غادر دنيانا في يوم الجمعة الفائت وهو يتابع عبر التلفاز نفرة الحجاج في يوم عرفه عميد أسرة آل شداد العم الرشيد محمود شداد نسأل الله أن يرحمه، وأن يكرم وفادته في هذا اليوم العظيم من أيام النفحات الربانية العظيمة ،انا لله وانا اليه راجعون، العم الرشيد ظل حتي آخر أيامه ورغم عمره الذي جاوز الثمانين عاما ظل خلالها مواصلا للأهل وحريصا علي حضور مناسبات الأفراح والأحزان كما ظل دائم السؤال عن المرضي ومستفسرا عن اخبار الغائب والحاضر ، ظل رحمه الله باسطا شخصيته الحانية الودودة علي الجميع يستقبلك في بيته بالبشر والترحاب ولا يتركك تغادر الا بوعد له ان تحضر في المرة القادمة للغداء عنده. كنا نستمتع كثيرا بالجلوس معه وسماع تاريخ الأسرة والاجداد وتاريخ الحركة الاتحادية ونضالات رجال الاستقلال، ظلت ذاكرته متقده ودقيقة كما ظلت روحه المرحة وابتسامته ترافقه الي آخر أيامه رغم الحزن الكبير الذي ملأ صدره برحيل ابنه وفلذه كبده الابن البار المرحوم عبده الرشيد قبل عامين من داء الكوفيد والذي لم يمهل ابنه الشاب سوي أيام رحمهما الله. تعلمنا عندها من العم الرشيد كيف يكون الصبر والإيمان والتسليم بالقضاء وبأمر الله، نسأل الله أن يثيبه علي صبره وثباته في فقده فلذه كبده ، كانت بيني وبين العم الرشيد صحبة ومجالس، كنت اجلس اليه بالساعات الطوال وانا اكتب واسجل بعض ما يرويه من قصص وتاريخ حي حتي اشفق عليه احيانا من طول وقت الجلسات فاعتذر اليه، فيرد علي قائلا اذا تعال اتغدى عندي بكره ونكمل بقيه القصص! ، سجلت منه ذات مرة سيرة الناظر إسحق شداد وحكي لي كثيرا عن والدي المرحوم خليل شداد وكيف انهم كانا يلقبان معا (بالتيمان) أيام الصبا والشباب لأنهم كانا قلما يفترقان في يوم وليلة رحمهم الله وغفر لهم. حكي لي ذات مرة قصة بناء زاويه الشيخ محمود شداد لتحفيظ القرآن الكريم(مسجد الشيخ محمود شداد في الخرطوم 3 حاليا)والتي كان يؤمها كثير من الطلاب من السعودية واليمن ولايزال بعضهم في تواصل مع الأسرة، حكي لي كيف ذهب بالقطار مع والده الشيخ محمود شداد الي عطبرة لشراء فلنكات وقضبان حديد مستعملة من إدارة السكة الحديد ليفاجأ بأن كل من كانوا في إدارة السكة الحديد كانوا من طلاب الشيخ محمود شداد وهو لم يتذكرهم وكيف أن الشيخ محمود رفض أن يأخذ ما طلب دون مقابل ولكنه قبل بعد إلحاح بترحيل مواد البناء بالقطار الي مكان الزاويه جوار محطة السكة حديد في الخرطوم 3 كمساهمة من إدارة السكة حديد في بناء الخلوة والزاوية. كانت حياة العم الرشيد شداد رحلة طويلة من التطواف في أرجاء السودان بين مرافقته لوالده الشيخ الأستاذ محمود شداد حيث طاف السودان مع الشيخ محمود المعلم بالمدارس الوسطي حتي بدأ عمله هو مفتشا في مشروع الجزيرة بعد تخرجه من معهد شمبات الزراعي وإكمال دراسته في مصر في الستينات والسبعينات ،تدرج في عمله بمشروع الجزيرة حتي تولي رئاسة بعض الأقسام في المشروع كما شارك لاحقا وبعد تقاعده كمستشار في إعادة تأهيل المشروع ،وهو العمل الذي لم يكتمل في عهد الإنقاذ ، دخل العم الرشيد معترك الحياة السياسية عبر الحزب الاتحادي الديمقراطي والذي ظل قياديا فاعلا فيه وداعيا الي وحده الصف بين جميع القوي السياسية حتي وفاته رحمه الله.
لقد فقدنا برحيل العم الرشيد شداد رجلا عظيما وركنا ركينا في العائلة، فقدنا بفقده الحكمة والذاكرة الحية المتقدة التي تربط الاجيال وتدعو لصلة الارحام، كان يقول انتم تركزون علي من يجمعكم بهم الاسم وتنسون ان اجدادكم كان لهم الكثير من البنات وهؤلاء انتسبوا الي أسر اخري، لكنهم هم ارحامكم أيضا فلا تنسوهم ولا تقطعوا حبال الوصل معهم، فقدنا ونحن نودع العم الرشيد نفسا طيبة محبة للجميع وروحا مرحه لا يمل الجلوس إليها، عزاءنا كبير ولا نقول إلا ما يرضي الله، انا لله وانا اليه راجعون.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق July, 09 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة