فى اللغة العربية قد يكون للكلمة الواحدة أكثر من معنى وأستخدم كلمة معطوبة فى هذا المقال إستخداماً مجازياً بمعنى العاطلة أو المعطلة وغير قادرة على الحركة و تعنى (الحكومة المعطوبة) تلك التى لا تقدر على إتخاذ وإنفاذ القرارات الرشيدة والعادلة التى تقود إلى الوصول إلى مقاصد إدارة الدولة بفاعلية وكفاءة وسرعة ولأن إدارة الدولة تقوم على إتخاذ وتنفيذ القرارات ،فإن أية حكومة تعتبر (معطوبة) إذا كانت لا تملك القدرة أو الشجاعة والجرأة على إتخاذ القرارات الرشيدة والعادلة وتنفيذها بالسرعة المعقولة (وأكرر القدرة والشجاعة والجرأة والسرعة المعقولة وبدون كر أرجل dragging of feet كما يقول أهلنا فى غرب السودان). وربما يعرف القارئ الكريم أن المقاصد الأساسية لإدارة أية دولة برشد وعدل، هى كما كتبت فى أكثر من مقال: أولاً حفظ أمن وسلامة أرواح الناس و أعراضهم و أموالهم وبيئتهم التى يعيشون فيها. وثانياً إقامة العدل وإعطاء كل ذى حق حقه وحماية الضعيف من تعدى القوى ( بما فى ذلك الحكومة نفسها) بواسطة القوانين والقضاء المستقل و العادل و الفاعل و معقول التكاليف. وثالثاً تسهيل وتنظيم تدبير المعايش لتوفير الحياة الكريمة لكل الناس بواسطة إستقرار أسعار السلع و الخدمات و إتاحة فرص العمل المنتج وإتاحة التعليم و الرعاية الصحية و رعاية الفئات الضعيفة مثل ذوى الإعاقة والذين لا راعى لهم من الأيتام والأرامل والمرضى وكبار السن. و تقوم السلطة الحاكمة فى الدولة و خاصة الأجهزة التشريعية بمخاطبة المقاصد أو المصالح العامة المذكورة أعلاه عن طريق: أولاً إصدار القوانين التى تنظم سلوك الناس السياسى و الإقتصادى و الإجتماعى و الثقافى الخ والتى تنطبق على الجميع الغنى و الفقير و الحاكم و المحكوم. وعندما ينشأ نزاع بين الناس يلجأون إلى القضاء المستقل ليقوم بفض النزاعات وفق ما تنص عليه تلك القوانين. وهذا ما يعرف بسيادة حكم القانون. وثانياً تقوم السلطة الحاكمة بمخاطبة المقاصد العامة المذكورة أعلاه عن طريق أخذ المال من جيوب المواطنين وصرفه على أجهزه حفظ الأمن مثل الجيش والشرطة والإستخبارات وعلى الأجهزة العدلية وعلى البنيات التحتية الضرورية لإنتاج و تبادل السلع و الخدمات مثل مواعين تخزين المياه و الطرق و الكهرباء الخ وصرف المال على خدمات التعليم و العلاج ورعاية الضعفاء( وليس صبه فى جيوب المتمكنين والمناسيب والمحاسيب كما تفعل نظم الحكم الإستبدادية ).وقد عانى السودان خلال سنوات الحكم الديمقراطى بما فى ذلك الحكم الإنتقالى الحالى (نظام ثورة ديسمبر2018 ) من عطب الحكومات التى تقوم على الإئتلاف أو المحاصصات الحزبية .وكانت المشاكسة والنزاع والميل إلى الخلاف والإختلاف هى السمة الرئيسية لتلك النظم. وقد قلت فى مقالى بعنوان ( فى البحث عن طريق إلى الإستقرار السياسى فى السودان ) إن نظام الحكم الذى يقوم على التمثيل النيابى على النمط الغربى وعلى إئتلاف الأحزاب والمحاصصة الحزبية فى توزيع الكراسى قد فشل فى تحقيق الإستقرار السياسى وفشل فى مخاطبة هموم وتطلعات المواطنين السودانيين بسبب عوامل عديدة فى مقدمتها تحديات الندرة (أو عجز الموارد البشرية والمالية المتاحة عن تلبية تطلعات المواطنين ) وعدم وجود حزب سياسى يحظى بتأييد أغلبية الشعب السودانى وبسبب الإستقطاب الحاد الذى نعيشه فى جميع جوانب حياتنا؛ إستقلاليون وإتحاديون ،وأنصار وختمية،ويمين إسلامى متطرف يقابله يسار إشتراكى متطرف، وغرابة وجلابة، وهلال ومريخب إلخ وإفتقار كل الأحزاب للكوادر ذات القدرات الإدارية العالية وطغيان الولاء القبلى على الولاء الوطنى. وربما يتذكر القراء ما كتبه المرحوم ،الذى نرجو من الله أن يمن عليه بالمغفرة والرحمة، البروفسير الطيب زين العابدين أستاذ مادة العلوم السياسية بجامعة الخرطوم عن (الديمقراطية التوافقية). وهذا الواقع الذى لا يستطيع أى مكابر أن ينكر تعقيداته ولا يستطيع السودان القفز فوقه كما أثبتت تجارب الماضى والحاضر القريب ؛ هذا الواقع المعقد يتطلب من الجميع البحث عن طريق يؤدى إلى الإستقرار وإلى فاعلية وكفاءة الحكومة بدل النهيق والحديث الأجوف عن (المدنية).وإذا ما قام اليوم القارئ الكريم بقراءة نصوص المادة رقم(8) من الوثيقة الدستورية لعام 2019 التى تتحدث عن مهام أجهزة الدولة فى الفترة الإنتقالية ، قراءتها بهدوء وعمق، سوف يجد ان جل تلك المهام تقع على عاتق المكون المدنى فى الحكومة ولكن ماذا أنجزمنها ؟وأقول أنجز القليل لأن قوى إعلان الحرية والتغيير كانت وما إنفكت تشاكس بعضها وتشاكس الحكومة التى تدعى إنها حاضنتها. وجعلت منها حكومة معطوبة.وإلى حين العثور على طريق آمن يقود إلى الإستقرار وفاعلية وكفاءة الحكومة، يجب إسكات أصوات المراهقين سياسياً الذين يطالبون بفض الشراكة بين المدنيين والعسكريين فى إدارة الدولة أثناء فترة الإنتقال. والمطلوب فى تقديرى هو تعضيد الشراكة بين المدنيين والعسكريين والأكثرية والأقليات فى إدارة الدولة لتكون شراكة حقيقية. ولكن ماذا أعنى بالشراكة الحقيقية؟ أن يكون للجميع دور فاعل فى إدارة الدولة: وتعنى الشراكة كما يعرف القارئ الكريم أن يكون لكل من الشركاء نصيب فى الشئ موضوع الشراكة ويعطيه ذلك النصيب حق المشاركة فى الإدارة وهى إتخاذ وتنفيذ القرارات.ويتطلب نجاح الشراكة وبالضرورة المساواة بين الشركاء والعدل بينهم.وأقول فى هذا المقال وأعيد القول إن الإستقرار السياسى فى السودان يستوجب الشراكة الحقيقية بين المدنيين والعسكريين وبين الأكثرية والأقليات فى إدارة الدولة السودانية بأن يكون لكل طرف وجود عادل ومؤثر وفاعل فى كل مؤسسات ومراكز إتخاذ وتنفيذ قرارات الوصول إلى مقاصد إدارة الدولة الرشيدة والعادلة. وما حدث و يحدث اليوم فى مخاطبة القضايا الداخلية وفى العلاقة مع العالم الخارجى بعيد جداً من الشراكة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة