عارضت الكيزان، وعارضت القحاطة، وسأعارض حكم البرهان القادم ولو حكمت أنا نفسي فسأعارض حكمي. إنني ضد السلطة دائماً وهذا ما اشبعني بالخسائر المستمرة. فاللصوص والحبرتجية اغتنوا في عهد الكيزان، ثم اغتنوا في عهد القحاطة وسيغتنوا في عهد البرهان، إذ أن الدويلة هذي المدعوة بالسودان من دول الديستوبيا البائسة التي لا يمكن أن تتحمل رائحتها أنوف الآدميين الأخلاقيين. إننا ضد تمكين الكيزان وتمكين قحط، وتمكين البرهان القادم وتهميش الهامش وعنصرية الشمال. ولكن يا سادة.. إنني أسأل نفسي دائماً، هل يمكن أن تكون هناك دولة في العالم مبنية على أساس عدلي وأخلاقي مثالي؟، وهل يمكننا أن نصلح العالم؟ أليس هذا بالمستحيل؟ ألم تفشل كل التطلعات الإنسانية إلى جرِّ الفردوس من السماء إلى الأرض؟ نعم.. إنه من المستحيل إصلاح العالم ومن المستحيل أكثر إصلاح شبه الدولة المدعاة بالسودان هذي، لكننا لم نتعود على أن نكون حبرتجية ومنافقين ومتزلفين، ولم نعتد على تقبيل الأيادي والانحناء للضالين المضلين من المتأسلمين والمتشوعين والمتعولمين، والعنصريين والمهمِّشين والمتمكنين.. أتذكر أنني التقيت في سجن أمدرمان بأحد كبار الكيزان الفاسدين ولما تثاءبت قال: غط فمك.. حرام حرام.. قالها اللص المتأسلم بجدية فتأملت اللص بصمت وحرت جواباً.. ما هذا ببشر مثلنا إن هو إلا شيطان رجيم. نعم كان بإمكاني أن أقد قميصي من قُبُل كما فعل مدني جرادل والتقط صورة في الاعتصام واصبح وزيراً يقص شريط افتتاح مسالخ العساكر، ولكنني لم أعتد على ذلك.. لذلك عشت حياتي ضد السلطة وسأظل دائماً ضد السلطة.. لأن السلطة فساد مطلق، حتى وإن كانت شراً لا بد منه. يمكننا أن نتأمل أنظمة العالم بكل حياد، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ومن أقصى الشيوعية إلى أقصى الليبرالية، ولن نجد أبداً سوى احتكار للسلطة. احتكر الشيوعيون السوفيت والشيوعيون الصينيون والكوريون والكوبيون السلطة، وقمعوا الآخرين، واحتكرت الرأسمالية الماسونية الليبرالية السلطة في أمريكا وأوروبا وقمعت مؤسساتهم من وقف ضدهم، ليس فقط ذلك القمع المكارثي الذي شكل عهد إرهاب الدولة في أمريكا، بل حتى اليوم، حيث تسيطر الرأسمالية على مصانع القرار الأساسية (المال، السلاح، المعلومات، الدعاية)؛ المال من بنوك وشركات عابرة للقارات، والسلاح عبر شركات تجارة السلاح المدعومة بقرارات الحرب، والمعلومة المرتبطة بأجهزة المخابرات، والدعاية المرتبطة بأجهزة الإعلام. إذا؛ فمتى كان الإنسان حراً، ومتى امتلك حرية تعبير حقيقية؟ لا يوجد. إن كل من يقف ضد التمكين السلطوي، ينتهي به الحال بأن يكون مثلي، لا جاه ولا ترف يغري النساء بل كانت حماقاتي. لذلك انصح نفسي وانصحكم بتعليم أولادك كيف ياكلوا خبزاً في حياتهم بالتملق والتزلف وانتهاز الفرص. لأن العمر قصير. وما الحياة الدنيا إلا متاع الفلوس، أما الآخرة فأمرها إلى الله. ولله حساباته الدقيقة والخاصة والتي لا يجب أن نحاول فهمها. علموا اولادكم الرماية، أي رماية السهم في الهدف بدقة، والسباحة أي السباحة مع التيار، وركوب الخيل أي ركوب الفرصة، هذا أو ستجدونهم يعيشون على هامش الحياة كاليتيم في مائدة اللئام، من لئام عساكر وقحاطة وكيزان وهلم جرا. علموا أبناءكم النفاق، وأن يدخلوا السوق، فالشهادة الحقيقية هي شهادة القوة التي أوصلت البرهان إلى السلطة، وجعلت حمدوك يقف خلف ظهر حميدتي. وجعلتني أكتب بلا هوادة عن حلم مستحيل.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة