ظللنا نكرر وصف ديسمبر بالثورة المتفردة ، ذلك لأنها اثبتت المرة تلو الاخرى انها ثورة وبذلك استحقت التعريف المعروف للثورة ، بانها عمل يسعى لتغيير جذرى وليس تغييرا شكليا يذهب برؤوس النظام ومؤسساته الفوقية ، ثم يبقى على اسس النظام الذى قامت الثورة عليه .لذلك وصفت الثورات الفرنسية والروسية والكوبية بذلك الوصف . ولذلك وصفت ثورات اكتوبر وابريل فى السودان بهذا الوصف فى البداية لانهما كانتا تسعيان الى تغيير جذرى ، غير ان الوعى غير الكامل بالاهداف المرفوعة من قبل الصفوة جعل ميزان القوى يميل، مباشرة بعد تغيير النظام القائم ، لصالح قوى الثورة المضادة ، وبالتالى اصبح المسمى العلمى لتلك الثورتين بالانتفاضة . وهو مايمكن ان ينطبق ايضا على ماحدث فى 2013 حيث مال ميزان القوى ، حتى قبل الانتصار الشكلى بازاحة شكل النظام ، الى قوى النظام الحاكم . تفرد ثورة ديسمبر : اما بالنسبة لتفرد ثورة ديسمبر ، فان اسبابه كثيرة ومتراكمة : اولا : تراكم الوعى عن الانقلابات العسكرية ، التى وان تكررت بسبب ضعف اداء الاحزاب ، الا انها اثبتت فى جميع مراتها بانها تزيد الطين بلة وتأتى بأسوأ مماكان وادعت انها تجئ لاصلاحه . ولايخرج ضعف الاحزاب والتطبيق الديموقراطى بشكل عام عن تكرار الانقلابات لاكثر من 52 سنة من سنين الاستقلال البالغة 63 . وحتى خلال السنوات القليلة من التطبيق الديموقراطى لم يخلو الامر من دكتاتوريات مدنية حلت احزاب ومنعت بعض الانشاط الديموقراطية الاخرى . ثانيا : لقد كان فى الثلاثين سنة من حكم الانقاذ الانقلابى وماحدث فيه من فساد وافساد فى كل مناحى الحياة ماكثف من وعى الجماهير بان الانقلاب لايمكن ان يكون غير اسلوب للاستيلاء على السلطة بادعاء ما كمبرر لدكتاتورية يسارية كانت او يمينية او وسطية ! ولعل فى الجزء القليل الذى كشف من ذلك الفساد والافساد ماجعل جذوة الثورة مستمرة وذلك بدليل التاييد الكامل من جماهير الشعب للجنة التفكيك برغم ما اثير حولها من اشاعات وتشكيك فى ذمة اعضائها . ثالثا :برغم سوء اداء السلطة الانتقالية بشقيها ومحاولات الخنق المستمرة التى يقوم بها فى الغالب المكون العسكرى ويتقاضى عنها المكون المدنى ، الا ان الوعى الكامل من جماهير الثورة بماوراء هذا الخنق المتعمد ، جعل هذه المحاولات تذهب هباء وظل الهتاف عاليا بان " الجوع ولا الكيزان "هو خيار تلك الجماهير المفضل . وليس ادل على كامل الوعى الذى عم القرى والحضر ، من مواكب اكتوبر المليونية و مواكب رفض الانقلاب البرهانى . واخيرا فليس ادل على هذا الوعى ،الذى ظل ديدن تحركات جماهير ديسمبر، من المحافظة على السلمية برغم المحاولات الدائبة والمستمرة من طرف قوى الثورة المضادة بمكونيها المدنى والعسكرى من جرجرة جماهير ديسمبر الى هذا المنزلق كمبرر لمزيد من العنف ضدهم ! ولكل هذا ظلت شعلة الثورة تزداد اشتعالا كل ما صب عليها اعداؤها المزيد من المياه . أذن : ديسمبر ثورة جاءت لتعمل على تغيير جذرى لاسس التطور فى بلادنا وتنهى مرة والى الابد اسباب الدائرة الشريرة "ديموقراطية\ انقلاب \ ديموقراطية " وتفتح الباب لتطور ديموقراطى حقيقى فى مجال السياسة والاقتصاد والاجتماع ’ ولذلك رفعت شعارها الخالد الذى يعبر باختصار مذهل عن اهدافها " حرية \ سلام \ عدالة ". وهنا يبقى السؤال الرئيس المطروح ، ونحن فى مفترق الطرق بعد ان تم الفرز النهائي بين من يريدون استكمال الفترة الانتقالية بالصورة التى تؤدي فى نهاية المطاف الى تحقيق تلك الديموقراطية المذكورة ومن يريدون العودة الى ماكنا عليه طوال غترة مابعد الاستقلال مع تغييرات شكلية فى المؤسسات والحكام ن يبقي السؤال : هل سعت السلطة الانتقالية بمكونيها الى وضع بلادنا عى الطريق المذكور ؟! والاجابة التى اوضحناها فى مقالنا السابق قد تاكدت بالانقلاب البرهانى الاخير . وذلك لأن خطاب البرهان ومعه وقبله خطابات المنتظرين للبيان الاول كانت لاتجد ماتبرر به قيامها بالانقلاب الا الاشارة الى الاخطاء التى ذكرناها فى ذلك المقال . وحقيقة الامر ان تلك الاخطاء هى التى مهدت لهذا الانقلاب . ونعيد ذكر اهمها هنا فقط لربط الاحداث : - أهمها السياسة الاقتصادية العرجاء التى اعتمدت بشكل كامل على الدعم الخارجى وانحت جانبا كل المقترحات والبرامج الصحيحة من طرف لجنة قحت الاقتصادية وانعكاس ذلك على حياة الجماهير بالصورة التى جعلت الانقلابيين يظنون ان غايتهم التجويعية قد نجحت ، غير ان الوعى الشعبى كان اقوى وجابههم بالهتاف الخالد : الجوع ولا الكيزان ! - عدم السعى الجاد لتكوين المجلس التشريعى واللمؤسسات القومية الاخرى فى المجالات الحيوية والضرورية لازالة آثار النظام الانقاذى من مثل العدالة والمحكمة الدستورية ولجنة الاستئناف لقرارات لجنة التفكيك وغيرها من المؤسسات مماعطل سير المحاكمات بماجعل الحادبين على وضع اسس العدالة فى مجتمع السودان الجديد يؤيدون قولة الحق التى اريد بها باطل من طرف الانقلابيين :" تقديم المعتقلين للمحاكمة او اطلاق سراحهم "، بل وجعلت المندوب الروسى بمجلس الامن يذهب الى حد المطالبة بفك البشير وطاقمه اذا تضمن بيان المجلس بندا اطلاق سراح المعتقلين بواسطة الانقلاب البرهانى ! - عدم التعجيل بتكوين الجيش الواحد وبالتالى دمج المليشيات والوحدات العسكرية ، بل وبدلا عن ذلك تم السماح لميليشيا الجنجويد ان تبقى مناطحة للجيش وسمح لها بالتسلح وابقاء جنودها بالحرب اليمنية . هذا اضافة الى ابقاء القيادات الاخوانية على قمة الهرم فى الجيش وغيره من مؤسسات الدولة مع التقاضى عن مطالب الجماهير بارجاع المفصولين من الجيش . - ومن الجوان الهامة جدا والتى نعتبرها ام المصائب ، اذ انها كانت السبب الرئيس ربما فى كل ماذكرنا من اخطاء ، الا وهى تخلى مجلس الوزراء عن كل مهامه الموكولة له بواسطة الوثيقة الدستورية بماجعل مجلس السيادة يتمدد فى مجال التنفيذ فى كل القضايا الرئيسة ، بل ويدعى فى نفس الوقت ان مهامه اشرافية ووان الاخطاء التى حدثت ترجع الى مجلس الوزراء التنفيذى ! هذه بعض من جوانب ضعف الاداء الحكومى المدنى وهناك الكثير غيرها مم مالايسعه المجال هنا . وتنبع اهمية ذكر هذا الضعف من انه قد يضعف ايضا فرص تعديل الامور الضرورية لاستكمال الثورة ، اذ كما جاء بعنوان هذا المقال ليس هناك نصف ثورة . وبرغم المواقف القوية والمختلفة التى ابداها قياديو قحت (أ) والسيد رئيس الوزراء فى مواجهة الانقلاب ، الا اننا نخشى من خذلان المد الثورى العاتى مثلما حدث مابعد مواكب 30 يونيووذلك تحت مبررات الحفاظ على امن السودان وحياة ابنائه خصوص وقد بدأت بعض الجهات المحلية والاقليمية مساعى " الجودية " بالفعل ، بعد ان وضح لهم ان جماهير ثورة ديسمبر لن تسمح هذه المرة بالرجوع الى الوراء خطوة واحدة ، بل وهى تصر على انتهاز هذه الفرصة التى جاءتهم على طبق من عمى بصيرة الانقلابيين وداعميهم فى الداخل والخارج . ولعل ها يعيدنى الى تذكير كل من كان يظن ان ديسمبر ترغب فقط بارجاع العجلة الى ماقبل يونيو 1989 او حتى الى مابعد الاستقلال مباشرة ومايسميه البعض العودة الى الزمن الجميل . فاذكرهم بماجاء فى جزء من هذا المقال وتكرر من قبل فى مقالات اخرى لأن ثورة ديسمبر المتفردة تسعى الى استكمال الثورة لخلق سودان جديد تشكلت معالمه بالفعل فى اذهان الجيل " الراكب راسه " ولم يبق غير انزاله الى ارض الواقع ابتداء من مواكب 30 اكتوبر !
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاين SudaneseOnline اليوم الموافق 10/28/2021
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبد المنعم عثمان
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست