لن يكمن حل الأوضاع المستعصية في السودان ، على مختلف الجبهات السياسية والاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية والمعيشية المتفاقمة والمقلقة، بإجراء اتفاقيات بين العسكر والمدنيين فقط أو بتسير الدولة عبر أشخاص يتولون مناصب دستورية فى ظل عدم وجود حكومة معترف بها ، ذلك أن عوامل فشلها السياسية، حتى بعد الإتفاق وإدارة الدولة اليوم فى ظل عدم وجود حكومة منتخبة أو معترف بها ، قد تكون أكبر بكثير من مسببات نجاحها. ولعل السبب استمرار تناحر الفرقاء في السودان لتحقيق مكتسبات سياسية وفق عقلية المحاصصة العقيمة، متناسين أن بلادهم تهوي،وبسرعة صاروخية، نحو المجهول، الذي قد تكون من تداعيات اضطرابات اجتماعية لا نعلم إلى أين ستؤول.
ما الحل إذا في السودان؟ لعله يكمن في الدعوة لعقد مؤتمر وطني شامل و عاجل باستضافة الجامعة العربية في القاهرة أو الإتحاد الإفريقي بإثيوبيا لجميع الفرقاء السياسيين، ومشاركة مختلف الدول العربية والإفريقية والأوربية والأسيوية والأمم المتحدة وممثلين عن القوى الكبرى في العالم والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، يكون هدفه الوصول أولا إلى خريطة طريق تفاهمات سياسية وفق إطار زمني ملزم، وثانيا خطة إنقاذ اقتصادي على مراحل، يضمن خروج السودان من عنق الزجاجة، ومنح شعبه الأمل الحقيقي من جديد بأن الحل قادم.
صحيح أن مؤتمرات الدعم الدولي، كتلك التي عقدت مؤخرا إبان وجود رئيس الوزراء السابق د. عبدالله حمدوك مثل المؤتمر الدولي لدعم السودان ( اصدقاء السودان ) ، الذي نظمته فرنسا والسعودية بالشراكة مع الإتحاد الأوربي و الأمم المتحدة، ومخرجاته ألتي بدأت تسهم في توفير الدعم المالي الذي يحتاجه السودان وشعبه بشدة في هذه الأوقات الكارثية، بتعهدات المشاركين بنحو 6,8 مليار دولار أميركي، إلا أن مثل هذه المؤتمرات ألتي بدأت تقدم حلا جزئيا وليس شاملا، وقد عرقلت جهودها وتعهداتها بعد انقلاب البرهان على حكومة عبدالله حمدوك وتوقف التزام المانحين، ما أضاع على السودان واهله هذه المساعدات والمنح ...
لا بد من الإيمان بضرورة شمولية الحل، الذي لن يتحقق بترك الأمر للقادة في السودان وحدهم . فقد أضاعوا أكثر من أربعة سنوات كاملة بين مد وجزر منذ تشكيل حكومة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك ومنذ حادثة فض إعتصام القيادة العامة الأليمة. وهذا بحد ذاته جريمة سياسية بحق السودان وشعبه، الذي يرزح أكثر من نصفه تحت وطأة الفقر للأسف. على الجميع، داخل السودان وخارجه، التوقف مليا عند تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، لبيان سوء الوضع الذي وصل إليه السودان في عيون العالم. فوفق الصحيفة، ونقلا عن البنك الدولي: “فإن الأزمة الاقتصادية في السودان أسوأ وأكثر حدة من الأزمة التي ضربت اليونان في العام 2008، أو حتى تلك التي عصفت بالأرجنتين في العام 2001، التي كان من تداعياتهما تشريد الآلاف من الناس، وما تبعه من سنوات طويلة من الاضطرابات والقلاقل الاجتماعية في البلدين”.
لا يعقل أن يصل الأمر إلى هذا الحد، ويقف سياسيو السودان، الذي فقد عملته أكثر من 100 بالمائة من قيمته أمام الدولار الأميركي خلال عامين ومعدلات بطالة تفوق 40 بالمائة، وبالتالي في طريقه نحو الإفلاس الاقتصادي، عاجزين ولا يملكون من الحلول إلا إضاعة الوقت أكثر في النظر فقط بتشكيل حكومة يعلم الكثيرون منهم أنها قد لا تصمد أكثر من بضعة أشهر، إن لم تكن أسابيع، لعدم وجود تفاهمات سياسية حقيقية ملزمة تضمن ديمومة الحكومة، والدعم اللازم لها لإنجاح خطط الإنقاذ الاقتصادي مع المؤسسات الدولية.
لينظر قادة وساسة السودان فقط إلى أزمة الأدوية ونفادها، والنقص الشديد في الوقود وحتى بعض المواد الغذائية الأساسية، وللجرائم التي بتنا نسمع بها في شوارع الخرطوم والولايات ، ليدركوا أن ترك هذا البلد وشعبه وحدهم في عين العاصفة سيقود لا محالة إلى الانهيار ، فالوضع أصعب من سنوات الحرب الأهلية بالجنوب ، والوقت ينفد، وكرة الثلج تتعاظم.
أنقذوا السودان قبل فوات الأوان أيها السودانيون والأفارقة والعرب والعالم. فالفرصة سانحة، وما زال بصيص الأمل موجودا، فلا تطفئوه، وتطفئوا معه صوت السودان الجميل، لكنه حزين وكئيب حتى هذه اللحظة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة