و الشوارع مازالت عند وعدها، و الجماهير مازالت تفرض ارادتها على سلطة اللجنة الامنية للإنقاذ ، و تلقنها دروسا في فن الاحتجاج طويل النفس، الشاخص حول نصر قادم لا محالة. عادت المسيرات التي يستعصي احصاء عدد المشاركين فيها ، و التمدد الجغرافي الواسع لدائرة المشاركة. خرجت الخرطوم و مدني والدويم وبورتسودان وكوستي وكسلا والقضارف وسنجةوكريمة والمناقل وابو حجار ودنقلا والدبة والفاشر و نيالا و البرقيق، و ربما مناطق اخرى استعصت علي الحصر . لتقول ان هنالك شارع واحد رافض للتسوية و شراكة الدم مع العسكر ، و لتؤكد أن محاولة صناعة شارع في مواجهة الشارع السوداني التي بداتها السلطة المعزولة يوم أمس فكانت وبالا عليها ، محاولة مصيرها الفشل ، ليس من حيث العدد و اتساع دائرة المشاركة ، بل من حيث نوعية القوى التي تتملك الشوارع أيضاً و طبيعتها و نوعية مشروعها. فالشارع الثوري جذري بطبيعته ، مؤمن بقضيته ، موحد في شعاراته ، واضح في اهدافه، مثابر في خروجه و صامد في مواجهة قمع السلطة ، و مبادر في الخروج لمواصلة العمل بجد من اجل اسقاط السلطة و بناء دولته المدنية الإنتقالية ، لتحقيق الحرية و السلام و العدالة. و هو ليس ضد سلطة التشكيل العصابي الانقلابي الحاكم فقط ، بل ضد من يسعى الى الاتفاق معه على تسوية و شراكة تسمح بإستمراره في السلطة و افلاته من العقاب. و هو يعلم أن العصابة الحاكمة ، و جودها بأي شكل من الاشكال في السلطة و إن من وراء حجاب لحكومة شبه مدنية ل(قحت)، يعني استمرار قبضة رأس المال الطفيلي ، و اهدار دماء الشهداء العظام ، و استحالة تفكيك دولة التمكين و بناء دولة كل المواطنين. فالشارع لا يهدد سلطة العصابة بالسقوط فقط ، بل يمنع التيار التسووي الذي يمد لها الحبل لانقاذها من الغرق من انقاذها ، و يكرهه على الكذب و المراوغة ، و يفشل تآمره مع الدول الاستعمارية و الاقليمية لبيع ثورة شعبنا العظيم للعدو المتمثل في العصابة الحاكمة المرتبطة بالمحاور الاقليمية. و هي عصابة خاضعة للابتزاز الآن من المجتمع الدولي ، لأنها وضعت نفسها حيث يريدها هو كما فعل المخلوع البشير تماماً ، عبر ارتكابها لجريمة فض الاعتصام ، و مواصلتها القمع المفرط للثوار ، الذي ادى حتى الان لاستشهاد اكثر من مائة شهيد و إصابة آلاف المصابين . و جميع ما قامت به جرائم ضد الانسانية، لا تتقادم و لا يجوز فيها العفو. فهي ليست جرائم قتل عادية تسقط بتنازل اولياء الدم، او يصدر فيها عفو عام من سلطة تشريعية او خاص من رئيس سلطة تنفيذية، و لا هي جرائم يصلح فيها العفو في القانون الدولي لرفض المحاكم الدولية الاعتراف بالاتفاقيات التي تعفو عن جرائم الحرب و الجرائم ضد الانسانية . بل ان الامم المتحدة نفسها، رفضت اتفاق لومي الخاص بسيراليون لأنه تضمن عفوا، و شاركت في تاسيس المحكمة التي حاكمت الجناة. فالعفو الذي يبحث عنه اعضاء العصابة بعد أن اجبروا تحت الابتزاز لقبول مشروع الدستور المنسوب للجنة تسيير نقابة المحامين ليحكموا من وراء حجاب ، لا يمكن ان يمنحهم الفرصة للافلات من العقاب ، الا بتواطؤ المجتمع الدولي و مخالفته للقانون الدولي. بحيث يمتنع عن احالة المجرمين في العصابة الى المحكمة الجنائية الدولية كسلفهم المخلوع ، او يمتنع عن تكوين محكمة جنائية خاصة لهم ، و يقبل العفو عنهم دون يأتي هذا العفو في إطار عدالة انتقالية اركانها الاربعة مكتملة. فالعدالة الانتقالية اضلاعها الاربعة تشمل التحقيق و المحاسبة عبر تقديم المجرمين لمحاكمات عادلة ، و الافصاح عن الحقيقة و تمليك المعلومات ، و تعويض الضحايا ، مع منع تكرار حدوث الجرائم بإبعاد من ارتكبوها من مواقع السلطة التي تسمح لهم بإعادة ارتكابها. و بكل تأكيد هذه الاضلاع يستحيل توفرها في حال قيام (قحت) بالدخول في تسوية تسمح للعصابة بالحكم من وراء حجاب و الافلات من العقاب. و الغريب هو اصرار العساكر اعضاء هذه العصابة على منحهم الحصانة من المحاسبة في قصر نظر واضح. فإذا كانوا ضامنين للانفراد بالجيش و الاجهزة الامنية، و السيطرة على السلطة عبر مجلس الامن و الدفاع ، و تحويل العدالة للجان شبيهة بلجنة نبيل اديب حسب نصوص مشروع الدستور أساس التسوية ، ما الداعي للنص على الحصانة في الاتفاق و مشروع الدستور. التسوية و دستورها ضمنا لهم سيطرة شاملة لا تحتاج لحصانة، هم بإمكانهم فرضها على الحكومة المدنية المزعومة في كل الأحوال. لكن يبدو أنهم يحتاجون لضمانات اكبر ، خوفا من ان يغدر بهم المجتمع الدولي (الدول الاستعمارية و الاقليمية الملتحقة بركابها) مستقبلا ، لأن (قحت) اضعف من ان تفعل ذلك و تجربتهم معها واضحة. عموما الشارع اكد اليوم ما هو مؤكد ، و اسمع من به صمم، بأنه ليس هنالك شارع غير شارع الثورة ، و ليس هنالك جهة تستطيع ان تفرض تسوية و شراكة دم جديدة عليه ، و لن يسمح بالافلات من العقاب ، فهل تتعظ (قحت) و تعود الى صوابها ؟ نتمنى ذلك و لكننا لا نعول عليه ، بل نعول على مسير الشوارع التي لا تخون. و قوموا الى ثورتكم يرحمكم الله!! ٣٠/١٠/٢٠٢٢
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة