أن عملية التحول الديمقراطي التي تتم في بلاد حكمت فترات طويلة بنظم شمولية، تتعثر فيها عملية التحول الديمقراطي دائما، لأنها عملية تحتاج لتأسيس جديد وفق قوانين و ثقافة جديدة مغايرة تماما للثقافة السابقة، و أيضا تحتاج لخطاب سياسي يتماشى مع التحولات الجديدة، و من أهم التحديات التي تواجهها عملية التحول الديمقراطي، أن المؤسسات القديمة و العقل الذي شحن بالثقافة الشمولية سنين عددا يريد أن يفرض رأيه على المتحول، و يحاول أن يخضعه لذات الثقافة السابقة. و هنا تأتي الإشكالية و هذه ليست محصورة فقط في العسكريين لوحدهم، أيضا العديد من السياسيين يمارسون ذات المنهج، أي أن يؤسسوا ديمقراطية على قواعد الثقافة الشمولية. لقد حزنت كثيرا لإبعاد الأخ و الشقيق الدكتور عبد العزيز سليمان من بلده السودان، و هو يحمل رقمها الوطني ، و تأشيرة دخول، و جاء من بوابتها الرسمية، و الرجل يمارس عمله من خلال الوسائل السلمية، غريب أن يتم الإبعاد فقط لأنه يحمل رأيا سياسيا مخالفا. و حتى إذا كان يعتقد الذين ابعدوه أنه قد مارس الشطط في رآيه، كان عليهم أن يعتبرون ذلك حالة من حالة التعبير النابع عن حبه لوطنه، و يريده أن يكون مثل بقية الدول التي أخذت استقلالها بعده بسنين، ثم نهضت و أخذت موقعها في الحضارة الإنسانية. أن الديمقراطية ليست شعارات تردد في الهواء الطلق، و لا خطابات منمقة تقال في المناسبات الخاصة و العامة، أنما هي ممارسة يومية للكل، و من خلال هذه الممارسة اليومية تصحح انحرافتها، و تقلل من غلوائها. أن الإنقاذ لم تحكم بضع سنين، بل حكمت ثلاث عقود و هي ثلاثة أجيال كاملة، كانت مساحة الحرية فيها ضيقة لا تقبل فيها الكلمة المخالفة لآهل الحكم، و استطاع الناس بنضالهم و تضحياتهم عبر هذه السنين أن يمزقون هذا الضيق و يوسعون الرداء، حتى انتصروا بثورة نالت احترام العالم كله. و يقع على الكل احترامها و تنزيل شعاراتها على الأرض. و كل ذلك يتم عبر الممارسة و أحترام القوانين. و الغريب أن يخرج بعض من السياسين المشككين في عملية الإبعاد، و يعلقون أن الرجل لم يصل الخرطوم، و كل تلك كانت مسرحية من الرجل، هؤلاء درجوا على هذا السلوك الذي جعلهم منبوذين بين الناس، مثل هذا السلوك يبين أن الديمقراطية تواجه امتحانا صعبا في السودان. لأنها تحتاج لثقافة جديدة و سلوك جديد و البعض ليس لديهم الاستعداد لتغير سلوكهم، و هذه تذكرني بقصة الضفدعة مع العقرب، عندما طلبت العقرب منها أن تقطعها للشاطيء الأخر، و قالت الضفدعة لا يمكن أن افعل ذلك بسبب غدر العقرب، و حلفت لها العقرب أنها لن تلدغها احتراما لهذه الخدمة، و في منتصف النهر لدغتها فقالت لها لماذا فعلتي ذلك، قالت العقرب لأنه طبعي، فهولاء الذين يحاولون دائما التشكيك في اقوال و افعال الأخرين هذا هو طبعهم لا تغيره الديمقراطية و لا تغير سلوكهم التجارب. أن إبعاد شخص عن بلده، ليس بالقضية السهلة نفسيا و معنويا، و إذا كانت الأجهزة التي ابعدته تعتقد أن لها مأخذ على خطابه السياسي، كان علها فتح حوارا معه، و تكون تقدم سلوكا حضاريا ديمقراطيا يعكس التغيير الذي نعكس في ممارستها، و يخلق واقعا جديدا في العمل الأمني يتماشى مع القيم الديمقراطية. أن الإبعاد معروف لا يتم من العاملين في الدرجات الدنيا في المؤسسة الأمنية، بل هو قرار يتخذ من أعلى السلطات و تطبقه الدرجات الدنيا، و هؤلاء في حاجة للمراجعة. بأن الكل في السودان مؤمن بالتحول الديمقراطي، و هذه القناعة تحتاج من الكل أن يراجع مواقفه و قناعاته، حتى تتلاءم مع التحولات التي يجب أن تحدث لتعضيد الممارسة الديمقراطية، لكي نرسخ جميعا هذه القيم في المجتمع، و على الأجهزة الأمنية التي أتخذت هذا القرار أن تراجعه مرة أخرى. و خير الخطائين التوابون. نسأل الله حسن البصيرة.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق July, 23 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة