إذا نظرنا للوضع الحالي كلعبة شطرنج مثلا ..ألم يكن متوقعا أن تصير البلد ضحية لصراعات دول ومحاور الإقليم وتدخلها السافر منذ البداية ..إضافة إلى أن تصير حقل تجارب للوصفات الجاهزة الأممية..وتوابعها؟!
المحور الإماراتي السعودي المصري ..قبل أن تفرق بينهم مصالحهم الخاصة والمتضاربة .. تحرك بعد سقوط البشير مباشرة ، بعد أن أيقن بأن الثورة السودانية ماضية إلى أهدافها الجذرية التي رفعت شعاراتها ..ولا تزال . فسارع إلى تدارك ما يمكن إنقاذه من مكاسب ومصالح ..التي كانت تمضي بسلالة وعلى قدم وساق مع البشير وزمرته وحزبه الحاكم ..
فلقد أدركت دول المحور .. وتأكدوا كما تأكدت جهات غيرهم ..الإتحاد الإفريقي مثالا..وكذلك ما يسمى بالمجتمع الدولي وأذرعه وواجهاته العديدة ..بأن السودان لن يعود أبدا كما كان ..
فتسابقت، بعض القوى الإقليمية وتنافست على عقد الصفقات مع بعض القوى التي تم تلميعها وتقديمها كواجهة وزعيمة وقائدة لقوى الثورة (مثل تجمع المهنيين، وتكتل قحت المدني ) ..
ووعدهم (بعضها) عبر السفراء والدعوات التي تمت تحت دعاوي المباحثات والمشاورات الغامضة .. بدعم عميلها (حميدتي وقواته) لهم.. ضد الإخوان ..وكذلك كي يمكنها هؤلاء من موارد الدولة وحكم السودان من وراء ستار ..كما هو الوضع في عهد الإنقاذ بالضبط..
وتبع ذلك الجمع بين (بعض) هذه القوى ..أو بالأحرى طبقة مختارة بعناية من بعض السياسويين والنشطاء الذين تم تلميعهم سابقا ..ثم تسويقهم لاحقا كقادة لثورة مدن الأقاليم ..كما أسلفت . تم إختيارهم في ظروف غامضة.. و( جلسات صالونات مخملية لرجال الأعمال..)، ليقرروا مع لجنة البشير الأمنية..مصير الوطن والشعب الثائر !!
محور الإمارات السعودية ومصر كانوا موافقون على هذه (الخطة التوافقية) نسبة للحفاظ على مصالحهم (برضه).. هذه (التوافقية).. التي تم الترويج لها بإسم( النموذج السوداني).. ولربما كادوا يضيفوا للمسمى كلمة ( العبقري)..
وذلك على الرغم من تخوف (مصر) من لعب إثيوبيا حليفة الإمارات التي في الجوار ..دورا محوريا عبر بوابة الإتحاد الإفريقي ..وكاريزما رئيس وزرائها أبي أحمد ..وأزيائه الباريسية المسرحية ..
ولكن دويلة الإمارات فاجأت الجميع..( وشالت الكورة وجرت بيها براها) .. فلقد حرصت على أن تكون إتفاقية السلام مع الحركات المسلحة في جيبها وتحت رعايتها ودعمها والصرف عليها ..بل فرض ممثلي بعض المسارات الوهمية ..هم ومساراتهم على الإتفاقية..بل وبيع بعض المسارات لمن يدفع ..!!
أما مصر ،فلم تكن تتوقع الخذلان من السعودية والإمارات وتنصلهم عن استمرار دعمها منذ إقصاء مرسي والإخوان .. فهذا التنصل ..أوقع مصر في أزمة إقتصادية مقصودة ..خاصة من قبل الطرف السعودي الذي إحتج بأن مصر منحت الإمارات معظم الاستثمارات..رغم الدعم السعودي المادي الذي كان أضخم من الدعم الإماراتي .. وذلك إضافة إلى الغضب المكتوم تجاه مصر من هاتين الدولتين( السعودية والإمارات) ..لأنها رفضت سابقا أن تتورط معهم في حرب اليمن التي ليست لها فيها ناقة ولا جمل.. وكذلك المغازلات الودية بين مصر وإيران وسوريا (الأسد) أحيانا .. وهم بذلك قد إعتبروا أن مصر نكرت جميلهم ( الضخم) الذي قدموه لها بعد الثورة المصرية وإقصاء المرحوم مرسي وتحجيم ( الإخوان) .
أما دور مصر في معظم الشأن السوداني ..فهو معتاد بالطبع ..نسبة لإستراجيتها المعروفة تجاه السودان ..
ولكن التطورات الأخيرة ..مطار مروي وغيره ..
ودعم مصر للبرهان ضد حلفاء الإمارات (هذه الدويلة العنيدة التي تبحث بشراهة عن موارد بديلة للذهب الأسود الذي يكاد أن ينضب ) .. وحلفاء الإمارات السودانيين معروفون بالطبع مذ سقوط البشير، وكذلك حليفتها إثيوبيا التي في الجوار..والمناوئة لمصر وبينهم ما صنع الحداد في شأن السد الحبشي الذي شيد على أرض بني شنقول السودانية المغتصبة .
حلفاء الإمارات السودانيين: إرجعوا بالذاكرة إلى الوراء قليلا ، أولا : حميدتي..وثانيا : القحاتة ، وبعض فلول الحركات المسلحة التي صنعت لها الإمارات إتفاقية جوبا المنحوسة..كي تكسبها لاحقا لتؤدي لها خدمات مدفوعة الأجر تشابه الخدمات التي لطالما قدمها لها الدعم السريع.. وربما خدمات أخرى مثل الإستفادة من نفوذ وزراء هذه الحركات في محاولات السيطرة على الموانئ والساحل السوداني.. ومحاولات الاستثمارات غير الشرعية..على الأراضي السودانية. وربما رؤية الإمارات أن هذه الحركات ستحقق لها بالبندقية..أطماعها التي فشلت (قحت وحكومتها) في فرضها على أهل شرق السودان ..وكذلك إستثماراتها القديمة واللاحقة ..التي تصاعدت الاحتجاجات حولها في الوسط والشرق والشمال. لذلك كانت الحركات ووزرائها بديلا لقحت في ما بعد إنقلاب البرهان . ليس لأن قوى قحت أكثر وطنية ..بل لأن حكومتها كانت أضعف حكومة مرت على تاريخ السودان الحديث..ولم تتفوق عليها إلا حكومة ( اللا دولة الحالية).
لنرجع لمخاوف مصر التي تعاظمت بعد كل هذه الأحداث : أولا، غضب مصري مكتوم من تحالف الإمارات مع إثيوبيا واستثماراتها الضخمة هناك ..مع الغموض الذي صاحب موقفها من السد الحبشي.. ثانيا، الدور المتعاظم الذي صارت تلعبه الإمارات كحاكم فعلي للسودان..يحرك عناصر المشهد كقطع شطرنج.. وطبعا كلنا نعرف أن مصر تعتبر السودان ليس حديقتها الخلفية فقط.. بل لطالما كانت تعمل بدأب وستظل.. على تعزيز نفوذها في السودان لأسباب عديدة .. فبالأضافة للأسباب التي تعتبرها تاريخية حول تبعية السودان لمصر ..والتي تدفعها للتوجس من أي دولة تسعى لبسط نفوذها على السودان كما فعلت مع (دويلة قطر) سابقا .. فهي بذلك لن تسمح بتعاظم نفوذ أي دولة خليجية أخرى أو غير خليجية على السودان .. لأن مصر ( أيضا ) لا تزال تعتبر نفسها الحاكم الفعلي للسودان..على الأقل وجدانيا ومخابراتيا وشعبويا ..وطبعا عزز هذا الزعم ( دأب كل من صعد حكم السودان على منح الزيارة الخارجية الأولى لمصر ..وتطمينها..أو أداء فروض الطاعة ..أو سمها ما شئت )..
الإخوان : أما الإخوان والمخاوف من عودة فلولهم لحكم السودان ..فهي مخاوف تتشاركها دول هذا المحور جميعا.. ولكن،هذا المحور الإقليمي . تفتت ..أو إختلف حول الشأن السوداني ..كل من موقعه طمعا في النفوذ والموارد ..( قصة الذهب والرجال القديمة).. فصارت كل دولة من دول الجوار تستعرض نفوذها في السودان ..عبر قدرتها على تحريك بيادقها على رقعة الشطرنج .. التي هي هذا الوطن المبتلى بالعملاء من أبنائه..
ورغم أن كل دول المحور هذا تتخوف من (النشاط والنفوذ الإخواني) العابر للحدود والدول والقارات.. والذي هو عنصر خطر جدا يعمل أيضا بنشاط تحمسه آيدلوجيا متعصبة..وكذلك التحالفات مع بعض الدول ذات النفوذ.. فالمعركة الآن في الحقيقة هي معركة نفوذ وموارد بين هذه الدول لتقاسم الوطن الذي تعمل هذه الدول على تشظيه..ولطالما حلمت بموارده في أحلام يقظتها أو أضغاثها.. ولذلك تحالف البرهان مع السيسي ..لأن لكل من الرجلين مطامع ومصالح .. بالنسبة للبرهان تتعلق بالنفوذ وحلم الرياسة، وكذلك عدم ثقة العسكرتاريا عموما بأن (القوى المدنية والأحزاب السياسية البدائية العالمثالثية ) بوسعها أن تحكم دولة عملاقة كالسودان .. والتي غالبا ما يسودها مسرح العبث وقلة النضج السياسي ..
ورغم مخاوف مصر من البرهان ورفاقه العسكر (الكيزان) ..فيبدو أن المصلحة قد جمعت الطرفين مضطرين.. بشرط أن يقوم البرهان بالتخلص من الطابور الخامس الكيزاني داخل الجيش .. ليتحدا معا بعد ذلك ..لإنهاء لعبة الشطرنج في حركة إزاحة واحدة ..كما ربما يخططون.
وربنا يستر على السودان.
04-15-2023, 05:37 PM
AMNA MUKHTAR AMNA MUKHTAR
تاريخ التسجيل: 07-31-2005
مجموع المشاركات: 13702
١٥ أبريل ٢٠٢٣ وحدث ما كنا نتوقع .. مذ تدخل دول (المحاور) لوأد ثورة المدن والأقاليم السودانية ..( التي لقبت زورا بثورة ١٨ ديسمبر) .. ومن ثم تسابق المحاور لشراء العملاء ..
بنفس الاستراتيجية التي أفشلت بها ثورات شعوب الربيع العربي التي كانت تتعطش مثلنا ( للحرية والعدالة والعيش الكريم في أوطانها ). #لطفك_يارب_بهذا_الوطن
04-16-2023, 04:36 AM
AMNA MUKHTAR AMNA MUKHTAR
تاريخ التسجيل: 07-31-2005
مجموع المشاركات: 13702
بعد التحالف والغزل الذي تم قبل فترة قصيرة.. بين حميدتي وأحزاب قحت ( المجلس المركزي)..لإقناعه بالإتفاق معهم ضد البرهان والضباط الكيزان في الجيش.. لن يستطيع أحد إقناعي بأنهم بريئون من توريط البلد في هذه الحرب ..التي لن يربح فيها أحد أو أي طرف .. حتى لو انتصر في الميدان.. فالحرب الأهلية ليست مسابقة أو مباراة كرة ..يفوز فيها المنتصر بالكأس . خاصة لو دارت رحاها في( العاصمة )..وفي بلد قبلي .. وبين أكبر قوتين في البلد ( الجيش النظامي، والمليشيات شبه النظامية).
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
آمنة أحمد مختار
AMNA MUKHTAR
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست