يبدوا أن الأيام والأشهر المقبلة ستشهد أحداثا مهمة في السودان بسبب شكوى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان من تدهور العلاقة بين المحكمة والسلطات السودانية المتمثلة في المكون العسكري الذي يقوده الفريق الركن عبدالفتاح البرهان، وفي شكواه كشف خان بأن مكتبه جمع معلوماتٍ تُعزز وقائع الاتهام ضد البشير والمستشار أحمد هارون ووزير الدفاع السابق عبد الرحيم محمد حسين، عبر دولة ثالثة، وهذه العبارة قد اعتبرت من قبل المراقبين والمحللين ذات أهمية بالغة كون المحكمة قد تيقنت بمسؤولية الرئيس الأسبق عمر البشير عن ما أسند إليه من اتهامات بارتكاب جرائم يندى لها الجبين، ومن بين ثنايا هذه الشكوى يأتي الكشف عن اعتماد المحكمة الدولية على معلومات من جهات أخرى غير الجهات السودانية، وتلقائيا يأتي السؤال ما هي هذه الدولة التي قدمت معلومات ذات أهمية كبيرة عززت وقائع الاتهام ضد البشير ومن معه..؟!.
أعتقد هذا السؤال سيكون محور جدل في الساحة السودانية في الفترة المقبلة خاصة، وأن قطاع كبير من الشعب السوداني وللأول الأولى عبّر بشكل واضح جدا وعلى نطاق واسع عن التدخلات المصرية في الشأن السوداني، وتاثيرها على الأمن القومي السوداني، وما تفرزه هذه التدخلات من تأثيرات سلبية جدا على الاقتصاد السوداني بل يرى الكثير من المراقبين بأن حالة التدهور العام في السوداني سياسيا وعسكريا وأمنيا واجتماعيا سببها مصر الرسمية.
إن التقرير الذي نشرته صحيفة (سودان تربيون) الالكترونية وقدمه المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية كريم خان إلى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، عن أنشطة مكتبه خلال الفترة من أغسطس 2022 إلى يناير 2023م، هو الأخطر من كل التقارير السابقة، وأوضح فيه أن السودان مُلزم بمحاكمة الرئيس المعزول عمر البشير ووزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين ونائبه في الحزب أحمد هارون، وفق اتهامات المحكمة الجنائية أو تقديمهم إليهم، وأهم ما جاء في التقرير هو تأكيد المدعي العام للمحكمة عدم تعاون السُّلطات السودانية مع مكتبه في الفترة من أغسطس الفائت إلى يناير الحالي (2023)، وأكد أن "تعاون الحكومة لم يكن مرضيًا، ومع ذلك أحرز المكتب تقدم حقيقي من خلال التعامل مع المجتمعات المحلية المتضررة والمجني عليهم وتقوية التواصل مع الشركاء الدوليين وتعزيز التعاون مع الدول الثالثة"، وأشار إلى أن المكتب يُطالب الحكومة السودانية بإتاحة الوصول دون عائق إلى الوثائق ذات الصلة بالتحقيقات التي يجريها والوصول إلى الشهود العاملين لدى الحكومة والذين كانوا يعملون معها سابقًا والذين لهم صلة بالتحقيقات.
وقال كريم خان إن رئيس مجلس السيادة السوداني الجنرال عبد الفتاح البرهان في أغسطس 2022، كان قد التزم له خلال زيارته للسودان بدعم الوصول إلى الوثائق والشهود، وأضاف: "أرسل مكتب الإدعاء منذ الزيارة 9 طلبات إلى الحكومة، ولم يتم الرد على ما مجموعه 34 طلبًا من طلبات المساعدة المقدمة منذ يونيو 2020م".
وأشار إلى أن مكتبه أرسل بعثة في ديسمبر 2022 إلى الخرطوم، عقدت لقاءات مع أعضاء في مكتب النائب العام من أجل متابعة الطلبات، لكن أفادوا بأنهم ينتظرون ردودًا من جهات حكومية أخرى ولا يمكن تقديم أي رد في هذه المرحلة، وكشف خان عن مواجهة المكتب عقبات متزايدة في إصدار التأشيرات من أجل تسهيل عمله الميداني في السودان، وتابع: "رغم منح بعض التأشيرات التي تسمح بدخول البلاد لمرة واحدة بعد اتصالات متكررة مع السلطات، لم تصدر تأشيرات الدخول المتعدد كما وضُعت شروط إضافية غير ضرورية فأعاقت عمل المكتب"، ويعتزم المدعي العام كريم خان زيارة السودان 2023، دون أن يُحدد موعدا.
أعتقد أن شكوى مدعي محكمة الجنايات الدولية الفريق عبدالفتاح البرهان إلى مجلس الأمن الدولي معضدة بأسانيد حقيقية وموضوعية من بينها عدم رد البرهان على ما مجموعه 34 طلبًا من طلبات المساعدة المقدمة منذ يونيو 2020م، وعلاوة على "العقبات المتزايدة في إصدار التأشيرات من أجل تسهيل عمل المحكمة الميداني في السودان، برغم منح بعض التأشيرات التي تسمح بدخول البلاد لمرة واحدة بعد اتصالات متكررة مع السلطات، لم تصدر تأشيرات الدخول المتعدد كما وُضُعت شروط إضافية غير ضرورية فأعاقت عمل المكتب".
إن العقبات التي أثبتها المُدعي العام في شكواه ضد الفريق البرهان لمجلس الأمن الدولي تلقائيا تجعل قائد الجيش السوداني مكان شكوك واتهامات بالضلوع في ارتكاب جرائم الحرب والإبادة التي حدثت في دارفور، ولا سيما وأن من الثابت انه قد عمل في هذه المنطقة قائدا عسكريا في الأيام التي شهدت هذه الوقائع التي بحوزة محكمة الجنابات الدولية بلاهاي.
من هنا أقول أن الفريق عبدالفتاح البرهان كقائد للجيش السوداني قد دخل في ورطة كبيرة وحقيقية هذه المرة ليس مع الشعب السوداني الذي يُقتل يوميا بل مع المحكمة الجنايات الدولية التابعة لمجلس الأمن الدولي والتي انشئت أصلا للنظر في الجرائم المتمثلة في القتل والاغتصاب وحرق القرى والتعذيب، فإن قائد الجيش يعتقد أن التراخي واللعب عن ضياع الوقت ستبعده من المساءلة القانونية لكل ما جرى في دارفور وغيرها، وربما يأتي يوما ما قضية فض اعتصام القيادة العامة ضمن أجندة محكمة الجنايات الدولية.
في النهاية أرى أن ضغوط المحكمة الدولية من خلال مجلس الأمن الدولي على قائد الجيش ستزداد قوة، وهذه الضغوط ربما لا تكون في مصلحة السودان، لأن قادة الجيش كلما زادت الضغوط عليهم كلما أشعلوا البلاد بالأحداث الأمنية والاقتتال حتى يخلطوا الأوراق واتهامهم للأخرين بزعزعة الأمن في السودان..عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق January, 23 2023
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة