وما الجديد في ما يظهر الآن للعيان من إنعدام ثقة بين الحكومة المدنية والعسكر المُنَّصبين في مجلس السيادة ؟ ، وكأن وجود المكوِّن العسكري داخل منظومة الحكومة المدنية التي طالبت بها جماهير الشعب السوداني عشية إنتصار الثورة كان (أملاً) أو رغبةً خالجت أشواق الجماهير والذين يحكمون الآن بإسمهم من مدنيين تحت راية المسار الديموقراطي ، الجميع يعلم أن وجود أعضاء المجلس العسكري في سُدة مجلس السيادة كان قسراً وإجباراً ليس لأنهم كانوا يملكون أداة القوة والسلاح لتخويف الشعب السوداني ومفاوضيهم لأنهم كانوا قد أيقنوا أن آلة التخويف لن تُجدي نفعاً بعد 30 يونيو الذي أفصح عن إنعدام تأثير الخوف في نفوس الثائرين بعد مجزرة القيادة ، لكن الخوف الحقيقي و(الحميد) الذي (أجبر) المفاوضين والثوار على قبول أن يكون المظهر العسكري موجوداً مرةً أخرى في المشهدي السياسي السوداني بعد الثورة كان تحسُباً لإراقة المزيد من الدماء والجراح والمواجع ، فإن تم الإصرار حينها على أن تكون الحكومة الإنتقالية بكل مؤسساتها مدنيةً صِرفة لإكتملت الثورة ، أما ما حدث حينها كان بالنسبة للذين يقرأون الواقع والتاريخ جيداً ، يعني بكل بساطة أن ما وصلنا إليه يومها كان مُجرَّد (نصف ثورة) وأنصاف الحلول كما جرت عليه طبيعة الاشياء وما جبل الله عليه الكون لن تُثمر سوى النتائج المنقوصة والباهتة .
ولماذا لا ينظر العسكريون الوالجون في السياسية اليوم من النافذين وفي مقدمتهم رئيس ونائب مجلس السيادة الإنتقالي ، وبعد إعمال مبدأ حسن النوايا (إعتباطاً) إلى مطلب عودة القوات النظامية إلى تخصصها المهني والطبيعي على أنهُ واحد من أهم إستحقاقات تصحيح لمسارات الماضي ، التي يجب أن تتوفَّر لدولة المؤسسات المدنية مثل ما يحدث في كل البلدان العريقة في مجال تطبيق المنهج الديموقراطي ؟ ، إنهم لا ينظرون إلى الأمر من هذه الزاوية ليس فقط لتلك المآرب التي نعلمها ويعجز الجميع عن إثباتها أو تسميتها بفضل إجادتهم لفنون المراوغة ، بل لأن ثقافة العسكري أو النظامي السوداني لن تنفك أبداً من متلازمة (العسكرية وشهوة السُلطة والسياسة) ، فتاريخ بلادنا السياسي منذ الإستقلال تقريباً ليس فيه ما يُذكر حول ماهية النظام السياسي سوى ديكتاتوريات العسكر التي أنتجت مُجمل أزمات سودان ما بعد 1956 ، على من يؤمن ولا يؤمن بالتحوَّل الديموقراطي الذي يسود البلاد بأمر الشعب ، أن مصطلح (دولة ديموقراطية مدنية) لا يعني سوى إبعاد المظاهر العسكرية من واجهات الحكم والسياسة ، وأكثر ما يُدهشني في الأمر ذلك الغضب العارم الذي يبدو في وجوه العسكريين المُتشبثين بالممارسة السياسية كلما نادى الحادبون بأنْ (عودوا إلى ثكناتكم) ، هل العودة إلى الثكنات عيب ؟ أو فيه تقزيم لدورهم الإستراتيجي والهام في حماية الحكومات والدولة نفسها ، إن كان الأمر كذلك فالحل موجود ومتاح (إخلعوا بذاتكم العسكرية ومرحباً بكم في عالم السياسة المدنية) ، بغير ذلك لن يكون هناك أيي مساغ عُرفي أو دستوري أو منطقي يجعلكم في سُدة السُلطة السياسية والتنفيذية.
كما نُعيدُ ما لم يُهمل معظم النافذين المدنيين في الحكومة الإنتقالية قولهُ كلما سنحت سانحة ، أن الشعب السودان يحترم ويُقدِّر القوات المسلحة ويحترم رجالها من الشرفاء والأوفياء الذين يؤمنون بدورهم المهني وما يفرضهُ عليهم من (حيادية) تجاه الصراعات السياسية المُحيطة بالواقع السوداني ، خصوصاً إذا كان الولوج في ممارسة السياسة (العسكرية) هذه المرة سيدخلهم في مواجهة مع الشعب السوداني (المالِك) الحصري لكل مؤسسات الدولة بما فيها الجيش السوداني ، وأعيدُ ما سبق قولهُ في بداية هذا المقال أن الثورات المنقوصة لن تثمر إلى مطالب ومكاسب منقوصة ، فالتحوُّل الديموقراطي والخروج من مستنقع الديكتاتوريات العسكرية إلى دولة الحداثة المدنية ، لا يمكن (توقُّع ) حدوثهُ عبر حكومة إنتقالية نصف مجلس سيادتها من العسكر ونصف إقتصادها في قبضة مؤسساتها النظامية مهما كانت المبررات والوقائع الظروف.
عناوين مقالات بسودانيز اون لاين الان اليوم الموافق 26/9/2021
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة