إعادة هيكلة الجيش أم الدولة؟ (10 – 10) كتب عزيز النور

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-09-2024, 08:00 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-23-2022, 04:55 PM

عزيز النور
<aعزيز النور
تاريخ التسجيل: 01-03-2022
مجموع المشاركات: 10

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
إعادة هيكلة الجيش أم الدولة؟ (10 – 10) كتب عزيز النور

    03:55 PM April, 23 2022

    سودانيز اون لاين
    عزيز النور-السودان
    مكتبتى
    رابط مختصر




    [email protected]

    قضايا الحرب والسلام والإنتقال في السودان ..!!

    الحملات الترويجية للانتخابات – المبكرة أو غير المبكرة - التي يقودها العسكر والقوى المضادة لحراك وثورة ديسمبر بجانب منسوبي سلطة أكتوبر ٢٥، ٢٠٢١م هذه الأيام أملا في الخروج من ورطة الإنقلاب الأخير أو التخلص من مسئولية حالة السودان الحالية السائلة، التي سلف رئيس الوزراء السابق الدكتور عبدالله حمدوك في وصفها بأنها عبارة عن "جثة بحر"، هي لا تختلف كثيرا عن محاولات البشير لفرض وخوض انتخابات ٢٠٢٠م التي تسببت بأزمة داخلية لحزبه هونت من مهمة إسقاطه بواسطة حراك ديسمبر الحالي، هذا فضلا عن كونها لا تعدو – أي انتخابات - مجرد تكرار لسيناريوهات ١٩٦٤م و ١٩٨٥م حيث أصرت القوى السياسية في كل مرة على تجاوز المشكل السوداني على رأسها قضايا الحرب والسلام وأجندة قوى المقاومة الرئيسية، وقتها بقيادة أنيانيا في الأولى و الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان في الثانية على التوالي، وهو ما يحدث هذه الأيام عقب الإلتفاف على حراك ديسمبر-أبريل ٢٠١٩م من قبل قوى الخرطوم وإعادة السيطرة العسكرية على مقاليد السلطة كما ظل يفعل الجيش وأعوانه منذ أواسط القرن الماضي، لتنتهي كل المراحل أو قل فترات التسلط العسكري الذي استمرأ الحرب والتنكيل والفساد وفرض الأجندة الإستعمارية لدولة ما بعد ١٩٥٦م إلى أزمة سياسية وإقتصادية وأمنية حادة جراء تصاعد وإشتداد المقاومة ما سهل عمليات إسقاطه بواسطة الهبّات الشعبية والجماهيرية في كل مرة، إلا أن قوى الخرطوم ظلت لا ترى أي قيمة لدور قوى المقاومة في عمليات إسقاط النظم الدكتاتورية وبالتالي عدم إعترافها بقضايا المقاومة التي تعكسها حالة الإحتراب المستوطنة والأطول في إفريقيا. ومع أن مفردة السلام ظلت أبرز مكونات عناوين التسويات التي يتم توقيعها في كل مرة بين سلطات الخرطوم وقوى مقاومة وأخرى ثورية سودانية وسياسية مختلفة لأكثر من خمسين عاما، إلا أن محتوى جميع التسويات التي تم توقيعها طوال هذه العقود جاء جزئي محلي عاجز عن إيقاف الحرب وبناء السلام وإحداث إنتقال حقيقي في السودان. وبالرغم من أن الجميع يدرك كامل الإدراك أن الإنتقال الحقيقي في أي بلد يتطلب إحداث قطيعة مع حالة الماضي السائلة - المؤزمة لأي وضع - إلى حالة أكثر صلابة وإستقرار بدءا من تحقيق وبناء سلام نهائي مرورا بعدالة شاملة تنصف الضحايا وتحاسب وتردع المجرمين بجانب إنشاء دستور دائم يعرّف على الأقل سودان ما بعد يوليو٢٠١١م بصورة واضحة إبتداء من الحدود الجغرافية الواضحة والهوية ومسألة الدين-و-الدولة والديمقراطية مضافا إليها قضايا نظام الحكم على المستويين القومي والمحلي والتوزيع العادل للثروة والسلطة وفق نظام إقتصادي يضمن التوازن التنموي وعدالة توزيع الفرص الإستثمارية بما يعزز الاستقرار والإزدهار و عدم العودة إلى حالة وضعية الطوارئ التي لازمت السودان المعاصر لقرنين من الزمان وإدارة الدولة عبر مربعي "حرب - هدنة – تسوية - حرب" و "حرب – إنتفاضة – إنتخابات جزئية – حرب".
    مفهومات السلام
    خطاب العنصرية والكراهية مثل "عب أب نخرين" الذي صدر من محامي هيئة دفاع الرئيس المخلوع عمر البشير وأعوانه ممثلة في المحامي محمد شوكت وأبوبكر عبدالرازق وآخرين، وكذلك نعت الشباب الثائر بأنهم "أغبياء وعبيد" من قبل الكوز الجهادي أنس عمر في السادس عشر من أبريل الجاري بعد إطلاق سراحه بواسطة حكومة البرهان علاوة على توثيق حالات الإعتداء الجنسي والنهب المتنوع وجميع اعمال العنف والإجرام الذي تمارسه قوات الاحتلال بينها إغتصاب طالبة جنوب السودان بالقرب من كبري المسلمية جنوب مستشفى الخرطوم مارس الماضي إضافة إلى التعدي ونهب المارة وتكسير السيارات وقذف عبوات الغاز المسيل للدموع داخل السيارات العامة والمساكن و المستشفيات وإخفاء وإختطاف بعض الشباب والشابات، هذه الممارسات جميعها قد تفصل علانية بين مفهوم السلام الذي تتحدث عنه السلطة وبعض قوى المساومة وعن مفهوم السلام الحرفي الذي يضمن للناس أمنهم وممتلكاتهم ويحمي حياتهم ويصون كرامتهم ويعزز قيم وفرص العيش بسلام والتداول السلمي لكل النزاعات و المنازعات بما يمكن من بناء مجتمع معافى ومستقر وبلد مزدهر. ومن خلال المتابعة لعمليات وتوقيعات التسويات المختلفة باسم السلام التي تم توقيعها بين سلطات الخرطوم وبعض قوى المقاومة أو الثورة خلال العقود الماضية، يتضح أن هناك عدم توافق باين بين السلطة وقوى المقاومة الحقة حول مفهوم السلام. ففي الوقت الذي تتصور قوى الخرطوم أن السلام يعني عدم الإحتراب وإلقاء وجمع سلاح المقاومة وإستيعاب بعض منسوبيها ضمن الصفوف الدنيا للجيش السوداني وبعض الوظائف العامة مع الإبقاء على النظام القائم وتغيير بعض الشخوص، يتركز مفهوم السلام لدى قوى المقاومة الحقة حول قضايا إستراتيجية تشكل في جوهرها أساس المشكل السوداني، مثل قضايا الهوية والعلمانية ونظام الحكم والحقوق والحريات وبناء الدولة والأمة...الخ من الشروط التي يمكن أن تؤسس لبناء سلام دائم في السودان. ويظهر من خلال الإتفاقات السلامية المتعددة، أن الأطراف الموقعة على أي من الإتفاقات المعروفة عادة ما تنطلق من واقع ظرفي معين ذاتي يدفعها لعقد هذا النوع من التسويات وليس بالضرورة الإنطلاق من أصل المشكلة التي تتطلب حل يتناسب وطبيعة المشكل وبالتالي شيوع مفهومات ودعاوي بعض منتسبي قوى المقاومة من على شاكلة قضايا إعادة التنظيم والترتيب والواقعية لتعتلي سلم أجندتها وهنا تتداخل قضايا أخرى جانبية ذاتية تتشعب حسب توجهات وأجندات منتسبي تلك القوى، لتبقى بالنهاية عملية السلام المعنية مجرد تسوية لمعالجة ظروف الأطراف المعنية الموقعة عليها وليست بالضرورة أن تكون ذا صلة بعملية السلام المستدام التي تتطلب معالجة مشكلة حقيقية ظلت تتعقد وتتأزم يوما بعد يوم للدرجة التي أصبحت تهدد بقاء و وحدة ما تبقى من سودان.
    تعدد قوى المقاومة والمساومة
    تعددت قوى المقاومة بقدر ما تعددت وجهات النظر حول كيفية التعاطي مع المشكل السوداني وليس بالضرورة حول سبب المقاومة الرئيس في كل حالة إختلاف بين قوى المقاومة رغم أنه ثمة حقيقة بائنة في أن بعض القوى التي تتبنى شعارات المقاومة قد تكون مجرد قوى سياسية تحاول إستغلال أجندات المقاومة لأجل تحقيق مكاسب محدودة ولا تمت بأي صلة لأسباب المقاومة الحقيقية، وليس فقط من بين هذه القوى تلك التي كانت ضمن الجبهة الوطنية بقيادة الشريف الهندي أو التجمع الوطني الديمقراطي بقيادة محمد عثمان الميرغني أو مجموعة نداء السودان (حديثا) بقيادة الصادق المهدي وإنما قوى أخرى تتزيى بالمقاومة وترفض الخوض في طبيعة وأصل المشكل السوداني تفاديا للإلتزام بأهداف وأجندة المقاومة الواضحة وهنا تندرج جميع القوى التي ترفض تقديم أطروحات واضحة ورؤى صريحة حول القضايا الإستراتيجية مثل قضايا الهوية والدين-السياسي والأرض والحقوق والمظالم التاريخية والعلاقات الخارجية والتحالفات الإقليمية والدولية التي تمثل عصب وروح المشكل السوداني تتقدم هذه القوى حركة العدل والمساواة التي تتكون في جوهرها من مجموع من الإسلاميين بقيادة الدكتور جبريل إبراهيم وبعض من فصائل المقاومة الذين يجهلون أن مشروع تحرير السودان هو بالأساس مشروع بناء دولة مستقرة في السودان تتأسس على القيم الإنسانية النبيلة، ودونكم تصريحات مني مناوي الذي قال إن الحديث عن تعويضات ضحايا التطهير العرقي والإبادة الجماعية والتهجير القصري مجرد "مزايدة سياسية" وكذلك تصريحات الهادي إدريس الذي يرى إن مسألة تخطيط معسكرات النازحين أولى من إعادتهم إلى قراهم ومزارعهم وتمكينهم لبدء حياتهم، كما جاء في لقاءه لـ "حديث مدينة عثمان ميرغني" إبان إجتماعات الجبهة الثورية بالدمازين.
    وبالرغم من أن الأطروحات والرؤى هو ما يجب أن يميز القوى السياسية وقوى المقاومة وقوى الثورة المختلفة في السودان، إلا أن الأطر السياسية (أنظر إعادة هيكلة الجيش أم الدولة؟ 9 – 10) والثقافة السياسية العامة التي تتفادى تناول المشكلة السودانية والهروب إلى تناول بعض مظاهرها كالحرب مثلا، جعلت بذات القدر من وسائل الفعل السياسي أو الثوري أداة لتصنيف القوى المختلفة. مثلا أن تسمى القوى التي تحمل السلاح تحت قيادة غير خرطومية على أنها قوى (متمردة)، فيما تسمى أحزاب الخرطوم بأنها أحزاب مدنية تجاهلا لحقيقة أن جميع القوى السياسية المعروفة قد حملت السلاح في وجه السلطة في فترات مختلفة سواء أكان ذلك بواسطة الجبهة الوطنية أو التجمع الوطني الديمقراطي أو غير ذلك، وأكثر من ذلك جميعها تورطت في الإنقلابات العسكرية التي ظلت تحدث من وقت لآخر طوال تاريخ دولة ما بعد ١٩٥٦م. إضافة إلى أنه في حال إلقاء نظرة حول طبيعة قوى الخرطوم - بإعتبار أن المدنية هي الأخلاق كما وصفها الأستاذ محمود محمد طه - فجمعيها ليست لها علاقة بالمدنية وإنما مجرد قوى مصلحية تكسبية تتلبس برداء ديني وآيديولوجي بالدرجة الأولى، وليس أدل على ذلك أكثر من مسألة غياب جند الدستور الدائم وسيادة حكم القانون من بين أجندات و أولويات المختلفة هذه القوى ناهيك عن قضايا الحرب والسلام.
    ومع أن أنيانيا 1 و2 إنطلقتا بسبب خذلان وظلم سياسيي الخرطوم إبان مسألة السودنة المعروفة في الأولى والنكوص بالعهود والمواثيق في الثانية، إلا أنه لم يكن مبررا إنقسام حزب سانو رائد المقاومة السودانية حينها رغم أن الإختلاف كان قد تأسس على فقدان الثقة في السياسي الخرطومي وليس في طبيعة القضية التي ناضلت من أجلها قيادة الحزب. وكذلك فإن قيام الجيش الشعبي لتحرير السودان هو الآخر جاء في وقت فيه إنقلب النميري على تسوية أديس أبابا وإعلان قوانين الشريعة الإسلامية التي عنت بالطبع التعدي وإلغاء جزء كبير من مواطني السودان – على إمتداد السودان وليس الجنوب وحسب - وعدم الإعتراف بهم كمواطنين أساسيين لهم حق حرية الإعتقاد هذا علاوة على إنهاء مصير محتوى الاتفاق الممثل لجنوب السودان حينها، كل ذلك جعل من أمر الجغرافيا عامل رئيسي في حصر الجيش الشعبي في بدايته على مستوى جنوب السودان أمرا واقعيا قبل تمدده بفعل الدكتور جون قرنق إلى مناطق السودان الأخرى. زحف الجيش الشعبي إلى دارفور وشرق السودان مطلع ومنتصف تسعينات القرن الماضي قد عزز من فرص تقدم المقاومة في دارفور والشرق، إلا أن دور العلاقات الخارجية هو الآخر قد لعب دورا حاسما في إخراج إتفاقية نيفاشا بالشكل التي جاءت عليه رغم أن سلطات الخرطوم من جانبها كانت قد حسمت من جانبها مسألة فصل جنوب السودان مقابل بقاء سيطرتها على مقاليد السلطة وخصوصا بعد إنفجار المقاومة وإنتظام حركة تحرير السودان التي تمددت في مساحات واسعة من السودان. وقد كان قيام حركة تحرير السودان هو الآخر جاء مقاوما لسياسات الخرطوم في توطين حالة عدم الاستقرار والإفقار والتشريد الممنهج للآمنين في دارفور وهو ما كان جليا في سرعة وإنتشار وتوحيد معظم أهالي دارفور تحت لواء تحرير السودان، إلا أن ظهور حركة العدل والمساواة كفصيل منفصل حينها كان قد عمل على تشويش قوى المقاومة وأهدافها وبالتالي غرس بذور الفرقة والتقسيم بين قوى المقاومة، إضافة إلى حالة الغموض التي تسيطر على توجهات الحركة الإسلامية الجديدة ضمن صفوف قوى المقاومة بالعموم، لأنه لا مبرر لقيام جسم مقاومة منفصل على ظهر حركة تحرير السودان التي كانت في كل بيت و قرية ومحلية ومدينة في عموم دارفور وكردفان وشرق السودان حينها. كما أن هشاشة العمل التنظيمي والبداوة المجتمعية لبعض قيادة المقاومة التي أفرزتها تلك المرحلة أظهرت المقاومة وكأنها مشروع تكسبي محلي منعزل عن أصل المشكل السوداني، وهذا ما عكسته التسويات المختلفة وتهافت المنشقين من المقاومة للإنضمام للسلطات الإستعمارية في الخرطوم لقاء مكاسب محدودة مقابل العمل على تكسير المقاومة.
    أيضا، إتباع سياسة فرق تسد من قبل الخرطوم كان له دور كبير في تعدد قوى المقاومة كما أن تعدد المساومات والتراجع عنها وإلغاءها كان الوسيلة الأبرز للخرطوم لإضعاف قوى المقاومة، وهو يعكس بوضوح كيف أن الخرطوم ظلت تتفادى المشكل السوداني أملا في خلق واقع جديد مغاير لطبيعة و واقع السودان. هذه التسويات المتعددة ومع أنها كانت تعمل على إطالة أمد المقاومة وليس إضعافها في كل مرة كما تعتقد الخرطوم، إلا أنها كانت أيضا تعقد من المشكل السوداني وتطور وتوسع أجندة المقاومة وتجر ميدان المعركة الحربي من الأطراف إلى الخرطوم يوما بعد يوم، وهو ما أصبح واضحا في صياح بعض ممن يدعون ملكية الخرطوم – ممن نزحوا إليها إبان حكم البشير - بضرورة خروج قوى الكفاح المسلح إلى خارج الخرطوم وكأن المناطق التي ظلت تقود فيها الدولة حربا لم تكن جزءا من السودان أو يقطنها مواطنون سودانيون أو حتى مدنيين آمنين، وهذا الجانب تحديدا يؤكد ما ذهينا إليه من أن السودان ليس به شعب واحد وإنما مجتمعات وقبائل وشعوب تتشارك جغرافيا السودان.
    إتفاق جوبا الأخير (أكتوبر ٢٠٢٠م) الموقع بين مجموعات الجبهة الثورية وآخرين من جهة والحكومة السودانية من جهة أخرى هو الآخر كان بمثابة هدر فرصة كبيرة لبناء دولة مستقرة في السودان، لأن الظروف المحيطة بالإتفاق لم تكن كتلك التي أحاطت بسابقاتها من ضغوطات سياسية وعسكرية ظلت المحرك الأساس في معظم الإتفاقيات السابقة، وإنما جاءت في ظروف كان يمكن أن تساعد في عقد إتفاق شامل يضم جميع قوى المقاومة ويخاطب جوهر وكل نواحي المشكل السوداني وبالتالي تعزيز عملية الإنتقال وقطع الطريق أمام أي أي إنقلاب عسكري أو سياسي، إلا قوى الحرية والتغيير محاضنة سياسية من جهة وقوى المساومة في جوبا لم تكن تختلف في طبيعة تفكيرها عن النظام السابق "حينها". والأخطر في الأمر، أن إتفاق سلام جوبا جاء متوافقا مع ما خطه المؤتمر الوطني لمصير العملية السلمية في السودان التي تؤسس لتقسيم ما تبقى من سودان وهي ذات خطة الحكم الأمنية التي عملت عليها الإنقاذ بسنوات معدودة عقب إستلامها السلطة وتقسيم السودان إلى أكثر من ٢٥ ولاية و ١٧٠ محافظة حتي تتم محاصرة الجميع في كنتونات ضيقة يسهل التعامل معها أمنيا بدلا من محاولة معالجة القضية السودانية في إطارها الكلي. أعطت إتفاقية جوبا الكل الحق في التصرف الجهوي كما لو أنه جزء منفصل ومستقل عن السودان أي أكدت على حقيقة أن السودان ليس بدولة، وهو ما كان ظاهرا في إغلاق الطريق القومي في شرق السودان بحجة أنه يقع على أراضي الإقليم الشرقي التي تعترض بعض مكوناته على الاتفاق وكذلك إعتراض مالك عقار على قيام الطريق الغربي لمحلية التضامن بالنيل الأزرق بحجة أن المواطنين المستفيدين منه ليس من مواليه أو المنتمين له إجتماعيا وسياسيا، بجانب قيام كيانات الشمال الوسط وغيرها، وهكذا دواليك.
    إتفاق حمدوك – الحلو
    رغم بساطة بنود إعلان المبادئ الموقع بين رئيس الوزراء السوداني الإنتقالي السابق الدكتور عبدالله حمدوك من جهة والقائد عبدالعزيز آدم الحلو رئيس الحركة الشعبية – شمال بتاريخ الثالث من سبتمبر ٢٠٢٠م، إلا أنه كان خطوة جادة نحو تداول المشكل السوداني وإمكانية حلها من خلال محاولة الاتفاق إرساء المشتركات التي من شأنها أن تؤسس لوطن يسع الجميع، إلا أن رفض مكونات الحكومة الإنتقالية بشقيها المدني والعسكري لذلك الاتفاق قطع الطريق أمام فرصة إحداث سلام حقيقي يفضي إلى بناء دولة مستقرة في السودان. حيث يظهر في الصيغة الإنجليزية الموقعة أن بنود الاتفاق المشترك الستة الموقعة من الجانبين قد تناولت بكل وضوح أسباب الحرب والسلام بدءا من مسألة تعريف السودان والهوية والإعتراف الصريح بالتنوع والتعدد والإختلاف السوداني وبالتالي إنهاء حالة الهيمنة الآحادية القائمة والمفروضة بواسطة جهاز الدولة، المساواة بين السودانيين، قيام دولة ديمقراطية، بجانب التوزيع العادل للسلطة والثروة مضافا إليهما وضعي منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان حيث يقيم الجيش الشعبي "دولة السودان الجديد". عجز رئيس الوزراء عبدالله حمدوك حينها في الدفاع عن مواقفه وقراراته وتقاعس قوى الحرية والتغيير بوصفها الحاضنة السياسية لحكومته أودى بكل سهولة بالإتفاق المشترك الذي كان من شأنه وضع القضية السودانية في طاولة موحدة بغرض تداولها والتباحث حولها وتعريفها ومعالجتها بصورة كلية بدلا من تناول مضاعفات وآثار المشكل السوداني كما ظل يتردد في جميع المنابر آخرها منبر سلام السودان بجوبا.
    لا قرآن ولا إنجيل
    المقولة التي تصدرت أكبر حالة تنصل صريحة ونكران لتعهد السياسي السوداني - تجاه أي إلتزام أو عهد يقطعه - حينما أعلن السيد جفعر نميري تخليه عن إتفاق سلام أديس أبابا وإعلان قوانين الشريعة الإسلامية في العام ١٩٨٣م – لا إنجيل ولا قرآن - هي لا تعكس مدى تخلف وإستهبال وسطحية السياسي السوداني وفساده وإمكانية إستغلال السلطة لتغطية أي جريمة سياسية، وإنما تعكس حالة الخواء التربوي الإنساني وعدم مهنية وأخلاقية السياسي السوداني بجانب عدم إدراكه لمميزات شخصية رجل الدولة السوي التي يجب أن تنبني على المبادئ الإنسانية بينها الصدق والأمانة والنزاهة والمسئولية والإلتزام و أن تتحلى بالقيم الإنسانية التي ترفع وتصون كرامة الإنسان. الأدب السياسي الذي أرسته قوى حراك أكتوبر ١٩٦٤م وعززه نظام النميري ومستشاروه من خلال المراوغة والتلاعب وعدم الإعتراف بقضايا السودانيين الآخرين وتعزيز ثقافة إستسهال التراجع عن العهود والنكوص عن أي إتفاق أضحى السمة السائدة لكل القوى والسلطات المتعاقبة على إدارة السودان الرسمي، ودونكم القصة الشهيرة للدكتور جون قرنق عما فعلته سلطة الخرطوم مع جوزيف لاقو. صفة النكوص عن العهود والمواثيق التي تميزت بها قوى وسلطات الخرطوم – خصوصا حول إتفاقات السلام – جعلت من قوى الخرطوم عبارة عن عصابة تحترف السمسرة السياسية وتتعاطى مع القضايا السودانية والكوارث الإنسانية وقضايا الحرب والسلام على أنها موارد سياسية يمكن إستخدامها حال دعت الضرورة لتجاوز طوارئ معينة وهو ما كان الدافع الرئيسي لإتفاق أديس أبابا نفسه وكذلك إتفاق الخرطوم للسلام ١٩٩٧م و إتفاقات نيفاشا وأبوجا للخروج من مأزق توسع جبهات الحرب التي أوشكت أن تحاصر الخرطوم حيث يقود الجيش الشعبي لتحرير السودان أعنف المعارك وسط وجنوب وشرق السودان "جنوب السودان، النيل الأزرق، جنوب كردفان، وقطاع الشرق"، التي كادت أن تسقط النظام في حال أصرت السلطة على عدم الإستجابة لدعوات السلام العالمية والإقليمية وسط تدهور وتراجع وسط القوات الحكومية ومليشياتها التي لم تعد قادرة للتقدم في جميع الجبهات خصوصا بعد ضرب كسلا شرقا ومناطق البترول والسيطرة على أكثر من ٨٠٪ من مساحة السودان غربا بواسطة قوات حركة تحرير السودان.
    لذا يتضح أن دافع السلطة الرئيس للتوقيع على إتفاقات أو تسويات مع قوى المقاومة في كل مرة ليس القضية أو القضايا سبب الحرب أو النزاع وإنما مجرد تقديرات موقف تطلبت إتخاذ إجراءات تكتيكية بينها التوقيع على إتفاقات سلام تحت مسميات مختلفة هدفت في غالب الأحيان إلى تقسيم قوى المقاومة بغرض إضعافها أولا، وإعادة ترتيب مواقف السلطة الحربية إضافة إلى تخفيف الضغوطات الخارجية الرافضة للإنتهاكات الممارسة من قبل قوات السلطة في مناطق النزاع فضلا عن إستغلال هذه التسويات لفك الأزمات المصاحبة أو الناتجة بسبب الحرب بينها العلاقات الدولية والأزمات الإقتصادية.
    نبقّج نمشي وين ؟!
    وبينما كان السيد الطيب مصطفى مؤسس جريدتي الإنتباهة والصيحة وخال الرئيس المخلوع عمر البشير - ضمن آخرين بالطبع - أكثر حمولة ومعاناة بسبب ألم الكراهية الذي أوصلته ليس حد الجرأة في سب والتعدي على المجتمعات المقاومة وغير المعربة، وإنما قادته لذبح السودان وفصله علانية يوم ذبح الثور الأسود، والدلالة كانت واضحة للجميع، ولكن لم يجرؤ أحد ممن ينبذون سلوك مصطفى العنصري على مقاومة فعلته أو ردها بما يليق أو على الأقل بما يتطابق مع هو معلن من قبلهم من شعارات. الطيب مصطفى كان الصوت العالي فقط مقارنة مع ماكينات الكراهية والتعريب القسرية في كل من مجموعة الأستاذ عبدالرحمن علي طه ضمن طليعة الرعيل الأول لحقبة ما بعد الإستعمار الإنجليزي والأستاذ محي الدين صابر إبان الدفعة الثانية أيام حكومة النميري بجانب بروفيسور عبدالله الطيب ودكتور عبدالله على إبراهيم وغازي سليمان المحامي الذين يمثلون القوى الناعمة في عمليات التعريب القسرية في السودان التي قسمت المجتمع السوداني إلى مجتمع معاد الصياغ و مجتمع متمرد. فعندما تكوّم الهلع وسيطر على ملامح وجه السيد الطيب مصطفى بدايات حراك ديسمبر – الحالي - وهو يطرح سؤاله الوجودي؛ نبقّج نمشي وين؟.. ظن البعض أو الغالبية من الناس أن مصطفى يتحدث بلسان مجموعة المؤتمر الوطني التي ظلت تطبق مشروع التعريب العنصري التقسيمي علانية دون أي تردد أو تقدير أو قيمة لإنسان السودان، ولكن الحقيقة أن الطيب مصطفى كان يدرك حجم الظلم الهيكلي والجريمة التي ظلت تمارسها السلطة – الدولة الرسمية التي هو جزء منها – ضد أغلب مكونات السودان المقاومة والتي لا تزال تتقدم يوما بعد يوم تجاه ما يحقق لها الكرامة، من مرحلة الصيد الطريد إلى مرحلة الإنسان المقاوم، ورغم أنه كان يدرك حقيقة أن هذه المكونات المذبوحة لا تبادله الغل والكراهية إلا أنه كان يدرك أن الأمرّ سيكون تعطيل وتراجع ونهاية مشروع الدولة العنصري، وكشف حقيقة وزيف كل ما هو مخطوط وملفق فيما يتعلق بتاريخ ومصير السودان، والبداية الحقيقية لمشروع السودان الذي يجب أن يكون والذي يتعارض جملة وتفصيلا مع السودان الإفتراضي للمبقجّين. هروب بعض منسوبي السلطة إلى خارج السودان هي مسألة إستراتيجية لهم وليست بجديدة في تاريخ السياسة السودانية كما في أشرنا ضمن مقالات السلسلة إلى هروب الأستاذ أحمد خيري الإتحادي وغيره من الذين لا يرون إنتماءا للسودان خارج رفقة الإستعمار، كما أن هروب الإسلاميين إلى تركيا دون الدول الأخرى له دلالات أخص، وبعض من ذلك أن العديد من أصل هذه المجموعات إرتبط بالسودان أو تزامن مع الغزو التركي للسودان وهو ما لخصه الشاعر السوداني الكبير محمد الحسن سالم حمّيد في مأساة "الجابرية" وهي في الواقع تلخص معاناة السودان وليست مجرد قصيدة تحكي مأساة أهالي قرية الجابرية مع الحقب العسكرية المختلفة من جهة و من جهة أخرى مع السلطات الحزبية عبر إبنهم بلة الطاهر علي حسب الله الـ "رافق جدو الفتح التركي، وسيرته إنقطعت في المهدية .. ورررا سمعنا إستوطن برة، وقام إتزوج من مصرية .. جاب حسب الله، قام حسب الله جاب الطاهر حتى الطاهر خلف بلة".
    عقلية السيطرة أو التبقيج لا تكشف عن مجرد إعتراف صريح لمعتدي أو مجرم يعرف ما ستؤل إليه الأوضاع حال فقدان السلطة وحلول العدالة وحسب، وإنما تكشف حقيقة تمثل عمق أزمة ساسة الخرطوم، وهي أزمة الأنتماء، حيث لا يتورع هؤلاء في الحديث عن إنتماءهم الأجنبي، وينتسب بعضهم لبنت نبي الإسلام، فيما ينتسب آخرون للشام والعراق ويعملون بكل ما أوتوا من قوة لخلق دولة نبوية أو شامية في السودان، ودون ذلك التبقيج. إذ لا يمكن لأحد أن يتصور أن بلد مثل السودان تحكمه مجموعة من الناس تتنافس في الإنتساب إلى مجموعات ينتهي تصورها عن الحياة والعالم في محيط الصحراء وتجهل أن كل ما يعملون للحصول عليه في الجنة - عبر قتل الناس وسفك دماءهم - من فاكهة وخضر وطير وحتى النساء الجميلات هو موجود بالفعل في السودان. عقدة الإنتماء لدى قوى الخرطوم جعلها تتبارى في تبني مشروعات أجنبية كاملة الدسم واستغلال جهاز الدولة وآلة حربها في تنفيذ هذه المشروعات للدرجة التي مات معها الحس الإنساني، بحيث لا يعتقد السياسي السوداني بأنه يعتدي على شعور أو يجرح السوداني الأصيل عندما يعلن عن أصله العربي النبوي الفاطمي ورسالته العربية الإسلامية التي جاءت به إلى السودان، وأكثر من ذلك أنه لا يتورع أيضا في ترك السودان نهائيا حال فقدانه للسلطة، وهذه الحقيقة تكذب جميع إدعاءات وشعارات القوى الإسلامية العروبية بدءا من إسماعيل الأزهري وخيري وإنتهاء بـ عبدالله علي إبراهيم والطيب مصطفى. ولإثبات إنتماءه العربي الأجنبي مع رفضه للأصل السوداني، يدين السياسي الخرطومي بكامل الولاء للعالم العربي وهو ما إنعكس في السياسات الخارجية للسلطات السودانية التي جعلت من السودان مجرد مزرعة خلفية لدول الخليج العربي ومصر تورد الموارد البشرية والطبيعية بأبخس الأثمان مقابل الحصول على الإعتراف بعروبته من دول هذا الإقليم. حالة عدم قبول السياسي السوداني لنفسه وحقيقة أصل السودان الذي يسعى إلى إجتثاثه من أصله الإفريقي جعلت منه إنسانا فصاميا يكنّ مكونه العروبي المتنحي عداء سافرا وكراهية مرضية غير محدودة أنتجت حالة من الخوف جعلته يبرر نفي وقتل وظلم مكونه الإفريقي السائد وبالتالي محاولات قطع كل الصلات التي تربطه بأصله الإفريقي سواء أكان ذلك على المستوى الرسمي في محيط السودان الجغرافي الذي يتعمق إفريقيا أو حتى على المستوى المجتمعي والإثني أو الجيني داخل الأسرة، وتسيدت هذه الكراهية محتوى تصرفات وكتابات الطيب مصطفى الذي هو أقرب الأقربين للرئيس المخلوع عمر البشير الذي تسيطر عليه ملامح الإنسان الإفريقي القح ومن هنا يمكن تصور الحالة النفسية للمجموعة التي ظلت تحكم السودان طوال الفترة الماضية.
    الانتخابات والإنتقال في السودان
    التدرق بالحديث عن إنتخابات في السودان كلما تأزم موقف قوى الخرطوم – الجيش والأحزاب السياسية – يعكس عمق الهوة ما بين قوى السودان المختلفة ونظرتها وتعريفها للمشكل السوداني. ولو أن الحديث هذه المرة - أو حتى السابقات – إرتقى قليلا لمستوى مسألة إنشاء أو إقامة دستور دائم وسيادة حكم القانون لكان قد إقترب جزئيا من المشكل السوداني، ولكن الحديث عن انتخابات في ظل التعقيدات الحالية التي أبقت السودان الرسمي في حالته الإستعمارية التسلطية بدلا من التطور إلى حالة الدولة العصرية الناضجة واضحة المعالم وثابتة الأركان، يبين الهوة السحيقة ما بين القوى السياسية وقوى المقاومة السودانية بحيث أن قوى المقاومة الحقة عادة ما آثرت معالجة قضايا الحرب والسلام بما يمكن الجميع من المشاركة في عملية إتخاذ القرار بدءا من الإنتقال الديمقراطي وإنتهاء ببناء الدولة المستقرة، فيما لا ترى القوى السياسية الخرطومية - بقصد أو غير قصد - جدوى أو أهمية مشاركة القوى غير الخرطومية في الإنتقال إلى حالة الدولة المستقرة بدلا من حالة السلطة القابضة، وهو ما يجعل قوى المقاومة لا تتردد في إستخدام عبارات عبارات مثل "إقصاء" أو "إبعاد" في وصف القوى الخرطومية. كما أنه لو إستفادت قوى الخرطوم من موقف الدكتور جونق وعدم إعترافه بإنتخابات ١٩٨٦م والسلطات الناتجة عنها كما حدث في مخاطبته ولقاءه للسيد الصادق المهدي بإعتباره الحزبي بدلا من أنه رئيس الوزراء (كما جاء كتاب الحرب والسياسة في السودان – لمؤلفه جاستن لييج) أو حتى الانتخابات الجزئية السابقة عقب إنتفاضة ١٩٦٤م وكذلك الانتخابات المحدودة (١٩٥٣م) التي سبقت إعلان ١٩٥٦م، حيث لم تؤدي جميع هذه الإجراءات المسمى انتخابات إلى أي حالة من الاستقرار البتة وعلى العكس قد ساهمت بصورة كبيرة في تعقيد وإطالة أمد المشكل السوداني. فأي لحظة سماع من قوى الخرطوم لصوت المقاومة في جميع هذه المراحل بما في ذلك المرحلة الحالية ربما قد تؤدى إلى نتائج مختلفة عن السابق وجعل الحديث عن الإنتقال من حالة الإصطراع إلى مرحلة بناء دولة مستقرة في السودان أمر ممكن، وهو ما لا يمكن حدوثه بتكرار التجارب السابقة وكذلك لن يحدث دون تأسيس دولة حقيقية بأركان وثوابت الدولة العصرية المقيدة بدستور متفق عليه يعرف ويعالج كل ما كان مصدر أو سبب لحالة عدم الاستقرار في السودان.
    أنا إفريقي أنا سوداني ...
    ربما مر الكثير مرور الكرام على مسألة إختيار رائعة الفنان الكبير إبرهيم الكاشف "أرض الخير إفريقيا مكاني، بلد النور و العزة مكاني" لمؤلفها ذاكرة الغناء السوداني الأستاذ الراحل السر قدور، وبذل جهد كبير فيها من قبل نظام البشير وإعادة إنتاجها بمشاركة فنانين ومغنيين من دول إفريقية متعددة بينها السودان وإثيوبيا ويوغندا والجزائر وغيرها لتكون عنوانا لمناسبة عيد إستقلال حكومة المؤتمر الوطني مطلع ينائر ٢٠١٩م. فإختيار "أرض الخير إفريقيا مكاني" من قبل سلطة عروبية متطرفة يعكس حالة التناقض والإعتباط والفصام التي تعيشها السلطات الرسمية في السودان والقائمين على أمرها منذ ما عرف بالإستقلال، حيث أن البشير والعديد من قيادات الشأن العام ظلوا يعملون على أن يكون سودان ما بعد ٢٠١١م سودان عربي مبين لا مجال فيه للحديث عن تنوع ثقافي أو ديني أو غير ذلك، ومنهم من ذهب بالقول إلى أبعد من ذلك حيث إقترحت زوجة الترابي السيدة وصال المهدي التي لم يكن لها أي دور سياسي يذكر أو ظاهر طوال تاريخ حياتها بأنه آن الأوان لتغيير إسم السودان بعد فصل الجنوب، بينما ذهب محامي الأمم المتحدة السابق في السودان والشيوعي المعروف السيد غازي سليمان المحامي إلى القول بأن "السودان لو كان محظوظ كان حكمه الزبير باشا، وأي زول يتكلم عن دولة غير عربية أو إسلامية بعد اليوم يشوف بلد يمشي ليها". فالسلطة التي ظلت تعمل خلال عقود من الزمان على تعريب وأسلمة الشعوب والمجتمعات السودانية وقتلت منهم الملايين لأجل ذلك لم تكن ساذجة عندما إختارت أغنية "أنا إفريقي أنا سوداني" لتحتفل بعيد إستقلالها، ولكنها إستدركت حقيقة إستحالت قيام دولة عربية في السودان حتى بعد عزل الجنوب، ولذا يظهر أنها بدأت مناورة أخرى لأجل مواجهة خطاب المقاومة النامي الذي بدأ يركز بصورة أوضح على أهم عناصر المشكل السوداني وهو مسألة الهوية، هوية الدولة الحقيقية مقابل الهوية الإفتراضية التي تحاول السلطات إلباسها مقابل طمس الهوية الإفريقية. والحقيقة أن الأغنية التي إهتمت بها سلطات البشير وأخذت حيز كبير في الإعلام الرسمي طوال عقود وكذلك إعادة إنتاجها في أزمان ومناسبات مختلفة وإشهاد عليها أفارقة آخرون من خلال مشاركتهم الأخيرة، وحدها يمكنها معالجة أزمة الهوية السودانية حال التمسك بجوهرها بعيدا عن الإستهلاك والإستهبال السياسي، ولكانت المدخل الأعظم لمعرفة ما معنى السودان ومعنى أن يكون إفريقيا، إفريقيا روح الحكمة والتسامح والمحبة والقيم النبيلة وقبول الآخر، بدلا من التنكر والإستعارة، إفريقيا مهد الحضارات المدنية والتسامح وحب الحياة وليس الجهل والعنف والتخلف كما يصورها البعض، إفريقيا جزيرة الخير والسلم والأمان، الجزيرة التي لم تصدر الشر يوما إلى أي من العوالم الأخرى رغم التعدي غير المحدود عليها وعلى إنسانها المقاوم الصامد، إنسانها الذي لم يستكين يوما من أجل الحرية والسلام والكرامة، إنها السودان ..



    عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق 04/22/2022



    عناوين المواضيع المنبر العام بسودانيزاونلاين SudaneseOnline اليوم الموافق 04/22/2022



    ناوين المقالات بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق 04/22/2022
























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de