إنه شبه رجل أو شبه خنزير، ولكنه في كل الأحوال منعدم القيم والأخلاق. وللأسف تراكمت هذه الطبقة في عهد الكيزان جراء انتشار الفساد وانهيار الدولة اقتصادياً وإدارياً وقانونياً، مما فتح أبواب الفرص لأكثر الناس وضاعة. وأصبحت كل شخصية خنزيرية من مثل هؤلاء يطلق عليها (تحسينا) وصف :"زول سوق". وزول السوق هذا كل عمله منحصر في اللا مشروع، من دولارات ورشاوى وخلافه لكنه لا يصل لمرحلة الجريمة الواضحة، فزول السوق ليس تاجر مخدرات. لكنه من الفاقد التربوي والأخلاقي الذي يجعل كل محور حياته هو جني المال وممارسة الجنس خارج إطار الزواج. أتذكر أنني استاجرت مكتباً، وكانت الكهرباء مقطوعة لايام فدخل علي زول سوق واخبرني بانه قطع الكهرباء حتى ادفع فسألته عن مقدار ما يجب ان ادفعه فقال عشرين جنيه في ذلك الوقت فأعطيته خمسين (حق شهرين). وكان كل صباح يأتي بامرأة ويملأ المكتب بأصوات الآهات والصرخات الجنسية هو ومن معه. شريكي ذهب واشتكى لصاحب المبنى. لكنني كنت قد قررت حينها ترك المكتب. فذلك الخنزير، لا هم له ولا عمل له سوى السمسرة وتقديم الرشاوى هنا وهناك وبيع الدولار والكسر (الربا) وما شابه ومكتبه مخصص للراحة الجنسية. ويؤسس زول السوق علاقات متشابكة مع المسؤولين والموظفين. وهو لا يسلم عليك إلا لمصلحة. مكفهر الوجه ويبدو كما لو كان يكره البشرية كلها. بفضل حكم الكيزان الفاشل والذي أفشل الدولة فانهارت، ظهرت طبقة "زول السوق" هذه، فامتلكوا السيارات الفارهة واشتروا القصور، واصبحت هي الطبقة السائدة في المجتمع، وبالتالي نشرت قيمها المعادية للقيم الأخلاقية، وانتهى عهد النوايا الطيبة بين البشر. واتسع نطاق المحسوبية، فالثمرة الفاسدة تفسد كل الثمر من حولها. وبما أن هذه الطبقة ارتبطت بالموظفين والمسؤولين، فهي بالتالي ارتبطت بحكم الكيزان ارتباطاً وثيقاً، وهي الطبقة التي يحميها العسكر الآن، ويعلم بأنها طبقة لن تقبل اي تغيير يهدد مصالحها، وبالتالي فهي الطبقة التي (لا تنتمي للكيزان تنظيمياً) ولكنها تنتمي للبيئة الكلية والمناخ الفاسد الذي أفضى إليه حكم الكيزان لمدة ثلاثين عاماً. أدى ذلك إلى انهيار الانتلجنسيا، ومن ثم الطبقة الوسطى، التي اضحت محتاجة بدورها لتعلم القيم اللا اخلاقية لطبقة "زول السوق"، حتى تتمكن من "تمشية أمورها". وهذا ما أفضى إلى انهيار أخلاقي كبير في المجتمع السوداني، وتمت شرعنة الفساد على مستوى عقل المواطن نفسه. الذي يرى كل ذلك شيئاً طبيعياً. هناك قلة ممن لم يتمكنوا من مجاراة ثقافة طبقة "زول السوق" هذي، فاضطروا إلى الهروب خارج السودان. من كان لديه مال، هاجر إلى مصر او الإمارات، ومن ليس لديه مال وخاصة الشباب فقد ركب زوارق الموت. إن مواجهة هذه الطبقة المتعفنة، أصعب من مواجهة نظام حكم دكتاتوري قمعي، لأن هذه الطبقة وخلال ثلاثين عاماً، تغلغلت في كل مفاصل الدولة، وأصبح هناك مليونيرات راسخون، وهناك من هم أصغر منهم ولكنهم يسعون بجد لبلوغ التماسيح الكبيرة، وهناك أصغر من الفئتين السابقتين ولكنهم الأكثر عددا وانتشاراً، وهؤلاء هم الذين يمثلون حلقات الربط في دائرة الفساد. لذلك فمواجهة طبقة زول السوق لا تتم بالوعظ الديني، فالدين نفسه أصبح مستخدماً في تجارة زول السوق، وصلاة الفجر الحاضرة في المسجد هي نقطة تجمع العديد من هؤلاء التماسيح. أتذكر أنني التقيت بأحدهم وكان مقبوضاً عليه في سجن امدرمان ولما تثاءبت قال لي وهو يشير بيده إلى فمه: غطِ فمك.. حرام حرام.. لذلك لا يمكن التعويل على الوعظ الديني، ولكن يجب أن نعول كمجموعة من المثقفين الأخلاقيين على إعادة بناء الدولة من جديد. مصداقاً للنكتة التي تقول بأن أحدهم قال لصديقه بأننا يجب أن نصبح كاليابان فقال صديقه: ولذلك يجب أن نبدأ بالقنبلة النووية. فلا بد من تجريف كل هذا الماضي البائس، ولكن لا يتم هذا بالعنف والتشفي ومخالفة القانون، فكما يقول الفقاء لا تدعو للمنكر بالمنكر. بل يتم تجريم هذه الطبقة عبر إصلاح إداري ومالي وقانوني شامل للدولة بما يقفل على طبقة زول السوق هذه فرص النشاط الفاسد. أما كيف يتم ذلك الإصلاح؟ فهذه مسألة أخرى فيها مطولات نتركها لقادم الأيام..
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق January, 23 2023
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة