عمد مناصرو الدولة القديمة من أصحاب الحظوة في الفساد السياسي فيها إلى استقطاب الإدارات الأهلية للتحالف من اجل إرجاع دولتهم -دولة الحزب الواحد والدين الواحد والثقافة الواحدة- عبر الرهان على العسكر، لإيقاف تقدم مشروع دولة المواطنة المتساوية وسيادة القانون الذي ابتدرته ثورة ديسمبر المجيدة، وآمن به ثوراها الأشاوس. وقوى الردة إذ تعمل عقلها -الخرب - لم تهتدي سوى إلى السبل القديمة -وإن حاولت المحاكاة المضحكة لثوار ديسمبر- والتي من ضمنها التحشيد الشعبوي والاستنفار العقائدي. ومما طفا على السطح مؤخراً امتعاض بعض الشرفاء من استغلال "مشروع إرجاع دولة الفساد" لأسماء القبائل ونصب خيم باسم رجال الإدارة الأهلية في اعتصامهم المتآمر على الثورة، وذلك الامتعاض مرده تعويل هؤلاء الوطنيين على حياد الإدارات الأهلية لقوميتها، وهو رأي وجيه، ولكني شخصياً اختلف مع هذا التوجه الذي يقر بالسلطة السياسية لمؤسسة القبيلة في وجود سلطة الدولة الكافية والمعتبرة على جميع أفراد المجتمع. في ظل الدولة الحديثة فإن الإدارة الأهلية للقبائل بلا أي رمزية قومية في ظل وجود الهوية الوطنية للجامعة واعتبار هوية المواطنة وبالتالي فهي إدارات لمؤسسات خاصة مثلها مثل الهيئات والشركات الخاصة أو أي مؤسسة خاصة أخرى، بحيث لا تتعدى الأفعال الصادرة من هذه المؤسسات الإطار المحدود لها ككيانات بلا أي سلطة قومية، او تمثيل نيابي لمجموعة من أفراد الشعب، لأن الشعب لم ينتخب أي عمدة أو ناظر قبيلة وإنما ورثوا سلطاتهم بالميلاد، في ظل واقع ولى فيه "الامتياز بالولادة" بلا رجعة. ابتداءً، يجب التفريق بين التكوينات الاجتماعية متمثلة في منظومة المُثل التاريخية والثقافية للشعوب السودانية -وهو ارث اجتماعي يرمز للهوية الأصيلة للمجموعات المكونة للدولة في اطار الهوية الوطنية الجامعة- والتي يجب على الدولة رعايتها وإثرائها وحسن إدارتها بما يحقق التعايش السلمي والسلام الاجتماعي بين مكونات أبناء الوطن المختلفة، وبين السلطة السياسية للكيانات العرقية المسماة بالإدارة الأهلية او " سلطة القبيلة" بحيث أن الأخيرة أُبطلت عملياً بعد التسليم بسيادة سلطة الدولة والاعتقاد بالهوية الوطنية التي اقرآها الدستور، فأصبحت التسميات العرقية والتقسيمات العشائرية لا تتعدى أدوارها الاجتماعية كرموز ثقافية شرفية. ليس للقبيلة أي لازمة فيما يتعلق بالسلطة السياسية أو التمثيل النيابي وإنما ينحصر دورها في نطاق الأثراء الثقافي للوجدان القومي وأنماط العيش وبالتالي فإن انحياز ملاك الإدارات القبلية بالوراثة لا يمثل إلا انفسهم حيث أني لا اجد له أي اثر في الفضاء العام ،فالشارع العام لم يتأثر بميلهم او اعتزالهم وذلك يوضح حقيقة عطب فاعليتهم السياسية وأن الزمن قد تعداهم للأبد، وعليه فأي إعلان رسمي بإسم إدارة القبيلة يبقى فعل محدود وشاذ فرضته الحالة الراهنة من عدم النضوج الوطني الذي تعيشه الدولة عندما لم تتمكن بعد من تجريد السلطة لهذه المؤسسات، لصالح أجهزتها الرسمية، وحتى في هذه الحالة تظل الحقيقة هي بأن هذه الواجهات لا تمثل سوى مصالح سدنتها من مُلاك هياكل الإدارة الأهلية وربائبهم. الخيم المنصوبة بإسم القبائل في ساحة اعتصام القصر هي محمدة وشيء في عموم تأثيره خير كثير، لأنه يضعف من نفوذ السلطة المغُتصبة لسادة نادي الإدارة الأهلية، عبر سلبهم بعض من الولاء الوجداني للمعارضين لتوجههم السياسي وفضح ارتزاقهم، مما يصب في مشروع تقويض السلطة السياسية للقبيلة الذي يجب أن تتبناه دولة المواطنة وسيادة القانون المرتجاة، أو بتعبير الثورة " الدولة المدنية" ، ولحسن الحظ فدائماً ما يقوم فلول الدولة القديمة بخدمة مشروع الدولة المدنية من حيث لا يحتسبون ، وذلك بإصرارهم على ممارسة الحيل القديمة في الفساد وتقويض القانون والتي هي بمثابة مناورة مكشوفة تبدو مضحكة اكثر منها مؤسفة في عيون جيل الثورة الحالي والذي يؤمن إيمان المجرب بمشروعه السياسي الذي يضمن له الحرية والرفاهية، في ظل دولة المواطنة والقانون. مناورات الجيش وانصار الدولة القديمة هي بمثابة مصل ضد الانتكاس للثوار الحادبين على بناء "السودان الجديد" عبر الهتاف السلمي والاستحقاق الدستوري المتمثل في أبدية التبادل السلمي للسلطة بين تكوينات الشعب وفئاته المختلفة عبر معيار متساوي اسمه "المواطنة" ولذلك نرى في كل يوم تتقوى الشوارع بمثل هذه المحاولات الفاشلة لأساطين "السودان القديم" للالتفاف على بناء دولة القانون والانتقال الديمقراطي. وعوداً الى ذي بدء فإن تقويض السلطة السياسية للقبلية هي ضرورة لازمة لتجفيف منابع التمييز العرقي والثقافي من أجل قيام دولة المواطنة، وإن تعرية قادة الإدارة الأهلية لأنفسهم عبر بذل الولاء السياسي لمؤسسات الدولة القديمة وحواضن الرؤى الأحادية لإنعاش دولة الانحياز والتمييز والفساد المبادة بدماء ثوار ديسمبر ، هو خدمة مجانية يقدمها نقباء مؤسسة القبيلة في سبيل القضاء على سلطتهم المغتصبة لصالح سلطة الدولة، دولة القانون والمواطنة المتساوية.
تلبو مواضيع سابقة كتبها محمد دهب تلبو فى سودانيز اون لاين
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة