لاشك في ان ما يتم من قتال شرس بين القيادة الانقاذية غير الشرعية للقوات المسلحة المعينة من قبل الإنقاذ ، ومليشيا الجنجويد صنيعة الإنقاذ ويدها الباطشة في دارفور ، هو صراع مجرد على السلطة نتيجة لتقاطع مصالح عناصر اللجنة الامنية للإنقاذ ، وتعارض رغبة قيادة المليشيا وجنرالات الإنقاذ في السيطرة على السلطة للحفاظ على مكتسبات التمكين. هذا التعارض ادى الى الاشتباك الساخن الحالي ، الذي هو في جوهره الانقلاب الثالث الذي ينفذه جنرالات الإنقاذ ، حيث كان الاول في ابريل ٢٠١٩م كإنقلاب قصر قطع الطريق أمام الثورة ، والثاني في ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١م بهدف تصفية الثورة بعد أن نجح في احتوائها بمساعدة التيار التسووي في (قحت) ، والانقلاب الحالي بهدف تصفية المليشيا التي اعتبرتها (قحت) ذراعا عسكريا ضد جنرالات الإنقاذ واجهات الحركة الاسلامية ، وإجبار التسوويين على تقديم المزيد من التنازلات في حال عودتهم لطاولة المفاوضات ، وقبولهم توسيع دائرة مشاركة الحركة الاسلامية وحلفائها في قسمة نصيب الواجهة المدنية لسلطة جنرالات الإنقاذ المكرسة بموجب الإتفاق الإطاري. فالقتال الدائر الآن هو ليس بسبب رفض جنرالات الإنقاذ للإتفاق الإطاري الذي أعطاهم ما يريدون وفك عزلة إنقلابهم الثاني الفاشل ، بل محاولة نيل جميع ما يريدون من الإتفاق النهائي. فهم يطمحون لكسر إرادة (قحت) التي أتت للإطاري من مواقع الإعتراف بالفشل في إسقاطهم والشعور بالهزيمة أمامهم، بتجريدها من جناحها العسكري المتوهم ( مليشيا الجنجويد)، وجلبها إلى طاولة المفاوضات في أضعف حالاتها لفرض شروط الحركة الاسلامية عليها كاملة غير منقوصة، بما فيها إستيعاب من رفضت إستيعابهم من تحالف القوى المضادة للثورة والداعمة للانقلاب الثاني. فهدف إنقلاب الجنرالات الثالث ليس هو حل المليشيا كما يصرحون الان لكسب تعاطف جماهيري بتسويق وهم انهم مع شعارات الثورة ، فهم يطمحون لتدجينها وإعادتها لبيت الطاعة عبر دمجها في القوات المسلحة المختطفة والمسيطر عليها من قبلهم، ولن يقوموا بحلها إلا إذا أضطروا لذلك إضطرارا. فبدمجها تفقد (قحت) الحليف المتوهم ، وتسيطر الحركة الاسلامية عبر جنرالاتها الواجهات الحاكمين مجددا على هذه الاداة التي طالما إستخدمتها كذراع للقيام بالاعمال القذرة التي لا يستطيع الجيش القيام بها علنا. فقائد الجنجويد الذي حاول التيار التسووي تصويره كمسيح مخلص من (الكيزان)، هو صنيعة الكيزان وشريكهم في كل الجرائم بما فيها الانقلاب الاول والثاني ، وجريمة فض الاعتصام ، والجرائم ضد الانسانية التي إرتكبها الإنقلاب الثاني وأهمها قتل المتظاهرين السلميين. ومحاولة تسويقه كداعم للديمقراطية محاولة سمجة ، لأن تاريخه واضح، ووضعه الطبقي كذلك ، وتصريحاته التي تؤكد انه مع المدنية و الديمقراطية لأنها شرط المجتمع الدولي للمساعدة لا لأنه يؤمن بها. وبكل تأكيد ، أنه قبل بالإتفاق الإطاري لنفس السبب ، و لأنه يؤسس لعملية تبييضه الفاشلة ، والحفاظ على نفوذه ومكتسباته. وبدون ان تكون (قحت) قد وفرت له ذلك في الإتفاق الذي في الادراج كما قال هو وفضح المستور ، ما كان له ان يدعم الإتفاق الإطاري الذي يسوق على أنه مدنية وديمقراطية و هو ابعد من ذلك بعد المشرق من المغرب. لذلك القتال الحالي ، هو حرب بين جنرالات الإنقاذ وعناصر لجنتها الامنية بنوعيهم ، المختطفين لقيادة القوات المسلحة ، والذين يقودون مليشيا الجنجويد ، و لا مصلحة للمواطنين في دعم هذا او ذاك ، فالأثنين اعداء لدودين لشعب السودان ولطموحه المشروع في بناء دولة مدنية ديمقراطية. فمشروع الوطن ، هو إسقاط اللجنة الأمنية بشقيها ، جنرالات الإنقاذ في الجيش ، وجنرالات مليشيا الجنجويد ، الاوائل بإعادة هيكلة القوات المسلحة بعد إنتزاع السلطة منهم بإرادة الجماهير ، و الثواني بحل المليشيا وتسريح عناصرها بعد تجريدها من السلاح بواسطة القوات المسلحة المعاد هيكلتها. لذلك يجب الحذر من الانجرار لمحاولة التجييش لدعم جنرالات الانقاذ واجهات الحركة الاسلامية بإعتبارهم قيادة القوات المسلحة وانهم يقاتلون مليشيا الجنجويد الخارجة عن القانون ، كما يجب الحذر من الانجرار وراء التجييش المضاد الذي يسوق المليشيا بإعتبارها المخلص من الكيزان و الداعم للتحول الديمقراطي ، فكلا الامرين كاذبين. فدعم جنرالات الإنقاذ الذين يمثلون القيادة غير الشرعية للقوات المسلحة ، هو دعم مباشر للحركة الاسلامية ولمجرميها الذين قطعوا الطريق أمام ثورة الشعب و منعوها من تحقيق اهدافها ، ودعم المليشيا هو دعم للجنجويد المجرمين ولاستثمار أسري قبلي جهوي عابر للحدود وذو ارتباطات خارجية اقليمية ودولية خطيرة جداً على مستقبل شعبنا وعلى رغبته المشروعة في بناء دولة مؤسسات قومية قائمة على حقوق المواطنة. ومن المهم ان ننوه الى ان ما سبق هذا الإنقلاب والعسكرة الشاملة للصراع، هو أن الجماهير في مكان السكن والعمل قررت فرض ارادتها بقوة الجموع ( الزحف الجماهيري)، للتصدي لتحول القوى المضادة للثورة من الدفاع للهجوم. فإلإتفاق الإطاري سمح للقوى المضادة للثورة بالتحول للهجوم من موقعي القبول والرفض معا ، فجناحها العسكري الامني تحرك عبر القبول والتوقيع ، والمدني من مواقع الرفض ، و كلا منهما يكمل الآخر، عبر توظيف تناقضات الجناح العسكري الامني الثانوية ، واصطناع العراقيل، وعبر نشاطات الجناح المدني التحشيدية و التهديدية أيضا. قصر نظر التسوويين وتبعيتهم العمياء لمشروع الدول الاستعمارية المعادي لشعبنا، هو الذي جعل هذا التحول ممكنا، وأجبر الجماهير على هذه المواجهة المفتوحة مع الجناح المدني. بالطبع ستنتصر اللجنة الامنية لجناحها المدني، وتواجه النشاط الجماهيري بقمع غير مسبوق، وحشود نظامية كبيرة، لأنه سيحبط مخططها و يعيق هذا التحول، وتعلي من شأن تناقضها الثانوي لترفيعه لمستوى تناقض رئيس حتى وان استدعى ذلك مواجهة عسكرية كالمواجهة الراهنة، وهو ماتم لقطع الطريق امام تطور حركة الجماهير مجددا. فالمتوقع في حال إنتصار جنرالات الإنقاذ المختطفين للقوات المسلحة ، ان يبدأوا بقبضة حديدية لتثبيت انقلابهم، وللضغط على (قحت) لتقديم مزيدا من التنازلات ، ومساومة المجتمع الدولي صاحب التسوية لقبول شروطهم ، بدعم من الدول الداعمة لانقلابهم و التي سبق ان دعمت الانقلاب الثاني. اما في حال انتصار الجنجويد ، سنشهد مزاعم كبيرة حول الدولة المدنية ودعم التحول الديمقراطي ، في حين تصبح المليشيا هي شالمؤسسة العسكرية وتسيطر على القوات المسلحة وتمنع بناء جيش قومي موحد، وتتحول الى اكبر المخاطر على الدولة المدنية ، وتجعل من ( قحت) واجهة تحكم من ورائها لحين تجد قبولا من المجتمع الدولي للانقلاب عليها. أي ان انتصارها يمكن المليشيا من حكم الدولة ويقضي تماما على حلم قيام دولة المؤسسات ، ويمكن مؤسسة اسرية قبلية وجهوية عابرة للحدود ، من ان تسيطر عسكريا على البلاد ، بمستوى يشكل خطرا على دول الجوار وأمنها القومي ، ويفتح المجال امام تدخل عسكري إقليمي ، خصوصا من دولة كمصر ، تعتبر الجنجويد مهددا لأمنها القومي. لذلك المهم ليس الآن متابعة الشائعات والشائعات المضادة التي يضخها الطرفان حول من هو المسيطر والمنتصر ، بل فهم مآلات هذا الصراع لتحديد موقف صحيح منها. فأيا كان المنتصر في هذا القتال ، هو أحد أضلاع اللجنة الامنية للإنقاذ التي يجب اسقاطها لتفكيك دولة التمكين وهزيمة اقطاب التطفل والنشاط الطفيلي. إذ لا يهم ان كان جنرالات الإنقاذ كفؤين بمستوى يمكنهم من توظيف تفوقهم من حيث التسليح والتدريب وقوة النيران وسيطرة جوية وسلاح مدرعات وتموين وإمداد وقدرة على جلب قوات من الاقاليم الى العاصمة ، او انهم فاشلين بمستوى يمكن المليشيا صاحبة المرونة في الحركة التي تجيد مناورات اضرب وأهرب لا إحتلال الأماكن والسيطرة عليها، من الحفاظ على المواقع التي سقطت بين يديها برغم ضرب مقراتها وافتقارها للسيطرة والقيادة وقطع خطوط إمدادها وتدمير مستودعاتها البترولية وتلك الخاصة بالذخيرة. فالمطلوب هو الوعي بأن هذه حرب بين جنرالات الإنقاذ والمليشيا الشريكة لهم في كل جرائمهم ، وان أي طرف ينتصر فيها يجب اسقاطه كشرط أساسي للانتقال للدولة المدنية. وهذا يستلزم المطالبة بوقف هذه الحرب فوراً حتى لاتؤسس لوضع تصادر فيه الحريات ويقطع الطريق امام ثورة شعبنا السلمية ، وحتى لا تهدر دماء السودانيين في هذا الصراع المفضوح على السلطة بين اعداء الشعب، مع تكوين لجان للسلم المجتمعي لحماية الاحياء ، وبدء نشاط الحراك في الشارع وإستعادة السيطرة عليه بمجرد ان يقف إطلاق النار ، والتصعيد في مواجهة المنتصر لأنه سيخرج من هذه المعركة اضعف حتما وان كان اشرس ، فمستقبل البلاد في الرهان على زحف الجماهير وحراكها في النقابة ولجنة الحي ، حتى يتم اسقاط كل مخلفات التمكين من جنرالات ومليشيات ، عبر العصيان المدني و الإضراب السياسي العام. المجد للشهداء المدنيين الذين استشهدوا غدرا في هذا القتال العدمي ، والشفاء للجرحى، والخزي والعار والهزيمة لجنرالات الإنقاذ و لمليشيا الجنجويد معا. وقوموا الى ثورتكم يرحمكم الله!!
د.احمد عثمان عمر ١٦/٤/٢٠٢٣
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق April, 14 2023
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة