قبل أيام نظمت رئاسة هيئة الأركان بأكاديمية نميري العسكرية ندوة علمية حول (تأثير نظم الحكم في السودان على العلاقات العسكرية المدنية ) و هي محاولة من المؤسسة العسكرية لتهدئة الشعب الغاضب جدا من استمرار تدخلها السافر في السياسة والاقتصاد والعمل التنفيذي لاقناعه بأنها غير راغبة في السلطة ، وهي محاولة لذر الرماد في العيون وعمليه تخدير تشتري بها مزيد من الزمن،فهذه ليست المرة الأولى التي تقول فيها ما يفيد بهذا الأمر ولا تفعل شيء. في الحقيقية العسكر مشكلتهم مع السلطة مشكلة نفسية مزمنة تسيطر على عقلهم الباطني فينعكس الأمر على سلوكهم وحديثهم دون أن يشعروا ،فتاتي تصرفاتهم متناقضة مع أقوالهم ،بل حتى حديثهم العلمي يأتي مؤكدا ومعززا رغبتهم في عدم التخلي عم السلطة حتى ولو ادى الأمر إلى دمار السودان . ندوة أكاديمية نميري أكدت ان المؤسسة العسكرية ليس لديها الرغبة في الخروج من السياسة ،وليست حريصة على التحول الديمقراطي، وظهر ذلك في نقطتين اساسيتين هي خلاصة الندوة كلها. النقطة الاولى تتعلق بعنوان الندوة وهو ( تأثير نظم الحكم في السودان على العلاقات العسكرية المدنية) ،هذا العنوان يُظْهِر القوات المسلحة كمجني عليها وان الأنظمة ورطتها في السلطة ولم تورط نفسها ،وهو كلام غير صحيح تماما لان أغلب الأنظمة التي حكمت السودان هي أنظمة عسكرية نشأت من انقلاب العسكر على الأنظمة المدنية، وحتى وإن كان رأيهم صحيحا فالأمر يعكس ما هو أسوأ ،وهو ضعف القوات المسلحة للدرجة التي تجعلها تخرج عن حيادها واستقلاليتها و تتخلى عن مبادئها وقوانينها وتنجر خلف السياسيون بلا وعي ودون أن تراجع نفسها حتى ولاكثر من نصف قرن من الزمان ، ونحن نعلم أن أي قوات مسلحة مهنية ملتزمة بقيمها بصرامة لن تخرج عن حدودها مهما بلغ التأثير عليها من قبل السياسين وستظل عصية على التورط فيما لا يعنيها إلا بالقدر الذي يعدل الموازين ،لذلك عنوان الورشة نفسه لا يجب أن يكون (تأثير نظم الحكم في السودان على العلاقات العسكرية المدنية) بل يجب أن يكون ( تدخل العسكر في أنظمة الحكم المدنية وأثره على العلاقات العسكرية المدنية) ،و الورطة التي أدخلونا فيها بسبب انقلاب أكتوبر الماضي وبعد الانفراج الذي بدأ يتحقق هو دليل على تمسك العسكر بالسطلة كحق لا يجب أن يؤخذ منهم ،وسبب الانقلاب الاساسي كان اصرار الحكومة المدنية على انسحاب العسكر من مساحاتها .إضافة إلى الرفض العسكري لأي تأثير مدني على الشأن العسكري مع أنه هذا هو الامر الطبيعي والصحي الذي يجب ان يتحقق .
النقطة الثانية هي ما ذكره ممثل المجلس الأعلى لاكاديمية نميري العلمية الفريق ركن منور عثمان نقد،وهو نائب رئيس هيئة الأركان الذي يعكس رؤية المؤسسة العسكرية ، فقد قال إن القوات المسلحة لا تسعى للحكم ، لا في الفترة الإنتقالية ولا بعدها، ودعى مكونات الشعب السوداني للتشاور والتحاور والاتفاق على الثوابت الوطنية لتأسيس حكم ديمقراطي يخدم التحول ،و قال أن القوات المسلحة عينها مفتوحة لأي محاولة إنقلابية، وأنها تدعم خيارات الشعب في الحرية والسلام والعدالة، و أن هناك فرصتين متاحتين له ،هما التوافق أو الانتخابات للخروج من الأزمة، وما لم يقله سيادته هو والا فان القوات المسلحة لن تتنازل عن السلطة ولن تخرج عن السياسة ).
إذا كانت المؤسسة العسكررة لديها الرغبة والقناعة والاستعداد النفسي لتسليم السلطة الى الشعب وحماية التحول ،فإن الأمر لا يحتاج إلى ندوة ولا الى تكرار الكلام من قبل قادة الجيش ، بل يحتاج الى افعال وأن تبدا فورا في التنفيذ على الأقل القيام بما يثبت حسن النوايا ، مثلا تحمل الفترة الانتقالية والتعاون مع السلطة المدنية خاصة وأنها متوقع ان تعاني من مشاكل لبقاء السودان في سجنهم 30سنة وليس ان تنقلب عليها و تتكرر المأساة ،اما الشعب لكي يتفق على الثوابت الوطنية يحتاج اولا إلى حياد العسكر وابتعادهم عن التناصر ببعض الفئات من المجتمع وتفضيلها على الأخرى وعدم التصرف بحماقة وتهور وتشفي كما يفعلون الآن ،ويحتاج إلى أن تبدأ القوات المسلحة الانسحاب من المواقع التنفيذية وتسليم الشعب مفاتيح الاقتصاد التي هي ( سر تمسكهم بالسلطة) إلى الشعب . الاهم من كل ذلك العسكر يحتاج إلى مراجعة جيشهم وتنظيفه من حملة الرتب العليا دون وجه حق وجمع الجيوش المتعددة في جيش واحد له رأس واحد لا ينتشر في الشوارع انابة عن الشرطة،عندما يحدث هذا سيفهم الشعب أن العسكر صادقون فيما يقولون في نواياهم وانهم فعلا سينفذون وعدهم ،ولذلك نقول لا تصدقوهم أنهم متمسكون بالسلطة ومستمرين في دعم كل ما يجعل اتفاق الشعب مستحيلا ،و يريدون فرض الانتخابات في هذا المناخ لأنه سيمكنهم من أن يأتوا بحكومة تابعة لهم مدنية شكلا وعسكرية جوهرا مثل حكومة سيسي مصر .
الندوة التي أقامتها أكاديمية نميري ماهي الا حيلة من حيل العسكر لتغبيش الرؤى فقد تجاهلت مشكلتهم الحقيقية مع التحول المدني ،وهم لن يخرجوا من السياسة إلا إذا تغيرت قناعاتهم وعقليتهم التي لا تؤمن إلا بالعسكر ولو كانوا على باطل ،وهذا أمر لا يتحقق إلا بتبني الجيش نهج تغيير ثوري يعيد بناء الجيش على اسس سليمة ،وهذا لا يمكن أن يقوم به قادته الحاليين لأسباب تعرفونها جميعا.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق 03/22/2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة