يرجع الي ضعف حصيلة الصادرات نتيجة لدني الانتاج وفقدان الاسواق التقليدية والسماح للمصدرين بالاحتفاظ بجزء كبير منها خارج البلاد فيما يسمي بسياسة " التجنيب " ، وتقلص تحويلات المغتربين بسبب عدم استقرار العملة وسياسات الدولة وكذلك القروض والمساعدات ، مع ارتفاع فاتورة الواردات في الجانب الاخر ، خاصة بعد تحرير التجارة الخارجية . وفي مواجهة هذه العجوزات المزمنة لا تجد الدولة سوي الاستدانة الخارجية فارتفعت الي ١٨ مليار دولار معظمها فوائد متراكمة لصندوق النقد الدولي والي الاستدانة الداخلية من النظام المصرفي التي ارتفعت معدلاتها بسرعة كبيرة أدت لإشعال نيران التضخم حتي وصل ١٦٠٪ عام ١٩٩٦ والي أضعاف مركز الجنيه السوداني وتدهور قيمته حتي وصل سعر الدولار الي اكثر من ٢٠٠٠ جنيه (ابريل/نيسان ٩٨) مقابل ١٦ جنيه في يونيو/حزيران ١٩٨٩. ومع تخلي الدولة عن دورها في استخدام خريجي المدارس والجامعات بحكم سياسات التحرير الاقتصادي وتدهور الأوضاع في قطاعات الانتاج ، خاصة مناطق القطاع التقليدي، تدفقت الهجرة الداخلية من الأرياف الي المدن خاصة العاصمة لتكتظ بمئات الآلاف من العاطلين وشبه العاطلين عن العمل . كما أفرغت الحرب الاهلية الجنوب من سكانه حيث نزح معظمهم الي مناطق الانتاج والمدن الشمالية والبلدان المجاورة ، وتزايدت معدلات ارتفاع الهجرة الخارجية الفنية والأكاديمية والإدارية التى تقدرها بعض الأوساط العلمية بأكثر من نصف القوي السودانية العاملة (٣٠٪ من السكان) تتزايد فيها باستمرار نسبة الشباب .
    وبجانب هذه الاختلالات والتشوهات فقد إدي عدم استقرار الأوضاع الاقتصادية الي هروب الاموال الي الخارج او اكتنازها في شكل دولارات او عقارات وما شابه . وفي هذا الخصوص يشير بعض المتابعين الي ظهور حسابات خارجية بملايين الدولارات وسط المغتربين السودانيين .وتقدر بعض الأوساط رؤوس الاموال السودانية بالخارج بأكثر من من ١٥ مليار دولار . وهذه الظاهرة تؤكد حجم الازمة الاقتصادية وتأثيرها علي الاستثمار وعلي قطاع رجال الاعمال بما في ذلك المرتبطين منهم بالفئة الحاكمة كما يدل انتشار ظاهرة اعلان إفلاس الشركات خلال السنوات الاخيرة . وفي عام ١٩٩٦ بدأ بنك فيصل الاسلامي ، وهو من المؤسسات الاقتصادية القيادية عمليا في البلاد، تغطية حالة الإفلاس بسياسة "توفيق الأوضاع" لتتبعه بقية المؤسسات والمصارف ، وليس هناك تفسير لهذه الظاهرة خارج اطار تحول الازمة الاقتصادية الي أزمة ركود تضخمي حادة وخانقة لا يمكن علاجها بالإصلاحات الجزئية في اطار النظام السياسي القائم وسياساته الجارية.
    هذا التدهور في الأوضاع الاقتصادية انعكس في تدني نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي ، وهو المتوسط الذي يمثل اهم مؤشرات نجاح اي برنامج اقتصادي ، الي حوالي ٨٠٠ الف جنيه سوداني في العام اي ما يعادل ٣٥٠ دولارا بينما يقدر متوسط الصرف العائلي المتواضع للغاية بأكثر من ثلاثة ملايين جنية في العام.وبما ان النتاج المحلي الاجمالي لا يوزع بالتساوي علي كل السكان فقد تزايدت في السنوات الاخيرة ظاهرة التفاوت في الدخول بين الفئات الاجتماعية وأقاليم البلاد المختلفة بسبب إفرازات سياسة التحرير الاقتصادي المنفلت من كل قيد تشيديه التي نجمت عن اطلاق عقال أسعار السلع والخدمات مع ثبات الأجور والمرتبات في القطاعين العام والخاص علي حالها تقريبا والفشل الذريع لمشروع صناديق التكافل وتدهور أوضاع قطاعات الانتاج ، أوشكت الطبقة الوسطي علي التلاشي . وبذلك اصبح المجتمع منقسما الي طبقتين فقط غنية محدودة وفقيرة واسعة حيث تتداول الصحف ومراكز البحوث شبه الرسمية أرقاما عن اتساع ظاهرة الفقر تتحدث عن شموله ٩٥٪ من السكان مما يؤكد وجود حالة استقطاب سياسي واجتماعي حاده بعواقبه الانفجارية الخطيرة.
    وفي هذا الوضع انتشرت ظاهرة الاختلاسات في القطاع العام ، ووصلت الي اكثر من ثلاثة مليارات جنيه عام ١٩٩٧ وشملت مسؤولين في قمة الجهاز التنفيذي والسياسي ، وانتشرت أيضاً ، مظاهر الفساد والتحلل الاجتماعي والأخلاقي وضعف القيم اما الحاجة جنبا الي جنب مع سوء التغذية والأمراض المرتبطة بها وفي مواجهة هذا الحال يلجأ المواطن الي مضاعفة ساعات العمل ، اذا وجد والعمل في القطاع غير الرسمي ، وتشغيل الاطفال وبيع الممتلكات ، بجانب التفكير الدائم في الهجرة والاغتراب . وفي الجانب الآخر ، تستعرض الطبقة الحاكمة ، والفئات المرتبطة بها ، خاصة فئة الأثرياء الجدد ، مظاهر ثرائها في السكن الفاخر والسيارات الفارهة وفي المدارس والمستشفيات الخاصة وفي اكلها ولبسها ووسائل ترفيهها وغيرها، كأنها في بلد ومجتمع اخر غير السودان ، ورغم ذلك تصر الفئة الحاكمة وحزب الجبهة علي الاستمرار في سياساتها المعلنة وتعد الشباب بالرفاهية والتنمية الشاملة وتتعامي عن معاناته اليومية ، ولكن واقع الحال لا يبشر باي تغيير حقيقي في اطار النظام القائم وسياساته الجارية ، وليس امام هذه الفئة سوي الدفاع عن أركان سلطتها وتركيزها ومحاولة توسيع تحالفاتها لضمان بقائها واستمرارها ، وتتعقد صور الوضع الاقتصادي باستمرار حالة الاستقطاب وعدم الاستقرار السياسي واتساع الحرب الاهلية في الجنوب وامتدادها للشمال وتهديد وجود الكيان السوداني في أساسه.
    الحرب الاهلية وتمزيق الوحدة الوطنية :
    بصعود الجبهة الي السلطة وتمكنها من فرض مشروعها السياسي في مواقع القوة ، دخلت الحرب الاهلية في الجنوب طورا جديدا أدي الي تدويلها وتدويل مشكلة السودان ككل ، وذلك بسبب إدخالها للإسلام والعروبة كعامل هام في تعزيز نهجها السياسي الدكتاتوري في البلاد بشكل عام ، والجنوب بشكل خاص ، مما ادخلهما في اطار صراع واستقطاب سياسي عرقي وديني حاد ، حول الحرب بالأهلية الي صراع عربي - أسلامى / أفريقي مسيحي ، كما ادخل العروبة والإسلام في ورطة وتحدي خطير يتعلق بقدرتهما علي التسامح والتعايش والتفاعل السلمي والديموقراطي مع المجموعات والثقافات الوطنية الأخري وتجاوز حالة الاستقطاب الراهنة . ومع ان جذور هذا الموقف ترجع الي مفاهيم بعض دوائر الحركة الوطنية ونظرة وعقلية الجالبة تجاه مسالة الهوية ، القائمة علي التبسيط وتجاهل حقيقة التنوع الثقافي والاثني في السودان ، الا انه اتخذ شكلا اكثر تحديدا وعمقا في ظل حكم حزب الجبهة من خلال التعبئة السياسية والدينية لمواجهة الحرب الاهلية وكتطور طبيعي لموقف الدوائر الاكثر تخلفا وسط القوي المهيمنة في البلاد. فقد واجه الحزب الحاكم هذه المسالة ، منذ البداية ، بخطين متوازيين ، هما الحل العسكري في الداخل والحل السياسي السلمي في الخارج .. في الداخل اعتمد الحل العسكري علي تعبئة دينية وقومية واضحة ،ارتكزت علي شعارات الجهاد والدفاع عن العقيدة والوطن في اطار مشروع الدولة الاسلامية ، ولدحر القوة الجنوبية المتمردة وفرض الوحدة الوطنية كأمر واقع وأدت هذه الشعارات الي خلق حالة استقطاب ديني وعرقي خطير، وحولت الصراع من صراع سياسي حول قضايا محددة الي صراع بين الثقافة العربية الاسلامية في الشمال والثقافات الافريقية والمسيحية في الجنوب، وذلك في توافق كامل مع السياسة الاستعمارية القديمة القائمة علي الفصل بين افريقيا شمال الصحراء وأفريقيا جنوبها ، وبين حركة التحرر القومي العربي وحركة التحرر الوطني الافريقية ، وادي ذلك الي تشجيع القوي الغربية الكنسية علي دخول ساحة الصراع بكل إمكانياتها لتحقيق أهدافها المعروفة ، والي فتح شهية قوي الهيمنة الدولية ، الغربية والصهيونية ، للتدخل في شئون بلادنا وتدويل مشكلة الحرب الاهلية والمشكلة السودانية بشكل عام . ومع ان مفهوم الجهاد بمعناه الاسلامي الحقيقي ، لا ينطبق علي حالة الحرب الاهلية الجارية في الجنوب ، بحكم تاريخها ودوافعها وقضاياها المحددة ، فان إدخاله من قبل سلطة الجبهة لا يعني سوي استخدامه كأداة تعبئة سياسية ودينية ، لذلك فانه من الناحية العملية يؤدي الي تعميق حالة الصراع ويضم إقرارا بإمكانية فصل الجنوب عن الشمال في حالة فشل الحل العسكري وسياسات الأسلمة والتعريب المرتبطة به ، او حالة نجاح القوي الجنوبية المسلحة في السيطرة علي الجنوب ، او نتيجة لليأس من الحل العسكري واستمرار الحرب بمآسيها في الأوساط الشمالية والجنوبية علي السواء . وهكذا بدات دعوات الانفصال ترتفع في أوساط الحركة الجنوبية المسلحة وفي أوساط شمالية ودوائر مؤثرة في مركز السلطة نفسها، خاص بعد اتساع نطاق العمليات العسكرية دون امل في انتصار حاسم ووصول التعبئة العسكرية الي تويج طلاب الشهادة السودانية وإجبار الشباب الشماليين علي التجنيد والالتحاق بالقوات المسلحة ، ووصلت هذه الدعوات الي اعتراف الطبقة الحاكمة بحق الجنوب في تقرير مصيره وتكوين دولته المستقلة وتبرير ذلك ( بمنطق ديني ) يتناقض تماماً مع شعارات الجهاد التي ظلت ترفعها طوال السنوات السابقة ، ويبدو ان التراجع الخطير يتماشي مع قناعاتها الفعلية ونظرتهم الي مشكلة الجنوب كعقدة أساسية في طريق مشروعها لإقامة دولة دينية في السودان...وفي الخارج واصلت مفاوضاتها مع القوي الجنوبية المسلحة ، من خلال وسطاء لفرقة وأجانب ، وفي مفاوضات أبوجا الأولي والثانية رفضت خيارات الكونفدرالية والانفصال والدولة المدنية الديموقراطية الموحدة ، وتمسكت بخيار الدولة الدينية ، وفي عام ١٩٩٤ رفضت اعلان مبادئ دول الإيقاد، والذي تضمن خيارات الولة العلمانية الديموقراطية الموحدة او حق تقرير المصير للجنوب ، وأقطعت المفاوضات لفترة طويلة تعبيرا عن رفضها للإعلان ، وفي منتصف ١٩٩٥ قامت بإجراء تغيير جذري في موقفها في اتجاه الاقتراب من مقررات مؤتمر قوي التجمع الوطني في اسمرا وإعلان مبادئ الإيقاد وذلك بالتحالف مع مجموعة رأيك مشار ومجموعات جنوبية اخري .
    وهكذا وصلت الفئة الحاكمة الي طريق مسدود، فالحل العسكري لم يمكنها من تحقيق أهدافها ، رغم شعارات الجهاد والتعبئة الدينية والسياسية ، ومفاوضات الخارج وصلت الي نفس النقطة ، ومع اشتداد عزلتها الداخلية والخارجية وتفاقم عزلتها السياسية والاقتصادية ، اندفعت في اتجاه التراجع في اتفاقية الخرطوم للسلام ١٩٩٧.
    في هذه الاتفاقية تراجعت السلطة الحاكمة عن مواقفها المتشددة السابقة، وقدمت تنازلات كثيرة في اتجاه مقررات مؤتمر اسمرا وإعلان مبادئ الإيقاد، وتمثلت اهم هذه التنازلات في اعتبار المواطنة اساس الحقوق والواجبات ، الاعتراف بالتنوع العرقي والثقافي علي مستوي الدولة مع الإقرار بحق الولايات في اصدار تشريعات متمشية مع خصوصياتها، منح الجنوب حق تقرير المصير وتكوين دولته بعد فترة انتقالية محددة ، وبذلك تراجعت السلطة عن اهم محاور برنامجها ، بما في ذلك مشروع الدولة الدينية نفسه، فقد تخلت عن الموقع المهيمن للشريعة الاسلامية وحصرتها في مستوي الولايات ، وتخلت عن الحل العسكري لمشكلة الحرب الاهلية واعتمدت الحل السياسي ، وعن الدولة الدينية الي الدولة المدنية القائمة علي المواطنة، وعن فرض الوحدة الوطنية بالقوة الي منح الجنوب حق الانفصال الخ.. وهذه التراجعات تمثل تطورا هاما له تأثيره في مجري حركة الصراع السياسي في البلاد في الفترة اللاحقة وتتلخص مشكلتها الاساسية في ارتباطها باتفاقية مليئة بالسحلبيات وب مناورات النظام بحثا عن مخرج لازمتها وعزلتها - ويمكن حصر اهم هذه السلبيات في لاتي: انها موقعة مع مجموعة ضعيفة وصديقة للحكومة، ولا وجود لها في ميدان الصراع العسكري ، وأنها تجاهلت الفصيل المسلح الرئيسي، واعتمدت علي مجموعات انفصالية في توجهاتها ، وأنها منحت الجنوب تنازلات كثيرة كمقدمة لانفصال وشيك شملت وجود جيش مستقل وصلاحيات كونفدرالية لمجلس تنسيق الجنوب ، وأنها تجاهلت القوي السياسية الشمالية والقوي الإقليمية المؤثرة ، ولكل ذلك لم تقدم الاتفاقية اي فرصة جدية لإنهاء الحرب الاهلية ، رغم تراجعاتها الهامة ، فهي من جهة لم تجد قبول القوي السياسية الشمالية ممثلة في التجمع الوطني ، وذلك لان اقترابها من مقررات اسمرا كان شكليا فقط، لان الاخيرة ركزت علي أولوية الوحدة الوطنية القائمة علي اساس الدولة المدنية الديمقراطية واحترام التنوع الاثني والثقافي والديني ، وربطت تقرير المصير بفترة انتقالية محددة ومؤتمر دستوري وطني ، وارتكزت علي قاعدة سياسية واسعة ومظلة دولية مؤثرة ، اما الاتفاقية فقد ارتكزت علي الفئة الحاكمة ومجموعات جنوبية ضعيفة ، وارتبطت باستمرار النظام الدكتاتوري القائم ، وطرحت مسالة تقرير المصير بهدف المناورة والتخلص من أعباء الحرب الاهلية وتداعياتها ، ووضعت خياراتها بين استمرار الوضع القائم او انفصال الجنوب ، ومن جهة اخري ، فهي لم تجد قبول الفصيل المسلح الرئيسي ودول الإيقاد والقوي الإقليمية والدولية المؤثرة ، بل وجدت المعارضة داخل صفوف السلطة ومجلسها الوطني واثارات نزعات انفصالية واسعة في كردفان ودارفور والشرق، وأطلقت مخاوف قبائل التماس علي طول خط بحر العرب ونهر السوباط وجعلتها تشعر ان الدولة تخلت عنها وتركتها لمواجهة مشاكلها مع دولة الجنوب القادمة بإمكانياتها الذاتية الضعيفة والمحدودة.
    نتيجة لكل ذلك لم تقدم الاتفاقية فرصة جدية لإنهاء الحرب الاهلية وإحلال السلام في البلاد ، بل أدت الي تدويلها والي تدويل المشكلة السودانية ، بشكل عام ، من خلال مبادرة الإيقاد وشركائها من قوي الهيمنة الدولية ، ووضعت الجنوب امام انفصال وشيك يهدد البلاد بالتمزق والتفكك - واذا كانت المجموعة الحاكمة اصبحت تبشر بانفصال الجنوب بهدف التخلص من أعباء الحرب وضغوطها الداخلية والخارجية والانفراد بحكم الشمال ، فهي واهمة ، وذلك لان الجنوب ليس ارتريا ، وارتباط الاخيرة بإثيوبيا ليس كمثل ارتباط الجنوب بالشمال ، ومشاكل الانفصال وأعباءه تفوق مشاكل وأعباء المحافظة علي الوحدة الوطنية ، وفي مقدمتها مشاكل الحدود والموارد والتداخل سكاني ومصالح قبائل التماس وامتداد النزعة الانفصالية الي الشمال نفسه واحتمالات تفجر الصراعات القبلية المسلحة في الجنوب والشمال وبين الشمال والجنوب ، ومن جهة اخري فان هذا التوجه يفتح شهية قوي الهيمنة الدولية للتدخل في شئون البلاد وتخريب علاقات الشمال والجنوب والعلاقات العربية والأفريقية ، ويضع العروبة والإسلام في ورطة العجز عن التعايش والساكت مع المجموعات الوطنية الأخري ، ولكل ذلك فان الاتفاقية تؤدي الي ادخال الازمة الوطنية الجارية الي البلاد في طور جديد يضعها وجها لوجه امام احتمالات الصولية والأفغنة والتدويل.
    ان مشكلة الحرب الاهلية ليست في الخيار بين استمرار الوضع السياسي القائم علي انفصال الجنوب لتفكيك السودان الي دولتين او اكثر كما تصوره الفئة الحاكمة ، هذا خيارها هي وحلفائها وليس خيار الشمال والجنوب ممثلا في قواه السياسية والاجتماعية الحية -وذلك لانه يمكن الوصول الي خيار ثالث بناء يحافظ علي سيادة البلاد وتماسك وحدتها الوطنية وعلي هويتها الوطنية والقومية المزدوجة والمتداخلة ، ويمكنها من مواصلة دورها العربي والإفريقي المتميز ، من خلال مؤتمر دستوري وطني جامع تشارك فيه كل القوي السياسية والاجتماعية ، الجنوبية والشمالية . ان تدهور علاقة الجنوب والشمال الي حالتها الاستثنائية الراهنة هو نتاج ضيق افق القوي المهيمنة والمسيطرة ، لانها رفضت الوضع الخاص للجنوب كما طرحه الجنوبيون في مؤتمر جوبا ، وأضافت فرصة مؤتمر المائدة المستديرة في ١٩٦٥ ، وفشلت في المحافظة علي اتفاقية ١٩٧٢ ، وتلكأت في عقد المؤتمر الدستوري بعد ١٩٨٥ - وجاء حكم الجبهة ليوصل حالة الاستقطاب الي نهاياتها المنطقية ، وذلك بسبب تخلفها ونظرتها الشوفينية وبنيتها الفكرية المعادية للديمقراطية ، ونتيجة لذلك جاء رد المجموعات الجنوبية بشوفينية مماثلة وتبسيط مماثل لقضايا الهوية والتنوع ، يتجاهل بشكل عام واقع العروبة والإسلام ودورهما في بناء الكيان السوداني ويخلط بتعمد واضح بين القوي الشمالية المهيمنة منذ الاستقلال والهوية العربية الاسلامية الغالبة في الشمال . ان العروبة واقع تاريخي وجغرافي وساكني لا يمكن تجاهله ، ووجوده لا يلغي وجود المجموعات الوطنية الأخري سواء في الجنوب او الشمال نفسه كما ان ضيق افق وتخلف هذه القوي يرتبط بتركيبها الاجتماعي وتوجهاتها الفكرية والسياسية وليس بالهوية العربية والإسلامية الشمالية .
    والخلاصة هي اتفاقية الخرطوم للسلام لم تساعد في وضع حد للحرب الاهلية وإحلال السلام في البلاد بل أضافت تعقيدات جديدة بتدويل مشكلة الحرب والمشكلة السودانية بشكل عام ، وتزداد هذه التعقيدات بتعسر المفاوضات مع فصيل الحركة الشعبية وتدخلات قوي الهيمنة الدولية ومناورات النظام ودخول قوي المعارضة الشمالية ميدان العمل المسلح في الشرق وفي جنوب النيل الأزرق.
    وكل ذلك يؤكد اهمية وضرورة إيقاف الحرب وإحلال السلام في البلاد ، عن طريق عقد مؤتمر دستوري وطني جامع ، بمشاركة كل القوي السياسية والاجتماعية الشمالية والجنوبية ، لمناقشة القضايا الوطنية الكبري فتحا للآفات نحو سودان المستقبل وسطا للطريق امام اي صفقة ، ثنائية كانت او متعددة الأطراف مع النظام خارج التجمع وبرنامجه لن تؤدي الا الي تقويته مهما قدم فيها من تنازلات بداية، لانها تتم في غياب الثقل الكامل للإجماع الوطني وبرنامجه ممثلا في الإرادة الموحدة للتجمع الوطني الديمقراطي .
    ويعني هذا ان التصعيد المستمر لمختلف انواع الضغوط علي السلطة جزء لا يتجزأ من عملية الوصول الي انعقاد المؤتمر الدستوري . علي النطاق الخارجي، المطلوب اضافة للنجاحات في تشديد الخناق الدبلوماسي والسياسي علي السلطة ، ايجاد قفزة نوعية اداء في مستوي اداء التجمع لن تحقق الا بابتداع الوسائل اللازمة لإشراك قاعدة المغتربين السودانيين في نشاطاته بتنويعها وإثارة اهتمامهم بها وبتوسيع عضويته الحزبية وغير الحزبية في مستوياته القيادية المختلفة . وكذلك استخدام كافة الوسائل المتاحة في ظروف الخارج لإضعاف آلة النظام القمعية والعسكرية .كما ان احد الشروط الرئيسية لنجاح المؤتمر ضعف الدستوري توفر الضمانات اللازمة لتنفيذ مقرراته بإيجاد الصيغة السلمية لدور إقليمي في المؤتمر لان ضعف النظام وحده ليس ضمانا كافيا . اما علي الصعيد الداخلي فان تصعيد عمليات التوعية والتعبئة هو في آن واحد تحضير للانتفاضة الشعبية وتوفير للشق الاخر من الضغوط المطلوبة لإرغام قيادات النظام ، علي القبول بفكرة المؤتمر الدستوري . وبالإضافة الي تحسين الهيكليات القاعدية لتجمع الداخل ، يعتبر الدعم المادي من تجمع الخارج وكذلك التخطيط المنهجي لعودة اكبر عدد ممكن من كوادر الاحزاب عنصرا أساسيا في تصعيد الضغوط الداخلية . ان آلت فاقم غير المسبوق لمهددات الوحدة الوطنية بفعل العوامل الموروثة وتلك التي خلقها النظام الراهن تجعل انعقاد المؤتمر الدستوري مسئولية كبيرة وخطيرة تتطلب إجراءات ديمقراطية حقيقة وليس مناورات باسم التوالي وغيره وتضاف كل القوي الوطنية الخيرة في المجتمع وتحديد كيفية الاستفادة من الدعم الإقليمي والدولي .
    الديموقراطية والوحدة الوطنية مدخلان لمواجهة الازمة الراهنة :
    لقد أدخلت سياسات حكم الجبهة ، في المجالات السياسية والاقتصادية ومجالات الحرب الاهلية والعلاقات مع دول الجوار ، بلادنا في أزمة وطنية شاملة ، هددت وحدة ترابها بالتمزق والتفكك ، وتخرب نسيجها الاقتصادي والاجتماعي ، وعمقا الازمة الاقتصادية وحولتها اللي أزمة تضخم ركودي وخراب اقتصادي واجتماعي واسع ، وخربت علاقات السودان مع دول الجوار العربي والإفريقي حتي أوصلتها الي. مرحلة الصدام المسلح والقطيعة الكاملة ، وفتحت شهية قوي الهيمنة الدولية الغربية والصهيونية للتدخل في شئون البلاد الداخلية بحجة انتهاكات حقوق الانسان وسياسات الحرب الاهلية .. وصلت هذه الازمة ذروتها بتدويل مشكلة الحرب الاهلية خاصة ، والمشكلة السودانية بشكل عام . وهذا الواقع المؤسف لم يعد مجرد توقعات محتملة ، بل اصبح بندا ثابتا في اجهزة الاعلام المحلية والدولية ، وهما يؤرق كل الشرفاء من أبناء وبنات السودان وأشقائه وأصدقائه في المنطقة ، كما يبدو من مبادرات الوفاق والمصالحة التي تقودها دوائر سودانية وعربية وإفريقية عديدة تشمل دول الإيقاد وجنوب افريقيا ودولة الامارات العربية ومصر وليبيا وغيرها ، وتشمل أيضاً بعض دوائر الفئة الحاكمة وأركان حزب الجبهة نفسه .
    وفي مواجهة هذا الواقع واتساع حالة الاستقطاب الداخلي والتوتر مع دول الجوار لا تفعل السلطة شيئا سوي الإصرار علي بقائها وتامين النظام غير آبهة بتمدد الازمة الوطنية الشاملة، لتشمل كل جوانب حياة المواطن . ان النظام الحاكم يتحمل المسئولية الكاملة في تدهور اوضاع البلاد ووصولها الي هذا المستوي ، واستمرار هذا النظام وسياساته سيقود البلاد الي كارثة محققة. ففي ظل سيطرة حزب الجبهة القومية الاسلامية طوال السنوات السابقة ، تحولت الدولة الي سمسار كبير وحارس ليلي هدفه حفظ الأمن والنظام العام وجباية الضرائب والرسوم وخدمة ألفئات الطفيلية المرتبطة بها وتامين وجودها في كراسي الحكم. وبحكم عمق واتساع هذه الازمة فانه فانه لا مخرج منها الا باستعادة الديموقراطية ومشاركة كل القوي السياسية في مناقشة قضايا البلاد الكبري والتقرير بشانها . بغير ذلك فان السياسات الجارية وتعقيدات الوضع السياسي القائم تضع بلادنا امام كافة الاحتمالات ، وفي مقدمتها احتمالات الصوملة والأفغنة .
    وفي مواجهة هذا الواقع المأساوي طرحت الطبقة الحاكمة في الفترة الاخيرة ، اتفاقية الخرطوم للسلام ومسودة الدستور الدائم ، كمحاولة للخروج من مازق الشرعية المفقودة والطريق المسدود الذي وصلت اليه سياساتها العملية ، وذلك بهدف توسيع قاعدة الحكم وإطالة عمر النظام ، عن طريق بناء تحالفات داخلية وخارجية تحت شعارات مختلفة ومتناقضة وتركز، بشكل خاص ، علي ترميم علاقاتها الخارجية مع دول الجوار والبلدان الغربية وعلي تفكيك وحدة قوي المعارضة السياسية والاجتماعية وجذب أطراف منها الي جانبها تحت شعارات الدفاع عن العروبة والإسلام وتوسيع الحريات العامة والالتزام بمواثق حقوق الانسان الخ..وهي في ذلك تكرار تجارب الانظمة الدكتاتورية العسكرية السابقة بحذافيرها . ولكن كل هذه التراجعات التكتيكية لن تخرجها من أزمتها السياسية والاقتصادية وعزلتها الداخلية والخارجية ، ولن تخرج بلادنا من أزمتها الوطنية الشاملة بل ستعمقها اكثر فاكثر . لقد ظلت المجموعة الحاكمة ، طوال السنوات السابقة ، تحاول المتاجرة بالشعارات القومية والموقف من القضية الفلسطينية ومن الحصار اللانساني المفروض علي العراق وربك بهدف كسب تأييد القوي الديمقراطية المعادية للهيمنة الغربية والصهيونية والأنظمة القمعية الاستبدادية في المنطقة ، ولكن هذه المتاجرة للقضايا القومية تكشفت منذ الايام الأولي ، وذلك نتيجة لموقف حزب الجبهة تجاه العدوان الامريكي المتكرر علي العراق حتي بعد قبوله بقرارات الامم المتحدة ، كان نتيجة ضغوط الحركة الشعبية استمرارا لتراث القوي الوطنية والديمقراطية وكجزء من الموقف العربي الرسمي ، إفرازه توازن القوي داخل وفي عموم المنطقة من المغرب العربي حتي الهند وباكستان . لهذا السبب بالتحديد عجزت سلطة حزب الجبهة عن ربط موقفها الإيجابي ظاهريا من العدوان والقضايا القومية الأخري بإجراءات ديمقراطية ومواقف عملية تمكن جماهير الشعب من المشاركة في المعركة القومية ، ففي تلك الفترة كانت سجونها تمتلئ بالمعتقلين وفي مقدمتهم البعثيون والقوميون والوطنيين المعروفون لمواقفهم الثابتة من العدوان والقضايا القومية الأخري . بذلك ينكشف الجوهر اللفظي لموقفها الذي تتحكم فيه بدرجة كبيرة ، ظروف عزلتها العربية والإقليمية . والمفارقة الكبري انها ظلت تتاجر بأزمة الديمقراطية في الجزائر دون حياء او خجل من قيامها بتقويض الديمقراطية في بلادها - وظلت أيضاً تحتضن مجموعات من الأفغان العرب والتنظيمات الأخري وتتجاهل دورها في تخريب الاوضاع في افغانستان ومناطق اخري ، ودور المخابرات الامريكية في تنمية هذه التنظيمات واستخدامها لفترات طويلة لخدمة مخططاتها في المنطقة ، وظلت أيضاً تقوم بتنفيذ كامل توجهات مركز الاستعمار الغربي والرأسمالية الغربية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية رغم ارتفاع حملاتها الإعلامية ضد (قوي الاستكبار الغربي والصهيوني ) ، ونتيجة لانكشاف هذه الحقائق ، في فترة وجيزة ، بدات تتنصل حتي عن مواقفها اللفظية ، وذلك بتجميد المؤتمر العربي الاسلامي وطرد مجموعات من الأفغان العرب والتراجع عن الشعارات القومية والبحث عن مداخل للوفاق والمصالحة مع قوي العدوان الغربية نفسها . وفي نفس الوقت ظلت السلطة تحاول استغلال هذا الموقف لتشويه موقف حزب البعث من نظامها الاستبدادي وتخريب علاقاته مع قوي المعارضة السياسية والاجتماعية وذلك من خلال تشويه موقف العراق وتضخيم علاقاتها معه واستمرأرها في التضليل الإعلامي حول موقفها من القضايا القومية العربية الكبري وهي بذلك تكرر نفس تكتيكات النظام المايوي عندما حاول استخدام بعض مواقفه القومية وتأييده ودعمه للعراق في الحرب العراقية ضد ايران لتحقيق نفس الاهداف تقريبا ، ومثلما فشلت الدكتاتورية المايوية ، فقد فشلت أيضاً دكتاتورية الجبهة لان موقف العراق وقيادته السياسية من قضايا شعب السودان واضحة وثابتة رغم تغير أنظمته السياسية وأيا كانت توجهاتها ، ولان موقف حزب البعث من النظام الحاكم في السودان تحدده اساسا مواقفه من قضايا الديمقراطية والوحدة الوطنية وحقوق الجماهير الاقتصادية والاجتماعية ويرتبط بمجمل موقف الحركة الوطنية في البلاد ، ولذلك ظلت مواقفه من النظام الدكتاتوري الاستبدادي ثابتة ، وظل البعثيون يمسكون براياتهم رغم مواصلة حملات الاعتقال والمطاردة وكافة اشكال العنف والقمع الموجه ضدهم، وظلت علاقاتهم مع قوي المعارضة الأخري حية ومستمرة في مواقع العمل والسكن ومجالات العمل المشتركة وسط النقابات والتنظيمات الطلابية والانتفاضات الشعبية وغيرها، وذلك رغم خلافاتهم معها في الفترة السابقة حول بعض قضايا العمل المشترك في التجمع الوطني ، ولكن الفئة الحاكمة لا تتورع عن استغلال كل شئ لخدمة أهدافها بما في ذلك المقدسات الدينية والقومية والوطنية لجماهير الشعب ، وذلك دون جدوى او امل في تجاوز أزمتها السياسية والاقتصادية والأزمة الوطنية الشاملة الجارية في البلاد.
    انطلاقا من كل ذلك فان حزب البعث يدعو كافة قوي المعارضة السياسية والاجتماعية الشمالية والجنوبية للعمل علي تمتين وحدتها وتماسكها في اطار التجمع الوطني الديمقراطي وبناء مركز قيادي موحد وفعال لقوي المعارضة الداخلية ، وذلك بهدف تقوية صمودها وتصعيد نشاطها وسط قطاعات الشعب ، خاصة النقابات والطلاب والشباب وربات البيوت ، وبالتركيز علي القضايا السياسية الخاصة بالحقوق الاساسية للإنسان والحريات العامة ، وقضايا الأجور والمعيشة ، وايقاف الحرب الاهلية وتحقيق السلام وتعزيز الوحدة الوطنية وبناء صندوق وطني لدعم اسر الشهداء والمعتقلين السياسيين والمشردين والمسجونين ونظيف مراكز المعارضة الخارجية لدعم حركة المعارضة الداخلية ، وصولا الي العصيان المدني والإضراب السياسي في اطار الانتفاضة الشعبية الشاملة بكافة مقوماتها المتناسبة مع طبيعة النظام . فإذا اصبحت هذه المقومات واقعا ملموس تضحي التنازلات من قبل النظام احدي الخيارات المفروضة عليه وطريقا لتصفية ركائزه من خلال المؤتمر الدستوري .
    لقد كان حزبنا - حزب البعث العربي الاشتراكي - في مقدمة القوي السياسية التي شاركت بفاعلية وجدية في تأسيس التجمع الوطني الديمقراطي وفي صياغة ميثاقه وبرنامجه وإعلانه في اكتوبر ١٩٨٩- ومنذ ذلك الوقت ظل التجمع يمثل إطارا شاملا لكل قوي المعارضة السياسية ، وأساسا متينا لبناء جبهة وطنية عريضة تستهدف بناء سودان ديمقراطي موحد ومستقل ومتفاعل مع محيطه العربي والإفريقي، ومقارنة بالتجارب المتعددة خلال الانظمة الدكتاتورية السابقة،تميز التجمع في هذا الإطار بتوحيد قوي المعارضة السياسية منذ الايام الأولي لانقلاب ٣٠ يونيو بمشاركة فعالة من الحركة النقابية ، جنبا الي جنب مع القوي السياسية ، حيث دورها يتحدد في النشاط العملي ولا تشارك في مركز القيادة والتقرير وتميز ثالثا بمشاركة القوي السياسية الجنوبية وأطرافها المسلحة لاحقا لاول مرة في تاريخها في جبهة موحدة مع القوي السياسية الشمالية في اطار برنامج محدد ، وذلك يمثل تقليدا جديدا سيكون له تأثيره الكبير في تطوير التفاعل الإيجابي بين أطراف الحركة السياسية الشمالية وخلق مرتكزات مشتركة تساعد علي توحيدها حول القضايا الوطنية الكبري والتخلي عن النظرات والنزعات الضيقة السائدة وسط بعض الأطراف جميعها ... وفي منتصف ١٩٩٥ دخلت قوي المعارضة في منعطف هام ،بانعقاد مؤتمر اسمرا وإعلان مقرراته حول القضايا الاساسية ، ودخول بعض أطراف المعارضة الشمالية ميدان العمل المسلح نتيجة لتعنت السلطة الحاكمة واستمرارها في سياسات الاستقطاب ونهج العنف والقمع ، ودخول الحركة الجنوبية المسلحة مجال العمل السياسي والعسكري مع القوي الشمالية الخ.. وبذلك تجددت فعالية التجمع وتصاعد نشاطه بعد جمود طويل ، وتماسكت وحدة قواه حول القضايا الاساسية بعد خلافات ممتدة ، ورغم إيجابيات هذه التطورات وتأثيرها في مجمل حركة المقاومة في الداخل والخارج ، فان حصيلة التجربة ، خلال السنوات القليلة السابقة تؤكد استمرار اختلالات أساسية وضرورة مواجهتها ومعالجتها ويتمثل في الآتي : التركيز علي عمل المعارضة الخارجية وإهمال المعارضة الداخلية ، وعلي حساب الضغوط الإقليمية والدولية علي حساب التعبئة السياسية وسط جماهير الشعب ، وعلي العمل العسكري والإعلامي علي حساب العمل الفكري والسياسي ، وعلي الحكومات والمنابر الرسمية علي حساب العمل مع تنظيمات المجتمع المدني في البلدان العربية والأفريقية وبقية بلدان العالم وغيرها الخ.. بصورة اكثر تحديدا يردي الحزب ان هناك حاجة ماسة لتطوير مسيرة التجمع ميثاقا واستراتيجة سياسية علي اساس تحليل أعمق لجذور النظام الراهن في معضلات تاريخ التطور السياسي الحديث وانعكاسها علي المجتمع السوداني نفسه . فإستيلاء حزب الجبهة الاسلامية علي السلطة سبقه انتشار نفوذها السياسي بأكثر مما كان عليه في اي مرحلة من حياتها لاستناده الي قاعدة قوية مادتها سلبيات الفكر والعمل السياسي السوداني وتراكمها طوال فترة ما بعد الاستقلال ولا سيما تأثيرات الانظمة الدكتاتورية المتتالية التي انتهت الي تخفيض سقف الوعي العام وتخريب تركيبة المجتمع في صميمها . والعلامة الدالة في الانكفاء الاثني والجهوي ، كل ذلك مصحوبا بعملية حراك اجتماعي وبشري لا نظير لها تتحلل فيها الروابط الاجتماعية والأخلاقية وبزحف فيها الريف نحو المدينة . وفي نطاق التأثير المحتوم لهاتين الظاهرتين علي استراتيجة البديل الديمقراطي السوداني فان اكثر مكوناتها حاجة لإعادة النظر المستمر ، هي اسلوب العمل المسلح سواء كان مطروحا كأحد عناصر الانتفاضة الشعبية او من الريف وذلك بسبب الإجماع القائم علي كونه سلاح ذو حدين حتي لو كان مفروضا علي المعارضة . كما ان العمل المسلح يشكل المدخل الرئيسي الي الشان السوداني للبعد السلبي في العوامل الإقليمية والدولية الذي لا يعطي الأولوية للمصلحة السودانية ، او يتناقض معها كلية كما هو الحال مع المخططات الصهيونية .
    كذلك فان تعميق التحليل الفكري كأساس للعمل السياسي علي النحو المطلوب وثيق الصلة بإمكانية تطوير البند الخاص بتقرير المصير في ميثاق التجمع لصيانته من التحول الي عكس المراد منه كوسيلة لتجديد عقد الوحدة الوطنية وتقويتها. ويهتم حزبنا بصورة خاصة بهذا البند لاقتناعه بان توجهاته الفكرية تؤهله للمساهمة في تجسير الفجوة الشمالية - الجنوبية التي هي المصدر الاول لازمة الوحدة الوطنية ، بخبرته العلمية والنظرية في تحديث مفهوم العروبة وحقيقة صلتها بالإسلام .
    ان حزب البعث يجدد تمسكه بالعمل المشترك مع كل قوي المعارضة السياسية والاجتماعية الشمالية والجنوبية ، في اطار التجمع الوطني الديمقراطي وميثاقه وبرنامجه ، ويؤكد هنا ان العمل المشترك لا يلغي العمل المستقل ولا يتناقض معه ، بل يكمله ويطوره ، ويؤكد أيضاً ان طرح هذه الاختلالات وغيرها من أوجه القصور لا تستهدف التقليل من شانه كإطار شامل لقوي المعارضة ولا التقليل من شان القوي الأخري ، لان الخلافات يمكن حسمها بالمناقشة العامة والحوار الديمقراطي وفق اللوائح المعتمدة وصولا الي تطوير فاعليته ونشاطه ، ووجود مركز قيادي موحد وفعال لقوي المعارضة في الداخل يمثل حجر الزاوية في هذا الاتجاه وضمان لمراكمة خبراتها وتجاربها ولانتصارها المحتوم علي قوي الطفيلية واستبدادها المتستر بغطاء الاسلام زورا وبهتانا، ومع كل ذلك يظل التمسك بأهداف الديموقراطية وتعزيز الوحدة الوطنية سلاحنا الرئيسي لمواجهة الازمة الوطنية الشاملة الجارية في البلاد بكل احتمالاتها المتوقعة ، ولخلق أرضية للعمل المشترك في كافة المجالات ، بدء بالخطوات البسيطة ، حسب القدرات والإمكانيات والأساليب المتوفرة وصولا الي تصفية دولة الحزب الواحد الدكتاتورية وبناء سودان موحد ومستقل وفاعل في محيطه العربي والإفريقي والدولي .
    حزب البعث العربي الاشتراكي السوداني
    المكتب السياسي
    الخرطوم يناير ١٩٩٩
                  

09-25-2022, 03:07 PM

عوض محمد احمد

تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 5566

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حزب البعث السوداني : في البرنامج السياسي. (Re: حزب البعث السوداني)

    ما تدقسو دقسة الحزب الشيوعي الاقعدتو محلك سر 75 سنة و هي الاسم المنفر. غيروا اسمكم حتى لا يحملكم الناس
    تبعات انظمة البعث في العراق و سوريا و هي في منتهى السؤ
                  

09-25-2022, 05:10 PM

Abureesh
<aAbureesh
تاريخ التسجيل: 09-22-2003
مجموع المشاركات: 30182

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حزب البعث السوداني : في البرنامج السياسي. (Re: عوض محمد احمد)

    Quote: يتكون مجلس السيادة الانتقالي بالاتفاق من سبعة أعضاء بينهم امرأة

    وسابعهـم كلبهـم.. ما علينا، وسأعود للنكتـة أعلاه.. لكن تصبيـرة ساكت فإن مجلس البرهان أكثر تقدمــا من رؤيتكم هذه.. كانتا فيه إمرأتان. وليتكم قلتم "بينهم (على الأقل) إمرأة."

    كنت أتوقع إعلانكم الدستورى ورؤيتكم للسودان وكيف يحكم.. الإعلان الدستورى، وفى رواية المنفستــو.. لا يتطرق الى عرض وتحليل المشاكل إلا فى ديباجته.. أما الإعلان الدستورى
    نفسه عبارة عن تفاصيل كيف يحكم السودان.. تفاصيل النظام والعلاقات القانونية الدستورية التى تحكم مؤسسات الدولة.. وحقوق المرأة بالتفصيل والتفصيل المحدد للحقوق الأساسيـة وكيفية
    حمايتها، ليس من الشرطة، بل من نواب البرلمان حتى لا يشرعوا قوانين تتغول على حقوق الأقليات.. كلامكم الفوق لم يأتى على أى من هذه.. بل جاء بوثيقة.. ولكنه لم يأتى حتى بالوثيقة كاملة
    وإنما جياء ينافش بعض نصوصها.. وبقراءة النصوص ونقاشها أعلاه فإنها ليس فيها أى شئ له معنى.. ما ورد فيها إما مكرر لمواقف احزاب كثيرة أو انه لا يعنى شئ كثير.. وسأتى الى هذه
    حتى لا يقال انى ارمى الكلم على عواهنه..
    المعذرة فإن الوقت والمشاغل لا تسمح الان بالتعليق المفصل.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de